مذكرات الرئيس اليمني عبدالرحمن الإرياني.. أول المُدوَّنين وآخر الناشرين
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
في سبتمبر 1974 كان الرئيس عبد الرحمن الإرياني وبعد استقالته من السلطة طواعيةً يوم 13 من ذات العام واختياره العاصمة السورية دمشق كمنفى، يخلد إلى العزلة المحببة إلى نفسه للاستذكار والتدوين وقد استحصل منها الكثير برغم عوزته إلى المراجع والوثائق التي تراكمت عليها الأحداث وضعفت ذاكرته لاستعادتها، غير انه سارع إلى تدوين تاريخ اليمن ما بعد 26 سبتمبر لقرب العهد بها وبكونه صانعًا وحاضرا لمحطات هامة إلى حين منتصف السبعينيات، مستشهدا بقول الشاعر: إني رجعت إلى كتبي وأوراقي.
كانت خاتمة الجزء الرابع من 800 صفحة حول مستجدات الشؤون السياسية العربية واليمنية:
1975-12-31 انقضى هذا العام على خير وقد حمل فيما حمل انتصارات للقضية الفلسطينية فمثل ياسر عرفات في المنظمة الدولية واستصدر قرارا بأغلبية ساحقة باعتبار منظمة التحرير التي يرأسها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وأن من حقها أن يكون لها ممثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة كمراقب. كما قررت الجمعية العامة نقل القضية الفلسطينية إلى مجلس الأمن لبحثها بحضور ممثلين من منظمة التحرير.
أما في اليمن فقد تمكن الرئيس الحمدي من الانفراد بالسلطة وأقال الأستاذ العيني وآل ابولحوم وابعدهم عن التأثير في السياسة، كما أقال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ومجاهد أبو شوارب، ولكن لا زال لهما تأثير، ولولا وقوف السعودية مع الشيخ عبد الله لكان الرئيس الحمدي قد أبعده هو الآخر.
إلى هنا ويقف القلم. والله نسأل أن يتجاوز عن كل زلل جرى به القلم، وعما لم يجريه وقد كان يجب أن لا يهمل، وهو وحده العالم بالقصد والمحاسب عليه وهو ولي التوفيق. اللهم أختم لنا بالحسنى وأنزلنا في المقام الأسنى وأكتب لنا في العام المنصرم ما كتبته لأوليائك وهيئ لنا في العام الجديد من أمرنا رشدا وجنبنا الزلل في القول والعمل وامنحنا فيه الصدق في أقوالنا والتوفيق في أعمالنا وقدر لنا فيه كل الخير والسداد والتوفيق.
__
ربما لن يستطيع أحد ان يجاريه بهذا الصَنَعَ الباهر من التأريخ الشخصي والعام الذي إحاط وشمل نصف قرن من تاريخ اليمن بأربعة مجلدات فاخرة فيها تنويعات السياسة والتاريخ والاجتماع والأدب والشعر. الأجزاء الثلاثة صدرت في أعوام متباعدة الأول والثاني عام 2013 والثالث في 2022 والرابع حديثًا خرج للنور 2025.
الرئيس الإرياني هو ابن الحركة الوطنية التي ناهضت الإمامة نظاما ومشروعا، سعى جاهداً حينما تسلم الحكم 1967 وأحرز نصر عسكري وسياسي تمثل في تثبيت النظام الجمهوري الذي تعرض لأخطار ومساومات خارجية إلى تسيير الأمور وجهة مؤسسات الدولة الحديثة ذات النظام والقانون، وترسيخ المبادئ الدستورية التي ناضل من أجلها الأحرار، والوفاء للدماء الزكية لرجالات اليمن التي دافعت عن الثورة وأرست النظام الجمهوري، والتعويل على الدماء الشابة بالمهام متكافئين مع حماس المواطنين إلى سبل الإصلاح والنهوض للبناء والتعمير وإقبال الأشقاء والأصدقاء على العون والمساعدة.
يبدأ الجزء الرابع والأخير الذي يؤرخ لأعوام رئاسته 1972-1975 من حيث قد انتهى الثالث حول مباحثات الوحدة بين الشطرين بُعيد الحرب الأولى سبتمبر 1972 ونتائجها وردود الفعل على بيان واتفاق القاهرة الذي وقعه محسن العيني وعلي ناصر محمد، وحنق المشائخ بينهم رئيس مجلس الشورى الشيخ الأحمر وعضويّ المجلس الجمهوري الحجري وعثمان ومحافظ الحديدة أبو لحوم وقادة القطاعات العسكرية، وقدم بعض منهم استقالتهم في حال أذيعتا الاتفاقية والبيان على الإذاعة، لكن الرئيس الإرياني أصر حتى “يثبت للعالم أنّا دولة تحترم تعهداتها” وهو يعيد فكرة تدبير الانقلاب عليه إلى نهاية ذلك العام.
