الجزيرة:
2025-06-27@14:36:20 GMT

قطر وإعادة تعريف الدبلوماسية الإنسانية

تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT

قطر وإعادة تعريف الدبلوماسية الإنسانية

كانت مبادرة الدبلوماسية الإنسانية التي أطلقتها كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة مؤخرًا بالتعاون مع مركز جنيف للدراسات الإنسانية في جامعة جنيف خطوة جديدة لتأكيد ركائز الدبلوماسية الإنسانية القطرية التي أرست دعائمها على مدار أكثر من عقدين، وهي الدبلوماسية التي تحاول الانتصار للإنسان، وإخراج حقوقه الأساسية من دائرة الصراع السياسي.

قبل أسابيع، وقف سعادة السيد منصور بن إبراهيم بن سعد آل محمود، وزير الصحة العامة في دولة قطر، خلال فعاليات الدورة الـ 78 لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، والتي عُقدت تحت شعار "عالم واحد من أجل الصحة" ليؤكد على التزام بلاده بمعايير الصحة العامة العالمية، ووصفها بأنها غاية سامية ووسيلة لتحقيق عالم أكثر عدالة، وأمنًا، وإنسانية.

وفي ظل المشهد الدولي المضطرب، مثّل هذا التصريح تضامنًا رمزيًا مع المنظمة بعد الهجوم الذي شنّه عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإصداره أوامر بسحب التمويل الأميركي لها – والذي يقدر بقيمة 1.28 مليار دولار- أي ما يعادل 12% من إجمالي الميزانية للفترة 2022-2023.

كما عكس التصريح الدور المتنامي لدولة قطر كدولة رائدة فيما يعرف بالدبلوماسية الإنسانية، وهو مصطلح يشير لاستخدام الأدوات الدبلوماسية لحماية المدنيين، والحفاظ على الخِدمات الأساسية، وتمهيد سبل السلام من خلال المشاركة الفعَّالة.

ويعتبر قطاع الصحة العالمية هو أكثر المجالات إلحاحًا لتطبيق هذا النهج الدبلوماسي في الوقت الراهن. ففي مختلف أرجاء العالم، تعاني أنظمة الصحة من ضغوط وصعوبات ممنهجة رغم محاولات التعافي من جائحة كوفيد-19، إلى الوضع المتأزم في السودان، وغزة، وسوريا، وحتى أوكرانيا، حيث تُقصف المستشفيات، وتُمنع سيارات الإسعاف، ويُقتل العاملون في القطاع الصحي، وتعتبر هذه الممارسات انتهاكًا مباشرًا وصريحًا للقانون الإنساني الدولي.

إعلان

وقد وثّقت منظمة الصحة العالمية أكثر من 2.500 هجوم على مرافق الرعاية الصحية بين عامي 2022 و2024. وتُعرّف هذه الهجمات على أنها "أي فعل من أفعال العنف اللفظي، أو الجسدي، أو العرقلة، أو التهديد بالعنف وإعاقة الوصول إلى أو تقديم خدمات الرعاية الصحية العلاجية أو الوقائية في حالات الطوارئ".

لكن هذه الأرقام، على خطورتها، تُخفي مشاكل أعمق، فهناك فرق أخلاقي عميق بين الاعتداء اللفظي على ممرضة واستهداف مستشفى وقصفه عمدًا. كما أن تصنيف هذه الأفعال المتباينة ضمن نفس الفئة يزعزع الرأي العام، ويعرقل المساءلة المؤسساتية، فضلًا عن تقويضه للأسس التي بُني عليها قانون الحرب.

ويتجلى ذلك بشكل واضح في التدمير الممنهج للبنية التحتية الصحية في قطاع غزة؛ نتيجة الغارات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال: القتل الوحشي لأطفال الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار، اختصاصية طب الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس، حيث قُتل تسعة من أبنائها العشرة في الرابع والعشرين من شهر مايو/ أيار في غارة جوية إسرائيلية، بينما كانت تؤدي عملها وتنقذ حياة الآخرين.

كما أُصيب زوجها الذي يعمل طبيبًا في نفس المستشفى وطفلها الناجي بجروح خطيرة. إن استهداف عائلة الطبيبة التي كرّست حياتها لرعاية الآخرين بهذا الشكل الوحشي يوضح التمادي في الأذى والتخلي عن المبادئ الإنسانية؛ ومع ذلك، تُقابل مثل هذه الفظائع بلغة بيروقراطية ولوحات بيانات إحصائية، وهذا بالطبع لا يكفي.

