في خضم التوترات السياسية والجمود الدبلوماسي الذي يطبع العلاقات بين المغرب والجزائر، برزت عبارة « اليد الممدودة » التي وردت أكثر من مرة في خطب الملك محمد السادس كعلامة فارقة في الخطاب السياسي المغربي. هذه العبارة، التي تبدو بسيطة في ظاهرها، تختزن داخلها كثافة رمزية بالغة العمق، تجعل منها مفتاحًا لفهم ليس فقط توجهات السياسة الخارجية المغربية، بل كذلك الطريقة التي يُعاد بها تشكيل المخيال السياسي في الفضاء المغاربي.

فهل اليد الممدودة مجرّد مبادرة دبلوماسية؟ أم هي علامة رمزية محمّلة بدلالات تاريخية، ثقافية، ودينية تتجاوز السياق الظرفي.
1. اليد كعلامة: من الجسد إلى البنية الرمزية

في تفكيك الدلالات الجسدية، تُعد اليد من أكثر الأعضاء دلالة، ليس فقط على مستوى الحركة والفعل، ولكن أيضًا على مستوى الإشارة والتواصل. فاليد الممدودة ليست مجرّد فعل جسدي، بل تحوّلت إلى علامة مركّبة، تستدعي في الذهن الجماعي مفاهيم مثل التسامح، المبادرة، الصلح، القوة، والشرعية.

ومن هنا، فإن استعمال هذه العبارة في خطاب ملكي رسمي، صادر عن أعلى سلطة في البلاد، يُضفي عليها طابعًا أيقونيًا، يجعلها تختزل مشروعًا سياسيًا وأخلاقيًا على حدّ سواء. نحن لسنا فقط أمام مبادرة، بل أمام موقف رمزي تتجسّد فيه الدولة كمفهوم أخلاقي قبل أن تكون جهازًا سياسيًا.

2. اليد الممدودة داخل النسق الخطابي الملكي

عند تحليل موقع « اليد الممدودة » داخل بنية الخطاب الملكي، نلاحظ أنها لا تُقدَّم كتكتيك أو مناورة، بل كدعوة أخلاقية وإنسانية متجاوزة لمفردات التفاوض. إننا أمام خطاب يتّسم بتسامٍ معنوي وروحي، يدعو إلى فتح صفحة جديدة لا على أساس موازين القوى، بل على أساس الأخوّة والتاريخ المشترك.

هذه اللغة تُحيل ضمنيًا إلى خطاب صوفي/روحي، حيث تصبح اليد الممدودة أشبه بـ »الطريق »، أو « السلوك »، في دلالة على نهج قائم على الصفاء والنقاء، لا على المصلحة الباردة فقط. ومن هذا المنظور، فإن الخطاب الملكي يحاول إعادة بناء مشترك للهوية المغاربية، من خلال رمز بسيط، لكنه بالغ القوة

وبالتالي، حين يُصدر الملك دعوته بمدّ اليد، فإن الأمر يُفهم في إطار ليس سياسيًا فحسب، بل أيضًا ديني-أخلاقي، خاصة أن المؤسسة الملكية في المغرب ترتكز على شرعية دينية (أمارة المؤمنين.

3. الجغرافيا واليد:

من الرباط إلى الجزائر، تمتد اليد الممدودة شرقاً. هذا الامتداد لا يخلو من دلالة جغرافية/رمزية:

المغرب، بوصفه بوابة الغرب الإسلامي، يمد يده نحو عمقه الشرقي المغاربي.