غطت المذكرات وقائع وحوادث أعمال التخريب وأساليب العنف والقتل والتلغيم التي كان يقوم بها العسكريين الثوريين المدعومين من اليمن الديمقراطي في المناطق الوسطى منذ ما بعد أحداث أغسطس 1968 والتبعات الإنسانية المُكلفة، تشكل المراسلات والشكاوى المتبادلة بين الرئيس الإرياني وسالمين نسيج المذكرات. والوساطات العربية في التهدئة بين اليمنيَن وحسن الجوار والتعايش بالسلام والتفاهم.
في الشأن الداخلي يشكو رئيس الوزراء عبد الله الحجري من الشهر الأول لعمل حكومته التي دامت 8 أشهر من اصطادمه بالهرم المشيخي القبلي الممسك بأعلى مناصب وأجهزة السلطة، ووجد في تصرفاتهم عقبة كأداء في سبيل كل اصلاح اداري ومالي واختراق التطوير والتحديث المؤسسي والالتزام بالصلاحيات لكل مسؤول، وبالخاصة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى، وفي الدرجة الثانية الشيخ سنان أبو لحوم محافظ الحديدة الا انه على براعة في تصدر المعارضة وقت تمس مصالحه ومصالح الشيخ الأحمر وقد يقترحها ويقبل بها.
الحجري هو أيضًا شخصية مستنيره فقهيًا وسياسيًا وصاحب رؤية عصرية للتحديث المؤسسي للدولة والتغيير الاجتماعي السليم، نفذت حكومته القصيرة إقرار أول ميزانية عام منذ قيام النظام الجمهوري وتدشين العمل التعاوني الأهلي.
كما أضاءت المذكرات على جانبا من أزمة الجزر اليمنية في البحر الأحمر مطلع السبعينيات، حيث تواترت أخبار من وسائل عربية من أن إسرائيل قد احتلت جزر يمنية مهجورة سكانيا محاذية لباب المندب جنوب البحر الأحمر، تحركت القوات البحرية اليمنية إلى استقصاء الوضع ومعرفة الحقيقة واستدعت الخارجية السفير الإثيوبي، وقبل ان تعقد القيادة العامة مؤتمرا صحفيا من على ظهر جزيرة زقر وتأكيد خلو الجزر من أي وجود قوات أجنبية، استبقت الخارجية الإسرائيلية تكذيب الخبر ونفيه قاصدة من وراء ذلك جس النبض ومعرفة رد الفعل.
كان رأي قيادة الجمهورية العربية اليمنية آنذاك ان حماية الجزر في المياه الإقليمية للبحر الأحمر في أن تقوم الدول العربية بإمداد اليمن بالإمكانيات الكافية ماديا وعسكريا ودراسة الوضع وما يتطلب حمايتها، وعلى اليمن من جهتها توطين مواطنين يمنيين في الجزر وترتيب حامية عسكرية.
اشتملت المذكرات في الفصل الثامن الأخير الرسائل المتبادلة بين الرئيس عبد الرحمن الإرياني وعدد من الشخصيات السياسية اليمنية والعربية، في الفترة التالية من استكمال المذكرات، أي نهاية سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فترصد العلاقات بينهما تجاه بعض القضايا والأحداث، والأدوار والمواقف.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةأنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی الیمن عبد الله لنا فی
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يفتح النار على جوجل.. تحقيقات احتكار بسبب استخدام محتوى الناشرين في أدوات الذكاء الاصطناعي
في خطوة جديدة تعكس تصاعد التوتر بين الهيئات التنظيمية وشركات التكنولوجيا العملاقة، أعلنت المفوضية الأوروبية عن فتح تحقيق واسع ضد جوجل بشأن ممارساتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وسط اتهامات للشركة باستخدام محتوى الناشرين وصنّاع المحتوى دون تعويض عادل أو منحهم خيار الرفض. ويأتي هذا التحرك ضمن موجة متنامية من التدقيق العالمي تجاه شركات التقنية التي تسابق الزمن لبناء نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة وتأثيرًا.
