لا يتحدثون عن السلام في إسرائيل
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
لم تترك إسرائيل لحلفائها مجالاً للمناورة، ولا ما يكفي من الهامش للتلاعب باللغة. الدولة تحاكم بتهمة إبادة بشرية، قائدها مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، والكاميرات تنقل على مدار الساعة الحدث الأكثر بربرية ووحشية منذ الحرب العالمية الثانية. وزراء الحكومة الإسرائيلية يعبّرون، بلا مجاز، عن عزمهم على تصفية غزّة من السكان، التصفية العرقية كما هي في كتب في المدرسة.
مطلع هذا الشهر نشرت مؤسسة YouGov نتائج استطلاعها الذي أجرته على ست دول من غرب أوروبا حول الموقف من إسرائيل. تراوحت نسبة الذين يحملون نظرة إيجابية عن إسرائيل بين 13-21%. مستوى التعاطف مع إسرائيل في غرب أوروبا، بحسب YouGov، هو الأضعف على الإطلاق. فقد قال 6% فقط من الإيطاليين إن إسرائيل كانت محقّة في إرسال قواتها إلى غزة. أعلى نسبة تأييد لاجتياح غزة كانت في فرنسا، ومع ذلك فلم يتجاوز ذلك التأييد 16%، بحسب الاستطلاع. تعتاش إسرائيل على البروباغاندا، الهاسبارا بالعبرية، أحاطت نفسها بجدار ناري مكوّن من طبقات: الهولوكوست، البوغروم، معاداة السامية، الأقلّية، الكتاب المقدس، والتاريخ اليهودي- المسيحي المشترك. معاداة السامية، جدار الحماية الأول، يوشك أن يخسر صلاحيته بسبب تسليحه، ولسوء استخدامه. في الأيام الماضية نشرت الأكاديمية الإسرائيلية- اليهودية أورنا بن دافيد مقالاً قالت فيه إن جامعة هارفارد أدرجت أعمالها في تقرير حول الأنشطة المعرفية المعادية للسامية. في الشهر الأخير من العام 2023 أعدت مجلة The Harvard Crimson ملفاً بعنوان “معاداة السامية في هارفارد كما يراها سبعة من المنتسبين اليهود”. شارك المعلّم بيرني شتاينبيرغ في كتابة مقالة بعنوان “لأجل سلامة اليهود والفلسطينيين، توقفوا عن عسكرة معاداة السامية”. لاقت المقالة صدى كبيراً، ومما جاء فيها: “خلال مسيرتي الطويلة كمعلم وقائد يهودي، بما في ذلك ثلاثة عشر عامًا قضيتها في القدس، شهدت وعشت صراعات مجتمعي. والآن، بصفتي قائدًا مخضرمًا، ومع ما أتاحه لي الزمن من نظرة متبصرة، أشعر بأن عليّ واجب التحدث عمّا أراه توجهًا مزعجًا يهيمن على حرمنا الجامعي، وعلى كثير غيره، ألا وهو: الاستخدام الانتهازي لمعاداة السامية كسلاح من قبل قوى نافذة تهدف إلى ترهيب المنتقدين وإسكات النقد المشروع لإسرائيل ولسياسة الولايات المتحدة تجاهها”.
هراوة معاداة السامية تفقد معقوليتها الأخلاقية، وحتى قيمتها السياسية. تنبه لهذه الورطة 370 باحثاً إسرائيليّاً من حقول المعرفة الثلاثة: دراسات الهولوكوست، الدراسات اليهودية، ودراسات الشرق الأوسط. أصدر الباحثون قبل ثلاثة أعوام تعريفاً جديداً لمعاداة السامية أطلق عليه إعلان القدس، ويهدف إلى الحيلولة دون أن تذهب دالّة معاداة السامية إلى مصادفة مباشرة مع حريّة التعبير. فرّق الباحثون باستفاضة بين معاداة اليهودية، كدين وعرقيّة، ونقد الدولة الإسرائيلية وحتى الصهيونية. التعريف الذي أصدره التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، 2016، واعتمده الاتحاد الأوروبي كتعريف “عملي إجرائي” يجعل اليهودية والصهيونية والدولة الإسرائيلية شيئاً واحداً. زعزعت غزّة كل ذلك، وأجرت المياه الكثيرة في السواقي التي تفصل المسائل الثلاث. بل قادت إلى حرب ثقافية مزلزلة، نشهد تجلياتها في العالم الغربي من برلين إلى واشنطن.
