مؤتمر دولي في برلين بخصوص ليبيا.. هل يساهم في تحريك الجمود السياسي؟
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
في ظل استمرار حالة الجمود السياسي في المشهد الليبي تأتي الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في العاصمة الألمانية "برلين" بخصوص الملف الليبي ليطرح تساؤلات عن أهداف الخطوة ومدى نجاحها في تحريك المياه الراكدة في ليبيا.
ومن المقرر أن يعقد مؤتمرا دوليا الجمعة في برلين يحضره سفراء ووزراء خارجية الدول الكبرى: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بجانب تركيا ومصر والإمارات والجزائر وتونس وبحضور المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه.
"مسار سياسي شامل"
ويهدف المؤتمر الدولي الذي يأتي تحت مسمى "برلين 3" برعاية البعثة الأممية لدى ليبيا إلى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تصل إلى مرحلة الانتخابات في ظل تعثر الخطوات المحلية في الوصول إلى توافقات تدفع نحو أية عملية انتخابية قريبا.
ويأتي المؤتمر بعد أيام قليلة من إعلان البعثة الأممية للمخرجات النهائية التي توصلت إليها اللجنة الاستشارية المنبثقة عن بعثة الأمم المتحدة، ما قد يحمل في طياته محاولات أممية لحشد موقف دولي داعم لهذه المخرجات التي لم تطرح حتى الآن على مجلسي النواب والدولة.
وشهدت العاصمة الألمانية برلين اجتماعين دولين سابقين تحت مسمى برلين 1 وبرلين 2 الأول عقد بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير 2020 بمبادرة من المستشارة الألمانية وقتها، أنجيلا ميركل، وخلص إلى ضرورة وقف التصعيدات والحروب والوصول إلى تسوية شاملة.
كما عقد المؤتمر الثاني بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2021، وانتهى بتوافقات حول ضرورة وضع خارطة طريق وجدول زمني للعملية الانتخابية في البلاد، لكن أيا من الاتفات لم تنفذ وتم الالتفاف حولها واختراقها ودخلت البلاد في حالة اقتتال لأكثر من مرة.
والسؤال الآن: ما الجديد الذي سيقدمه مسار "برلين 3" للمشهد في ليبيا؟ وما علاقته بالانتخابات ومخرجات اللجنة الاستشارية؟
"دور تركي مصري واضح"
من جهته، أكد عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا وعضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد لنقي أن "اجتماع برلين هو اجتماع غير رسمي يهدف إلى بناء توافق دولي بعد أن عجز الليبيون حول كيفية المضي قدمًا لبناء دولتهم. ومن أسس اجتماع برلين وضع جدول أعمال، وتحديد الأعضاء المشاركين في عملية برلين".
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أنه "حتى الآن لم تُحدد عدد الدول المشاركة، لكن من المحتمل دعوة دول لها مصالح إقليمية مشتركة، ومن الجانب الليبي، سيتم دعوة ممثل عن القيادة العامة برئاسة المشير حفتر واحتمال كبير دعوة ممثل عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، وكثير من الأمور لم تحسم بعد".
وتابع: "هذا يعطي مؤشرا أن المسار المصري-التركي له اليد العليا حاليًا، وأن القرار الأميركي بخصوص ليبيا غير واضح نظرا للتطورات التي تشهدها المنطقة حاليا، والمؤكد أنه لا مجال في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية انشاء مجلس تأسيسي كما تداولت أنباء"، وفق قوله.
"فشل وتعميق للأزمة"
في المقابل، رأت عضو هيئة صياغة الدستور الليبي، نادية عمران أن "مؤتمر برلين القادم سيكون نسخة مكررة كسابقاته ولن يحمل أي حل حقيقي وواقعي للأزمة في ليبيا، وأن هذه الاقتراحات "الملغمة" التي خرجت بها اللجنة الاستشارية ترسخ لمزيد من الانقسامات والخلافات".
