إبراهيم شعبان يكتب: تغيير الشرق الأوسط.. نتنياهو يغذي حربا طويلة
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
في خطاب ناري أمام الكنيست الإسرائيلي، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته نجحت في "تغيير وجه الشرق الأوسط"، معتبرًا أن ما تحقق على مدار الشهور الماضية يمثل إنجازًا غير مسبوق في تاريخ إسرائيل.
وتحدث نتنياهو بثقة عما ما وصفه بـ"النجاحات" على عدة جبهات، أبرزها لبنان وسوريا وغزة واليمن، مُشيرًا إلى "القضاء" على محمد السنوار، واستعادة 197 رهينة إسرائيلية، وخلق "واقع جديد" في لبنان.
وفي تصعيد لافت، وصف نتنياهو إسرائيل بأنها "قوة عظمى إقليمية"، مؤكدًا أن حكومته أحبطت خطر حزب الله وفرضت معادلة جديدة في الشمال. كما أشار إلى استمرار سعيه لتحقيق "الانتصار الكامل" على حماس في غزة.
ورغم ما يسوقه نتنياهو كـ"إنجازات"، فإنه ينكر متعمدا خسائر فادحة تعرض لها الداخل الإسرائيلي، بسقوط مئات الجنود في جحيم غزة وألاف الجرحى والمصابين ودمار في حيفا وتل أبيب وأشدود وغيرها.
وعلى الناحية الثانية، فإن الواقع في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان يرسم صورة مأساوية عنوانها الدم والدمار، فالعدوان على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، حوّل القطاع إلى ساحة إبادة جماعية، وفرض حصارًا خانقًا وتجويعًا وتهجيرًا قسريًا للفلسطينيين، يعد وصمة عار حقيقية على العرب والعالم في آن واحد.
كما تتواصل اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، ما يضغط على السلطة الفلسطينية ويدفع الفلسطينيين لمزيد من الانهيار الإنساني والسياسي.
أما في لبنان، فقد فجّرت الغارات الإسرائيلية المتكررة وحتى بعد وقف اطلاق النار توترًا غير مسبوق، وسط مخاوف من تحول التصعيد إلى حرب شاملة جديدة، تنتظر لحظة الانفجار.
ومع السيطرة الإسرائيلية الكاملة على هضبة الجولان، وتصعيد العمليات والانتهاكات ضد سوريا واليمن وإيران، تتضح ملامح استراتيجية توسعية تهدف لفرض "شرق أوسط جديد" يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
وفي مواجهة خطاب نتنياهو، جاء الرد المصري حازمًا وواضحًا. حيث وصف وزير الخارجية بدر عبد العاطي، ما تروج له إسرائيل من "تغيير خريطة الشرق الأوسط" بأنه "وهم"، مشددًا على أن أمن المنطقة لا يتحقق بالقوة العسكرية أو الإملاءات الأجنبية، بل من خلال احترام سيادة الدول وإرادة شعوبها.
عبد العاطي الذي دعا إلى هدنة في غزة لمدة 60 يومًا، وبشر بها قبل يومين، حمّل إسرائيل مسؤولية خرق الهدنة التي أُبرمت في يناير الماضي، محذرًا من أن استمرار العدوان من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة بأسرها. وأكد أن القاهرة ترفض الحلول العسكرية وتتمسك بالمسار السياسي والدبلوماسي كسبيل وحيد لتحقيق السلام.
.. خطاب "تغيير الشرق الأوسط" الذي يتبناه نتنياهو، بدعم واضح من الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، ليس جديدًا. فقد سبق هذا الطرح تصعيد ميداني ممنهج بدأ بضرب البرنامج النووي الإيراني، ومرّ عبر سلسلة من الحروب في غزة، وانتهى إلى زعزعة الاستقرار والعدوان على دول مثل اليمن وسوريا ولبنان، الأمر الذي حول الصراع من محلي إلى إقليمي مفتوح، تُستخدم فيه الطائرات المسيّرة والصواريخ والأسلحة الذكية، وتُغلق فيه ممرات استراتيجية كالبحر الأحمر.
اللافت في هذه المعادلة الجديدة، هو غياب إرادة دولية فاعلة لوقف آلة الحرب. وغياب الأنظمة العربية والتي تقف حتى الآن في موقع المتفرج، ما يشجع نتنياهو لاستغلال هذا الفراغ السياسي لتكريس واقع احتلالي جديد، تحت مسمى "تغيير الشرق الأوسط".
الرهان الإسرائيلي - الأمريكي على فرض وقائع جديدة في الشرق الأوسط بالقوة العسكرية يبدو حتى اللحظة محاطًا بالعواصف والدماء والانهيارات. فلا المقاومة الفلسطينية – الشعبية والمسلحة - في غزة توقفت، ولا حزب الله اختفى وإن كان قد تراجعت قوته كثيرا، ولا البرنامج النووي الإيراني توقف نهائيًا، وان تعطل لشهور أو لسنوات وفق بعض التقديرات..
