بعد 80 عامًا على أول قنبلة نووية... من يوقف الثالثة؟
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
يوم الأربعاء 6 أغسطس ستحل الذكرى الثمانين لإلقاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي. كان العقيد بول تيبتس، في ذلك اليوم، يقود طائرته الحربية من طراز بي-29، ينفث غليونه كعادته في الرحلات الطويلة، وهو ينقل البشرية من حقبة جيوسياسية إلى أخرى، كان عامل الاتصال في الطائرة يترقّب إشارة بإلغاء المهمة، في حال أعلنت اليابان استسلامها قبل الوصول إلى الهدف.
كتب المؤرخ أنطوني بيفور في مجلة (فورين أفيرس) أن قصف هيروشيما وناجازاكي أنهى أول حرب حديثة تجاوز فيها عدد القتلى من المدنيين عدد القتلى من العسكريين، في إشارة إلى أن التقدم التكنولوجي تسارع، بينما تراجعت الأخلاق.
لكنه أشار أيضًا إلى أن الحكومة العسكرية اليابانية آنذاك كانت مستعدة للتضحية بملايين المدنيين اليابانيين، بدفعهم لمقاومة الغزو بأسلحة بدائية مثل الحِراب المصنوعة من الخيزران والمتفجرات المثبتة على الأجساد. وبحلول عام 1944، كان نحو 400 ألف مدني يموتون شهريًا بسبب المجاعة في مناطق شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا التي كانت تحت الاحتلال الياباني، كما أراد الحلفاء إنقاذ أسرى الحرب الأمريكيين والأستراليين والبريطانيين، الذين كانوا يحتضرون جوعًا في معسكرات الاعتقال اليابانية، أو يُقتلون بأوامر من القيادة اليابانية.
قبل خمسة أشهر من قصف هيروشيما، أسفرت غارة واحدة بالقنابل الحارقة عن مقتل 100 ألف شخص في طوكيو.
وربما أسهمت القنبلتان الذريتان في تقليل إجمالي العنف والضحايا. هذا ما يتناوله الكاتب إم. جي. شيفتال في كتابه «هيروشيما: الشهود الأخيرون»، حيث يصف نهاية ما يسميه «براءة ما قبل العصر النووي».
في مؤتمر صحفي بتاريخ 21 مارس عام 1963، بعد خمسة أشهر فقط من أزمة الصواريخ الكوبية، قال الرئيس الأمريكي جون كينيدي: «أشعر بقلق دائم من أنه بحلول عام 1970 قد يكون هناك عشر دول تمتلك السلاح النووي بدلًا من أربع، وبحلول عام 1975 قد يرتفع العدد إلى خمسة عشر أو عشرين». ورغم أن هذا لم يتحقق، فإن انتشار الأسلحة النووية قد يتسارع بفعل النزعة الانعزالية التي اتسمت بها سياسة الرئيس دونالد ترامب، واستخفافه بالحلفاء، وتشككه في جدوى التحالفات. دول مثل كوريا الجنوبية وبولندا، التي لم تعد تثق بالحماية التي توفرها المظلة النووية الأمريكية، قد تفكر في تطوير ترسانتها الخاصة.
وقد صرّح نائب الرئيس الأمريكي مؤخرًا بأن اندلاع حرب بين قوتين نوويتين متعاديتين، مثل الهند وباكستان، «ليس من شأننا أساسًا». هل هذا يعني أن الولايات المتحدة لم تعد ترى نفسها معنية بالحفاظ على القاعدة الدولية التي تمنع استخدام السلاح النووي؟ وهل يرى السيناتور جي. دي. فانس أن طموح إيران لامتلاك سلاح نووي «ليس من شأننا أيضًا»، رغم أن الإدارة التي ينتمي إليها أرسلت طائرات هجومية إلى إيران؟
في أغسطس عام 1949، وبعد أقل من أربع سنوات ونصف من انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، دشن الاتحاد السوفييتي سلاحه النووي الأول وهو لا يزال منهكًا. وفي عام 1964، امتلكت الصين هذا السلاح وهي لا تزال دولة زراعية بدخل سنوي للفرد يقل عن تسعين دولارًا. أما باكستان، فقد امتلكته عام 1998 وكان دخل الفرد السنوي فيها لا يتجاوز أربعمائة دولار. كوريا الشمالية اليوم عاجزة عن إنتاج أحذية لمواطنيها، لكنها تطور صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية عابرة للقارات. وأي دولة تمتلك الإرادة الكافية، يمكنها امتلاك التكنولوجيا اللازمة. وإيران، كما هو معلوم، عازمة على ذلك منذ عقود.