وأشارت خلال تصريحها لـ"عربي21" إلى أن "تدخل مصر وتركيا يدل على التدخل الواضح في الشأن الليبي، مما سيدخل البلاد في مراحل متطورة من تعميق الشرخ والمناكفات التي لن تفضي لأي نتيجة في نهاية المطاف، والبعثة الأممية تدرك ذلك جيدا لكنها تستمر في إدارة الأزمة وليس حلها"، وفق تقديراتها.
وأضافت: "الحل لن يكون سوى ليبي عبر اعتماد أساس دستوري يستقي شرعيته من الليبيين وتجرى استنادا عليه انتخابات رئاسية وتشريعية"، كما صرحت.
"فرصة لتصحيح المسار"
المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد السلاك رأى من جانبه أن "برلين 3 ربما يأتي في سياق محاولة لإعادة الزخم الدولي إلى المسار السياسي الليبي عبر توحيد مواقف القوى الدولية متضاربة المصالح ودفع الأطراف الليبية نحو تنفيذ الاستحقاقات المؤجلة، خصوصًا الانتخابات وتوحيد المؤسسات".
وقال إنه "بحسب ما رشح من معلومات (غير مؤكدة حتى الآن) فإن لجنة الستين قد تُطرح كإطار جامع يعكس تمثيلًا متوازنًا للطيف الليبي ككل وتعني بإعادة النظر في القواعد الدستورية والتحضير للانتخابات، بشرط التوافق حول تشكيلها وصلاحياتها ومدى قابلية الأجسام التشريعية التعاون معها في هذا الإطار في ظل تمسك مجلسي النواب والدولة بمخرجات لجنة 6+6 وبدورهما في العملية السياسية والدستورية المنصوص عليه في الاتفاق السياسي الموقع فى الصخيرات"، حسب كلامه.
وحول الصدام مع مبادرة البعثة الأممية قال: "المسار حتى الآن يُعلن أنه مكمل لعمل البعثة وليس مناقضًا لها ولا لعمل اللجنة المنبثقة عنها باعتبارها لجنة فنية استشارية قدمت جملة من المقترحات فقط دون أي أدوات أو صلاحيات تمكنها من ترجمتها إلى خطوات عملية بيد أنه من الأهمية التنسيق ووضوح الرؤية وعدم ازدواجية الأدوار".
"ما الجديد في المؤتمر؟"
وأشار السلاك خلال حديثه لـ"عربي21" إلى أن "حضور القاهرة وأنقرة يعكس إدراكًا دوليا لأهمية فاعلان مؤثران إقليميا يحملان ثقلا استراتيجيا كبيرا في المنطقة وتكامل دورهما فى الملف الليبي سينعكس إيجابا للدفع باتجاه حل ليبي ليبي شامل"، وفق رأيه.
وتابع: "نجاح برلين 3 مرهون بالالتزام الجاد من جميع الأطراف وقد يشكل فرصة لتصحيح المسار، لكن دون آليات دولية صارمة ومساءلة واضحة ومتابعة جادة لالتزام الأطراف كافة بما سينبثق عنه من مخرجات سيتكرر التعثر ويستمر الدوران فى حلقة مفرغة.
