في ذكرى وفاته.. عبد البديع العربي رائد المسرح العسكري وأبٌ لأسرة فنية اعتزلت الأضواء
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
تحل اليوم ذكرى وفاة أحد أعمدة الفن المصري الكلاسيكي، الفنان الكبير عبد البديع العربي، الذي جمع بين الموهبة الفطرية والثقافة الرفيعة، وترك بصمة لا تُنسى في المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون.
لم يكن فنانًا تقليديًا، بل معلمًا ومُوجِّهًا، وصاحب رسالة فنية سامية، كما كان الأب الحنون لعائلة فنية شهيرة اعتزل جميع أفرادها الساحة التمثيلية والإعلامية لاحقًا.
وُلد عبد البديع العربي في 22 يوليو 1912 بقرية الزعفران بمحافظة كفر الشيخ. بعد حصوله على شهادة البكالوريا من مدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة عام 1938، بدأ مشواره العملي موظفًا في مصلحة الطب الشرعي، ثم انتقل إلى وزارة المعارف، قبل أن يأخذه شغفه بالفن إلى عالم التمثيل.
مسيرته المسرحية وبداية التألق
كانت انطلاقته الحقيقية من خلال فرقة رمسيس المسرحية، حيث شارك في عدد من الأعمال المسرحية البارزة مثل:المائدة الخضرا، أعظم امرأة، شجرة الظلم
ولم يكتفي بالتمثيل، بل كان له دور ريادي في تأسيس المسرح العسكري، حيث قدم مسرحية "أحمد عرابي" بالتعاون مع وزارة الحربية، مستعينًا بجنود فنانين مثل إبراهيم الشامي ورشدي المهدي، وهو ما اعتُبر نواةً لتجربة فنية متميزة تربط بين الفن والهوية الوطنية.
تألقه في الإذاعة والتلفزيون
كان لعبد البديع العربي حضور قوي في الإذاعة، فشارك في مسلسلات إذاعية ظلت محفورة في ذاكرة الأجيال، منها: علي بابا، معروف الإسكافي، أديب، مايسة
أما في التلفزيون، فاشتهر بدوره كـ "العمدة هريدي" في مسلسل "غوايش"، حيث شارك البطولة إلى جانب نخبة من النجوم مثل نبيل الحلفاوي وصفاء أبو السعود.
مشاركاته السينمائية القليلة واللافتة
رغم قلة أعماله السينمائية، فإنها كانت مؤثرة. أبرزها: دوره البارز في فيلم "العار" حيث جسّد شخصية تاجر المخدرات، ومشاركته التاريخية في فيلم "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد، بدور عتبة بن ربيعة، وهو الدور الذي خلّده في ذاكرة الجمهور العربي.
عائلة فنية.. ثم اعتزال جماعي
تزوج عبد البديع العربي وأنجب أبناءً ساروا على نهجه الفني، من بينهم: محمد العربي ووجدي العربي: ممثلان برزا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كامليا العربي وألفت العربي: إعلاميتان قدّمتا برامج ناجحة، لكن المفاجأة أن جميع أبنائه قرروا اعتزال الفن والإعلام بشكل نهائي، بعد التزامهم الديني.
تكريمات ومكانة خاصة
نال عبد البديع العربي جوائز تقديرية عن أعماله، أبرزها عن مسرحية الذبائح المأخوذة عن مؤلفات كبار الكتاب مثل محمد حسين هيكل ومصطفى لطفي المنفلوطي.
كما اعتُبر من المعلمين الكبار الذين أسهموا في تكوين جيل من الفنانين، منهم عبد المنعم مدبولي وفاطمة رشدي.
وفاته واختلاف في الروايات
رغم الإجماع على وفاته إثر أزمة قلبية، إلا أن المصادر تختلف حول تاريخ وفاته: تُشير موسوعة ويكيبيديا إلى أنه توفي في 15 يناير 1996، بينما تحتفل مواقع فنية وإعلامية كثيرة بذكرى وفاته في 26 يونيو 1996، وهو التاريخ الأرجح وفقًا لتداول الذكرى سنويًا في هذه الفترة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: كفر الشيخ الخديوي اسماعيل مصلحة الطب الشرعي وزارة المعارف مصطفى العقاد كبار الكتاب شهادة البكالوريا فرقة رمسيس السينما والتلفزيون
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده.. صلاح نظمي «شرير الشاشة» الذي انتصر للحب وتحدى المرض والظلم
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان القدير صلاح نظمي، أحد أعمدة السينما المصرية في القرن العشرين، الذي اشتهر بأداء أدوار الشر بحضور طاغٍ وأداء هادئ، جعله مختلفًا عن غيره من نجوم جيله، لم يكن مجرد ممثل يكرر نفسه، بل صاحب مسيرة استثنائية امتدت من الهندسة إلى الفن، ومن وفاء الزوج إلى انتصارات على الشائعات، ليكتب اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الفن المصري.