في العام 2016 أقرت الدول الأوروبية تعريفاً واسعاً لمعاداة السامية يتكوّن من 46 صفحة، يتسع ليشمل كل شيء تقريباً، حد القول إن اليهود يملكون نفوذاً مالياً أو إعلامية معاداة للسامية. أضافت ألمانيا إلى التعريف الواسع مادة خاصة بها، جاء فيها إن انتقاد إسرائيل، بحسباها المشروع اليهودي الأكبر، يعد من قبيل معاداة السامية. والآن فيما يبدو سقطت هذه العصا العشوائية بسبب سوء استخدامها، وعلى ضوء الجريمة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة. ثمّة تحوّل متسارع للغة الغربيّة، من مديح إسرائيل الديموقراطية – التي لا يمكنها إلا أن تفعل أموراً مشروعة كما قال مستشار ألمانيا السابق- إلى علك الحديث عن القيم الغربية الديموقراطية التي ترفض التجويع والتصفيات العرقية.
تململت ألمانيا الرسمية أخيراً، وتحرّكت بعض استوديوهات التحليل في برلين على خجل. مثل ذلك يجري في الأجواء البريطانية والفرنسية. وجدت الليبرالية الغربية مخرجاً من المأزق الأخلاقي من خلال الحديث عن “حكومة متطرّفة في تل أبيب”، لا عن إسرائيل. حتى هذه الجملة لم تكتمل بعد، إذ يجري أغلب الحديث حول بعض الوزراء المتطرّفين، ويُلقى باللوم على وزيرين متطرفين، أحدهما من أصول كردية والآخر من أصول أوكرانية. عوقب الرجلان من قبل بعض الدول الغربية مؤخراً. تحاول الديموقراطية الليبرالية، من خلال هكذا تمويه وتشتيت أخلاقي، أن تحافظ على طهارتها، أو تقفز من السفينة الغارقة، إذا استعرنا من نورمان فينكلشتاين. غير أن دير شبيغل ترى الأمر على نحو مختلف، فالدبلوماسيون الألمان في الجنوب العالمي لم يعودوا يسمعون سوى كلمة واحدة: “النفاق”.
تقود إسرائيلَ مجموعةٌ سياسية تنتمي إلى اليمين الفاشي، وهذه ليست كل الأزمة. فالأجواء السياسية الإسرائيلية ملبّدة بذلك اليمين، حتى إن 82% من المستطلعة آراؤهم، في دراسة حديثة لجامعة بنسلفانيا، يؤيدون تطهير غزة عرقيّاً، بينما يرى أكثر من نصف السكان أن إبادة أهل غزة تتماشى مع ما جاء في سفر التثنية من الكتاب المقدس اليهودي.
عجلة التطرّف تدور بتسارع مثير، سوق المزايدة التوراتية مفتوح على مصراعيه، ولا حياة لسياسي ما لم يضرب بسهم في تلك المياه العكرة. لا معتدلون في إسرائيل، هنالك “مجتمع متعفن يندفع بغباء وجنون نحو غياهب النسيان والهلاك” بحسب الكاتبة الإسرائيلية رافيت هيشت في مقالها على صحيفة هآرتس في مايو من العام الماضي. أما اليسار – الذي قاد المجتمع اليهودي إلى حلم الدولة عبر حزب ماباي- فباتت أقصى أحلامه بلوغ الكنيست ولو ببضعة مرشّحين.
من صفحة الكاتب على منصة أكس
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
من ذكرى 30 يونيو.. السيسي يحذر من فرض السلام بالقصف والتطبيع القسري
وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الاثنين، دعوة صريحة إلى إحياء السلام في الشرق الأوسط، محذرا من أن العنف، والاحتلال، والتطبيع القسري، ليست أدوات لتحقيقه.
وقال السيسي في خطاب متلفز بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لـ"ثورة 30 يونيو": "السلام لا يولد بالقصف، ولا يُفرض بالقوة، ولا يتحقق بتطبيع ترفضه الشعوب"، مشدداً على أن تحقيق سلام عادل يتطلب "العدل والإنصاف والتفاهم"، وليس الفرض بالقوة العسكرية أو التواطؤ السياسي.
