يمانيون / كتابات / عبدالمؤمن محمد جحاف
لم يكن اليمن يومًا محطةً عابرة في مسار الأحداث ولا مهبطًا لرياح الشعارات الزائفة والضجيج العابر. إنه بلد الموقف أرض الثبات التي ما انحنت يومًا إلا لله وما خضعت لغير الله. بلدٌ إذَا صمت صمت بحكمة وَإذَا نطق دوّت كلماتُه من منابر الوعي إلى ميادين النار.
لقد قرّر اليمن أن يُدوّنَ موقفَه بلُغةٍ لا تعرفُ المجاملة، لغة الصواريخ الفرط صوتية التي حملت على رؤوسها موقفًا لا يعرف التردّد ورسالة لم تعد الكلمات قادرة على إيصالها.
في زمنٍ يتساقط فيه الزيف من أفواه الأنظمة وتُغلق فيه بوابات العروبة على غزة، خرج اليمن من عمق الجراح ومن بين أنقاض الحصار ليركل الكيان الصهيوني من خاصرته لا كحدثٍ طارئ بل كجزء من يقظة أُمَّـة حية في جسدها المقاوم.
الرئيس مهدي المشاط، لم يُخاطب المشهد بلاغةً ولا ترفًا سياسيًّا بل بصوت رجل يعرف تمامًا أن ما يُبنَى بالدم لا تكتُبُه المجاملات. كان بيانُه امتدادًا لصوت الجبهات حين قالها بوضوح: “تحية إعزاز وتقدير لقواتنا المسلحة بكل تشكيلاتها القتالية والتخصصية على اليقظة والجهوزية” تحية لا تليق إلا بأُولئك الذين لم ينتظروا أمرًا دوليًّا ولا تفويضًا عربيًّا ليحملوا فلسطين في بندقيتهم ويعيدوا ترسيم الجغرافيا بين صنعاء وغزة.
وما إن تسللت طائرات العدوّ الصهيوني لتستفز السيادة اليمنية حتى صارت سماء الكيان تمطر صواريخ، والبحر يبتلع سفنًا. فعمليتان عسكريتان نوعيتان نفّذتهما القوات المسلحة اليمنية قالتا ما لا تستطيع بيانات العرب قوله.
في العملية الأولى، انطلقت إحدى عشرة ضربة بين صواريخ وطائرات مسيّرة إلى عمق الكيان المحتلّ:
مطار اللُّد ميناء أسدود محطة الكهرباء في عسقلان وميناء أم الرشراش (إيلات) كلها تلقت ضربات البأس اليمني بصواريخ فرط صوتية وطائرات مسيرة، تقطع المسافة أسرع من صوت الخوف في صدور العدوّ.
أما العملية الثانية، فكان البحر ميدانها. سفينة ماجيك سيز التي انتهكت القرار اليمني بحظر دخول السفن إلى موانئ الكيان أصبحت هدفًا دقيقًا لزوارق مسيّرة وصواريخ باليستية وثلاث طائرات مسيرة ليُثبت اليمن أن البحر لم يعد للعابرين بأمان ما دامت غزة تحاصر وتجوع وَتُقصف.
هذا اليمن الذي ينهض من بين الرماد لا يراوغ. لا يطلب من أحد تفهّمًا ولا ينتظر تصفيقًا من مجتمعٍ دولي أخرس. اليمن ببساطة يقدّم موقفًا خالصًا لا لبسَ فيه ولا مجاملة. فـ”لن يثنيَ شعبَنا عن مساندة غزة أيُّ عدوان صهيوني مهما كان حجمه وآثاره” هكذا قالها الرئيس المشاط وهو يدرك أن التاريخ لا يرحم المتردّدين.
وإلى غزة التي تتلقى كُـلّ هذا الجمر وحدها وجّه الرئيس رسالة لا تشبه الرسائل الدبلوماسية المائعة بل تشبه صدى المدافع:
“فاوضوا وارفعوا رؤوسكم، فنحن معكم، وكل مقدرات شعبنا سند لكم حتى رفع الحصار ووقف العدوان عنكم”.
كلمات ليست للاستهلاك الإعلامي بل لعقد التحالف مع الحق تحالف يُترجم في الميدان لا في القمم الخاوية.
وحين هدّد العدوّ وعلا صراخه في الإعلام كان الجواب من اليمن:
“تهديدات العدوّ لن تهز شعرة في رأس أصغر طفل فينا”،
في بلد اعتاد أن يُولد أطفاله من رحم الحصار، وأن يتعلموا في سنواتهم الأولى كيف يكون الثبات عقيدة.