وهنا تتجلى أهمية النهج القطري في الدبلوماسية الإنسانية.

فخلافًا للقوى الغربية الكبرى التي تقيدها التحالفات والعلاقات الإستراتيجية، نجحت دولة قطر في خلق مكانة فريدة لها من خلال الاستفادة من مواقفها الحيادية، وقوة تأثيرها، وتسخير مواردها المالية لتعزيز الحماية الإنسانية في أكثر المناطق السياسية اضطرابًا، إضافة إلى تمويلها عمليات الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وتقديم استجابات سريعة للكوارث الطبيعية، والتوسط لتسهيل الوصول الإنساني، بما في ذلك في قطاع غزة.

ولا تكتفي قطر بتقديم استجابات فورية لأزمات الصحة العالمية فحسب، بل تساهم أيضًا بفاعلية في إعادة تشكيل الممارسات الدبلوماسية في عصر تهيمن فيه القوة على القانون، وتنهار فيه المرجعيات المشتركة، والمعايير، والمؤسسات.

ولا تقتصر الدبلوماسية الإنسانية على تقديم المساعدات فقط، بل تتطرق أيضًا لجعل الرعاية أولوية سياسية وتساهم في استعادة الثقة بالمنظمات الدولية، مثل: منظمة الصحة العالمية، التي أنقذت ملايين الأرواح على مر السنين.

كما تعني ممارسة الضغوط من أجل إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار في خضم الحروب الدموية، لحماية المدنيين وتمكين التدخلات المنقذة للحياة. وتشير أيضًا لإمكانية عقد مفاوضات لتوفير المياه، والدواء، والوقود، والغذاء عند غلق المعابر التقليدية.

كما تعني أخيرًا استخدام المصداقية الدبلوماسية للدفاع عن العاملين في القطاع الصحي، لأنهم ليسوا مجرد خسائر جانبية يمكن التغاضي عنها فحسب، بل هم مدافعون أساسيون عن الأرواح والكرامة.

إعلان

وتطرح الدبلوماسية الإنسانية القطرية إمكانية أكبر لاستخدام الرعاية الصحية كجسر نحو السلام. فمنذ القدم، كانت الرعاية الصحية واحدة من المجالات القليلة التي يبحث فيها الخصوم عن تحديد المصالح المشتركة، إذ تخلق حملات التطعيم، ومراقبة الأمراض، والاستجابة السريعة للأوبئة فرصًا للتعاون المشترك في وسط النزاعات؛ وفي حال تم تنفيذها بعناية، يمكن أن تفتح الدبلوماسية الصحية قنوات خلفية، وتبني الثقة، وتضفي طابعًا إنسانيًا على المفاوضات التي قد تكون مستحيلة سياسيًا في الظروف العادية.

وفي ضوء كل ما سبق، تكتسب المبادرة التي أطلقتها كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة بالتعاون مع مركز جنيف للدراسات الإنسانية في جامعة جنيف أهميتها، فهي تهدف لاستكشاف آلية دمج الدور المزدوج لدولة قطر- كونها جهة مانحة وداعمة للتفاهم والحوار- في نموذج قوي يعزز مشاركاتها الفعَّالة، فمن خلال اتباع هذا النموذج، يمكن لدولة قطر أن تترأس الطريق نحو صياغة معايير جديدة تركز على حماية العاملين في القطاع الصحي، والعمل الإنساني، وتعميم السلام، وهذا سيبرهن على أنه بالرغم من وجود عالم منقسم، إلا أنه لا يزال بمقدور الدول الصغيرة ريادة التغيير الإيجابي بالتعاطف، والشجاعة، والشفافية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدبلوماسیة الإنسانیة الصحة العالمیة الرعایة الصحیة

إقرأ أيضاً:

الرعاية الصحية: شراكات استراتيجية مع كبرى الكيانات الخاصة لتكون شريكًا أساسيًا

عقد الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، عددًا من اللقاءات والفعاليات الاستراتيجية المهمة مع كبرى الكيانات الصحية الخاصة، مؤكدًا أهمية أن تكون تلك الكيانات  شريكًا أساسيًا في تطوير الرعاية الصحية في مصر.