النشأة والبداية
وُلد صلاح الدين أحمد درويش الشهير بصلاح نظمي في 24 يونيو عام 1918 بحي محرم بك بمدينة الإسكندرية، لأسرة مثقفة؛ إذ كان والده يعمل رئيسًا لتحرير جريدة "وادي النيل"، إلا أن القدر لم يمهله طويلًا، فرحل عن عالمه ونجله لم يتجاوز الأشهر الستة.
هذا الغياب ترك أثرًا عميقًا في وجدان الطفل، لكنه ورث عن والده مكتبة غنية شكّلت وعيه الثقافي والفكري.
بعد دراسته في مدارس الإرساليات، التحق صلاح نظمي بـكلية الفنون التطبيقية، وعمل لاحقًا كمهندس بهيئة التليفونات، حتى وصل لمنصب مدير عام بها قبل أن يتفرغ نهائيًا للفن ويتقاعد عام 1980.
من الهندسة إلى الفن
رغم نجاحه المهني كمهندس، لم يُطفئ ذلك شغفه بالفن، التحق بـمعهد الفنون المسرحية، وبدأ مسيرته الفنية من على خشبة المسرح، من خلال فرق شهيرة مثل فرقة فاطمة رشدي وفرقة رمسيس، وشارك في مسرحيات بارزة مثل: "مايسة"، "بترفلاي"، و"بمبي كشر".
وكانت الانطلاقة السينمائية الحقيقية له عام 1945 من خلال فيلم "هذا جناه أبي"، ومن هنا بدأ مشوار طويل من التميز في أدوار الشر التي جسّدها بعمق وهدوء بعيدًا عن الصراخ والمبالغة، ليصبح أحد أبرز "شريري" الشاشة المصرية على مدار عقود.
رصيد فني يتجاوز الـ300 عمل
قدّم صلاح نظمي أكثر من 300 عمل فني متنوع بين السينما والمسرح والتلفزيون، من أبرزها: جميلة بوحيرد، الناصر صلاح الدين، أبي فوق الشجرة، بين الأطلال، الرباط المقدس، إسماعيل ياسين للبيع، أنف وثلاث عيون.
كما خاض تجربة الكتابة، حيث كتب قصة فيلم "ساعة الصفر" (1972)، وشارك في كتابة سيناريو وحوار فيلم "المتهم" (1980).
حياته الشخصية
في عام 1950، تزوج صلاح نظمي من سيدة أرمنية الأصل تدعى "رقية"، وقد اعتنقت الإسلام، وأنجبا ابنهما الوحيد حسين. لكن بعد فترة، أصيبت زوجته بمرض نادر ألزمها كرسيًا متحركًا لمدة ثلاثين عامًا، ورغم معاناتها طلبت منه الزواج بأخرى، إلا أنه رفض وكرّس حياته لخدمتها، في قصة وفاء نادرة تُدرّس.
خصومة مع العندليب انتهت بالمحبة
من المواقف الشهيرة في حياة صلاح نظمي، ما حدث بينه وبين عبد الحليم حافظ، عندما وصفه الأخير في أحد البرامج الإذاعية بـ "أثقل ظلًا في السينما".
شعر نظمي بالإهانة ورفع دعوى قضائية ضده، لكن المحكمة برأت عبد الحليم بعد أن أوضح أن حديثه كان عن طبيعة أدوار الشر، وليس عن شخص نظمي.
انتهت الخصومة بصلح، بل وشارك لاحقًا مع العندليب في فيلم "أبي فوق الشجرة".
نهاية حزينة ورحيل هادئ
تُوفيت زوجته بعد معاناة طويلة، ولم يتحمل صلاح نظمي فراقها، إذ تدهورت صحته سريعًا، ليرحل بعدها بعدة أشهر في 16 ديسمبر عام 1991، عن عمر ناهز 73 عامًا، إثر قصور كلوي.
إرث فني وإنساني خالد
يظل صلاح نظمي واحدًا من أبرز الممثلين الذين منحوا لأدوار الشر أبعادًا إنسانية وفنية عميقة، كما ترك خلفه مثالًا نادرًا للوفاء في حياته الشخصية ورغم رحيله، فإن اسمه لا يزال محفورًا في ذاكرة جمهور أحب أداءه، واحترم مسيرته.