جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@07:40:14 GMT

قصة حُلم معطّل (8)

تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT

قصة حُلم معطّل (8)

 حمد الناصري

   نظرت كاترينا إلى سعيد وأردفت: أنا معك سعيد.. صيّرني كيف تشاء. ردّ سعيد، ردّاً على همسها الموسوس له، لكني لم أفهم ذلك التبادل ولا أعي تجارة المنفعة.. ردّت الفتاة الطويلة الشقراء كاترينا، فكّر جيداً فجمع المال ليس بالأمر السَهْل، ومشاكلك المالية والجسدية ليس لها حلول سحرية، فكُل عمل له نشاط وكل لذّة لها مُتعة، ولكل منهما ثمن، ومن يُفرّط فيها يندم ويخسر ويتحسّر، نحن سنعمل معاً، ونضع أموالنا معاً ثم نكون كيف شِئنا.

فردّ سعيد بهدوء كأنه يتغابى أو يستغبي، مُتجاهلاً ما تعنيه، رغم أنّ مشاعره صادقة نحوها ... لكن الطريقة والنتيجة غامضتين ولا تُوحيان بالثقة أو بالأمان.

   تدخّل ميلاد إبراهيم وكان قريباً منهما.. وسمع محاورتهما، وقال: الشي الذي نطلبه منك.. أن تكون جاهزًا وحاضراً معنا وداعِمًا لنا، ولك الأمان والمال نقتسمه بالتساوي. عقّبت كاترينا، لا يبدو في الظاهر أنّ سعيداً جاهزاً، ولكنّهُ في الباطن يُقرّ برغبته في العمل بجدّ. فـ سعيد الحوز يُحب أن يكون بعيداً عن تصرّف الآخرين، وأن لا يكون تحت أمرتهم، وهو ليس مُلزماً للعمل معنا في المجال الفندقي أو الاهتمام بضوابط مرتادي الفندق الفارهين.. لا يزال يبذل ُ في العمل من أجل تأمين لقمة عيشه وتلبية احتياجاته، لكنه يريد أن يعرف، ما هو دوره الحقيقي معكم؟ فردّ سعيد: صدقت "مدائن "ما هي خطّتكم وما هو عملكم؟ ردّ ميلاد إبراهيم قائلا: على كل فتاة دفع مائة ريال في الشهر كأجر تنقل للأماكن التي ستذهبن إليها.. ناهيك عن عمولة الأمان من خلال ما ستحصل عليه فوراً، والقسمة مُناصفة بيننا، فلهن النصف بثلاثتهن ولنا النصف ونقتسمه بيننا ـ أنا وأنت ـ أيّ لكل منا النصف.. وأي فائض مُسْتحق، كالإكرامية. ستكون القسمة عادلة، أي تكن قسمتها على أربعة ولن يكون سعيد مسؤولاً عن أي شيء، فقط عليك تأمين السرّية لهن واحترام الاتفاق بيننا، فعندما تلتقي المصالح تختفي الخلافات والمشاكل، أو ما يُسميها البعض، لُعبة المصالح لا بُد لها من منافع والمنافع لا تكون إلا بالمُبادلة.

       قال سعيد على عُجالة، وأنت ما هو عملك؟ فردّ ميلاد إبراهيم، أنا سأكون برفقتهن، أفاوض في كل شيء.. وأدير أمورهن. وأنت بعيد عن كل تلك التفاصيل إلا في خدمة التوصيل وتأمين السرية.. لا غير. ولك عليهن حق، في الوقت المُناسب. هُن يَقمن بعمل كل شيء لا دخلك فيهن، لا نسألكَ فِعْل شيء غير ما اتفقنا عليه، ولا تسألنا عن شيء بعدها. ولا دخل لك، غير إيصالنا إلى وجهتنا.