نداء من قلب الأزمات
في كلمته التي جاءت في ظل تصاعد الأزمات في المنطقة، من غزة إلى السودان وليبيا وسوريا واليمن والصومال، خاطب السيسي العالم من "منبر المسؤولية التاريخية"، داعياً إلى تحكيم صوت العقل ووقف الحروب التي تحاصر الشعوب العربية.
وأوضح أن "المنطقة بأسرها تئن تحت نيران الحروب، من أصوات الضحايا التي تعلو من غزة المنكوبة إلى صراعات ممتدة في دول عربية شقيقة"، مؤكداً أن مصر، باعتبارها "داعمة دائما للسلام"، تتحرك على جميع المسارات لمنع اتساع رقعة الصراع.
السلام لا يُفرض
في إشارة غير مباشرة إلى موجات التطبيع الأخيرة بين بعض الدول العربية وإسرائيل، قال السيسي إن "السلام الحقيقي لا يتحقق بتطبيع ترفضه الشعوب"، في رفض ضمني لمحاولات فرض مسارات سياسية لا تحظى بإجماع شعبي.
وشدد على أن "استمرار الحرب والاحتلال لن يُنتج سلاماً، بل يغذي دوامة الكراهية والعنف، ويفتح أبواب الانتقام والمقاومة التي لن تُغلق"، مضيفاً: "كفى عنفاً وقتلاً وكراهية.. وكفى احتلالاً وتهجيراً وتشريداً".
العودة إلى التجربة المصرية
وفي خطوة لربط الحاضر بالماضي، دعا السيسي إلى استلهام تجربة السلام المصري الإسرائيلي في السبعينيات، التي أسفرت عن توقيع معاهدة سلام عام 1979 بوساطة أمريكية، باعتبارها دليلاً على إمكانية تحقيق السلام متى توفرت النوايا الصادقة.
وأشار إلى أن "السلام، وإن بدا صعب المنال، فهو ليس مستحيلاً، فقد كان دوماً خيار الحكماء".
موقف واضح من فلسطين
في ختام كلمته، جدد الرئيس المصري تأكيده على ثوابت الموقف المصري من القضية الفلسطينية، قائلاً إن "السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
وتأتي تصريحات السيسي بعد ساعات من تأكيد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بأن القاهرة تعمل حالياً على اتفاق مرتقب لوقف إطلاق النار في غزة، يشمل هدنة مؤقتة لمدة 60 يوماً، ويهدف إلى تمهيد الطريق لحل سياسي شامل.
وأشار الوزير المصري إلى أن هناك "رؤية شاملة مطروحة من جانب واشنطن"، مع الإشادة بجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعرب مؤخراً عن تفاؤله بإمكانية إنهاء الحرب في غزة في القريب العاجل.
منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى الآن نحو 190 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى مجاعة حادة، ونزوح واسع النطاق، ودمار شبه كامل للبنية التحتية.
ورغم قرارات صادرة عن محكمة العدل الدولية بوقف العدوان، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية، وسط دعم أمريكي متواصل وتنديد دولي واسع.
وتواصل إسرائيل كذلك احتلالها للأراضي الفلسطينية وأجزاء من الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، رافضة الانسحاب منها أو الاعتراف بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
يذكر أنه في مثل هذا اليوم من عام 2013، خرجت حشود ضخمة إلى الشوارع في مختلف أنحاء مصر فيما عُرف بمظاهرات 30 يونيو، بدعوة من قوى سياسية معارضة لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في تاريخ البلاد.
جاءت المظاهرات بعد عام واحد فقط من تولي مرسي السلطة، وسط اتهامات له بـ"أخونة الدولة" والانفراد بالقرار السياسي. وقد مهدت هذه الاحتجاجات الشعبية، التي وُصفت بأنها الأضخم منذ ثورة 25 يناير، الطريق لتدخل الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، الذي أعلن في 3 يوليو 2013 عزل مرسي وتعليق العمل بالدستور، بدعم من عدد من القوى السياسية والدينية.
هذا التحول الدرامي في المشهد السياسي المصري أنهى تجربة ديمقراطية قصيرة، وفتح الباب أمام صعود السيسي إلى سدة الحكم، حيث انتُخب رئيسًا للجمهورية في 2014، وسط انقسام حاد لا يزال يطبع الذاكرة السياسية المصرية حتى اليوم.