والرسالة الأبلغ وُجهت إلى المستوطنين أنفسهم:
“ابقوا قرب الملاجئ، إن لم يرعوِ معاتيه حكومتكم”،
لأن القادم أعظم، والمفاجآت – كما وعد الرئيس – “ستأتي تباعًا”.
لكن في قلب كُـلّ هذا العنفوان كان لا بد من إشارة الوفاء وفاء شعب لقائده ووفاء قائد لشعبه. فختم الرئيس المشاط خطابه بتحية تليق بمن أضاء الطريق في زمن العتمة، قائلًا:
“تحية لشعب الإيمان والحكمة، وقائدنا الحكيم الشجاع السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي”.
نعم لقد قالها بملء الثقة: “اليمن ميدان الركلات الأخيرة، لا ميدان استعراض”.
وقالها وهو يعلم أن العدوّ قد أرهقه التهريجُ وأتعبه التذاكي ولم يبقَ أمامه إلا أن يتلقَّى الركلاتِ الأخيرةَ، ركلاتٌ بحجم أُمَّـة تتنفس من رئتي صنعاء وغزة.
فاليمن لا يضرب ليُقال إنه فعل بل يضرب ليُنهي مرحلة ويفتح أُخرى.
مرحلة عنوانها:
من هنا تبدأ هزيمة الكيان… ومن هنا يُولد النصر.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
تفاصيل مقتل الشيخ حنتوس التي فجرت غضبا واسعا في اليمن
صنعاء– أثارت حادثة مقتل الداعية ومعلم القرآن الكريم الشيخ صالح حنتوس، على يد قوات تابعة لجماعة الحوثيين في محافظة ريمة اليمنية، حالة من الغضب الشعبي الواسع وموجة من الاستنكار على منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بتحقيق نزيه ومحاسبة المسؤولين.
وقُتل الشيخ حنتوس، البالغ من العمر نحو 70 عاما، مساء الثلاثاء الماضي، الأول من يوليو/تموز الجاري، إثر اشتباكات وقصف استهدف منزله في قرية البيضاء بمديرية السلفية جنوب غربي العاصمة صنعاء، من قبل حملة أمنية تابعة لجماعة الحوثيين.
ويعود النزاع بين الشيخ حنتوس وجماعة الحوثيين إلى عام 2022، عندما أغلقت الجماعة مدرسة "الرضوان" لتحفيظ القرآن الكريم التي كان يديرها في منطقته، ومنذ ذلك الحين، اضطر للاعتكاف في قريته، حيث واصل تعليم القرآن الكريم في مسجدها، رافضا تدريس المناهج التابعة للجماعة، حسب ما أفادت به مصادر من عائلته.
وحسب شهود، وصلت يوم الحادثة عشرات العربات العسكرية إلى أطراف قرية البيضاء لمحاصرة منزل الشيخ حنتوس، الذي سبق أن رفض المثول أمام استدعاءات أمنية لم يعرف سببها. ووفق عائلته، أكد الشيخ أنه مستعد للمثول أمام النيابة إذا وجهت له تهما، وأنه سيوكل محاميا للترافع عنه.
تسجيل صوتي.. آخر مواجهة كلامية بين معلم القرآن #صالح_حنتوس وقتلته الحوثيين في #السلفية بمحافظة #ريمة#قناة_بلقيس pic.twitter.com/MVlUffv5yu
— قناة بلقيس الفضائية (@BelqeesTV) July 5, 2025
الوصية الأخيرةفي تسجيل صوتي نشر يوم مقتله، قال الشيخ حنتوس إنها وصيته الأخيرة، تحدث فيها عن مضايقات ومحاولات اغتيال تعرض لها من الحوثيين، مؤكدا أنه لم يُنصف رغم توجهه للسلطات الخاضعة للجماعة، وأضاف: "من مات دون عرضه أو ماله فهو شهيد، إن شاء الله أكون شهيدا".
وقال بيان شرطة محافظة ريمة، التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، إن الشيخ حنتوس "مارس أنشطة تحريضية وتلقى تمويلا من جهات خارجية لتجنيد عناصر مسلحة"، كما اتهمه البيان برفض دعم القضية الفلسطينية.
إعلانوأوضح البيان أن الحملة الأمنية واجهت إطلاق نار من داخل منزل الشيخ، مما أسفر عن مقتل 3 من أفراد الأمن وإصابة 7 آخرين.
