ويؤكد الرجل الذي أسس أول مول تجاري في قطر ويملك اليوم شركات في أميركا وأوروبا والعالم العربي، أن المؤسسة ليس رأس مالها "المال" بل الكوادر البشرية التي تعمل بها.

وتكشف هذه الشهادة الاستثنائية عن قصة نجاح ملهمة بدأت من الصفر وصولا إلى بناء مجموعة تجارية عالمية، إذ ساهم بفعالية في تنظيم كأس العالم 2022، فضلا عن حفظه للتراث القطري من خلال متحف شخصي يضم قطعا نادرة من جميع أنحاء العالم.

وفي هذا السياق، كشف الشيخ فيصل آل ثاني خلال لقائه الحصري مع برنامج "قصتي" الذي يمكن متابعته عبر هذا الرابط، عن تفاصيل مثيرة من رحلته المهنية التي امتدت لأكثر من 6 عقود، منذ أن بدأ العمل التجاري في الستينيات وحتى اليوم.

فالشيخ الذي ولد عام 1948 وعاش طفولته في المرخية بلا كهرباء أو ماء، تمكن من بناء إمبراطورية تجارية تضم فنادق في أميركا وأوروبا وشركات في مختلف القطاعات.

كأس العالم مثلت جسرا جديدا نحو العالم والتقدم، وجسرا جديدا نحو ذاكرتنا الحضارية (الجزيرة)النجاح الأول

انطلقت تجربة الشيخ فيصل الأولى في عالم التجارة بمبلغ بسيط من والده قدره 5 آلاف ريال، استثمر منها 3 آلاف في إنشاء مكتب وشراء بعض البضائع البسيطة.

وفي تلك المرحلة، واجه تحديا اجتماعيا حقيقيا، إذ كان يعمل باسم مستعار خوفا من النظرة المجتمعية للتجارة في ذلك الوقت، حيث كانت بعض الأعمال التجارية تعتبر عيبا اجتماعيا.

وبعد هذه البداية الحذرة، جاءت اللحظة الفارقة عندما حقق أول ربح كبير بقيمة 200 ألف ريال، وهو مبلغ ضخم في ذلك الزمن حيث كانت أفضل سيارة تباع بـ18 ألف ريال فقط.

بيد أن هذا النجاح المبكر كاد يؤدي إلى نهاية مبكرة لمسيرته، إذ دفعه للتفكير في التوقف عن العمل، لكن سرعان ما تبخر المبلغ خلال شهرين أو ثلاثة، الأمر الذي علّمه درسا مهما حول أهمية وجود دخل ثابت.

وعلى هذا الأساس، بدأ الشيخ فيصل في بناء إستراتيجية أكثر حكمة، خاصة مع تطوير إحدى أهم محطات مسيرته وهي شراكته التي استمرت 60 عاما مع شريك لم يسأله قط عما يفعل، وبالمثل لم يسأل هو شريكه عن أعماله.

إعلان

هذه الثقة المتبادلة والاحترام المطلق كانا أساس نجاح الشراكة، حيث لم يتناقشا قط حول العمل، بل كان كل منهما يثق في قرارات الآخر تماما.

وبناء على هذه الخبرة، جاء التوجه نحو الاستثمار في العقارات كخطوة إستراتيجية لضمان دخل ثابت، خاصة مع الدعم الحكومي الذي كان يوفر إيجارا مقدما لـ3 أو 5 سنوات لأي شخص يبني عقارا للإيجار، وقد ساعد هذا القرار الذكي في تأسيس قاعدة مالية قوية للتوسع المستقبلي.

مركز التسوق (سيتي سنتر) في الدوحة (الصحافة القطرية)تحويل الرؤية إلى واقع

وفي إطار هذا التطور المتدرج، شكّل مشروع سيتي سنتر نقطة تحول حقيقية في مسيرة الشيخ فيصل، حيث كان أول مول تجاري في قطر.

وبدأ المشروع برؤية مستقبلية جريئة في منطقة خالية من السكان، الأمر الذي واجه تحديات جمة من نقص الكهرباء إلى عدم فهم البلدية لطبيعة المشروع، إضافة إلى مطالب بعض الشركات بـ5 أو 6 سنوات من الإيجار المجاني.

ورغم عدم امتلاكه لـ5 ملايين ريال وقت البدء في المشروع، فإن إيمانه بالفكرة ودعم البنك الوطني مكّناه من إتمام المشروع.

وقد كان افتتاح سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للمشروع بمثابة أكبر مكافأة له وللفريق العامل معه.

