نيران طهران.. فجأة أشعلت وبسرعة أخمدت
تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT
د. أحمد بن علي العمري
فجأة وبدون مقدمات، وفي الوقت الذي يستعد فيه الوفدان الأمريكي والإيراني لاستكمال مفاوضاتهما النووية في مسقط، حيث كل المؤشرات تدل على التقدم المستمر فيها من جولة إلى أخرى، تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة مباغتة وعنيفة ومتعددة الاتجاهات إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتعلن بعدها مباشرة بنشوة النصر أنها حققت أهدافها، ونالت مرادها، بل إلى أبعد من ذلك، فقد صرح مسؤولون إسرائيليون أن الهدف القادم بعد إيران هو باكستان، ولقد أعلنوا في نشوتهم عن اغتيال بعض القادة (ظهروا فيما بعد في تشييع جنائز رفاقهم)، وهنا تظهر النوايا أي أن إسرائيل ومعها أمريكا بعد أن قضتا على العرب وأوصلتهم إلى مرحلة ألا يتفق اثنان منهم على رأي واحد، فهي تتوجه إلى العالم الإسلامي، وربما بعد باكستان تكون تركيا هي الهدف، بحيث لا يبقى بلد في العالم ينطق الشهادتين إلا وقضت عليه بمساعدة الحليف المزدوج، وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي لها وجهان كوجهة العملة، أحدهما من جحيم وهو الذي يتوجه إلى العالم العربي والإسلامي والآخر من نعيم وهو الذي يتوجه إلى إسرائيل الدلوعة الحبوبة.
طبعًا الضربة الإسرائيلية لإيران، كان التحضير الاستخباراتي لها منذ زمان عبر الجواسيس الذين دستهم إسرائيل وأمريكا وحتى بريطانيا في كل العالم العربي والإسلامي، وعلى وجه الخصوص في إيران، والذين بدناءتهم وصلوا إلى أدق التفاصيل وأبلغ المحضورات.
ولكن عندما كان الرد الإيراني أقوى من المتوقع وأشد من المعهود… هنا بدأت القراءات تتراجع والحسابات تتغير من جديد ولم تنفع الدفاعات الجوية ولا القبة الحديدية ولا مقلاع داود ولا حتى منظومة ثاد الأمريكية أمام غزارة الصواريخ الإيرانية التي أصابت أماكن حساسة ومهمة جدًا في إسرائيل، وكانت الإصابات بليغة ودقيقة وأحدثت دمارا في إسرائيل لم يسبق لها أن تلقته منذ نشأتها.
وهنا بدأت إسرائيل تلوذ يمنة ويسرى تبحث عن وسيط يتدخل لوقف الحرب، فهي من بدأت الحرب، ولكنها لم تعرف كيف توقفها، وعندما لم تجد حينها من يعينها على ذلك، فبان لها أنه لا بد من التدخل الأمريكي حتى تسندها وتعضدها في محنتها كما جرت العادة.
وعلى الرغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح أن أمامه أسبوعين للتفكير في التدخل بالحرب من عدمه إلا أنه وقبل أن يجف ريق تصريحه من لسانه بدأت الهجمات الأمريكية على إيران، وقد قال حينها في معرض حديثه: إن الإيرانيين يريدون مقابلته في البيت الأبيض، ولكنهم لا يستطيعون بسبب الصواريخ التي تنهال عليهم"، في لعبة أو فبركة إعلامية صدق فيما بعد كذبها.
وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي مؤخرًا أن الهجمات الإسرائيلية الأمريكية مخالفة للقانون الدولي، فما كان من إيران إلا أن توجه ضربة لقاعدة العديد في قطر على اعتبار أن الطائرات التي ضربتها انطلقت من قاعدة العديد.
وهنا وقعت أمريكا في نفس المطب الذي وقعت فيه إسرائيل قبلها، فقد عرفت وبان لها أن إيران ليست ذلك الصيد السهل أو الجسر الذي يمكن عبوره بسهولة ويسر، فانضمت لإسرائيل للبحث عن وسيط يخلصهما مما وقعا فيه، فلم يجدا أفضل من دولة قطر الشقيقة للمهمة الصعبة، وقد قامت بالواجب ونجحت الوساطة.
طبعًا نحن في الخليج والشرق الأوسط كنا واضعين أيدينا على قلوبنا متضرعين لله عزوجل الستر… يا ربنا السلامة… اللهم ارحم وألطف…اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف به، وغيرها من العبارات الإيمانية التي يرددها من لا حول ولا قوة له إلا بالله في مثل هذه الظروف.
نعم نجحت الوساطة وأخمدت الحرب.. وبعيدًا عن الضجة الإعلامية الأمريكية والإسرائليين وعن التشويه المغرض وعن التظاهر بالنصر المشبوه، فلو نظرنا الآن وبعد توقف الحرب، وبعد 12 يومًا من الضربات المتبادلة وبمنطق العقل، ونظرنا إلى الواقع بالعين المجردة وبدون استخدام التلسكوب الأمريكي الإسرائيلي فماذا سنرى: حصل دمار وقتل في إيران وإسرائيل.
اجتمع البرلمان الإيراني، وصوّت على عدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد صادق الرئيس على القانون وأصبح نافذا، وهذا يعني: لا مفتشين دوليين ولا كاميرات مراقبة، حيث تتهم إيران المراقبين الدوليين بأن بينهم مندسين استخباراتيين.
الأمر الذي سيؤدي في أي مفاوضات قادمة إلى وقوف إيران على أرض صلبة، فبعد أن كانت مستعدة للتنازل عن الكثير، فلن تتنازل سوى عن القليل، وسوف تستخدم ايران أسلحة لم تظهر من قبل، والدليل أنها أعلنت عن بعضها في الحرب الخاطفة الماضية.
