الباحثة القانونية هبة إبراهيم: معالجة جذور مشكلة الطلاق تتطلب تحديثات قانونية
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
قالت الباحثة القانونية هبة خالد إبراهيم: في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية وتُعاد فيه صياغة مفاهيم الاستقرار الأسري، برزت ظاهرة الطلاق كإحدى أبرز الإشكاليات القانونية والاجتماعية التي تهدد بنيان الأسرة، وتلقي بظلالها على مستقبل الأفراد والمجتمع بأسره. ورغم أن الطلاق حق مشروع تقرّه الشريعة وتكفله النظم القانونية، إلا أن ممارسته باتت في كثير من الأحيان تجري بمعزل عن غايته الأصلية، ليتحول من حل استثنائي في حالات الضرورة القصوى، إلى خيار مألوف تتخذ قراراته على عجل، لذلك أصبحت معدلات الطلاق في مجتمعاتنا تسجل ارتفاعًا مقلقًا.
والإجابة الحقيقية تكمن في تبني مجموعة من التحديثات القانونية والاجتماعية الجادة التي تلامس الواقع، وتعالج أسبابه من جذورها، بصرامة ووعي متوازن، أبرزها الحلول التي تجمع بين الواقعية والصرامة في آنٍ معًا، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: في ظل ما نشهده من تصاعد مقلق في نسب الطلاق، وما يترتب عليه من تداعيات اجتماعية ونفسية جسيمة، أصبح من الضروري إقرار شرط إلزامي يُوجب على المقبلين على الزواج اجتياز دورات تأهيل وتوعية قانونية ونفسية واجتماعية، كمدخل أساسي لإبرام عقد الزواج وهو شرط لا بديل عنه، ولا يُعتد بالعقد دون اجتياز هذه الدورات ضمن برنامج متكامل، هذا الإجراء ليس شكليًا، بل جوهري، ويُعد امتدادًا طبيعيًا لحماية العقد من التسرع وسوء الفهم وسوء التقدير. فـالزواج ليس عقدًا عادياً، بل هو ميثاق غليظ، يُرتب التزامات متبادلة بين الطرفين، ويُحتّم عليهما التصرف بحسن نية وفقًا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فإن أي تفرد في اتخاذ القرار أو تجاهل لحقوق الطرف الآخر، يُعد إخلالًا بصلب العلاقة، ويُفضي إلى نتائج كارثية لا تقف عند حدود الزوجين، بل تمتد إلى الأسرة والمجتمع. وهذا البرنامج التأهيلي المتكامل ليس حلاً نظريًا، بل هو آلية واقعية تُعزز الفهم القانوني، وتُرسخ ثقافة الحوار، وتُمهّد لزواج قائم على الإدراك لا الانفعال، وعلى التفاهم لا التصادم. كما أن حماية الأسرة تبدأ قبل تكوينها، وما لم يُحصّن هذا العقد بالتأهيل والوعي، فستظل محاكم الأسرة شاهدة على انهيارات متكررة، كان يمكن تداركها بمادة قانونية واحدة تفرض التأهيل كشرط نافذ لإبرام الزواج.
ثانيًا: على القضاء أن يُفعّل نظام الوساطة الإجبارية قبل قبول أي طلب طلاق، حيث لا يُسمح برفع الدعوى إلا بعد إثبات استنفاد كافة جهود الإصلاح والمصالحة، هذا النظام يجب أن يكون مكلفًا قانونيًا وإجرائيًا، بحيث يُثقل كاهل من يستهين بمسؤولية الزواج.
لا يجوز أن يكون الطلاق بابًا يُفتح بسهولة، أو خيارًا متاحًا بمجرد حدوث خلاف عابر، لهذا يجدر بالقضاء أن يُلزم جميع المتخاصمين في قضايا الطلاق بالخضوع لمرحلة الوساطة الإجبارية، قبل أن يُسمح لهم برفع دعاوى الطلاق أمام المحاكم.
هذه الوساطة ليست مجرد جلسة إجرائية شكلية، بل آلية قانونية واجتماعية حاسمة يُناط بها الدور الأساسي في تهدئة النزاعات وإعادة الأُسر إلى مسارها الصحيح، كما يجب أن تتضمن الوساطة حضور متخصصين نفسيين واجتماعيين وقانونيين، قادرين على تحليل أسباب النزاع بدقة، وتقديم الحلول الواقعية التي تتناسب مع خصوصية كل حالة، بعيدًا عن الحلول السطحية أو التقليل من أهمية المشكلة، وعقد جلسات مكثفة ومحكمة لا تقل مدتها عن عدد معين من الجلسات (مثلاً 3-5 جلسات)، تتيح فرصة حقيقية للطرفين للتعبير عن وجهات نظرهما، مع توفير بيئة آمنة ومحايدة للحوار.
– وساطة إجبارية
وأن تكون هناك إلزامية استنفاد هذه المرحلة، بحيث لا يُقبل أي طلب طلاق إلا بعد تقديم شهادة من مركز الوساطة تثبت استكمال هذه الخطوة دون التوصل إلى تسوية، وإثبات أن جميع محاولات الإصلاح قد باءت بالفشل، وتكلفة قانونية وإجرائية تجعل من التسرع في الطلاق قرارًا مدروسًا، وليست خطوة سهلة أو عشوائية، بحيث تردع الراغبين في الطلاق بلا مبرر حقيقي أو بدافع انتقامي أو طارئ.
بالإضافة إلى دعم قانوني واضح يُعطي للقاضي صلاحية رفض طلب الطلاق إذا تبين وجود فرص حقيقية للإصلاح خلال مرحلة الوساطة، مع إمكانية إعادة إحالته إلى جلسات متابعة للمصالحة.
وبهذه الوساطة الإجبارية، نضمن أن لكل طرف فرصة عادلة لإعادة النظر، وأن المجتمع لا يدفع ثمن الطلاق العشوائي الذي يترك آثارًا نفسية واجتماعية مدمرة على الأفراد، خصوصًا الأطفال.
وأوصت الباحثة القانونية هبة خالد بضرورة اعتماد برنامج تأهيلي متكامل يُلزم به الطرفان قبل إبرام عقد الزواج، يشمل جوانب قانونية ونفسية واجتماعية، ويُعد اجتيازه شرطًا جوهريًا للاعتداد بصحة العقد. وفرض مسار الوساطة الأسرية الإلزامية كمرحلة سابقة على قبول دعاوى الطلاق، تُشرف عليه جهات معتمدة، ويُشترط إتمامه قبل قيد الدعوى أمام القضاء.
بالاضافة إلى تقييد حالات الطلاق غير المبرر (العشوائي) بضوابط تشريعية، بحيث يُحمّل الطرف المتسبب دون مبرر مشروع في إنهاء العلاقة تبعات مادية واضحة، وفي حال ثبوت لجوء أحد الطرفين إلى الطلاق تعسفًا أو دون مبرر مقنع، تُفرض عليه غرامة مالية كبيرة تُحدَّد قضائيًا، ويُوقف إجراء الطلاق إلى حين سدادها، وذلك للحد من حالات الطلاق الانفعالي، وحماية لكيان الأسرة من التفكك العبثي.
الشرق القطرية
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً: