تحت هضبة سلمى بسلطنة عمان شبح صامت أعاد رسم ملامح القارات
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
يعرف الجيولوجيون "العمود الماغماتي" بأنه تيار صاعد من الصخور المنصهرة جزئيا (أو الساخنة جدا) ينطلق من أعماق الأرض، وغالبا من الحدود الفاصلة بين طبقتي اللب والوشاح الأرضيتين، ويتجه نحو السطح.
وعادة ما تكون هذه الصخور أخف وزنا من الصخور المحيطة بها، مما يدفعها إلى الارتفاع ببطء، تماما كما تصعد فقاعة من الحليب الساخن في قدر على النار.
وإذا كان من السهل رصد هذا النوع من الأعمدة بفضل آثاره الظاهرة، مثل إطلاق الحمم وتشكيل البراكين، فإن فريقا دوليا من العلماء كان على موعد مع اكتشاف فريد من نوعه في سلطنة عُمان، وتحت هضبة سلمى (في الجزء الشرقي من البلاد) أطلقوا عليه وصف "العمود الشبحي".
وفي الدراسة المنشورة في دورية" إيرث آند بلانيتري ساينس ليترز" أوضح الباحثون أن هذا النوع غير النمطي من "أعمدة الماغما" لا يُطلق حمما ولا يُحدث براكين، لكنه ذو تأثير بالغ، إذ لعب دورا حاسما قبل نحو 40 مليون سنة في تغيير مسار الصفيحة الهندية أثناء تصادمها مع الصفيحة الأوراسية، وهو ما ساهم في إعادة تشكيل ملامح القارات.
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات جامعة القاهرة (غير مشارك بالدراسة) للجزيرة نت "نظريا، كنا نفترض وجود هذا النوع من أعمدة الماغما، التي وصفها الباحثون في دراستهم بالأعمدة الشبحية، استنادا إلى ظهور براكين في أماكن غير تقليدية".
ويستطرد قائلا "لكن ما يميز الاكتشاف في سلطنة عُمان أنه أول دليل مباشر على وجود عمود وشاح نشط لا يصاحبه نشاط بركاني، وهو ما حول الفرضية إلى واقع مدعوم بالبيانات الزلزالية والتحليل الجيوفيزيائي".
وأضاف "هذا النوع من الاكتشافات يفتح آفاقا جديدة لفهم ديناميكيات باطن الأرض، خصوصا في المناطق القارية التي طالما افترضنا أنها تخلو من أعمدة الوشاح بسبب سماكة قشرتها، والتي تعيق صعود الماغما، فالعمود المكتشف تحت هضبة سلمى، من خلال تأثيره القديم في انحراف حركة الصفيحة الهندية، يبرهن على أن هذه الأعمدة قد تكون صامتة بركانيا لكنها نشطة تكتونيا".
بدأت قصة الاكتشاف، كما يرويه الدكتور سيمون بيليا الجيوفيزيائي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، من ملاحظة طبوغرافية بسيطة، وهي أن هضبة سلمى ترتفع قليلا عن محيطها الجيولوجي، دون أي مؤشرات لنشاط بركاني ظاهر، وهو ما أثار الشكوك.
إعلانويقول بيليا في تصريحات لموقع "لايف ساينس": إن العمود الماغماتي مادة ساخنة "وعندما يكون تحت السطح، تدفع لأعلى وتخلف تضاريس، والارتفاع عند هضبة سلمى طفيف، لكنه موجود، وهذا يخبرنا أن العمود نشط بالفعل".
ولتحليل ذلك، اعتمد الفريق على شبكة رصد زلزالي كثيفة تغطي سلطنة عمان، وهي من بين الأفضل في المنطقة. وبفضل الموجات الزلزالية التي تسلك مسارات وسرعات مختلفة بحسب تركيبة الصخور، رسم الباحثون خريطة لما تحت سطح الأرض، كشفت عن وجود منطقة عميقة ساخنة ومنخفضة الكثافة، تُشبه العمود الماغماتي لكن بدون أي نشاط بركاني مصاحب.
ويقول الدكتور بيليا "في العادة، أعمدة الماغما تشعل البراكين لأنها تنصهر أثناء صعودها عبر القشرة. لكن في القارات، القشرة أكثر سماكة، مما يمنعها من بلوغ السطح، لذلك افترض كثيرون غيابها لكن غياب البركان لا يعني غياب العمود".
وبعد تحديد موقع هذا "العمود الصامت" بدأ الفريق في تتبع أثره القديم على الصفائح التكتونية. وبالعودة إلى البيانات الحركية للصفائح، أعاد العلماء بناء مسار الصفيحة الهندية أثناء تصادمها مع أوراسيا قبل 40 مليون سنة، ووجدوا أن مسار التصادم تغير طفيفا باتجاهه، في فترة تتزامن مع وجود العمود.
ومن خلال نماذج رياضية متقدمة، توصل بيليا وفريقه إلى أن "العمود الشبحي" قد أنتج ما يُسمى "الإجهاد القصي" وهو نوع من القوى الداخلية التي تدفع الصخور بشكل مائل، مما يؤدي إلى انزلاقها أو تحركها جانبيا.
ويشرح بيليا "مثلما تدفع غطاء صندوق من طرفه بينما قاعدته ثابتة، فإن الصخور في باطن الأرض تنزلق بفعل هذا الضغط الجانبي، وهو ما يكفي لتغيير اتجاه الصفائح التكتونية بأكملها".
وكان هذا الضغط كافيا لتغيير زاوية حركة الصفيحة الهندية خلال تصادمها مع أوراسيا، مما يجعل من هذا العمود الصامت على السطح فاعلا خفيا أعاد تشكيل خريطة القارات كما نعرفها اليوم.