وختم حديثه بالقول: "الجديد في المؤتمر حتى ساعة كتابة هذه السطور هو طرح لجنة الستين الذي لم تتكشف تفاصيله الكاملة بعد، وكذلك عودة الزخم الدولي للملف الليبي بعد سنوات من الإهمال"، حسب تصريحاته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ليبيا البعثة الأممية الانتخابات ليبيا الانتخابات البعثة الأممية مؤتمر برلين 3 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البعثة الأممیة فی لیبیا حتى الآن برلین 3
إقرأ أيضاً:
ما هو أفق الصراع بين تصحيح المسار والاتحاد؟
بصرف النظر عن تناقض المواقف من الدور النقابي والسياسي للاتحاد العام التونسي للشغل بعد بناء ما يُسمّى بالدولة الوطنية، أي الدولة-الأمة المتأسسة على السردية البورقيبية، وبصرف النظر عن دور الاتحاد أو موقعه الوظيفي في منظومة "الاستعمار الداخلي" قبل الثورة وبعدها، فإنه من الصعب أن نجادل بعد الثورة في أهمية هذا الجسم النقابي داخل كل الاستراتيجيات الهادفة إلى إضفاء الشرعية على السلطة، خاصة شرعية حكومة الكفاءات ومن بعدها حكومات النداء وشقوقه ، وأخيرا شرعية "تصحيح المسار"، أو التشكيك في تلك الشرعية والدعوة إلى إعادة هندسة المشهد العام بعيدا عن الإرادة الشعبية وصناديق الاقتراع، خاصة التشكيك في شرعية المجلس التأسيسي وحكومة الترويكا، بل التشكيك في عشرية الانتقال الديمقراطي برمتها.
وقد لعب الاتحاد دورا كبيرا في التمهيد لـ"تصحيح المسار" وإنضاج الشروط الموضوعية والنفسية لنجاحه. ولكنّ الاتحاد الذي تحرك دائما بمنطق "الشريك الاجتماعي" للسلطات المتتابعة منذ الاستقلال وجد نفسه مقصيا من أي موقع داخل السلطة الجديدة، بل مقصيا حتى من "الحوار" مع نظام كان هو من أول المدافعين عنه والمسفّهين لعقول خصومه حتى لو كانوا من "العائلة الديمقراطية".
رغم تدهور العلاقة بين المركزية النقابية والسلطة، فإن قيادات الاتحاد حاولت دائما أن لا تنقطع "شعرة معاوية" بينهما، فاختارت التخلي التدريجي عن منطق التغول الذي طبع مواقفها من السلطات القائمة قبل 25 تموز/ يوليو 2021، وهو منطق يتأسس على مفهوم "الدور الوطني" لهذا الجسم النقابي، أي حق الاتحاد تاريخيا في لعب دور سياسي يتجاوز مستوى التفاوض النقابي/المطلبي. وإذا كان الاتحاد غير قادر نظريا على التنكر لشعار "الدفاع عن الحريات والحقوق"، فإنه واقعيا قد حصر تلك الحقوق والحريات في أهمها من منظور نقابي صرف، أي "الحق النقابي والحق في التفاوض من أجل الزيادات في الأجور ومكسب الحوار الاجتماعي"، كما جاء في صحيفة "الشعب نيوز" الناطقة باسم المركزية النقابية.
ولكنّ "شعرة معاوية" تفترض وجود إرادتين متقابلتين ستنجحان في عدم قطع "الشعرة"؛ حين تمد إحداهما ترخي الأخرى والعكس صحيح، وهو ما لا يتحقق في علاقة السلطة بالاتحاد. فمنذ الأيام الأولى لـ"تصحيح المسار" رفضت السلطة "الحوار الوطني" الذي دعت إليه المركزية النقابية، واستهدفت بعد ذلك بعض قياداته الجهوية في ملفات فساد، ثم استهدفت بعض حلفائه من منظمات المجتمع المدني. ولم تكتف السلطة بذلك، فأعدت ميزانية الدولة وأقرت الزيادات في الأجور بنسب متدنية دون تشريك الاتحاد. فهل يؤذن ذلك بقطع "الشعرة" بين المركزية النقابية والسلطة وتحويل الاتحاد إلى خندق المعارضة الصريحة للنظام، وبالتالي هل يتحول "الملف النقابي" إلى ملف أمني-قضائي مثل سائر ملفات "التآمر على أمن الدولة" والتواصل مع جهات أجنبية فيما يخص السياسيين؟
خلال مشاركته في ملتقى نقابي دولي في المغرب، اعتمد عضو المركزية النقابية حفيظ حفيظ خطابا تصعيديا ضد السلطات التونسية، وهو خطاب لم تتبرأ منه المنظمة النقابية، فمن خلال قسم الشؤون القانونية فيها، اعتبرت أن ما جاء فيه من مواقف وقرارات "تعبّر عن الاتحاد بأكمله وتمثّل موقفه الرسمي". فقرار الإضراب العام موجود منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وهو يجسد ما أقرته الهيئة الإدارية للاتحاد ضمن لائحتها المهنية أيام 5 و6 و7 من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024. ففي ذلك الاجتماع قرر النقابيون مبدأ الإضراب العام في صورة تواصل غلق باب التفاوض مع السلطة، وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري قررت الهيئة الإدارية القيام بإضراب عام يوم 21 كانون الثاني/ يناير من السنة القادمة. وهو قرار مرده -حسب جريدة الشعب نيوز- إلى تخلي النظام عن آلية الحوار الاجتماعي المعمول بها منذ سبعينات القرن الماضي.
بعد هذا القرار، فإن السلطة ستجد نفسها أمام عدة سيناريوهات ممكنة، ولكنها ذات كلفة سياسية كبيرة. فما هي هذه السيناريوهات؟ وهل يمكن لشعرة معاوية أن تظل مجازا قابلا للحياة في ظل فلسفة "التأسيس الثوري الجديد" والديمقراطية القاعدية، أي في ظل سردية سياسية تبشر بانتهاء زمن الأحزاب، وتعتبر الأجسام الوسيطة "خطرا جاثما" ومنافسا وجوديا لسلطة لا تقبل بتعدد الشرعيات ولا بوجود ممثلين للشعب خارج وسائطها "الثورية" الجديدة؟
يبدو أن استدعاء الرئيس قيس سعيد لسفير الاتحاد الأوروبي في تونس وإبلاغه احتجاجا شديد اللهجة لـ"عدم الالتزام بالضوابط الديبلوماسية"، بعد لقاء هذا الأخير بأمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي، هو رسالة مزدوجة للداخل والخارج. فالرئيس الذي كسر الأعراف الديبلوماسية بعدم ترك الاحتجاج لوزارة الخارجية التونسية، تدخل شخصيا ليؤكد أن النظام القائم لن يتسامح مع ما تسامحت معه الأنظمة السابقة بعد الثورة، ولن يقبل بالتعامل مع النظام خارج الأطر الرسمية المتعارف عليها. وهي رسالة للاتحاد الأوروبي الذي ما زال يصر على التدخل في الشأن التونسي عبر بوابة المجتمع المدني، ولكنها أيضا رسالة للاتحاد ذاته، فليس بين "الديبلوماسية النقابية" وبين "التآمر مع جهات أجنبية" إلا مقدار شعرةٍ لا معاويةَ لها.
ولا شك عندنا في أن تحديد الاتحاد ليوم إضراب بعيد نسبيا هو قرار مقصود بهدف ترك فرصة لفتح باب التواصل مع السلطة وإلغاء الإضراب، وهو احتمال قائم ولكنه ضعيف. ففتح باب التفاوض الآن -أي بعد تمرير الميزانية دون إشراك الاتحاد- لا معنى له سياسيا ونقابيا. ولذلك فإن خضوع السلطة لابتزاز الاتحاد سيكون أمرا بلا أي فائدة سياسية لها، ذلك أن الرأي العام التونسي سيعتبر ذلك ضعفا من السلطة، كما أن هذا القرار يُضادد فلسفة "تصحيح المسار" سياسيا. فهذه الفلسفة لا تعترف بالديمقراطية التمثيلية وبكل أجسامها الوسيطة، وهي لا تعترف أيضا بتعدد الشرعيات وأنماط التمثيل للإرادة الشعبية خارج السلطة. فلا شراكة في ظل نظام يتحرك بمنطق البديل، ولا مكان للجسم الوسيط النقابي في ظل فلسفة سياسية لا تعترف بالانقسام الاجتماعي ولا بشرعية أي تمثيل شعبي خارجها. ولكن ماذا لو نجح الإضراب العام؟
