أنماط طرائق التفكير السوداني «4»

عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي

أحداث مدني والحركة الاسلامية.. طريقة تفكير الإسلاميين في السودان

بالإشارة إلى طبيعة التحديات السياسية والاجتماعية في السودان، وخاصة فيما يتعلق بالحركة الإسلامية. فقد شهدت مدينة ود مدني مؤخرًا حوادث مؤلمة تمثلت في تصفيات بشرية أثارت الرأي العام السوداني، وأعادت تسليط الضوء على طريقة التفكير التي تتبناها الحركة الإسلامية في السودان.

هذه الأحداث ليست معزولة عن سياق سياسي واجتماعي معقد، بل تعكس أزمات متجذرة في الفكر والتنظيم.

لعب الإسلاميون دورًا محوريًا في السياسة السودانية منذ عقود، بدءًا من صعودهم إلى السلطة في أواخر القرن العشرين وحتى تراجع نفوذهم بعد الثورة. يعتمد الإسلاميون على أيديولوجيا تجمع بين الدين والسياسة، مع ميل لاستخدام الأدوات القمعية لتحقيق أهدافهم. أثارت حادثة التصفيات الأخيرة، في ود مدني، جدلاً واسعًا حول النهج الذي تتبناه بعض الحركات الإسلامية في التعامل مع خصومها أو حتى داخل صفوفها. يعكس ذلك إشكاليات عميقة تتعلق بعدم قبول التنوع الفكري واستخدام العنف كأداة سياسية. إذ تعتمد طريقة التفكير الإسلامية في السودان على رؤى أحادية تُقصي الآخر المختلف، سواء كان سياسيًا أو دينيًا. وهذا النهج يؤدي إلى تصاعد العنف والتوترات بدلًا من بناء حوار حقيقي بين الأطراف المختلفة. مما يحتم ضرورة الدعوة إلى تعزيز قيم الحوار والتسامح.

وبالإشارة إلى دور القوى المدنية والمجتمع الدولي في دعم التحول الديمقراطي، لا بد من التأكيد على أهمية تجاوز الماضي لبناء مستقبل أكثر شمولية. فإن ما حدث في ود مدني يُبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة النظر في الطريقة التي تُدار بها السياسة في السودان، خاصة فيما يتعلق بالحركات الإسلامية. فالواقع الماثل يؤكد، كما ذكرنا، أن السودان بحاجة إلى حوار وطني شامل يتجاوز الأيديولوجيات الضيقة ويؤسس لمرحلة جديدة من السلام والاستقرار.مما ينبها الي طرائق التفكير عند الإسلاميين من ظهورهم على السطح.

فالإخوان المسلمون في السودان، كغيرهم من الحركات الإسلامية في العالم العربي، رفعوا شعارات براقة منذ ظهورهم، تُركز على الدين، الإصلاح، والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، فإن تجربتهم في السودان أظهرت تناقضا بين الشعارات والفعل مما أثارت جدلاً كبيرًا حول التناقض بين الشعارات التي رفعوها والواقع العملي لتطبيق طرائق تفكيرهم العاطفي والمجافي للعقل عندما أُتيحت لهم الفرصة لتولي السلطة. وهي تستند إلى شعارات ترتكز على “الإسلام هو الحل”، مع التأكيد على بناء مجتمع إسلامي مثالي قائم على الشريعة والعدالة الاجتماعية. وركزت أدبيات الجماعة على مكافحة الفساد، تعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق التنمية المستدامة. وشعارات مثل “النهضة الإسلامية” و”الإصلاح الشامل” فكانت وسائل لجذب شرائح واسعة من المجتمع السوداني، الذي يعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد. وركز خطابهم الدعوي على مخاطبة العواطف الدينية للشعب السوداني دون الاخذ بمنطق التفكير العقلي، مما ساهم في توسع نفوذ الجماعة في المجتمع والسياسة عاطفيا.