ربما ويكاد يكون من المؤكد أن أمريكا سوف تدعو إيران لمواصلة استكمال التفاوض النووي بينهما، ولأمريكا وإسرائيل نقول: كأنك يا أبو زيد ما غزيت، لقد رجعت بخفي حنين.
كنت قبل أيام قليلة في رحلة جوية، وكان يجلس بجنبي أحد السفراء الأوربيين في أحد الدول العربية، ولمَّا عرف أنني عماني، تحدثنا قليلا في الشأن العام، وقد قال لي أمرا فاجأني وأسعدني بذات الوقت، حيث قال بكل صراحة: لو انتهجت كل الدول السياسة العمانية، لما كانت هناك حروب، ولا عداوات، ولعشنا بأمن وسلام.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وسائر الأمتين العربية والإسلامية من كل شرٍّ ومكروه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: لماذا فشلت إسرائيل بغزة وانتصرت على إيران وحزب الله؟
اهتمت صحف عالمية بالتطورات المتلاحقة بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في ظل تقارير متزايدة تتحدث عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وحاولت مجلة إيكونوميست البريطانية تفسير "أسباب فشل إسرائيل في تحقيق نصر في غزة، في وقت انتصرت فيه على إيران وحزب الله بسرعة ووضوح رغم أن قوتهما أكبر".
وذكرت المجلة في تحليلها أن إسرائيل تعاني من غموض أهدافها في غزة، وباتت عاجزة حتى عن تحديد شكل نهاية الحرب.
ووفق المجلة، فإن الحرب "قد تكون مجرد حلقة أخرى في صراع بين اليهود والفلسطينيين عمره أكثر من قرن، ولن ينتهي بوقف إطلاق نار".
ومنذ بداية الحرب على غزة، رفعت إسرائيل شعار "النصر المطلق" وضرورة تحقيق أهداف الحرب، وهي: القضاء على قدرات المقاومة الفلسطينية وبنيتها التحتية، وإنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الأسرى المحتجزين، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا مستقبليا.
وكثفت فصائل المقاومة خلال الأسابيع الأخيرة نشر مشاهد مصورة لعملياتها ضد القوات والآليات الإسرائيلية شمالي القطاع وجنوبيه، في حين ذكرت إذاعة جيش الاحتلال، قبل أيام، أن 30 ضابطا وجنديا قتلوا بالقطاع، بينهم 21 قتلوا بعبوات ناسفة، منذ استئناف إسرائيل الحرب على غزة في 18 مارس/آذار الماضي.
بدورها، خصصت لوتون السويسرية افتتاحيتها لمراكز توزيع المساعدات في غزة وما تشهده من قتل دائم للفلسطينيين، مستندة إلى تحقيق أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وقالت الصحيفة إن أهم ما يميّز هذا التحقيق أنه منح الكلمة لجنود مارسوا القتل في نقاط التوزيع بشكل ممنهج ومتعمد في غياب أي خطر عليهم، واصفة غزة بأنها أصبحت منطقة "لا قيمة فيها لحياة الناس، وفضاء موازيا لا قانون فيه ولا يهم أحدا".
بدوره، وصف أحمد النجار، وهو كاتب ومؤلف من غزة، تفاصيل قصف إسرائيلي أودى بحياة ابنة أخيه (6 أعوام) وابن أخته (16 عاما) وآخرين في مقال بصحيفة غارديان البريطانية.
إعلانوحسب النجار، فإن جوري وعلي كانا فقط يجلسان في الخارج هربا من حرارة خيمة النزوح، عندما مزقت قذيفة جسديهما إلى نصفين، حقيقة لا مجازا.
ومع ذلك -يضيف الكاتب بحسرة- لم تذكرهما الأخبار، ولم يُغضب موتهما أحدا، ولم تُضأ لهما الشموع.
حرب إسرائيل وإيرانوفي وقت وضعت فيه حرب الصواريخ والمسيّرات بين إسرائيل وإيران أوزارها، قالت لوفيغارو الفرنسية إن حربا أخرى تستمر بينهما في الخفاء، وسمتها "حرب الجواسيس".
ويكشف ما يتسرب من جهازي الشرطة والأمن الداخلي في إسرائيل عن جهود إيرانية حثيثة لتجنيد عملاء واختراق المجتمع الإسرائيلي، وفق الصحيفة، التي أشارت إلى حملة اعتقالات لشبان إسرائيليين بشبهة التعاون مع إيران.
وفي السياق ذاته، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت وجود اعتقالات داخل إسرائيل تستهدف مشتبها بتعاونهم مع إيران.
وكشفت الصحيفة عن اعتقال إسرائيلي لدى نزوله بمطار بن غوريون في تل أبيب للاشتباه في تجسسه لمصلحة إيران طوال العام ونصف العام الماضيين، لافتة إلى أن هذا الاعتقال يرفع عدد الموقوفين خلال اليومين الماضيين إلى 6 أشخاص.
وفي ملف آخر، كشفت حربا أوكرانيا وإسرائيل أن التكنولوجيا الدقيقة ضرورية لتحقيق التفوق، لكنه يحتاج أيضا إلى الأدوات القديمة وأبرزها الإنسان، حسب مقال في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
ورأى المقال أن تجارب أوكرانيا وإسرائيل يجب أن تكون جرس إنذار للدول الغربية، إذ إن الحروب المقبلة لا تُحسَم فقط بالتقنيات العلمية، بل بالجيوش التي تعرف استعمال هذه التقنيات والمزج بينها.