المزيد من الأشباح الجيولوجيةيفتح هذا الاكتشاف آفاقا واسعة أمام الباحثين لإعادة النظر في المناطق القارية التي لطالما اعتبرت "صامتة" من الناحية البركانية.
ويشير بيليا إلى أن أفريقيا تمثل مرشحا قويا لاحتضان أعمدة شبحية أخرى، نظرا لأنها تقع فوق إحدى "مناطق السرعة المنخفضة" الضخمة وهي عميقة جدا في باطن الأرض، وتحديدا عند الحدود بين اللب والوشاح (على عمق نحو 2900 كيلومتر) حيث تسير الموجات الزلزالية فيها بسرعة أقل من المعتاد، ويُعتقد أنها تغذي أعمدة ماغماتية عملاقة.
ويضيف "إذا كنا قد اكتشفنا هذا العمود في سلطنة عمان بفضل شبكة زلزالية كثيفة، فهناك احتمال كبير لوجود أعمدة مماثلة في أماكن أخرى لم تُرصد بعد، ببساطة لأننا لا نمتلك بيانات كافية".
وبينما يواصل العلماء تطوير أدوات الرصد الزلزالي والنمذجة ثلاثية الأبعاد، من المرجح أن تزداد اكتشافات ما يُسمى "الأعمدة الشبحية" مما قد يحدث تحولا جذريا في فهمنا لديناميكيات باطن الأرض، ولشكل القارات الذي نظنه ثابتا، لكنه لا يزال يستجيب لقوى شبحية تعمل في صمت تحت أقدامنا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات باطن الأرض سلطنة عمان هذا النوع فی سلطنة وهو ما
إقرأ أيضاً:
تجربة مسيّرة الخفاش الشبح تغير ملامح حروب المستقبل
يرى الكاتب دافيدي بارتوتشيني في تقرير نشره موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي أن تجربة تدمير طائرة في الجو بواسطة صاروخ أطلقته مسيّرة من طراز "بوينغ إم كيو-28 إيه غوست بات" يمثل نقطة تحول في تاريخ القتال الجوي.
وقال الكاتب إن نجاح هذه التجربة يثبت أن المسيّرات لم تعد تُستخدم لأغراض الدعم القتالي أو اللوجستي أو الاستخباراتي فقط، بل باتت جاهزة لخوض المعارك تماما مثل الطائرات المقاتلة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسيّرة تقصف مركبة عسكرية بالسويداء والأمن يتوعد الفصائل بالردlist 2 of 2نيويورك تايمز: هكذا ستبدو حروب المستقبلend of listوذكر الكاتب أن هذه المناورة العسكرية أُجريت بواسطة طائرة مسيّرة تابعة لسلاح الجو الملكي الأسترالي، طوّرتها شركة "بوينغ ديفنس أستراليا" بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الخفاش الشبحوأضاف أن هذه التجربة تظهر الدور المهم الذي تلعبه أستراليا في مجال الأسلحة المتطورة، وتؤكد التقدّم التكنولوجي المحقق في مجال تقليل المخاطر على البشر وتعزيز فعالية أنظمة الأسلحة المخصصة للصراعات المستقبلية.
وخلال المناورة، قامت المسيّرة الأسترالية "غوست بات" (الخفاش الشبح) بتعقب الهدف، واشتبكت معه ودمّرته باستخدام صاروخ جو-جو من طراز "إيه آي إم-120 أمرام"، بالتنسيق مع طائرة "بوينغ إي-7 إيه ويدجتيل" ومقاتلة "إف إيه-18 إي/إف سوبر هورنت".
التجربة تثبت أن المسيّرات لم تعد تُستخدم لأغراض الدعم القتالي أو اللوجستي أو الاستخباراتي فقط، بل باتت جاهزة لخوض المعارك تماما مثل الطائرات المقاتلة
وحسب الكاتب، فإن نجاح هذه المهمة يؤكد بشكل حاسم دور المسيّرات في مضاعفة القوة القتالية الجوية، حيث إنها قادرة على العمل في بيئات معقدة ومعادية، مما يعزّز قدرة الطيارين على تنفيذ المهام ويزيد من كفاءة العمليات الجوية.
ويرى الكاتب أن هذه المناورة التي قامت بها أستراليا لا تمثّل مجرد إنجاز تقني، بل بداية لمرحلة جديدة في المعارك الجوية، حيث يتعاون الطيارون مع المسيّرة ضمن فريق متكامل يعمل بتنسيق تام.
حروب المستقبلوكانت مجلة "لوبس" الفرنسية قد أكدت سابقا أن المسيرات باتت تعيد تشكيل مفاهيم القتال مثلما برز في الحرب في أوكرانيا.
وذكرت أن حروب عام 2025 تتجه سريعا نحو نقطة اللاعودة، مدفوعة برغبة في تقليل الخسائر البشرية، لتصبح المسيّرات، بكل ما تمثله من تطور وسرعة في التحول، رمزا قاتما لعصر يعاد فيه تعريف الحرب والقيم وحتى حدود الإنسانية.
إعلانيذكر أن إنتاج المسيّرات يتم بوتيرة غير مسبوقة، إذ تسعى موسكو إلى تصنيع 32 ألف طائرة مسيرة سنويا بحلول عام 2030، وفق ما أُعلن خلال اجتماع عسكري ترأسه الرئيس فلاديمير بوتين مؤخرا، إذ تم الكشف عن خطط لإنشاء 48 مركزا لإنتاج المسيّرات خلال العقد المقبل.
وفي أفريقيا، تُقدّر القيمة الإجمالية لسوق المسيّرات بـ65.5 مليون دولار في 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 107 ملايين دولار في 2030، بنمو سنوي قدره 7.3%.