وما تفعله إسرائيل الآن هو تغذية صراع طويل المدى قد يجر المنطقة نحو مزيد من الفوضى والدمار.
خطاب نتنياهو عن "الشرق الأوسط الجديد وهندسته" ليس سوى نسخة محدثة من مشروع قديم يرتكز على الإقصاء والإخضاع بدلاً من التفاوض والتعايش.
أما القاهرة، فإنها لا تزال ترفع الصوت عاليا لتذكّر العالم أن السلام لا يُفرض بالدبابات، بل يُبنى عبر الحوار واحترام الحقوق، وهذا هو الحل الأوحد والأمثل للجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بنيامين نتنياهو الكنيست السنوار الشرق الأوسط فی غزة
إقرأ أيضاً:
عالم جديد… عالم متوحش جدا
يتوجب على كل دول العالم وبالأخص دول الشرق الأوسط، والدول العربية الأخرى، بعد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران، وما تبعه من ضربة أمريكية على المواقع النووية الإيرانية أن تستخلص مجموعة من النتائج التي باتت أقرب من المسلمات في تعامل الحلف الصهيوـ أمريكي بشكل خاص، والغربي بشكل عام إزاء دول العالم الأخرى والتي تؤكد على ثوابت لا مجال للمساس بها.
هذه الثوابت هي من محرمات النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية: أولا الرفض القاطع للمطالبة بمحاسبة إسرائيل على جرائمها (وآخر فيتو أمريكي في مجلس الأمن بخصوص العدوان على غزة، وارتكابها جرائم حرب، وإبادة جماعية، وعدم إدخال المساعدات، رغم موافقة 14 عضوا آخرين على مشروع القرار الأممي، والهجوم غير المبرر للإدارة الأمريكية السابقة واللاحقة على محكمة الجنايات الدولية بسبب إصدار حكم بإلقاء القبض على بنيامين نتنياهو ويولاف غالانت كمجرمي حرب لخير دليل على ذلك).
ثانيا حصر الحق في امتلاك القوة العسكرية والنووية في إسرائيل: (لا يحق لأي دولة، وخاصة دول الشرق الأوسط امتلاك قوة عسكرية تفوق، أو حتى تماثل قوة إسرائيل، وخاصة امتلاك السلاح النووي. (السلوك العدواني المشترك للحلف الصهيوـ أمريكي ضد المفاعل النووي العراقي أوزيراك، أو عملية بابل التي قامت بها إسرائيل بدعم أمريكي في السابع من حزيران 1981 ودمرت بها المفاعل العراقي، ثم تدمير المفاعل السوري، أو عملية البستان التي قامت بها إسرائيل في العام 2007، ثم إرغام ليبيا على تفكيك المفاعل النووي الليبي في العام 2003 بعد التهديد الأمريكي) هذا في الوقت الذي تمتلك فيه إسرائيل مفاعلا نوويا (مفاعل ديمونا) الذي قامت فرنسا ببنائه في العام 1958 دون إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا المفاعل أحد أبرز الأسرار المركزية في السياسة العسكرية الإسرائيلية، ولا يتم الحديث عنه إطلاقا إلا في ما ندر.
(أثيرت قضية مفاعل ديمونا في أعقاب قضية مردخاي فعنونو الذي كشف عن بعض أسرار هذا المفاعل وقامت إسرائيل باختطافه والحكم عليه بالسجن 18 سنة). إلا أن المحافل الدولية لا تتجرأ إطلاقا الإشارة إلى ما تمتلكه إسرائيل من تكنولوجيا نووية، والسلاح النووي، ولكن الجميع يعلم ذلك والجميع يتجاهل ذلك أيضا، على الرغم من المطالبة المستمرة من الدول العربية بأن يكون الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية منوهين بذلك لامتلاك إسرائيل هذا السلاح، دون ذكره، لكن أكثر من مسؤول إسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى طالبوا الحكومة باستخدام السلاح النووي بما يؤكد امتلاكها لهذا السلاح.
"إطالة الحرب مع إيران قد تلجئنا إلى السلاح الاستراتيجي""
وقد ذكرت صحيفة «لومانيتيه» الفرنسية بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران في عنوان عريض: «كيف امتلكت إسرائيل السلاح النووي في ظل غموض تام وتجاهل للقانون الدولي» وذكرت أن أيا من الرؤساء الأمريكيين يجرؤ بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بل أن دونالد ترامب انسحب في العام 2019 من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى ما فتح الباب على عالم يسوده الفوضى وتداس فيه القوانين الدولية دون رادع».
وتشير صحيفة «لو مانيتيه» إلى مصدر رفيع في «الموساد» الذي صرح مؤخرا إن: إطالة الحرب مع إيران قد تلجئنا إلى “السلاح الاستراتيجي»، والمقصود السلاح النووي.
وأصوات في الإدارة الأمريكية لم تستبعد الخيار النووي قبل توجيه ضربتها بقنابل خارقة للخراسانات. ثالثا: لم تعد أي دولة في الشرق الأوسط (أو غيره) بمنأى أن تمحى عن الخريطة في المخططات الصهيو ـ أمريكية حسب تصريحات نتنياهو نفسه الذي يريد أن يغير وجه الشرق الأوسط مؤيدا كلامه بخرائط جديدة عرضها على منبر الأمم المتحدة، ومتكئا على دعم دونالد ترامب الذي أهداه في شوطه الأول الجولان السوري بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها.
منذ غزو روسيا «الدولة العظمى» لأوكرانيا، واحتلال أراضيها بالقوة العسكرية، وضمها إلى الأراضي الروسية، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة، وأراض في لبنان وسوريا، ( ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقات الدولية بانتهاكها دون رادع اتفاقية فصل القوات في سوريا، والقرار الأممي 1701 بالنسبة للبنان، وانتهاك اتفاقية كامب دافيد مع مصر بتواجد قواتها على محور نتساريم) ومطالبات دونالد ترامب بضم كندا، واحتلال غرينلاند، والاستيلاء على قناة بنما، والتنويه إلى احتلال غزة وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ثم الاعتداء الإسرائيلي على إيران بدعم الولايات المتحدة دون سابق إنذار، وبخداع الجانب الإيراني بالمفاوضات في الوقت الذي كانت القوات الإسرائيلية تجهز نفسها لتوجيه ضربتها لإيران وإطلاق تصريحات بنيتها تغير النظام، كما حدث في العراق واسقاط نظام صدام حسين.
(نذكر هنا باستراتيجية الاحتواء المزدوج التي أطلقها السفير الأمريكي السابق في إسرائيل مارتن إنديك والتي ترتكز على احتواء العراق وإيران وقد نجحت أمريكا في احتواء العراق في العام 2003 واليوم تحاول احتواء إيران) هذه الأحداث المتتالية خلال السنوات القليلة الماضية تؤكد أن عالما جديدا يتشكل يقوم على مبدأ القوة ولا وجود للضعفاء فيه، وهذا ما يفسر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط، وهذا التغيير في ذهنية إسرائيل هو التوسع في احتلال الدول المجاورة، وخلق كيانات جديدة من الأقليات تدين بالولاء لها.
وصرحت مديرة معهد تشاتام هاوس برونوين ما دوكس في لندن لصحيفة اوبزيرفر قائلة: « نحن نعيش الآن في عالم تستطيع فيه الدول القوية أن تفعل ما تشاء». ويرى بيتر ريكيتس، الرئيس السابق لوزارة الخارجية البريطانية، وأول مستشار للأمن القومي في بريطانيا، أن هذه الفترة أكثر إثارة للقلق من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة. نهج القوة في الشؤون الدولية من أمريكا وروسيا والصين، المقترن بضعف الأمم المتحدة، لم نشهد هذا المزيج من قبل». ببساطة فإن الأمر يعيد إلى الأذهان عودة الإمبريالية المزدوجة البريطانية الفرنسية متمثلة اليوم بالإمبريالية الصهيو ـ أمريكية.
يكمن التهديد الوجودي للعرب في قوتين متناحرتين تسعيان كل واحدة من طرفها الهيمنة على بعض الدول العربية وخاصة دول الشرق الأوسط، وقد نوهت أكثر من دولة عربية لهذا التهديد المزدوج دون اتخاذ أي إجراء رادع، وآخر تحذير جاء على لسان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي قال بأن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتوسيع رقعة الحرب بهدف رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، مشيرا إلى « فشل المجتمع الدولي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين».
وأظهرت الحرب الإيرانية الإسرائيلية أن إسرائيل تنتهك أجواء الدول العربية في المنطقة دون موافقتها متجاوزة بذلك كل القوانين الدولية وسيادة هذه الدول، وبعبارة أخرى أن هذه الدول أصبحت مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي، وفي تحليل للكاتبة الصحافية الأمريكية كاثلين جونستون في رد على رسالة سفير أمريكا لإسرائيل مايك هاكابي الذي مجد فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونوه فيها لاستخدام السلاح النووي قالت: «إن مجرد التلويح باستخدام السلاح النووي يعد أمرا مرعبا، وأن رفض واشنطن وتل أبيب لحصول إيران على السلاح النووي» لا ينبع من الخوف في استخدامه بل من فقدان القدرة على تغيير الأنظمة في المنطقة، إنهم يريدون إسقاط طهران لضمان السيطرة الإقليمية الكاملة، ولو لم تكن إيران تسعى لأن تمتلك السلاح النووي لبحثوا عن ذريعة أخرى».
القدس العربي