ومتى كانت العقوبات الاقتصادية كفيلة بإجبار دولة كبيرة كإيران، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 90 مليون نسمة، على التخلي عما تعتبره مصلحة أمنية وطنية جوهرية؟ لعل الحرب، وحدها، باتت الوسيلة المتبقية لمنعها من امتلاك القنبلة.
ومن المنطقي أن تفكر إيران في أنه لو كان صدام حسين قد امتلك سلاحًا نوويًا، لما خسر في حروبه. والعديد من الدول المرشحة اليوم لامتلاك هذا السلاح تراقب ما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استخدم ترسانته النووية كأداة لردع بعض أشكال الدعم لأوكرانيا، بل ونقل بعض الأسلحة إلى بيلاروسيا.
أشار أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة جونز هوبكنز، هال براندز، إلى أن الترسانة النووية الصينية قد تضاعفت بين عامي 2020 و2023. وقال إن العالم يشهد اليوم تكتلًا استبداديًا أكثر تماسكًا من أي شيء واجهته الولايات المتحدة منذ أجيال، ويضم هذا التكتل ثلاث قوى نووية هي روسيا والصين وكوريا الشمالية. وربما تصبح إيران الرابعة.
عام 2004، أعلنت مستشارة الأمن القومي الأمريكية كوندوليزا رايس أن «المجتمع الدولي لن يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي».
وفي عام 2012، قال الرئيس باراك أوباما: «لا أتبع سياسة الاحتواء، بل لدي سياسة تمنع إيران من الحصول على السلاح النووي».
أما ترامب، فقد صرح قبل سبع سنوات بأن «التهديد النووي من كوريا الشمالية لم يعد قائمًا».
قال المؤرخ الإغريقي توكيديدس إن الحروب تنشب بسبب ثلاثة دوافع وهي الشرف والخوف والمصالح. وبحلول الأربعاء 6 أغسطس 2025، سيكون قد مضى 29 ألفًا و220 يومًا منذ أول استخدام للسلاح النووي، و29 ألفًا و217 يومًا منذ استخدامه للمرة الثانية. فهل يُعقل، في ظل التاريخ البشري المليء بالحروب والنزاعات الناتجة عن الكبرياء والمخاوف والمصالح الأيديولوجية، ألا تكون هناك ضربة ثالثة؟ ثم ضربة رابعة وخامسة؟
جورج إف. ويل كاتب مقالات سياسية منذ عام 1974 في صحيفة «واشنطن بوست»، نال جائزة بوليتزر عام 1977، وآخر مؤلفاته بعنوان السعادة الأمريكية وهمومها، الصادر في سبتمبر 2021.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اليونيفيل: إصابة جندي جراء سقوط قنبلة من طائرة مسيرة إسرائيلية جنوب لبنان
أعلنت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ، اليوم /الأحد/ ، أن أحد جنود حفظ السلام أُصيب بجروح جراء قنبلة يدوية أسقطتها طائرة إسرائيلية مُسيرة في منطقة كفر كلا جنوب لبنان أمس، وذلك بعد أيام من شكواها من إلقاء قنابل يدوية بالقرب من ذوي الخوذ الزرقاء.
وأضافت (اليونيفيل) - في بيان- : "قبل ظهر أمس بقليل، ألقت طائرة إسرائيلية مسيرة قنبلة يدوية انفجرت بالقرب من موقع لليونيفيل في كفر كلا، ما أدى إلى إصابة الجندي بجروح طفيفة وتلقى مساعدة طبية".. مشيرة إلى أنه قبل إلقاء القنبلة، لاحظ جنود حفظ السلام طائرتين مسيرتين تحلقان بالقرب من موقعهم.
وأشارت إلى أن هذا هو الهجوم الثاني الذي يشنه الجيش الإسرائيلي بالقنابل اليدوية على قوات حفظ السلام هذا الشهر ما يمثل انتهاكا خطيرا آخر للقرار 1701، واستخفافا مقلقا بسلامة قوات حفظ السلام التي تنفذ تفويض مجلس الأمن الممنوح لها.
ودعت (اليونيفيل) الجيش الإسرائيلي مجددًا إلى وقف الهجمات على قوات حفظ السلام أو بالقرب منها، لأنهم يعملون على إعادة الاستقرار الذي التزمت به كل من إسرائيل ولبنان.