واليوم، وبعد عقود من النجاح المتواصل، يحقق سيتي سنتر إيرادات تتراوح بين 300 إلى 400 مليون ريال سنويا، مقارنة بـ60 مليون في بداياته.

ومع ترسيخ نجاحه في السوق المحلي، لم يكتف الشيخ فيصل بهذا الإنجاز، بل امتد نشاطه ليشمل استثمارات في أوروبا وأميركا، حيث يملك اليوم فنادق من فئة سان ريجز وجي دابليو ماريوت في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأميركا.

وقد مكن هذا التنويع الجغرافي مؤسساته من الاستفادة من الأرباح الخارجية لدعم العمليات المحلية.

وفي السياق ذاته، شكل الاستعداد لكأس العالم 2022 دافعا إضافيا للتوسع في قطاع الفندقة، إذ تمكنت مجموعته من تحقيق هدف إنشاء 20 فندقا في قطر خلال فترة وجيزة، متجاوزة التوقعات والانتقادات التي وصفت الهدف بالمبالغة.

وقد ساهم هذا النجاح في تقديم أفضل كأس عالم من ناحية الإدارة والاستقبال.

حفظ التراث كرسالة حضارية

وإلى جانب نجاحه التجاري المتميز، يولي الشيخ فيصل اهتماما خاصا بحفظ التراث من خلال متحفه الشخصي الذي يضم مجموعة نادرة من التحف والمقتنيات التاريخية.

وقد تطور هذا المتحف من غرفة صغيرة في مجلس والده ليصبح معلما حضاريا يزوره الملوك والأمراء من مختلف دول العالم.

ويصل شغف الشيخ فيصل بجمع التحف إلى درجة مذهلة، إذ يضحي بإجازاته الصيفية لشراء قطعة نادرة، وينفق معظم ميزانيته الشخصية على المتحف.

وقد مكنته خبرته الطويلة في هذا المجال من تمييز القطع الأصلية من المزوّرة، ويحرص على إتلاف أي قطعة مزورة لمنع انتشارها.

الحكمة والإرث

ويؤكد الشيخ فيصل أن نجاح أي مؤسسة يعتمد على الكوادر البشرية وليس على رأس المال فقط، مشيرا إلى أن لديه موظفين يعملون معه منذ أكثر من 40 عاما، ويشعرون بأن المؤسسة ملكهم أكثر من أي شخص آخر.

وقد مثلت هذه الفلسفة في التعامل مع الموظفين والاستثمار في الكوادر البشرية أحد أبرز أسرار نجاحه المستمر.

إعلان

وفي رسالته لشباب رجال الأعمال، ينصح الشيخ فيصل بعدم السعي وراء المال الحرام والحفاظ على الصلة بالله، مؤكدا أنه رفض العديد من الفرص المشبوهة حفاظا على سمعته وراحة ضميره.

كما يؤكد على أهمية ترك إرث إيجابي للأجيال القادمة، سواء كان تجاريا أم ثقافيا أم تراثيا، ليكون نموذجا ملهما للريادة في الأعمال والمسؤولية الاجتماعية.

3/8/2025-|آخر تحديث: 22:05 (توقيت مكة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الشیخ فیصل

إقرأ أيضاً:

محمد حميد الله.. العالم الذي عاش للإسلام في صمت ورحل في صمت

تنشر "عربي21" بالتزامن مع الصفحة الرسمية للكاتب والباحث المصري جمال سلطان على "فيسبوك" هذه الورقة الفكرية التي تتناول سيرة واحد من أعظم العلماء المسلمين في القرن العشرين، الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي، الذي مثّل نموذجًا فريدًا للعالم الزاهد العامل بصمت، جمع بين عمق البحث الأكاديمي واتساع الأفق الحضاري، وأسهم بعشرات المؤلفات والتحقيقات التي أصبحت مراجع أساسية في الفكر الإسلامي والفقه السياسي والسيرة النبوية.

يستعيد سلطان في مقاله ملامح هذه الشخصية الاستثنائية، التي عاشت بعيدًا عن الأضواء والمناصب، لتخلّد اسمها في وجدان الباحثين والعلماء عبر إنجازات علمية وتراثية امتدت من السوربون إلى العالم الإسلامي كله.