ورغم أن جوجل ليست غريبة عن قاعات التحقيق الأوروبية والأمريكية، فإن الملف الجديد يبدو أكثر حساسية، لأنه يتعلق مباشرة بالطريقة التي تُنشئ بها الشركة أدواتها في عصر يشهد منافسة شرسة بين الشركات الكبرى. وبحسب بيان المفوضية، فإن التحقيق يركز على محورين رئيسيين: الأول يتعلق بما إذا كانت جوجل قد اعتمدت على محتوى ناشري المواقع الإلكترونية لإنشاء ميزتي نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي ووضع الذكاء الاصطناعي، دون تقديم تعويض مناسب لهم، أو السماح لهم بإيقاف استخدام محتواهم دون أن يترتب على ذلك فقدان وصولهم إلى محرك بحث جوجل.
هذا الجانب بالتحديد أثار قلقًا واسعًا، نظرًا لاعتماد آلاف المؤسسات الإعلامية على محرك البحث لجذب الجمهور وتحقيق الإيرادات. فبحسب المفوضية، يخشى كثير من الناشرين المجازفة برفض استخدام جوجل لمحتواهم، خوفًا من تراجع ظهورهم في نتائج البحث وفقدان جزء كبير من جمهورهم.
المحور الثاني من التحقيق لا يقل أهمية؛ إذ تدرس المفوضية ما إذا كانت جوجل قد استخدمت – دون تصريح – محتوى منشئي الفيديو على يوتيوب لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الخاصة بها. فهؤلاء المبدعون يقدمون مكتبة ضخمة من الفيديوهات، تمثل ركيزة أساسية في المشهد الرقمي، وتعد مصدرًا غنيًا للبيانات التي يمكن استخدامها لتطوير نماذج لغوية وبصرية. إلا أن المفوضية تخشى أن تكون جوجل قد استفادت من هذه المواد بعيدًا عن أعين أصحابها، ودون مقابل.
وأوضحت الهيئة الأوروبية أن شروط استخدام يوتيوب تُلزم المستخدمين بالسماح لجوجل بالاستفادة من بياناتهم عند رفع المحتوى، ولكن هذا لا يمنح الشركة – بالضرورة – الحق في استخدام هذه المواد في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل المنافسة الشديدة بين الشركات التي تسعى للوصول إلى بيانات مماثلة. ولفتت المفوضية النظر إلى أن الشركات المنافسة لجوجل محرومة من استخدام أي محتوى محفوظ بحقوق الملكية الفكرية على يوتيوب، ما يضعها في موقف غير متكافئ.
في هذا السياق، صرّحت تيريزا ريبيرا، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية لشؤون الانتقال التنافسي، بأن التقدم الذي يحققه الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يأتي على حساب المبادئ الأساسية لمجتمعات أوروبا، مؤكدة أن المفوضية لن تتردد في اتخاذ إجراءات حازمة إذا ثبت أن جوجل فرضت شروطًا غير عادلة على الناشرين والمبدعين. وأكدت ريبيرا أن حماية المنافسة ومنع إساءة استخدام النفوذ الرقمي هما من الخطوط الحمراء التي يحرص الاتحاد الأوروبي على عدم تجاوزها.
من جانبها، لم تقف جوجل صامتة أمام هذه الاتهامات. فقد قال متحدث باسم الشركة لموقع Engadget إن الخطوة الأوروبية "تهدد بخنق الابتكار" في سوق يزداد تنافسية يوماً بعد يوم، مشيرًا إلى أن التقنيات الجديدة يجب أن تتاح للأوروبيين دون عراقيل. وأضاف المتحدث أن جوجل تعمل بشكل مستمر مع قطاعي الأخبار والإعلام للموازنة بين دعم الإبداع وتطوير الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الشركة تمتثل للقوانين وتراعي حقوق أصحاب المحتوى.
ويذكر أن هذا التحقيق ليس الأول من نوعه، فقد تعرضت جوجل خلال السنوات الماضية لسلسلة من التحقيقات والغرامات الضخمة بسبب ممارسات الاحتكار والإعلانات الرقمية والخصوصية. لكن التحقيق الجديد يُنظر إليه باعتباره الأكثر تأثيرًا، لأنه يلامس قلب ما تراهن عليه الشركة الآن: الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ومع تصاعد المخاوف العالمية من سيطرة شركات التكنولوجيا على المحتوى، تبدو قضية جوجل بمثابة اختبار واقعي لكيفية توازن أوروبا بين تشجيع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية. وفي الوقت الذي تواصل فيه المفوضية تحقيقاتها، تترقب شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام نتائج هذا التحرك، الذي قد يعيد رسم قواعد اللعبة بين الذكاء الاصطناعي وصنّاع المحتوى خلال السنوات المقبلة.