في ظل استمرار حالة الجمود السياسي في المشهد الليبي تأتي الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في العاصمة الألمانية "برلين" بخصوص الملف الليبي ليطرح تساؤلات عن أهداف الخطوة ومدى نجاحها في تحريك المياه الراكدة في ليبيا.

ومن المقرر أن يعقد مؤتمرا دوليا الجمعة في برلين يحضره سفراء ووزراء خارجية الدول الكبرى: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بجانب تركيا ومصر والإمارات والجزائر وتونس وبحضور المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه.



"مسار سياسي شامل"
ويهدف المؤتمر الدولي الذي يأتي تحت مسمى "برلين 3" برعاية البعثة الأممية لدى ليبيا إلى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تصل إلى مرحلة الانتخابات في ظل تعثر الخطوات المحلية في الوصول إلى توافقات تدفع نحو أية عملية انتخابية قريبا.

ويأتي المؤتمر بعد أيام قليلة من إعلان البعثة الأممية للمخرجات النهائية التي توصلت إليها اللجنة الاستشارية المنبثقة عن بعثة الأمم المتحدة، ما قد يحمل في طياته محاولات أممية لحشد موقف دولي داعم لهذه المخرجات التي لم تطرح حتى الآن على مجلسي النواب والدولة.


وشهدت العاصمة الألمانية برلين اجتماعين دولين سابقين تحت مسمى برلين 1 وبرلين 2 الأول عقد بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير 2020 بمبادرة من المستشارة الألمانية وقتها، أنجيلا ميركل، وخلص إلى ضرورة وقف التصعيدات والحروب والوصول إلى تسوية شاملة.

كما عقد المؤتمر الثاني بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2021، وانتهى بتوافقات حول ضرورة وضع خارطة طريق وجدول زمني للعملية الانتخابية في البلاد، لكن أيا من الاتفات لم تنفذ وتم الالتفاف حولها واختراقها ودخلت البلاد في حالة اقتتال لأكثر من مرة.

والسؤال الآن: ما الجديد الذي سيقدمه مسار "برلين 3" للمشهد في ليبيا؟ وما علاقته بالانتخابات ومخرجات اللجنة الاستشارية؟

"دور تركي مصري واضح"
من جهته، أكد عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا وعضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد لنقي أن "اجتماع برلين هو اجتماع غير رسمي يهدف إلى بناء توافق دولي بعد أن عجز الليبيون حول كيفية المضي قدمًا لبناء دولتهم.  ومن أسس اجتماع برلين وضع  جدول أعمال، وتحديد الأعضاء المشاركين في عملية برلين".

وأوضح في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أنه "حتى الآن لم تُحدد عدد الدول المشاركة، لكن من المحتمل  دعوة دول لها مصالح إقليمية مشتركة، ومن الجانب الليبي، سيتم دعوة ممثل عن القيادة العامة برئاسة المشير حفتر واحتمال كبير دعوة ممثل عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، وكثير من الأمور لم تحسم بعد".

وتابع: "هذا يعطي مؤشرا أن المسار المصري-التركي له اليد العليا حاليًا، وأن القرار الأميركي بخصوص ليبيا غير واضح نظرا للتطورات التي تشهدها المنطقة حاليا، والمؤكد أنه لا مجال في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية انشاء مجلس تأسيسي كما تداولت أنباء"، وفق قوله.


"فشل وتعميق للأزمة"
في المقابل، رأت عضو هيئة صياغة الدستور الليبي، نادية عمران أن "مؤتمر برلين القادم سيكون نسخة مكررة كسابقاته ولن يحمل أي حل حقيقي وواقعي للأزمة في ليبيا، وأن هذه الاقتراحات "الملغمة" التي خرجت بها اللجنة الاستشارية ترسخ لمزيد من الانقسامات والخلافات".

وأشارت خلال تصريحها لـ"عربي21" إلى أن "تدخل مصر وتركيا يدل على التدخل الواضح في الشأن الليبي، مما سيدخل البلاد في مراحل متطورة من تعميق الشرخ والمناكفات التي لن تفضي لأي نتيجة في نهاية المطاف، والبعثة الأممية تدرك ذلك جيدا لكنها تستمر في إدارة الأزمة وليس حلها"، وفق تقديراتها.

وأضافت: "الحل لن يكون سوى ليبي عبر اعتماد أساس دستوري يستقي شرعيته من الليبيين وتجرى استنادا عليه انتخابات رئاسية وتشريعية"، كما صرحت.

"فرصة لتصحيح المسار"
المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد السلاك رأى من جانبه أن "برلين 3 ربما يأتي في سياق محاولة لإعادة الزخم الدولي إلى المسار السياسي الليبي عبر توحيد مواقف القوى الدولية متضاربة المصالح ودفع الأطراف الليبية نحو تنفيذ الاستحقاقات المؤجلة، خصوصًا الانتخابات وتوحيد المؤسسات".

