بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
في الزقاق الغربي من مدينة القدس؛ حيث تتداخل أحجار الأزمنة وتذوب الروائح القديمة في هواء المساء، يعلو جبل صغير اسمه صهيون. لم يكن هذا الجبل هو الأعلى، ولم يكن الأهم في نظر الجغرافيين، لكنه حمل عبر القرون أوزانًا رمزية تجاوزت التلال والحدود. ومنه خرجت حكاية، تاهت بين الحلم والخرافة، وبين السياسة والنصوص، وبين شعبين لم يجتمعا يومًا على تعريف واحد لها.
في الكتب المقدسة، ورد اسم "صهيون" مشيرًا إلى تلال القدس أو إلى "مدينة داود". ففي التوراة، كانت صهيون مقر الوحي ومسرحًا للعهود، وفي المزامير وردت بوصفها أرض البركة والتجلِّي الإلهي. وقد حفظها اليهود في الشتات كرمز للموعود، ورددوها في أعيادهم وصلواتهم، لكنهم لم يتحركوا تجاهها فعليًا لأجيال طويلة، وظلت في وجدانهم أشبه بجنّة بعيدة، تُستعاد في الخيال والقصيدة.
ظلّت "صهيون" حاضرة في الذاكرة كرمز يتنقّل بين الترانيم والأدعية، دون أن تحمل ملامح مشروع سياسي أو تُطرَح في سياق التفاوض. ومع تحولات القرن التاسع عشر في أوروبا، بدأ هذا الرمز يكتسب معاني جديدة. وفي القارة الأوروبية، نشأت الحركات القومية، وتقلصت سلطة الكنيسة، وراح كل شعب يبحث عن علم وحدود ولغة. أما اليهود، الذين عاشوا في أنحاء أوروبا كجماعات دينية صغيرة، فقد وجدوا أنفسهم في موضع ارتباك وتساءلوا: أُيدمِجون أنفسهم في هذه الأوطان الجديدة؟ أم يبحثون عن وطن يخصهم؟
في تلك المرحلة، تبلورت رواية شعبية في أوساط مفكرين يهود تزعم أنَّ اليهود عانوا الرفض والتهميش في أوطانهم الأوروبية، وأنَّ مجتمعاتهم تعرّضت لسوء المعاملة والعنف، لا بسبب شيء فعلوه، ولكن بسبب هويتهم اليهوديّة. وبغضّ النظر عن دِقَّة هذه الرواية، فقد شكّلت أساسًا نفسيًا وعاطفيًا لأفكار جديدة، بدأت تتسلل إلى صفحات المقالات والاجتماعات السرية والبيانات التنظيمية.
في قلب فيينا (النمسا)، عام 1890، كتب شاب يهودي نمساوي يُدعى ناثان بيرنباوم كلمة جديدة (Zionismus) أي (الصهيونية). لم يكن بيرنباوم يتوقع أن تتحوّل هذه الكلمة إلى عنوان لحركة سياسية عالمية. في مقالاته الأولى، كانت "الصهيونية" تعني التوق إلى "إحياء الروح اليهودية" والعودة الثقافية إلى التراث. لكن المصطلح بدأ يكتسب حياة مستقلة، وراح يتلقفه ناشطون وحالمون، كلّ يضخّ فيه ما يراه من أهداف.
بعد ذلك ببضع سنوات، جاء ثيودور هرتزل، الصحفي القادم من بودابست (المجر)، والذي سيُحوِّل الكلمة إلى مشروع. المفارقة أن هرتزل لم يكن مُتدينًا، ولم يكتب باللغة العبرية، لكنه قرأ الأحداث من منظور سياسي محض، فحين غطّى محاكمة الضابط الفرنسي اليهودي ألفريد دريفوس في باريس، ورأى الجموع تهتف ضده لأنه يهودي، أيقن أن الاندماج الذي سعى إليه كثير من اليهود في أوطانهم الأوروبية لم يُثمر أمانًا ولا قبولًا. فرسم في ذهنه خطة عنوانها: إذا لم يتقبلنا أحد، فسنبني وطنًا خاصًا بنا.