نوعيات خاصة

في حياتي قابلت ألوانا من البشر، مواهب ودررًا، في الفكر والفن والأدب والمعرفة، ولا يكاد يسمع بهم أحد، نوعيات خاصة من البشر تحب العمل في صمت، وهبت لذلك، وغالبا ما تكون أعمالها من النوع "التاريخي" الذي يمثل مرجعا للباحثين في مجاله، وهم لا يهتمون بحضور المنتديات العامة، ويزهدون في المراتب والمناصب والوظائف، ولا يحرصون على التواصل مع الإعلام ومنابره، ويعكفون طيلة وقتهم على العطاء المخلص الأمين، قد يكون في ذلك بعض التقصير منهم، لأن التواصل مع العالم الإنساني مهم للباحث والأديب والعالم، ولكن الذي لا شك فيه أن التقصير الأكبر هو من جانب الأمة ومؤسساتها ومراكزها العلمية والبحثية ودوائرها الأكاديمية ، فهي التي يفترض أنها تتابع حركة الفكر، وهي المؤهلة لأن تكشف عن الذهب ومعادنه بين المفكرين والباحثين، وهي المنوط بها دعم مثل هؤلاء الأتقياء الأنقياء المترعين عفة ومروءة، لا أن تنتظر أن يأتوها أو يمدوا إليها أيديهم للعون العلمي أو غيره .

العلامة الفذ والباحث المحقق الكبير الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي (ولد في الهند عام 1908)، نموذج شديد الوضوح لتلك الحالة التي أتحدث عنها، عاش في صمت، ورحل في صمت (توفي في فلوريدا بالولايات المتحدة عام 2002)، وكأنه من غمار الناس، رغم أنه قمة علمية نادرا ما وصل إليها أحد في القرن العشرين، فهو العالم الذي يدين له آلاف الباحثين والعلماء العرب والمسلمين وحتى المستشرقين بالفضل والعرفان، حيث كانت كتبه وترجماته وتحقيقاته هي المرجع الذي ينير لهم فضاء العلم ويختصر لهم صحاريه ومفازاته، ويكفي أن كتابه الفذ عن وثائق دولة الرسول صلى الله عليه وسلم "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، وهو بالأساس كان رسالة الدكتوراة التي حصل بها على الدرجة العلمية من جامعة السوربون، كان هذا البحث الفريد والمدهش ـ وما زال ـ هو المرجع الأساس الذي يجده القارئ في ختام أي بحث عن الفكر السياسي في الإسلام، على مدار قرابة خمسين عاما.

إلى جانب الدكتوراه التي حصل عليها في فرنسا بكتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، فقد حصل على دكتوراة أخرى في السيرة النبوية من ألمانيا وموضوعها "العلاقات الدولية في الإسلام"، كما حصل على دكتوراة ثالثة في الفلسفة أيضا من فرنسا، كما قام محمد حميد الله بتقديم أدق وأرقى ترجمة للقرآن الكريم إلى الفرنسية، وهي اللغة التي كان يتقنها إلى جانب الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى الأوردية ـ لغته الأم ـ والعربية والتركية والفارسيةوكان أول من نبهني إليه وحدثني عنه المفكر الكبير الدكتور محمد عمارة رحمه الله، وظل "حميد الله" يضيف إلى كتابه كل فترة ما يتوصل إليه من جديد من تلك الوثائق لتظهر في الطبعات الجديدة، وتشمل المكاتبات "الرسمية" من الرسول إلى عماله وولاته وقادة جيوشه، ورسائله إلى الأمصار المختلفة، وكتبه إلى المقوقس وإلى كسرى، ونص معاهداته مع القبائل ومع اليهود في المدينة، ونصوص اتفاقياته مع قريش في الحديبية وغيرها، ونصوص العهود التي كتبها مع حكام زمنه، ومنها كتابه إلى النجاشي، عدد الوثائق "الرسمية" وصل إلى 373 وثيقة، واللطيف أنه حصل على صور ضوئية من أصول بعض هذه الرسائل والكتابات مختومة بالخاتم النبوي أو خاتم خلفائه، وهي "آثار" نادرة ما زالت محفوظة في متاحف ومكتبات أوربية، مع الأسف استولى عليها مستشرقون، وصور المؤلف بعضها بإذن منهم، وتشمل الوثائق القرارات والرسائل والعهود والتكاليف التي صدرت عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، وقد ترجم كتابه إلى عشرات اللغات، كما طبع في العربية أكثر من عشر طبعات حتى الآن، على حد علمي، إن لم تكن هناك طبعات مستحدثة.

إلى جانب الدكتوراه التي حصل عليها في فرنسا بكتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، فقد حصل على دكتوراة أخرى في السيرة النبوية من ألمانيا وموضوعها "العلاقات الدولية في الإسلام"، كما حصل على دكتوراة ثالثة في الفلسفة أيضا من فرنسا، كما قام محمد حميد الله بتقديم أدق وأرقى ترجمة للقرآن الكريم إلى الفرنسية، وهي اللغة التي كان يتقنها إلى جانب الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى الأوردية ـ لغته الأم ـ والعربية والتركية والفارسية، فقد كان يتقن هذه اللغات السبع كأحد أبنائها، وأنجز ترجمات للقرآن الكريم إلى العديد من اللغات ، ووضع مؤلفا ضخما عن السيرة النبوية بالفرنسية والعشرات من المؤلفات والمقالات التي تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات، بلغت حوالي 175 كتابا، كما قام بتحقيق عدد من كتب التراث مثل "أنساب الأشراف" للبلاذري، وكتاب "السير الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني، كما عمل معه بعض المستشرقين الكبار على تحقيق نصوص عديدة من عيون التراث الإسلامي، لأنهم كانوا يثقون في علمه ويعرفون قدره، كما ينسب إليه أنه كان سببا في هداية آلاف الأوربيين إلى الإسلام وخاصة في فرنسا، حيث تردد أنه أسلم على يديه هناك قرابة 40 ألف فرنسي من بينهم المفكر الشهير "موريس بوكاي" صاحب كتاب "التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث"، وكتاب محمد حميد الله "التعريف بالإسلام" تمت ترجمته إلى 23 لغة عالمية، فقد كان لجهوده في الدعوة والتعريف بالإسلام بركة كبيرة.

عاش محمد حميد الله منذ خروجه من بلاده " حيدر آباد " أكثر من نصف قرن في باريس، ليكون قريبا من كنوز التراث الإسلامي ومخطوطاته التي تم تهريبها إلى مكتبات ومؤسسات أوروبية، وقد استقر في غرفة صغيرة متواضعة في باريس، لم يغيرها طيلة حياته، كان عازبا لم يتزوج، يعيش حياة الكفاف والزهد، وحده بين الكتب والمراجع والمجلات المتخصصة، ولم يكن في مسكنه لا تليفون ولا راديو ولا تليفزيون، ولا يسافر إلا بحثا عن مخطوطة أو حضور مؤتمر علمي دعي إليه، حتى وهنت صحته فأصرت عليه حفيدة شقيقته المقيمة في الولايات المتحدة أن ينتقل إليها لتقوم على خدمته ولأن إقامته وحيدا في هذه السن خطرة، فوافق بعد إصرارها وانتقل إلى هناك حيث توفي رحمه الله بعد معاناة شديدة مع أمراض الشيخوخة في 17 ديسمبر عام 2002 عن عمر ناهز التسعين عاما، رحل في صمت كما عاش في صمت.

تم تكريمه في باكستان، ومنحوه جائزة مالية كبرى فاعتذر عن قبولها وقرر منحها لأحد المعاهد العلمية في إسلام آباد، كما رشحوه لنيل جائزة الملك فيصل العالمية أيضا، فاعتذر وقال : أنا لم أكتب ما كتبت إلا لله، فلا تحرموني من جائزته، يرحمه الله.

مقالات مشابهة

  • الأولى بالشرق الأوسط.. "كاوست" تؤكد ريادة المملكة بقمة التايمز العالمية
  • الإمارات للتنمية يطلق حزماً تمويلية ومبادرات لدعم روّاد الأعمال
  • 7أكتوبر.. يوم فلسطين الذي حقق المستحيل بعد 77 عاماً
  • الشيخ سالم آل فنة العريمي.. ريادة وعطاء
  • إطلاق برنامج ريادة الأعمال لتدريب 10 آلاف مواطن على مهارات ريادة الأعمال وإطلاق مشاريع نوعية جديدة
  • "طوفان الأقصى" الذي عرّى الاحتلال
  • ما القمر العملاق الذي يُنير سماء العالم العربي غدا؟
  • محمد حميد الله.. العالم الذي عاش للإسلام في صمت ورحل في صمت
  • أمنحتب الثالث يعود للحياة.. فتح المقبرة الملكية بعد عشرين عاما من الترميم الدقيق
  • شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني يعبر عن إنبهاره بمدينة الشيخ زايد بالقاهرة بعد أن زارها: (أجمل من أوروبا.. ناس عايشة وناس دايشة.. ويا سودانيين مصر ما فيصل وكعابيش بس)