وقال إنه "بحسب ما رشح من معلومات (غير مؤكدة حتى الآن) فإن لجنة الستين قد تُطرح كإطار جامع يعكس تمثيلًا متوازنًا للطيف الليبي ككل وتعني بإعادة النظر في القواعد الدستورية والتحضير للانتخابات، بشرط التوافق حول تشكيلها وصلاحياتها ومدى قابلية الأجسام التشريعية التعاون معها في هذا الإطار في ظل تمسك مجلسي النواب والدولة بمخرجات لجنة 6+6 وبدورهما في العملية السياسية والدستورية المنصوص عليه في الاتفاق السياسي الموقع فى الصخيرات"، حسب كلامه.

وحول الصدام مع مبادرة البعثة الأممية قال: "المسار حتى الآن يُعلن أنه مكمل لعمل البعثة وليس مناقضًا لها ولا لعمل اللجنة المنبثقة عنها باعتبارها لجنة فنية استشارية قدمت جملة من المقترحات فقط دون أي أدوات أو صلاحيات تمكنها من ترجمتها إلى خطوات عملية بيد أنه من الأهمية التنسيق ووضوح الرؤية وعدم ازدواجية الأدوار".


"ما الجديد في المؤتمر؟"
وأشار السلاك خلال حديثه لـ"عربي21" إلى أن "حضور القاهرة وأنقرة يعكس إدراكًا دوليا لأهمية فاعلان مؤثران إقليميا يحملان ثقلا استراتيجيا كبيرا في المنطقة وتكامل دورهما فى الملف الليبي سينعكس إيجابا للدفع باتجاه حل ليبي ليبي شامل"، وفق رأيه.

وتابع: "نجاح برلين 3  مرهون بالالتزام الجاد من جميع الأطراف وقد يشكل فرصة لتصحيح المسار، لكن دون آليات دولية صارمة ومساءلة واضحة ومتابعة جادة لالتزام الأطراف كافة بما سينبثق عنه من مخرجات سيتكرر التعثر ويستمر الدوران فى حلقة مفرغة.

وختم حديثه بالقول: "الجديد في المؤتمر حتى ساعة كتابة هذه السطور هو طرح لجنة الستين الذي لم تتكشف تفاصيله الكاملة بعد، وكذلك عودة الزخم الدولي للملف الليبي بعد سنوات من الإهمال"، حسب تصريحاته.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ليبيا البعثة الأممية الانتخابات ليبيا الانتخابات البعثة الأممية مؤتمر برلين 3 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البعثة الأممیة فی لیبیا حتى الآن برلین 3

إقرأ أيضاً:

جنوبٌ يتسع كل عام ونوارس لا تخشى الجمر

تبدو الرحلة إلى محافظة ظفار جوا رحلة عائلية، حتى وإن كنت تسافر وحيدا. الأطفال يركضون ويصرخون في كل صوب وحدب، الحقائب التي لا تراها إلا في البيوت تسافر أيضا، كل شيء في رحلة الذهاب إلى الجنوب يبدو كما لو كنت في بيت الجدة، لكنه بيت يطير في السماء.

محافظة ظفار لم تكن خضراء هذه المرة، ليس لأنني زرتها في منتصف يوليو حيث المكان يأخذ في الاخضرار بالتدريج وليس لأن الروابي الخضراء غبراء، ولكن لم يحدث قط في مواسم الخريف الماضية أن دخلنا قلاعا أو حصون أو بيوتا تراثية. فكان اللون الأغبر للمباني القديمة وسط الاخضرار سحره الخاص، وأرض الجنوب أكثر من مجرد روابٍ خضراء.

إذا كنت اتخذت من الخريف عادة سنوية، ولكنك رغم ذلك تطأ مرباط للمرة الأولى، فما الذي كنت تفعله طوال السنوات الماضية؟! لا أعرف في الحقيقة، لكني عندما وضعت جدول الرحلة فكرت أن أخصص اليوم الأول لمكان أزوره أول مرة، أما الأماكن المعتادة فوضعتها في ذيل القائمة. ماذا يعني أن تضع جدول الرحلة؟! أن تقود الرحلة دون أن تكون خلف مقود القيادة.

في الظهيرة الغائمة كان حصن مرباط يقف وحيدا، بينما يحج الناس إلى مطعم الجعيدي. مبخر لبان وتمر وقهوة عند مدخل الحصن، وفي السطح: مرباط، المباني القديمة والآثار التاريخية، كان رائعا أن تُركَت أنقاض البيوت المتهدمة على ما هي عليه، كالبيت القديم الذي يواجه بحر مرباط، سقط كل مافيه عدا نافذة وحيدة، تجعلك تشك لوهلة أن طريقة تداعي ذلك البيت كان مخططا لها، وإلا لمَ يسقط كل شيء وتبقى النافذة؟ في النهاية وأنت تغادر مرباط القديمة تدرك أنها للمشي وليست للتجول راكبا في سيارة. بعد حصن مرباط وفي أيام متفرقة زرنا حصن طاقة، وبيت كوفان وبرج العسكر، ألا يبدو الأخيران كأسماء خرجت من رواية ما؟!

النوارس في مرباط لا تشبه نوارس مطرح إلا في شكلها، وأظن أن الطيور أو الحيوانات في الأماكن ذات الأجواء اللطيفة تختلف في سلوكها عن طيور وحيوانات الأماكن الحارة حتى لو كانت من الفصيلة نفسها، كسناجب أدنبرة الودودة، والسناجب التي تقطن شاطئ السيب لتقطع أسلاك الكهرباء، تبدو النوارس في مرباط أكثر تآلفا مع الناس، تقترب بلا خوف وتشاركك طعامك وتكاد تحط فوق رأسك وحتى شوّايتك دون أن تخاف من الجمر. نوارس "خيصة دخيذيل" -التي يأتيها قلة من الناس- تقيم حفلة صاخبة وهي تحوم حولك، من يدري ؟ لعلها اكتسبت ذلك من هواء مرباط الذي لا يهدأ.

لا يذهب كثر إلى ضلكوت، بعيدة وطريقها ملتوية يمكن وصفها مبالغةً بالأفعوانية، زرت هذه المدينة مرتين هذه المرة، لسببين: الأول أننا أضعنا الطريق المؤدي إلى شاطيء الفزايح والثاني أننا لم نعرف أين يكون شاطيء عفول المخفي كما يقولون. أحب الجبل أكثر من البحر، لذلك كان مستحيلا أن أفوت جبلا يحتضن بحرا ، وأي بحر؟! بحر العرب.

في الطريق إلى "شاطيء الفزايح"، أوقفتنا عائلة هندية وطلبوا أن يرافقونا إلى المكان، كانت السيدة الحيدرابادية غاية في الحماس، واكتشفتُ أن الأماكن التي نزورها أول مرة تخلق حماسا مضاعفا إذا زرتها مع أشخاص جدد أيضا.

كان اليوم الذي زرنا فيه أشجار التبلدي العملاقة وعين حشير مشمسا بما يكفي لشيّ بعير، الشمس وحدها أكبر متحكم بالمزاج العام في محافظة ظفار، لكن المسار الجبلي باتجاه الأشجار العملاقة كان باردا قليلا بفضل الظلال، ولأن الرذاذ لم يلامس كثيرا تلك البقعة التي تسكنها الأشجار العملاقة كان المسار جافا، وسهلا للوصول إلى النهاية حيث الأشجار تزداد حجما كلما توغلت -حسب ما قيل لي-، لكني لم أكمل لأن رجلا كان يقف عند بداية المسار قال لي: "شي ثعابين داخل حافلي عمرك"، لكن ما أحسست به في منتصف المسار لم يكن حفيفا بل عواء.

في كل عام تبدو محافظة ظفار كأرض تتوسع، كيف يمكن أن يكون هناك مكان جديد نسمع عنه لأول مرة كل عام؟! هكذا خطر ببالي كل أولئك الذين قرروا أن يسافروا لأوروبا أو شرق آسيا، متخلين عن عادتهم السنوية فقط لأنهم ملوا من الأماكن نفسها كل عام.

مقالات مشابهة

  • المرور: التصرف الصحيح لحظة انفجار الإطار المفاجئ يساهم بالحفاظ على السلامة
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ
  • في مؤتمر دولي ببنغازي.. حماد ينتقد سياسات أوروبا تجاه الهجرة غير النظامية
  • جولات مكوكية للمبعوثة الأممية في ليبيا.. هل تنجح بحشد الدعم لخارطة الطريق؟
  • وزارة الخارجية: من الآن فصاعدا التأشيرات التي تُمنح لحاملي جوازات السفر الفرنسية الدبلوماسية ستخضع لنفس الشروط التي تفرضها فرنسا
  • فوز باحثة عمانية بجائزة "أفضل ورقة نظرية" في مؤتمر دولي
  • جنوبٌ يتسع كل عام ونوارس لا تخشى الجمر
  • تحريك أسعار خدمات مستشفيات الصحة النفسية.. ننشر القائمة كاملة
  • مستشار الهيئة العليا للتنمية الاقتصادية في سوريا الدكتور أيمن حموية في مؤتمر صحفي بعد توقيع مذكرات التفاهم الاستثمارية مع عدد من الشركات الدولية: يتم التركيز على المشاريع التي تمس حياة المواطن، وهناك تنسيق مع كافة الوزارات والمحافظات للانتهاء من الدراسات