كتب هرتزل كتابه الشهير "الدولة اليهودية"، ثم دعا إلى مؤتمر في مدينة بازل السويسرية عام 1897. هناك، اجتمع مندوبون يهود من أنحاء أوروبا، وأعلنوا رسميًا أن الصهيونية تسعى إلى "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". قاعة المؤتمر كانت خالية من الأعلام، والحدود، لكنها كانت رحم فكرة بدأت تُخطّط لمستقبل جديد.
منذ ذلك اليوم، خرجت "صهيون" من الأسطورة إلى السياسة، وارتدت ثوب الدولة قبل أن تُرسم خرائطها. وبدأت الوفود تزور القادة، وتُفاوض السلطان العثماني، وتُخاطب بريطانيا، وتبحث عن دعم. وفي عام 1917، وجد المشروع حليفه المنتظر: بريطانيا.
بريطانيا، الإمبراطورية التي كانت تتحكم في البحار والممرات، رأت في المشروع الصهيوني وسيلة لضمان نفوذها في الشرق. أرسلت برسالة إلى اللورد روتشيلد، تحمل توقيع وزير خارجيتها آرثر بلفور، تقول فيها إنها تُؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومنحت بذلك شرعية سياسية لحلم لم يكن قد خرج بعد من عباءة الخيال المثالي. لم تُستشر فلسطين، ولا ذُكِر أهلها في الوعد، سوى باعتبارهم "الطوائف غير اليهودية". وكانت تلك اللغة كافية لإشعال قرنٍ كامل من الصراع.
في ظل الانتداب البريطاني، بدأت الحركة الصهيونية تعمل على الأرض. وأُنشئت الوكالة اليهودية، وتدفقت الهجرات، وتأسست المستوطنات، وبُنيت المدارس والمزارع والمعسكرات. في المقابل، كان الفلسطينيون يشعرون أن الأرض تُسلَب منهم، وأن ما كان رمزًا في الكتب صار جرافة تقتلع شجرة، وقانونًا يمنع العودة.
وحين حلّ عام 1948، أعلنت دولة إسرائيل قيامها، في لحظة وصفها الصهاينة بأنها تحقُّق لوعد قديم، ورآها الفلسطينيون نكبةً طالت شعبًا بأكمله. هُجِّر مئات الآلاف، ودُمّرت قرى، واختفت مدن من الخرائط، وباتت "صهيون" تُستحضر باعتبارها حلمًا دينيًا وقوميًا امتزج بواقع سياسي يثير الأسئلة ويغذّي التوترات.
اليوم، يتداول الناس كلمة "صهيونية" من زوايا مختلفة. في إسرائيل، يُحتفى بها كحركة تاريخية جلبت "التحرر" لليهود. وفي الخطاب العربي، تُحمَّل بمضامين الاحتلال والتمييز والطرد. وبين هؤلاء وأولئك، تسير "صهيون" في الوعي الجمعي كفكرة حملت في طياتها وجوهًا متناقضة: دمًا أريق، ورموزًا حُفرت، فكانت حدًّا يفصل بين الألم والمعنى.
يقع جبل صهيون اليوم جنوب غرب البلدة القديمة في القدس، خارج الأسوار القديمة للمدينة. ويضم مواقع دينية متعددة مثل "قبر النبي داود"، و"قاعة العشاء الأخير"، ودير "الرقاد".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. عمرو حسن في المؤتمر الدولي للنساء الطبيبات: 64.5 % من وفيات الأمهات كانت قابلة للوقاية
شارك الدكتور عمرو حسن، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب جامعة القاهرة، والمقرر السابق للمجلس القومي للسكان، في جلسة رفيعة المستوى بعنوان: "من أجل أمومة آمنة: تمكين مقدمي الرعاية الصحية لحماية حياة الأمهات"، برعاية صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين للجمعية العالمية للنساء الطبيبات (MWIA) بالتعاون مع القمة العالمية لصحة المرأة (WISH)، والمنعقد في القاهرة خلال الفترة من 12 إلى 14 أكتوبر 2025، بمشاركة نخبة من القيادات الصحية وممثلي المنظمات الدولية والقطاع الأكاديمي والخاص.