في ظل غياب أي مصادر موثوقة لاستطلاع الآراء، فإن الحديث عن نجاح الإضراب أو فشله سيظل مسألة تخمينية، وحتى لو كان للسلطة مصادر علمية لمعرفة آراء التونسيين في موضوع الإضراب، فإننا نعلم أن هذه السلطة كثيرا ما اتخذت مواقفها وبنت سياساتها ضد مواقف التونسيين، بمن فيهم أنصار" تصحيح المسار". وهو ما نجد آيته في كتابة دستور جديد رغم أن أغلبية آراء المشاركين في الاستشارة الوطنية كانت مع تنقيح دستور 2014، ثم نجد آية ثانية في دعوة الرئيس "اللجنة الدستورية" لاقتراح دستور يُعرض على الاستفتاء ثم التخلي عنه وطرح دستور كتبه بمفرده. ولذلك فإن المراهنة على أن موقف السلطة من فتح باب التفاوض ستحدده إمكانية نجاح الإضراب العام هي مراهنة خاسرة، وهو ما يعني أن موقف السلطة مشروط بمحددات أخرى تتجاوز المشهد النقابي، أي تتجاوز الموقف الحالي للمركزية النقابية من النظام. فما هي تلك المحددات؟
إن "تصحيح المسار" الذي رأى فيه الاتحاد وأغلب مكوّنات ما يُسمى بـ"العائلة الديمقراطية" مجرد مشروع للخلاص من حركة النهضة وعودة إلى مربع "اللائكية المتجانس" الخالي من "الخوانجية"، ورأوا في الرئيس -باعتباره رمز هذا المشروع ومركز الثقل فيه- مجرد حليف فكري وموضوعي ضد "الإخوان"، هو في الحقيقة مشروع سياسي لا سابقة له في التاريخ التونسي. وهو ما لم تستطع "القوى الديمقراطية" وملحقاتها النقابية والمدنية فهمه، فظلّت تقرأ المشهد السياسي بشبكات قراءة مفوّتة ومرتبطة بالنظام القديم وورثته بعد الثورة. فما لم يفهمه الاتحاد هو أن وجوده ذاته مرتبط بوجود ديمقراطية تمثيلية وإن كانت سقيمة أو فاسدة، بل إن فساد تلك الديمقراطية وهشاشتها هو ما يمنحه قوته التفاوضية وحتى "الابتزازية" لمن هم في السلطة. كما أن ما لم يفهمه الاتحاد هو أنه لم يكن يوما جزءا من النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الجديد أو الاستعمار الداخلي، بل هو مكون وظيفي تحدّد له تلك النواة مربع الحركة بـ"الرشاوى السياسية" حينا وبالقمع حينا آخر.
ولمّا كانت شرعية الواجهة السياسية لتلك النواة مرتبطة بمنطق البديل لا بمنطق الشريك، فإنها لن تسمح للاتحاد بدور "الشريك الاجتماعي" إلا صوريا. فعودة الاتحاد إلى دور الشريك الاجتماعي الحقيقي مؤذن بذهاب شرعية هذا النظام الذي أكد أنه قابل للحياة دون تعامد وظيفي كامل مع "العائلة الديمقراطية"، سواء في المجتمع المدني أو في الأحزاب السياسية. وهو ما يعني أن النواة الصلبة للحكم لن تسمح بنجاح الإضراب واستثمار ذلك النجاح سياسيا إلا إذا كانت تنوي طيٍّ صفحة "تصحيح المسار". أما إذا كانت هذه الصفحة مرْضية عند الأطراف المتحكمة في مركز القرار (القوى الصلبة، العائلات الريعية، الإدارة العميقة بالإضافة إلى الدعم الإقليمي الوازن)، فإن نجاح الإضراب العام لن يغيّر في الأمر شيئا مهما كانت مآلات الصراع بين النظام والمركزية النقابية.
x.com/adel_arabi21