لكن التجربة العملية وحقيقة الفعل ظهرت عندما تمكن الإخوان المسلمون، ممثلين في الجبهة الإسلامية القومية، من الوصول إلى السلطة بعد انقلاب عام ١٩٨٩ بقيادة عمر البشير، بدأ اختبار حقيقي لقدرتهم على تحقيق ما وعدوا به.

ولكن، بدلاً من تحقيق شعاراتهم، ظهرت ممارسات تثير تساؤلات حول مدى التزامهم بمبادئهم. بل اتسمت سياساتهم بفرض سيطرة مركزية صارمة، قمع المعارضة، واستخدام الدين كأداة لتبرير السياسات القمعية. فأُغلقت الصحف، وقُمع الناشطون، وامتلأت السجون بمعارضي النظام، وهو تناقض واضح مع شعارات الحرية والعدالة.

ثم انتشر الفساد بشكل كبير في المؤسسات الحكومية خلال فترة حكمهم، مع سيطرة أفراد مرتبطين بالجماعة على المناصب الرئيسية. وأدى ذلك إلى اتساع الفجوة بين الشعارات التي رُفعت والواقع الذي عاشه المواطن السوداني. وشهد السودان في ظل حكم الإخوان تفاقم الصراعات القبلية والدينية. والحرب الأهلية في الجنوب، التي انتهت بانفصال جنوب السودان عام ٢٠١١، وكان ذلك دليلاً على فشل سياساتهم في تحقيق السلام كشعار .

ثم حدث التدهور الاقتصادي، إذ أُهدرت الموارد على الحروب والصراعات الداخلية. مما أدى إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، ومما جعل الشعارات التنموية تبدو مجرد وعود خاوية.

أظهرت تجربة الإخوان المسلمين في السودان أن رفع الشعارات وحده ليس كافيًا لإحداث التغيير، بل يحتاج الأمر إلى خطط عملية ورؤية حقيقية.

وساهم تسييس الدين في خلق حالة من الانقسام داخل المجتمع السوداني، مما أدى إلى فقدان الثقة في الشعارات الإسلامية.

حيث لم تكن هناك آليات واضحة للمحاسبة والشفافية داخل النظام، مما ساهم في تفشي الفساد وإضعاف الدولة.

إن تجربة الإخوان المسلمين في السودان تعد درسًا تاريخيًا حول الفرق بين الشعارات التي تهدف إلى كسب التأييد، وحقيقة الأفعال عند ممارسة السلطة. فقد كشفت عن التحديات التي تواجه الحركات الإسلامية عندما تتحول من المعارضة إلى الحكم، وأثبتت أن النجاح في إدارة الدول لا يعتمد فقط على رفع شعارات مثالية، بل على القدرة على ترجمتها إلى سياسات واقعية تلبي تطلعات الشعوب.

الوسومالإخوان المسلمون السودان السياسة السودانية القوى المدنية المجتمع الدولي حسن عبد الرضي الشيخ

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإخوان المسلمون السودان السياسة السودانية القوى المدنية المجتمع الدولي الإسلامیة فی بین الشعارات فی السودان

إقرأ أيضاً:

رداً على السوداني.. واشنطن لشفق نيوز: العراق مسؤول عن أمنه ودوره مهم في المنطقة

رداً على السوداني.. واشنطن لشفق نيوز: العراق مسؤول عن أمنه ودوره مهم في المنطقة

مقالات مشابهة

  • رداً على السوداني.. واشنطن لشفق نيوز: العراق مسؤول عن أمنه ودوره مهم في المنطقة
  • الجيش السوداني يتقدم ميدانيا والجوع والموت يحاصران المدنيين
  • السوداني يجتمع مع رئيس جهاز المخابرات التركي في بغداد
  • “إثراء” يحفز التفكير الإبداعي بـ 50 فعالية
  • السوداني: العراق سيتوقف عن استيراد البنزين هذا العام ويتجه للتصدير
  • وفد كوردي في بغداد مجدداً لمناقشة بنود الاتفاق مع حكومة السوداني
  • مشاريع تقنية حديثة لتحسين الرقابة المرورية وتحليل أنماط الحوادث
  • الجيش السوداني: المصنع الأم للإجرام ومأزق النخبة النيلية: