عالم بوزارة الأوقاف: الشك ليس مذمومًا في ذاته إذا انضبط بضوابط العلم
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
أكد الشيخ أحمد ربيع الأزهري، من علماء وزارة الأوقاف، أن مقولة "الوصول إلى الحقيقة يبدأ بالتشكيك" قد تكون صحيحة من حيث المنهج العلمي، لكن بشرط أن يكون الشك منضبطًا بضوابط عقلية ومنهجية دقيقة، موضحًا أن "ليس كل شك محمودًا، لأن بعض صور الشك قد تفتح أبوابًا لهدم الثوابت وزعزعة الإيمان".
الشيخ أحمد ربيع الأزهري: الشك لا يجوز إسقاطه على الوحي والنصوص المقدسةوأوضح عالم بوزارة الأوقاف، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، أن الشك في ذاته ليس مذمومًا إذا انضبط بضوابط العلم، ضاربًا مثالًا بالعالم المصري الدكتور طه حسين، الذي تناول في كتابه "في الشعر الجاهلي" نظرية الشك، لكنه – بحسب ما نقل الشيخ عن الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي – تراجع عن كثير من آرائه في أواخر حياته، بعد أن أحدث الكتاب ضجة فكرية كبرى في النصف الأول من القرن العشرين.
رئيس جامعة الأزهر: افتتاح قسم الفلك الشرعي يؤكد اهتمامنا بالقضايا المعاصرة
ما حكم الادخار من مال الزوج دون إذن؟.. عضو الأزهر للفتوى تجيب
هل لا يجوز التيمم إلا من التراب فقط؟.. الأزهر يجيب
10 أمور تساعدك على الخشوع في الصلاة.. الأزهر يوضحها
وبيَّن عالم بوزارة الأوقاف أن خطورة الشك تكمن حين يُستخدم في غير موضعه، قائلاً: "طه حسين طبق منهج الشك على النصوص الدينية، رغم أن هذه النصوص لا ينبغي أن تُعامل بمنهج النقد التاريخي أو الأدبي، كما يُفعل مع نصوص التراث أو الأدب، لأن القرآن والسنة مصادر وحي، وليسا تراثًا بشريًا خاضعًا لأهواء العقل فقط".
وأضاف عالم بوزارة الأوقاف "عندما نُخضع النص القرآني لمنهج الشك المطلق، أو نعامله كأنه نص أدبي أو تاريخي، نكون قد خلطنا بين مصادر المعرفة في الحضارة الغربية، والتي تعتمد العقل وحده، وبين المنظور الإسلامي الذي يضع الوحي على رأس تلك المصادر".
وتابع عالم بوزارة الأوقاف "القرآن الكريم قطعي الثبوت، والسنة النبوية الصحيحة كذلك، وهما خارج دائرة النقد التراثي أو الأدبي. النقد يُوجه إلى ما دونهما من اجتهادات البشر، أما الوحي فلا يُناقش بمنطق الشك، بل يُسلَّم به كمرجعية مطلقة في بناء العقل والإيمان".
وأوضح عالم بوزارة الأوقاف "نحن بحاجة إلى إعادة ضبط المفاهيم، والتفريق بين الشك المنهجي المحمود الذي يُبنى على قواعد ويقود إلى حقائق، وبين الشك المطلق الذي يفتك بالعقل والهوية والدين تحت ستار البحث عن الحقيقة".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأوقاف وزارة الأوقاف الشك
إقرأ أيضاً:
هل أصبح غش الباحثين ظاهرة تهدد بانهيار العلم؟
في الوقت الذي تعد فيه الأبحاث العلمية ركيزة لتقدم المجتمعات الإنسانية، رصد فريق من علماء جامعة نورث ويسترن الأميركية ظاهرة خطِرة نشأت أخيرا وبدأت في الانتشار، تهدد الثقة في العلوم نفسها، وهي الاحتيال العلمي المنظم.
فبحسب الدراسة، التي نشرها الفريق في دورية "بي إن إيه إس"، لم يعد الأمر يقتصر على حالات فردية من تزوير البيانات أو سرقة الأفكار، بل أصبحنا في نواجه شبكات ممنهجة، تعمل على إنتاج وترويج أبحاث زائفة على نطاق واسع، مدفوعة بالمكاسب المادية التي تحصل عليها هذه الشبكات من جهة، والضغوط الأكاديمية التي يعاني منها الباحثون من الجهة الأخرى.
يعرف الاحتيال العلمي بأنه تزييف متعمد للمحتوى العلمي بهدف خداع القارئ أو المؤسسة. ويأخذ هذا الاحتيال أشكالًا متعددة، منها التلاعب في البيانات أو الصور البيانية، وسرقة الملكية الفكرية، إضافة أسماء مؤلفين لم يشاركوا في الدراسة.