استعرض د. عمرو حسن نتائج المراجعة الوطنية لوفيات الأمهات لعام 2022، التي أعدّها استنادًا إلى بيانات اللجنة القومية لمراجعة وفيات الأمهات، والتي كشفت أن 64.5٪ من الوفيات كانت قابلة للوقاية.
وأوضح أن "معظم وفيات الأمهات لا تعود إلى أسباب طبية معقدة، بل إلى فجوات في جاهزية النظام الصحي والاستجابة السريعة للحالات الحرجة"، في حين كانت 15٪ فقط غير قابلة للوقاية، و20٪ من الحالات تفتقر إلى بيانات كافية، مما يعكس الحاجة إلى تحسين أنظمة التوثيق والرصد.
أكد د. عمرو حسن أن النزيف وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل ما زالا السببين الأكثر شيوعًا لوفيات الأمهات ، وكلاهما يمكن الوقاية منه بتدخلات استباقية تبدأ من المتابعة الدقيقة والكشف المبكر.
وأوضح أن الطب الحديث لم يعد ينتظر ظهور أعراض تسمم الحمل، بل أصبح يعتمد على الفحص المخبري المبكر بين الأسبوع 11 و13 من الحمل من خلال تحاليل PAPP-A وPlGF التي تُتيح تحديد السيدات الأكثر عرضة للمضاعفات قبل أن تظهر الأعراض.
وأشار إلى أن هذا النهج الوقائي، المدمج مع بروتوكولات المتابعة الدقيقة واستخدام الأسبرين الوقائي في الحالات عالية الخطورة، يمكن أن يقلل المضاعفات بنسبة 60 إلى 70٪، مؤكدًا أن "تحليلًا بسيطًا في الأسبوع الثاني عشر قد يُغني عن سرير عناية مركزة في الأسبوع الثاني والثلاثين."
تطرق د. عمرو حسن إلى الزيادة المقلقة في معدلات الولادة القيصرية في مصر، مشيرًا إلى أنها تجاوزت الحدود الموصى بها عالميًا من قبل منظمة الصحة العالمية.
وأوضح أن "الولادة القيصرية المنقذة للحياة لا ينبغي أن تتحول إلى إجراء روتيني"، داعيًا إلى التوسع في برامج الولادة الطبيعية الآمنة وتفعيل مراجعة طبية مستقلة لكل ولادة قيصرية غير مبررة، حتى تعود الولادة القيصرية إلى مكانها الطبيعي: جراحة منقذة للحياة، لا إجراءً روتينيًا.
وقال "حسن" إن "وفاة الأم ليست حدثًا طبيًا فحسب، بل انتهاكًا لحق الإنسان الأول: الحق في الحياة"، مضيفًا: "كل وفاة أم ليست رقمًا في تقرير، بل إنذار بأننا تأخرنا في حمايتها".
أشار إلى أن البداية الحقيقية للوقاية تكون قبل الحمل، من خلال تعزيز خدمات تنظيم الأسرة والرعاية السابقة للحمل، حيث أظهرت البيانات أن 62.4٪ من السيدات اللاتي توفين لم يستخدمن أي وسيلة لتنظيم الأسرة قبل آخر حمل ، وشدد على أن الاستثمار في صحة الأم ليس فقط التزامًا صحيًا بل رهانًا اقتصاديًا، موضحًا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن كل جنيه يُستثمر في صحة الأم وتنظيم الأسرة يحقق عائدًا يقارب 170 جنيهًا، وهو ما يؤكد أن الاستثمار في صحة الأم سياسة اقتصادية رشيدة لبناء رأس مال بشري مستدام.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
المؤتمر الدولي للنساء الطبيبات الدكتور عمرو حسن وفيات الأمهات أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك:
إعلان
أخبار
المزيدإعلان
د. عمرو حسن في المؤتمر الدولي للنساء الطبيبات: 64.5 % من وفيات الأمهات كانت قابلة للوقاية
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
30 19 الرطوبة: 42% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك