لجريدة عمان:
2025-08-05@19:42:39 GMT

إعادة تأهيل

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

إعادة تأهيل

يميل الكاتب والفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه «نظام التفاهة» ــ وهو بالمناسبة كتاب «آسر ومرعب»، فيما لو جاز القول ــ إلى التشكيك بعملية التثاقف التي عرفناها على مدى عقود طويلة في حياتنا، وذلك عبر نقده ودراسته لتوجه عام بدأ بالازدياد والتموضع بوضوح مع مرور السنين: لقد تربع التافهون على سُدّة السلطة، بينما نجد أن «المتوسطين» هم من يملكون القرار اليوم فعليا.

في حين أصبح العمل وسيلة للعيش والتكسب أكثر من كونه مهنة حقيقية (كما من المفترض أن يكون). لقد تسلّل الكسل الفكري ليختبئ وراء الكمال التقني. أما الشغف بالعمل المنجز بإتقان أو حتى الشعور البسيط بالمسؤولية فقد صار عيبا، بل لنقل تحول ذلك إلى عدو مفترس يريد فرض «تفاهته» على أيّ منجز ليلغيه. تشوّهت الأوساط الأكاديمية بمتطلبات الربحية والدعاية. والطلاب أصبحوا مجرد منتجات مصمّمة لتلبية احتياجات فئة محدّدة من العملاء: الشركات. والأنكى أن الباحثين يشاركون في هذا التلاعب بالمعرفة لأغراض تجارية، إذ لا خيار لهم سوى قبول التمويل الخاص، الذي يجعلهم جزءا لا يتجزأ من عملية الضغط.

كلّ هذا النظام، «نظام التفاهة»، كان واضحا مؤخرا في تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني، الذي بدا وكأنه انقسم إلى «عمليتي تشييع»؛ الأولى، لدى إخراج الجثمان من المشفى، حيث تظاهر محبّوه وأصدقاؤه ليلقوا عليه تحية وداع أخيرة، وقد جاء حاملا للكثير من الحب لفنان جعل فنّه تعبيرا صادقا عن هذه الفئة التي كتب ودافع عنها. لكن اللافت ركوب البعض هذه الموجة (ولا بدّ أن نشير فعلا إلى أنهم ليسوا من أصدقاء زياد الفعليين الذين رفضوا في الواقع الظهور على شاشة التلفزيون)، لإلقاء خطابات وكلمات أمام الكاميرات التلفزيونية افرغوا فيها كلّ تفاهاتهم، التي تماشت أساسا مع تفاهة المراسلين. ما يضعنا فعلا أمام معضلة كبيرة: لقد أصبح الإعلام المرئي في لبنان مرتعا لعديمي الموهبة وللمتسلقين، لا تعرف كيف وصلوا إلى هذه المرحلة المتقدمة من «الغث»، وكأنهم كلما زادوا في تفاهتهم زادوا في شعبيتهم.

أما التشييع الثاني، الذي دار في الكنيسة، فقد شهد بدوره هذا الحفل من الجنون، حيث بدا أكثر رسمية بحضور بعض «الشخصيات» العامة والسياسية (لو كان زياد يدرك ذلك، لخرج من تابوته وركل الجميع خارجا)، والأنكى الوسام الذي منح له، وهو الذي ابتعد دوما عن كل هذا التهريج؛ أما أسئلة المراسلين، فلم تعرف كيف تخرج من هذه الحالة المتواضعة في ثقافتها، أو كما يشير دونو، لقد تسلّل الكسل الفكري ليختبئ وراء الكمال التقني، لأن العمل أصبح «وسيلة للعيش والتكسب أكثر من كونه مهنة حقيقية».

صحيح أن هذا الحشد الذي تجمهر وراء الجنازة، كان يدلّ ــ إن دلّ على شيء ــ على حضور زياد الرحباني في نفوس اللبنانيين، بمعنى كم أن خطابه الفني والسياسي والاجتماعي، كان يعنيهم، ولا يزال حاضرا. لكن ومع ذلك كلّه علينا ألا ننسى أمرا حقيقيا: لبنان بأسره اليوم يحتاج إلى عملية إعادة تأهيل، وأول ذلك خطابه، بعد أن أضاع بوصلته في الكثير من الأشياء. أليس من المستغرب ألا نجد اليوم من يملك خطابا يمكن له أن يثير تفكير الناس، لذا نجدهم يتكئون على خطاب سابق، يعود إلى فترة كان فيها الفن والثقافة يثيران الكثير من التفكير والجدل والعمل؟ وبالطبع، أستثني من كلامي هنا، ذاك الخطاب الطائفي المقيت الذي يُجيّش كثيرين ويجعلهم بعيدين كل البُعد عن أي إنسانية حقيقية.

بهذا المعنى، أتت أيضا كلمات جورج عبدالله الذي خرج من أسره، قبل يوم من رحيل زياد. كانت كلماته القديمة، كافية لتعيد تذكيرنا بخطاب نحاول أن نتناساه؛ كانت كلمات تستعيد بديهيات حول الصراع مع الكيان والعدالة التي يجب إحلالها. أليس من المستغرب فعلا ألا تملك حتى الأحزاب «اليسارية» اللبنانية اليوم (أو ما تبقى منها)، أي رؤية واضحة لمستقبل الصراع وحول ما يجري في المنطقة من إعادة رسم خرائط، لذا اتكأت على ما قاله العبد الله والرحباني، وكأنها ترغب بذلك، في إعادة تلميع صورتها، وهي في الواقع لم تفعل شيئا، سوى إعادة صياغة مفهوم الانتهازية الذي يلف كلّ شيء اليوم في لبنان.

هذه الانتهازية وهذا الخطاب المقيت، ألم يكن فعلا في جوهر النقد الذي عملت عليه مسرحيات زياد الرحباني، الذي قال لنا إن كلّ شيء فاشل، لأن أسس البلد قد شيّدت على هذا الأساس، وأن لبنان الرحابنة (الأب والعمّ والذي غنته الأم) كان لبنان الحلم الذي لم يتحقق، بل أكثر من ذلك، هو الذي قادنا إلى هذا الشرخ وإلى هذه الحروب، وأننا بحاجة إلى إعادة تأهيله من البداية، على أسس عقد اجتماعي فعلي جديد، لا على أسس المحاصصة والبيع والشراء. بمعنى آخر، نحن بحاجة إلى خطاب حقيقي، لا إلى خطاب يثير النعرات، وإلا سوف تبقى هذه الدوامة التي لا فكاك منها.

من دون شك، ثمة صفحات تُطوى اليوم من تاريخ لبنان، لكن للأسف ليس لفتح صفحات جديدة، مشرقة، قد تقودنا إلى مستقبل نحلم به؛ بل هي عملية إعادة تدوير، سيئة الصنع، لذا من غير المستغرب أن تبقى حروبنا وتفاهاتنا مستمرة إلى ما لا نهاية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من أميركا.. ماذا تسلّم لبنان اليوم؟

نقلت قناة "الحدث" عن مصادر لبنانية قولها إن "رئاسة الجمهورية أبلغت حزب الله أن ليس أمامه إلا التعاون مع الدولة"، مشيرة إلى أن النسخة النهائية من أفكار الموفد الأميركي توماس براك تسلمها لبنان اليوم.   وقالت القناة إن "حزب الله في حالة صدمة من مُطالبة حلفائه العلنية بحصر السلاح".   وكانت معلومات صحفية ذكرت، السبت، أنَّ الصيغة النهائية لموقف مجلس الوزراء الذي سيعقد جلسة يوم الثلاثاء المقبل بشأن سلاح "حزب الله"، ستخرج مساء الاثنين إنطلاقاً من رؤية العهد والحكومة المرتكز على إبعاد أي تباين أو مواضيع خلافية بين الأطراف السياسية داخل الجلسة.   وقالت المعلومات إنَّ حزب الله يفضل وضع صيغة ركيزتها المجلس الأعلى للدفاع من دون أي جدولة أو تواريخ، في وقت يقترح فيه حزب "القوات اللبنانية" إسناد المهمة الى المجلس الأعلى للدفاع ليضع خطة واضحة لكن ضمن جدول زمني محدد.   وأوضحت المعلومات أنَّ "الحزب مُنفتح على الصيغ التي تؤكد على حصرية السلاح بيد الدولة وفق البيان الوزاري وخطاب القسم إلا أن ما تسعى اليه اسرائيل هو فرض إتفاق آخر"، وأضافت: "صيغ متبادلة بين حزب الله والقصر الجمهوري عبر موفدين تهدف للوصول إلى صيغ مشتركة تؤكد على حق الدولة في حصرية السلاح من جهة ومنع الوصول إلى انزلاقات داخلية من جهة ثانية".   واستكملت: "واشنطن وتل ابيب لن تقبلا بأوساط الحلول والمطلوب اقرار بند السلاح وفق جدول زمني وبإجماع حكومي. كذلك، فإن الموفد الأميركي إلى لبنان توماس براك أبلغ المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت أن هذه الفرصة الأخيرة للتفاهم وأنه قد لا يعود".     مواضيع ذات صلة ماذا يريد لبنان من أميركا وماذا تريد أميركا من لبنان؟ Lebanon 24 ماذا يريد لبنان من أميركا وماذا تريد أميركا من لبنان؟ 03/08/2025 09:43:37 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 "الحدث" عن مصادر لبنانية: النسخة النهائية من أفكار براك تسلمها لبنان اليوم Lebanon 24 "الحدث" عن مصادر لبنانية: النسخة النهائية من أفكار براك تسلمها لبنان اليوم 03/08/2025 09:43:37 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 أميركا تُلوّح بسحب يدها من لبنان: ماذا يعني ذلك عمليًا؟ Lebanon 24 أميركا تُلوّح بسحب يدها من لبنان: ماذا يعني ذلك عمليًا؟ 03/08/2025 09:43:37 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الوكالة الذرية الإيرانية: الرد على مقترح أميركا في مراحله النهائية وسنسلمه خلال أيام Lebanon 24 الوكالة الذرية الإيرانية: الرد على مقترح أميركا في مراحله النهائية وسنسلمه خلال أيام 03/08/2025 09:43:37 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي قد يعجبك أيضاً 25 ألف سيارة مُستعملة دخلت عام 2024 لبنان.. هل تستوفي معايير السلامة العامة؟ Lebanon 24 25 ألف سيارة مُستعملة دخلت عام 2024 لبنان.. هل تستوفي معايير السلامة العامة؟ 09:30 | 2025-08-03 03/08/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 صورة "لافتة" لقائد الجيش Lebanon 24 صورة "لافتة" لقائد الجيش 09:15 | 2025-08-03 03/08/2025 09:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 مسعد: الدولة العميقة تتحكم بلبنان خلف الكواليس Lebanon 24 مسعد: الدولة العميقة تتحكم بلبنان خلف الكواليس 09:01 | 2025-08-03 03/08/2025 09:01:44 Lebanon 24 Lebanon 24 هل تنجح الحكومة في اختبار حصرية السلاح؟ Lebanon 24 هل تنجح الحكومة في اختبار حصرية السلاح؟ 09:00 | 2025-08-03 03/08/2025 09:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 عينٌ على "شارع حزب الله".. التحركات واردة؟ Lebanon 24 عينٌ على "شارع حزب الله".. التحركات واردة؟ 08:45 | 2025-08-03 03/08/2025 08:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة من المطار.. إليكم هذا الخبر السّار Lebanon 24 من المطار.. إليكم هذا الخبر السّار 21:15 | 2025-08-02 02/08/2025 09:15:54 Lebanon 24 Lebanon 24 شاركت بمراسم دفنه: خطيبة الراحل زياد الرحباني السابقة تعود للواجهة.. هي ممثلة شهيرة أيضا (صور) Lebanon 24 شاركت بمراسم دفنه: خطيبة الراحل زياد الرحباني السابقة تعود للواجهة.. هي ممثلة شهيرة أيضا (صور) 11:41 | 2025-08-02 02/08/2025 11:41:36 Lebanon 24 Lebanon 24 بـ"صورة مؤثرة".. هذا ما قاله غسان الرحباني لـ"ريما" ابنة فيروز Lebanon 24 بـ"صورة مؤثرة".. هذا ما قاله غسان الرحباني لـ"ريما" ابنة فيروز 19:39 | 2025-08-02 02/08/2025 07:39:07 Lebanon 24 Lebanon 24 100 ألف ليرة "تنقذ البلديات".. الحل في "المولدات" Lebanon 24 100 ألف ليرة "تنقذ البلديات".. الحل في "المولدات" 11:30 | 2025-08-02 02/08/2025 11:30:50 Lebanon 24 Lebanon 24 3 وزراء لن يشاركوا.. آخر خبر عن جلسة الثلاثاء المُرتقبة Lebanon 24 3 وزراء لن يشاركوا.. آخر خبر عن جلسة الثلاثاء المُرتقبة 19:14 | 2025-08-02 02/08/2025 07:14:53 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 09:30 | 2025-08-03 25 ألف سيارة مُستعملة دخلت عام 2024 لبنان.. هل تستوفي معايير السلامة العامة؟ 09:15 | 2025-08-03 صورة "لافتة" لقائد الجيش 09:01 | 2025-08-03 مسعد: الدولة العميقة تتحكم بلبنان خلف الكواليس 09:00 | 2025-08-03 هل تنجح الحكومة في اختبار حصرية السلاح؟ 08:45 | 2025-08-03 عينٌ على "شارع حزب الله".. التحركات واردة؟ 08:33 | 2025-08-03 شهيب: اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا يمنح الأمل للحوار السياسي فيديو بالفيديو: الطلب على المياه يزداد… والأسعار تتخطى المعدلات Lebanon 24 بالفيديو: الطلب على المياه يزداد… والأسعار تتخطى المعدلات 20:49 | 2025-08-02 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 "هاي شو الصورة؟".. شاهدوا ماذا حصل مع كاظم الساهر في حفله على مسرح إهدنيات (فيديو) Lebanon 24 "هاي شو الصورة؟".. شاهدوا ماذا حصل مع كاظم الساهر في حفله على مسرح إهدنيات (فيديو) 09:30 | 2025-08-02 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 03/08/2025 09:43:37 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • زياد الذي يلهو وينتظر
  • الحديدة:  تدشين المرحلة 2 من مشروع إعادة تأهيل وبناء المنازل للمتضررين من السيول
  • مفتاح والمداني يدشنان المرحلة الثانية من إعادة تأهيل وبناء المنازل المتضررة من السيول بالحديدة
  • أحكام خاصة بإعادة تقييم العقارات المتملّكة استيفاءً لدين من قبل المصارف.. إليكم هذا البيان
  • دمّرتها إسرائيل.. إعادة تأهيل محطة مياه في الجنوب
  • إعادة تأهيل بئر الخشابي لتعزيز ضخ المياه نحو درعا
  • ما الذي جرى؟
  • بأكثر من 81 ألف م² من السفلتة ومماشي خضراء.. إعادة تأهيل المرافق في بقيق
  • من أميركا.. ماذا تسلّم لبنان اليوم؟