وإلى جانب ذلك ينتشر استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد مقالات علمية وهمية، والنشر في دوريات ضعيفة أو فاسدة، وشراء أبحاث جاهزة من شركات تُعرف بـ "مزارع الأوراق".
وتعرف "مزارع الأوراق" بأنها شركات تبيع أوراقا علمية جاهزة للنشر للباحثين أو طلاب الدراسات العليا أو حتى أساتذة جامعيين يريدون تحقيق متطلبات الترقية الأكاديمية أو الشهرة أو التمويل، دون إجراء أبحاث حقيقية. هذه الأوراق البحثية عادة ما تكون معتمدة على اختلاق بيانات أو صور مخبرية، غالبًا ما تكون مزوّرة أو مكررة.
تستخدم هذه الأوراق البحثية عادة لغة غريبة أو متكررة بشكل مريب، وتجد بها مؤلفين من أماكن غير مرتبطة فعليًا بالبحث، مع بيانات بلا مصادر واضحة، وبالطبع مجلة غير معروفة أو تم افتراسها (وهو أمر نوضحه بعد قليل)، كما تجد أن البحث يبدو عاما جدا ومليئا بالكلمات "الرنانة" دون عمق أو رصانة أكاديمية.
لكن الخطير في السنوات الأخيرة هو التحول من الاحتيال الفردي إلى الشبكي والمنهجي، بشكل يشبه الجريمة المنظمة، حيث يتم إدارة أعمال احتيالية منسقة تمتد عبر دول ومؤسسات ومجلات علمية.
إعلانوقد أجرى الباحثون من جامعة نورثويسترن فحصا تحليليا اعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة لأكثر من 10 ملايين ورقة علمية منشورة.
وبحسب الدراسة، فقد ظهر أن عشرات الآلاف من الأوراق أظهرت نمطًا إحصائيًا غير طبيعي في الاقتباسات والعناوين والمحتوى، وهناك ارتباطات مشبوهة بين مجموعات من الباحثين ودور نشر تتكرر فيها علامات الاحتيال، ما يعني صورة من صور التنظيم والهيكلة لتلك النوعية من الاحتيال.
إلى جانب ذلك، وجدت الدراسة أن الاحتيال العلمي ينمو بمعدل أسرع من نمو الأبحاث الأصلية، ويرى المؤلفون، أن هذه النتيجة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع العلمي، الذي يحتاج إلى التحرك قبل أن يفقد الجمهور ثقته في العملية العلمية.
أخطر المشكلاتوقال لويس أ. ن. أمارال، كبير مؤلفي الدراسة وهو الأستاذ بكرسي إيراستوس أوتيس هافن وأستاذ علوم الهندسة والرياضيات التطبيقية في كلية ماكورميك للهندسة بجامعة نورث وسترن في تصريح حصلت الجزيرة نت، على نسخة منه: "يجب على العلم أن يُراقب نفسه بشكل أفضل للحفاظ على نزاهته".
ويضيف: "إذا لم ننشر الوعي عن هذه المشكلة، فسيصبح السلوك أسوأ فأسوأ وأمرًا طبيعيًا. في مرحلة ما، سيكون الأوان قد فات، وستصبح الأدبيات العلمية مُسممة تماما.
ويوضح أمارال، أن بعضهم يخشى من أن يكون الحديث عن هذه القضية هجومًا على العلم، مضيفا "لكنني أعتقد اعتقادًا راسخًا أننا ندافع عن العلم من الجهات السيئة. علينا أن ندرك خطورة هذه المشكلة ونتخذ التدابير اللازمة لمعالجتها".