جاء ذلك على هامش مشاركته في النسخة الرابعة من معرض ومؤتمر الصحة الأفريقي "Africa Health ExCon 2025"، المُقام خلال الفترة من 24 إلى 27 يونيو الجاري، تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.

علاج المرضى من داخل مصر وخارجها


وأوضح رئيس هيئة الرعاية الصحية أنه تم الاتفاق على  إنشاء مركزين متخصصين في علاج الأمراض الجلدية بمعايير عالمية بالتعاون مع لوريال العالمية لعلاج المرضى من داخل مصر وخارجها.

وأشار السبكي: نستهدف بالتعاون لتعزيز حملات التوعية المجتمعية للوقاية من الأمراض الجلدية والتناسلية إضافة إلى دعم البحث العلمي فضلًا عن تدريب الأطقم الطبية.

ومن جانبه، ثمن السيد محمد العربي، رئيس مجلس إدارة شركة لوريال جمهورية مصر العربية، الشراكة مع هيئة الرعاية الصحية، مؤكدًا أن الاتفاقية تمثل نقطة تحول في التزام لوريال مصر المستمر بتطوير الرعاية الصحية، من خلال توفير خدمات جلدية متقدمة قائمة على الابتكار والعلم والتكامل، بما يحقق نتائج صحية شاملة تخدم المريض المصري.

وقد مثّل الهيئة في توقيع مذكرة التفاهم الدكتور أمير التلواني، المدير التنفيذي للهيئة العامة للرعاية الصحية، فيما وقّعت عن شركة لوريال السيدة ساندرين جافيت سيبوني، المدير العام للشركة، كما حضر مراسم التوقيع من الهيئة الدكتورة ريهام الشناوي، مدير الإدارة العامة للاتصال والتعاون الدولي، ومن جانب الشركة كل من الدكتورة رُبا علي، المدير الإقليمي للعلاقات الحكومية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسيدة نهلة مختار، مدير إدارة العلاقات العامة.

وفي سياق متصل، التقى الدكتور أحمد السبكي مع الدكتور أحمد العزبي،لبحث سبل التعاون في تطوير منظومات سلال الإمداد ونقل خبرات القطاع الخاص في حوكمة صرف الأدوية والمستحضرات الطبية.

ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد العزبي، اعتزازه بالتعاون مع هيئة الرعاية الصحية ، لافتًا إلى سعي الهيئة الى تدشين علاقة استراتيجية تدعم تدريب الكوادر العاملة بمجال الصيدلة وسلاسل الامداد لتحقيق الكفاءة التشغيلية في هذا المجال .

هذا وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة العامة للرعاية الصحية تشارك بجناح تكنولوجي متكامل ومتميز في قاعة Hall 1 ضمن فعاليات معرض Africa Health ExCon 2025، حيث تستعرض من خلاله أبرز مشروعاتها وإنجازاتها في مجالات الرعاية الصحية الشاملة، والتحول الرقمي، والتكامل بين مختلف خدمات الرعاية، كما تهدف الهيئة من خلال جناحها إلى إطلاع الجمهور على التجربة المصرية الرائدة في تقديم خدمات صحية بمعايير عالمية تُسهم في تعزيز صحة المواطن وتحقيق جودة الحياة.

طباعة شارك الرعاية الصحية AFRICA Africa Health Africa Health ExCon الصحة الأفريقي الكيانات الصحية

مقالات مشابهة

  • انطلاق مناقشات دولية من القاهرة عن مستقبل الرعاية الصحية في أفريقيا
  • "الصحة العالمية" توثق 844 حالة اعتداء على الرعاية الصحية في الضفة
  • مصر تطرح رؤى متقدمة حول الجودة والاستدامة البيئية في الرعاية الصحية خلال مؤتمر أفريقي
  • رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي وزيرة الصحة الناميبية ورئيس صندوق تمويل التعليم في أفريقيا
  • الرعاية الصحية: تضاعف خريجي كليات الطب إلى 26 ألف سنويًا
  • الرعاية الصحية: شراكات استراتيجية مع كبرى الكيانات الخاصة لتكون شريكًا أساسيًا
  • جامعة أسوان تطلق 100 بحث تطبيقي لتحسين خدمات الرعاية الصحية بالمحافظة
  • المعهد العالي لإدارة الأعمال يمدد تسجيل ماجستير إدارة الرعاية الصحية
  • منظمة كير العالمية تدعم تدريب فرق الإستجابة السريعة بصحة الجزيرة