غير أن مصادر عائلية نفت هذه الرواية، وأكدت أن الشيخ قاوم بسلاحه الشخصي بعد محاصرة منزله وقصفه، مما أدى إلى وفاته متأثرا بإصابته، وإصابة زوجته بجروح، مشيرة إلى أن الحوثيين أجبروا الأسرة على دفنه ليلا، واعتقلوا لاحقا 12 من أقاربه، بينهم 9 من أبناء وأحفاد شقيقه الشيخ سعد حنتوس، أحد أعلام تعليم القرآن الكريم في اليمن.
وتحدثت العائلة عن مخاوف مِن تعرّض المعتقلين للتعذيب بغرض انتزاع اعترافات قسرية، ونشرت مقاطع فيديو تظهر آثار القصف على المنزل ودمارا لحق بالسيارات والحيوانات في ساحة البيت.
وصية الشيخ والداعية "صالح أحمد حنتوس" الذي استشهد برصاص مليشيا الحوثي الإرهابية بعد محاصرة وقصف منزله في مديرية السلفية بمحافظة ريمة منذ ساعات صباح اليوم الثلاثاء. pic.twitter.com/8NWqPLhqBO
— قناة يمن شباب الفضائية (@TVyemenshabab) July 1, 2025
"جريمة وحشية"أثارت الحادثة ردود فعل غاضبة، إذ دان حزب التجمع اليمني للإصلاح ما وصفها بـ"الجريمة الوحشية"، بينما استنكرت الحكومة اليمنية الحادثة واعتبرتها نموذجا لسلوك الجماعة تجاه المواطنين. وأشادت وزارة الأوقاف والإرشاد بجهود الشيخ حنتوس في تعليم القرآن، ووصفته بأنه رمز من رموز الدعوة.
وأجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي اتصالا هاتفيا بالشيخ سعد حنتوس (شقيق الفقيد) لتقديم التعزية، في حين كتب عضو المجلس عبد الله العليمي -على منصة إكس- أن "الجريمة تعكس السلوك الإجرامي للمليشيا".
ويخشى مراقبون من أن تسهم مثل هذه الحوادث في تعميق الانقسام الاجتماعي والطائفي في البلاد، وأن تؤدي إلى موجة جديدة من التوتر، خاصة في المناطق المحافظة التي ترتبط بتقاليد قوية من احترام العلماء ووجهاء الدين، وترى في المساس بهم تجاوزا للخطوط الحمراء.
وبينما تلتزم جماعة الحوثيين الصمت الرسمي بعد بيان شرطة ريمة، تتواصل المطالبات الداخلية والخارجية بضرورة مراجعة السياسات الأمنية التي تؤدي إلى مثل هذه الانتهاكات، خاصة ضد رموز دينية واجتماعية لم تُعرف بممارسة العنف أو التحريض.
في المقابل، يواصل نشطاء وحقوقيون يمنيون حملة إلكترونية لتسليط الضوء على قضية الشيخ صالح حنتوس، ويدعون إلى "عدم طمس الحقيقة تحت وطأة الروايات الرسمية"، وسط محاذير من أن تؤدي مثل هذه الوقائع إلى انزلاق البلاد نحو مزيد من الاستقطاب والاحتقان في وقت هي بأمس الحاجة فيه إلى المصالحة الوطنية.
مليشيات الحوثي تحرق منزل شيخ سبعيني اسمه #صالح_حنتوس من محافظة #ريمه اليمنية، والسبب ان الشيخ يقوم بتحفيظ القرأن الكريم للأطفال في بيته، بعد خمس سنوات من اغلاق دار القرآن من قبل الحوثيين.
استهدف الحوثيين المنزل بقذائف آر بي جي، وأنباء عن استشهاد الشيخ صالح وزوجته. pic.twitter.com/GcxaFCsusu
— علي ناصر العولقي (@a_n_alawlaqi) July 1, 2025
ردود فعل عربيةوترددت أصداء مقتل الشيخ حنتوس خارج حدود اليمن، حيث عبرت عدة مؤسسات وهيئات دينية عن إدانتها للحادثة، واعتبرتها انتهاكا صارخا لحرمة العلماء والمشتغلين بالقرآن الكريم.
إعلانفقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا دان فيه ما سماه "جريمة اغتيال شيخ القرآن"، مؤكدا أن الشيخ صالح حنتوس قُتل في "هجوم مسلح غادر"، مشددا على أن "استهداف العلماء وأهل القرآن جريمة كبرى تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وتستوجب موقفا واضحا من جميع المكونات الإسلامية".
من جهتها، وصفت هيئة علماء المسلمين في العراق الحادثة بأنها "جريمة طائفية مكتملة الأركان"، وقالت إنها تندرج ضمن "جرائم الكراهية والتمييز ذات الأبعاد الطائفية التي تمزق النسيج المجتمعي في اليمن، وتهدد الاستقرار والسلم الأهلي".