وبحسب الدراسة، وجد أمارال ورفاقه أن الشبكات الاحتيالية تستخدم عدة إستراتيجيات رئيسية:
تعاون بين مجموعات من الباحثين لنشر أوراق مزيفة: عدد من الباحثين يتفقون بينهم على نشر أبحاث مزيفة في مجلات مختلفة، وعندما تُكتشف هذه الأبحاث لاحقًا، تقوم المجلات بسحبها، لكن الضرر يكون قد حصل فعلا. وجود "وسطاء" لتسهيل النشر الجماعي المزيف: هؤلاء الوسطاء يعملون كجسر بين الباحث والمجلة، ويبيعون خدمات مثل كتابة الورقة، ونشرها في مجلة معيّنة، أو حتى إضافة اسمك كباحث دون أن تكتب شيئًا، والهدف هو تسهيل نشر مئات أو آلاف الأوراق الاحتيالية. التركيز على مجالات علمية "ضعيفة" يسهل اختراقها: الاحتيال يتركّز غالبًا في تخصصات علمية معيّنة، مثل بعض فروع الطب أو الكيمياء الحيوية، وتحديدا في مجلات ضعيفة، حيث المراجعة ضعيفة والمجلات أقل شهرة والرقابة أقل صرامة. تفادي العقوبات بخداع أدوات الجودة: حتى عندما تُكتشف مجلة فاسدة ويتم حذفها من قواعد البيانات، فإن الشبكات الاحتيالية تنقل نشاطها إلى مجلات أخرى جديدة أو تابعة. اختطاف أو افتراس المجلات المتوقفة: في بعض الأحيان تتوقف مجلة علمية محترمة عن النشر (بسبب توقف التمويل، أو إغلاق الناشر، أو لأي سبب إداري)، يبحث المحتالون عن هذه المجلات المتوقفة، لأنها كانت ذات سمعة جيدة ولها تاريخ مشرف، ثم يقومون "بسرقة" اسم المجلة أو موقعها الإلكتروني، أو يصنعون موقعا جديدا يشبه الأصلي تمامًا، ويزعمون أن المجلة لا تزال تعمل، ويبدؤون في استقبال ونشر أبحاث جديدة مزيفة. إعلان ضغوط أكاديميةبهذه الطريقة يواصل هؤلاء المحتالون عملهم دون انكشاف. وبحسب الدراسة، فإن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة يتعلق أبرزها بالضغوط الأكاديمية، فالباحثون وطلاب الدراسات العليا وحتى العلماء مطالبون بنشر عدد معين من الأوراق للترقي أو الحصول على تمويل.
يؤدي ذلك إلى نظام تقييم غير دقيق في بعض الجامعات، يتضمن الاعتماد المفرط على عدد الأبحاث بدلا من جودتها.
إلى جانب ذلك، فبعض الجامعات تشترط نشر ورقة علمية قبل مناقشة الرسالة، ومن ثم فإن الطالب قد يلجأ للغش تحت الضغط، أو بسبب ضعف إشراف أكاديمي، أو صعوبة البحث.
وإلى جانب ذلك، فإن بعض المجلات العلمية تتحايل على القوانين، وتنشر الأبحاث بسرعة دون تدقيق كاف، يأتي ذلك في سياق وجود سوق مربحة لبيع الأبحاث، فكثير من الشركات تبيع أوراقا مزيفة بأسعار تبدأ من 500 إلى 5000 دولار للمقال.
الدفاع عن العلميدرك الباحثون أن ذلك سيدفع من ناحية إلى تآكل خطير للثقة في البحث العلمي، خاصة إذا تم اقتباس الأوراق الزائفة في أبحاث حقيقية، كما أنه يضيّع الموارد، فهناك أموال ومنح تهدر على مشاريع مبنية على أساس خاطئ.
وللأمر نتائج أعمق، فقد يؤدي -أو هو بالفعل يفعل- إلى إرباك نماذج الذكاء الاصطناعي التي تُدرب على الأبحاث المنشورة، فتتعلم من بيانات مزيفة وتنتج معرفة غير موثوقة.
أما إذا تسللت أوراق زائفة بكثافة إلى مجالات الطب أو التكنولوجيا، فإن ذلك يؤثر مباشرة على صحة الناس، أو اتخاذ القرارات الحكومية في سياق نطاقات متنوعة، مثل البيئة أو المناخ.
وللخروج من هذه المشكلة، يقترح الباحثون عدة إجراءات يمكن أن تساعد بقوة على تنظيم العملية العلمية بشكل "صحي":
تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لرصد الأنماط الاحتيالية. إلزام المجلات بعمليات تدقيق أكثر صرامة. فرض عقوبات على الباحثين والمؤسسات التي يثبت تورطها. تبنّي مبدأ الشفافية المفتوحة في البيانات والنتائج. دعم مبادرات مجتمعية مثل "باب-بير"و "ريتراكشن واتش" لرصد ومراجعة الأبحاث بعد النشر.ويقول أمارال معلقا على النتائج التي توصل وفريقه إليها: "ربما تكون هذه الدراسة أكثر المشاريع إحباطًا التي شاركتُ فيها طوال حياتي".
ويضيف: "منذ صغري، كنت متحمسا للعلم. من المحزن أن نرى الآخرين يتورطون في الاحتيال والتضليل. ولكن إذا كنت تؤمن بأن العلم مفيد ومهم للبشرية، فعليكَ أن تناضل من أجله".
في النهاية، يوضح الباحثون أن العلم الحقيقي لا يقوم فقط على الاكتشافات، بل على النزاهة والشفافية، والاحتيال العلمي المنظم لا يهدد فقط الباحثين، بل يمس المجتمعات والقرارات السياسية والصحة العامة، ومن ثم فمن الضروري أن يتكاتف المجتمع العلمي لإرساء معايير أكثر صرامة لحماية المعرفة العلمية.