المسافة الجغرافية تُختزل رمزياً في « المصافحة »، التي تعبّر عن إزالة الحواجز، أي إلغاء الحواجز الحدودية والنفسية.
من هنا، فإن اليد تتحول إلى جسر سياسي، يعيد رسم خريطة البناء المغاربي، لا على أساس الترسيم الحدودي، بل على أساس الذاكرة المشتركة،

في النهاية، لا يمكن فصل اليد الممدودة عن سؤال المصير المغاربي المشترك. فهي ليست مبادرة وحيدة الجانب، بل اختبار للذاكرة، وللنضج السياسي، ولقدرة الشعوب على تجاوز الماضي دون التنكّر له. إن الخطاب الملكي، حين يُفعّل هذه الإشارة الرمزية، لا يسعى فقط إلى إذابة الجليد الدبلوماسي، بل يدعو إلى إعادة هندسة العلاقة بين الدول المغاربية على أسس جديدة: قائمة على الاحترام، والحوار.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيجد هذا الرمز تجاوبه، أم ستظل اليد معلقة في الفضاء الرمزي المغاربي، تنتظر من يقابلها بما تستحق؟

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الید الممدودة على أساس سیاسی ا

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: التعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني أساس خدمة ضيوف الرحمن

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، وعضو مجلس أمناء المؤسسة القومية لتيسير الحج، أن اختيار المكان المناسب وتوفير الخدمة اللائقة لحجاج بيت الله الحرام كان ولا يزال سببًا في استمرارية منظومة الحج وتطورها منذ نشأتها حتى اليوم، مشددًا على أن إخلاص النية ونقاء السريرة هما الأساس في كل عمل ناجح.

وقال المفتي في كلمته خلال المؤتمر الصحفي لإعلان نتيجة قرعة حج الجمعيات الأهلية إن النية الصادقة هي نقطة البداية لكل عمل، مستشهدًا بقول رسول الله ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".. مؤكدا أن خدمة ضيوف الرحمن من أفضل الأعمال التي تُظهر أثر الإخلاص، وتؤكد قيمة البذل في شعيرة عظيمة من شعائر الله تبارك وتعالى.

وأضاف أن اللقاء يجسد قيمة التعاون والتكامل بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وهي قيمة محورية تُسهم في تحقيق الرسالة الحقيقية لخدمة الحجاج، مؤكدًا أن "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، وأن العمل الجماعي هو السبيل لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات المأمولة.

وأشار الدكتور نظير عياد إلى أن هذا الاجتماع يعكس أيضًا حجم الفرح والسعادة المصاحبة لرحلة الحج التي تتشوّق إليها الأنفس وتهفو إليها القلوب، موضحًا أن الحج رحلة مباركة تتسابق إليها الأرواح قبل الأبدان، لما فيها من طهر وصفاء ورفعة للدرجات، مستشهدًا بما ورد في هدي النبي ﷺ عن فضل هذه الشعيرة العظيمة.

وأكد أن المؤسسة القومية لتيسير الحج مستمرة في تطوير خدماتها للحجاج بما يليق بمكانة الشعيرة وقدسيتها، وبما يعكس حرص الدولة المصرية على تقديم أفضل مستوى من الرعاية والتنظيم لضيوف الرحمن.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية يعزي أسر المعتمرين الهنود المتوفين على مشارف المدينة المنورة

مفتي الجمهورية: الشائعات تهدد الأمن القومي وتؤثر على ثقة المجتمع بين أفراده والمؤسسات الوطنية

مفتي الجمهورية: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصّن المجتمع من الإضطراب

مقالات مشابهة

  • مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي عشائر العدوان
  • فضل الله: هناك من يتلاقى مع اليد الإسرائيلية التي تقصف وتعتدي ليواجه البيئة
  • مفتي الجمهورية: التعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني أساس خدمة ضيوف الرحمن
  • أزهري: الأبراج من أكبر المصائب التي ابتليت بها الأمة
  • مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي بوفاة المحافظ السابق محمد الفاعور
  • جلالةُ السُّلطان المُعظّم القائدُ الأعلى يشملُ برعايته السّامية استعراضَ الأسطول 2025م
  • الرئيس الفلسطيني يشكر الملك على دعمه المستمر للقضية الفلسطينية
  • قراءة في فكر جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين (27) الرؤية الملكية في حرية الصحافة والتعبير عن الرأي
  • نقابة الصحفيين تدين "خطاب التحريض" الذي نشره الداعية عبد الله العديني ضد إحدى المذيعات
  • *مندوبا عن الملك وولي العهد. العيسوي يعزي القطيشات والشريف*