    تنبّه سعيد الحوز لصوت الفتاة الشقراء التي أعجبته، لا تأمن في كل شيء.. خذها من عندي وزيادة ... انتفض قلبه وطار عقله، وارتعدت أطرافه واهتزّ جسده.. وبدأ قلبه يخفق بقوة وسرعة.. وتصبّب العرق من جبينه.. ماذا يعني ذلك كله؟ أنا أكون سمسارا للنساء؟ بمقابل إشباع رغبتي؟ هل وصل بي الحال إلى هذا الدرك السافل؟ لا.. لا.. لن أفعل ذلك ولن أقبل، حتى لو وضعوا السكين على رقبتي؟ هذا فسق وفجور واضحين لا لُبْس فيهما.. حرنَ بقوة في عين ميلاد إبراهيم وتمتم في داخله، أنا طيلة حياتي كنت مع الموثِق الشريف؟ مع مبدأ الإلتزام؟ ومع مبدأ العمل الشريف والكسب الصحيح.. لن أفعل ذلك مطلقاً. المال الذي يأتي بهذه الطريقة القذرة يُورث الندم والحسرة بل ويحلّ الشُؤم والبَلاء على من يتخذ ذلك الطريق الفاسد.. فالفضائل لا تتبدّل إلى فِعْل مُسْتقذر.. تأسّف في نفسه وتحسّر من دناءة تفكير ميلاد إبراهيم، وقال في نفسه: ماذا لو فعلتُ ذلك القبح ألا أستحيي من نفسي ومن أهلي؟ ألا أخشى من السقوط في ذلك الحضيض الآسن أو النزول إلى هاوية عميقة ليس لها قرار وعاد يُحدث نفسه، أفعال تُنكرها النفوس الواعية.. وتُجرّمها العقول المُدركة الواعية؟ فاستوقفته الكلمات وحتى كاترينا نالت من غضبه الكثير، فقد أدركت حين ولّى غاضباً بطريقة مستفزة، ودلّف إلى الداخل ، وغرق في الهذيان، وكأنّ تفكيره انقسم على بعضه، كأنّ هناك من يشوش على قاعدة تفكيره السليم.. أرى أنّ تعطيل المُحرّمات واجب تُفرضه الأحوال الحياتية، لم تزل شاباً يافعاً، قوي البُنية، لديك طاقة ونشاط وفي حاجة ماسّة لجسد يُريح بالك ونفس تقترب منك.. لوّح رأسه واحمرّ وجهه، وزوّت عينيه، خوف يتحوّل إلى سوداوية إلى وساوس وقلق، لا يُمكن أن تكون لطيفاً وتستسلم لتعاملات مشبوهة، وتقترب من الانحراف، لا بُدّ أن تنتبه، لا بدّ أن تعيها بكل يقظة طالما علاقتها ترتبط بالقيم، لا سلام مع ضمير ميّت، لا أمان مع قاتل ولا حياة مطمئنة مع جلاّد.

    تقوقع سعيد نائيًا بنفسه عن كلما يستخف بالقِيم والسّمت.. وأشار إلى نفسه.. أنا لستُ بأقلّ من الآخرين.. الذين خرجوا من بيوتهم بحثاً عن عمل، ولم يأتوا بشيء مُهين أو بفعل يُنظر إليه بدونية ومهانة وإذلال.! بل كانوا رجالًا يتمتعون بالعزّة والكرامة، وكان حماسهم أفضل من خطوة تُؤدي إلى تقليل قيمتهم.. فلا تحزن إذا تطاول عليك من لا يَسوى نزوة كبريائك.

     اعتكف في أقصى رُكن في الصالة، جدران الصالة كُتِب عليها أرقاما مُتعرجة وإشارات مختلفة وعبارات مقطوعة، هزّ رأسه ربما هي مقطوعات موسيقية، واستغرق في التفكير، مال برقبته إلى صدره.. تتنازعه نوازع، وتستحثّهُ رغبات وتستوقفه مخاوف وروادع أخلاقية ودينية، انسحب العقل إلى عاطفة مَشوبة بالخوف. فكانت النتيجة صِدامًا بين قوتين؛ قوة الرغبة الجسدية العمياء وقوة السّمت المُنتصر. فزادته قوة السّمت مناعة عقلية وجسدية.. ومكّنته من أن يتغلّب على تلك العلائق المَشوبة بالرغبة العارمة.
    
       رنّ هاتف كان إلى جانبه، على طاولة صغيرة بالقرب من سعيد.. آلووو تعال.. أدخل.. أنا في الغرفة 56، تحسّس وجهه الحليق، ألقى نظرةً إلى ملابسه وقال في نفسه، هل سيشهد اليوم حدثاً لا يخطر على البال؟ وتساءل في نفسه بضيق، لماذا تفعل تلك الفتيات بأنفسهن ذلك الفِعل المُشين؟ لماذا يبعنَ أجسادهن مقابل ثمن بخس؟ ولماذا يسمحن لمن يَملك المال بتدنيس أغلى ما عندهن؟ فجأة كان عند باب غرفتها الـ 56، طرق الباب وبدا عليه التردّد، وسَئل نفسه، لماذا أنجرّ إلى حبائلهن لربّما مكيدة أو مصيدة يفتعلنها ؟، ثم ماذا؟ فضيحة بين العُربان؛ هكذا قالها بالعامية الدارجة.. واقتربتْ منه، وتبادلا الابتسامات والترحيب والتحايا، وبدتْ تعرّفه على نفسها وهي تضع قاعدة جسدها على الكرسي الفخم، قرّبت يديها منه، شعرت أنّه يسحب يده بتلقائية، مطّت بوزها، وتمتمت في داخلها: مهلاً سعيد، سنضرب الحديد بالحديد وسنشدّ القبضة على الحرير، وتمتصّ المشاعر بعضها، عُذوبة ونعومة، تتجاذب فيما بينها، وحرّكت رأسها بنشوة، وإذا ما ارتسمت ملامحها كزيتونة شقراء، وازدادت شُحنة مَلساء، فلا شيء بَعدها ، لا شُحنة ولا شُقرة ولا مَلساء وستنسى أيها الحبيب، ما أحزنك.

      تنهّدت بعمق.. ابتسمت.. كسرت عينيها عمّا رأتْ؛ خشية العُجالة في ما يُنجز، فالمُهمة تحتاج إلى مُداهنة.. انتبهَ سعيد إلى انكسار نظرتها، بعدما فتنت نفسها بنظرة، ظنّتها إيجابية، قالت بمكر النساء.. ألن تضع جسدك على الفراش؟ يبدو أنّك مُتعب نفسياً، وعقلك غارقٌ في تفكير لا أعلمه.. لا تخف يا سعيد.. فالحكمة تقول: داري من يُداريك، وأنسى من اختلف عنك وخالفك. حرّكتْ كرسي كان حاجزاً بينهما، واقتربت أكثر.. اسمي مدائن، لكن كاترينا هو اسم للشغل فقط.. ضحكتْ.. وضغطتْ بضربة خفيفة على ركبته.. ابتسم سعيد، وهزّ رأسه دون أن يبزم.. وفي نفسه.. مدائن.. اسم لذيذ كما لو أنّه فاكهة بدون بُذور.. قالتْ وكأنّها تتحسّس بطنها.. وأشارت.. هيَ فارغة.. معدتها تصرخ.. نظر سعيد إلى حركة إشارة سباباتها.. ولم يُحدّثها، لكنّه ألقاها على نفسه.. المُتعة لمن يستحقّها.. ابتعد قليلا.. وتنحىّ جانباً.. وقبع غارقاً في تفكير، يُقاوم شيطانه.. سحبته من ذراعه ليقترب منها وأردفت: أنتَ تستحق كل شيء، كل ما ترى، هدية لك.. دسّت شيئاً ما باحترافية في جيبه.. ابتعدت عنه قليلاً، كانت مدائن أو كاترينا ماكرة، كما لو أنّ ثعلبة تُحاول أن تغلبهُ بمكرها، فأحسّت بقوة تملؤها نشوة الانتصار، تلفّتت يمنة ويسرة، سُرور بالغ في داخلها، دمعة الفوز بمن عشقته بين كفّيها وفرحة سرتْ في داخلها وانبساطٌ عمّ أرجائها، بينما سعيد الحوز أكتفى بكيّها بتتابع نظراتٍ غير حارقة، نظرات تخنقها العَبْرة والحُزن على ما فرّط فيه حُلمه، وهزّ رأسه بضيق شديد، وتمتم، ما قد تعطّل لا تصلحهُ نعومة ولا تردّهُ خشونة.. أغنية تهلّل بها، بصوت فنان لا أحد يعرفه، قال لـ كاترينا، إنه فنان قديم، من الزمن الجميل، ربما كان من المُعطّلين جسدياً.. لم تفهم كاترينا كثيراً رغم أنّها ماكرة في شغفها وكيدها، توقّفت أمام كلمته وإشارته.. وهزّت رأسها بلا فهم لمغزى رسالته.. وتمتمت.. هات نسمعها بصوتك.. كنت ترددها في غرفتك، أليس كذلك؟ هزّ رأسه إيجاباً.. عقّبت: طيب، هات، اسمعني إيّاها بصوتك ... فرفع صوته قليلاً، وتمايل وهو يغني.. أنا موجود بالمدينة.. وعشت في القرية.. لا خائف ولا قلق.. أنا موجود.. أنا معكم، اسمع وأرى، لكنّ طبعي لا قدرة له ولا سند ومصدره لا يلتفت.. كم قلتها، هي حاجتي، تغلب حاجتي مطلبي، مصدري بلا سند.. أنا موجود ولكن لا اختبار له.. والخوف غارق في طاقتي والعُطْل حاجتي.. أنا موجود، ازداد صبراً، والصبر قوتي لا اختياري. كما السكون لا شأن له بالسّمت ولا حال للصّمت ولا شأنا.

     صرخت في وجهه ما هذه السذاجة، ما هذا الاستخفاف؟ أأنت مجنون أم بكَ جِنة أو هوس وحماقة أو اضطراب نفسي؟! سكتتْ ثم ضحكتْ.. كانت مدائن فتاة رائعة، تزدان بهيبة طولها ورقّة جسدها، عذبة الصوت تمتلك حنجرة ذهبية، حنجرة ملساء ناعمة كشَفتيها وأشيائها الطاغية.. وبمكر نسوة المدينة الصاخبة، تمتمت، يُعجبني كلام المجانين وسذاجتهم إلى حدّ بعيد، المجانين هم مصدر القوة.

   ليلٌ مضى مَشحون بالقلق والمخاوف، ليلٌ يُودّع آلاماً من وجع حقيقي لا يُحفّز على الأدب والعطاء ولا على الخير، ليالٍ رغم دِفئها لا طُمأنينة فيها، لياليها جفّت من الفضائل وسادت فيها الخيانة وانتشر الفساد في البر البحر والرمال وفي رؤوس الجبال المُحيطة بالمدينة الزاخرة بالرّفاه والمتاع. 

يتبع 9

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بعد انفعاله على والده.. نجل سائق محمد صبحي يرد :أبويا مش بيذل نفسه ومأجرمش

علق نجل سائق الفنان محمد صبحي على الفيديو المتداول الذي أثار جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي ، والذي انفعل فيه صبحي على والده بعد تكريمه على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، فبعد مغادرة الفنان للمسرح التف الجمهور والمصورون حوله فانزعج لتأخر السائق عليه .

وأرسل نجل سائق محمد صبحي رسالة إلى إحدى الصفحات التي تناولت الموضوع وعلق قائلاً: “الراجل اللي بيجري وراه ده هو أبويا، واللي حصل أن أبويا راح الحمام، وللعلم هو عنده 65 سنة يعني مش صغير لما طلع هو مكلموش لأنه مش بيطلع معاه كثير أصلا. هو سواق أخته مدام سلوى عشان كده هو كان بيكلمها لما خرج.. وأبويا غلط آه معترضتش”.

وأضاف: “بس اللي حصل ده عيب جدا ولاقيت ناس عمالة تقول السواق مهمل والسواق مش عارف إيه ولازم يقف جنب العربية موقف طبيعي جدا، ووالدي طول عمره سواق وبيحصل مع كل الناس نفس الموقف ده وعادي بيعدي هو ما أجرمش”.

وختم: “أنا طالب لو هتنزلي توضيح عشان الراجل ميبقاش متهان قدام العالم كله وكمان ألاقي كلام وحش من ناس لا عارفة ولا فاهمة اللي حصل، على فكرة أنا أبويا كان شغال مع واحد ومشي بسبب إنه قاله اغسل العربيات وده مش شغله.. يعني أبويا مش بيذل نفسه ولا هو اللي عمل كده في نفسه زي ما الناس بتقول”.

تصدر الفنان محمد صبحي مؤشرات البحث على جوجل خلال الساعات الأخيرة بسبب تداول فيديو له على هامش تكريمه بمهرجان "آفاق" بمسرح الهناجر في دار الأوبرا، وهو "بيزعق" للسائق الخاص به بعدم وجوده في انتظاره بجوار سيارته بعد انتهاء التكريم.

وتعرض الفنان محمد صبحي لهجوم كبير من رواد السوشيال ميديا، بسبب إهانته لسائقه، لكن الحقيقة أن أحدا لم يراع أولا الظروف الصحية للفنان الكبير بعد خروجه من المستشفى منذ أيام، وأنه لم يكن قادرا على الوقوف بجوار السيارة فترة طويلة لعدم وجود السائق.

زعق للسواق.. ماذا حدث مع الفنان محمد صبحي في دار الأوبرا؟محمد صبحي يحيي الذكرى التاسعة لرحيل زوجته: لم تغادري ذهني ولا ذاكرتي طباعة شارك نجل سائق الفنان محمد صبحي سائق الفنان محمد صبحي محمد صبحي الفنان محمد صبحي مسرح الهناجر تكريمه على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية الأوبرا المصرية

مقالات مشابهة

  • حوار الوفد مع العشماوي عن وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام
  • الطمأنينة.. المعنى الحقيقي للحياة
  • الاتحاد الألماني يبرئ نفسه من ارتفاع تذاكر كأس العالم
  • كأس العرب ... وكأسك يا وطن!
  • الوجوه الثلاثة!!
  • عندما يقصى الضحايا.. لا معنى لأي حوار في ليبيا
  • بعد انفعاله على والده.. نجل سائق محمد صبحي يرد :أبويا مش بيذل نفسه ومأجرمش
  • والتز: حزب الله يعيد بناء نفسه
  • بالأحابيل تُصنع إسرائيل
  • شيروود: محمد صلاح يفكر في نفسه أولًا.. ولا أشعر بأي تعاطف معه