لجريدة عمان:
2025-08-05@23:46:03 GMT

غزة .. وتحولات الإعلام الدولي

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

تقول الحكمة الصينية «في كل مصيبة هناك فرصة»، وهو ما يعني أن علينا أن نبحث في جوانب كل مصيبة عن الفرصة أو الفرص التي تحولها من مصيبة إلى فرصة عظيمة». الاجتياح الإسرائيلي الغاشم لقطاع غزة وتدميره وقتل أهله وتجويعهم المستمر منذ عامين تقريبا كان وما زال مصيبة بكل تأكيد، والفرصة تتمثل في استغلال التحولات الملموسة في مواقف الإعلام الدولي من الكيان الصهيوني والبناء عليها لدعم الرواية الفلسطينية والعربية في الصراع مع هذا الكيان الغاصب.

مع التزايد الكبير في أعداد القتلى والمصابين والمجوعين في غزة التي لم يعد بالإمكان حصرها، وجدت وسائل الإعلام الدولي نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تغمض عينها عن الصور والأخبار والتقارير التي تتدفق عليها ليل نهار عما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، وتتجاهل الهمجية الإسرائيلية، وجرائم الحرب المتكررة التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها تحت سمع وبصر العالم، وتستمر في دعمها التاريخي لإسرائيل ظالمة كانت أم مظلومة، وتضحي بذلك باحترامها لنفسها واحترام وثقة الجمهور فيها، وإما أن تغير أسلوب تغطيتها للحرب العدوانية على غزة وتتبني مدخلا إنسانيا يسند المسؤولية عن جرائم الإبادة والتجويع إلى إسرائيل، وتكفر من خلال هذا المدخل عن أخطائها التاريخية في دعم الاحتلال الصهيوني.

بعد نحو عامين من القصف الوحشي لكل شيء في غزة حتى المستشفيات، والتجويع عبر منع المساعدات الإنسانية من الدخول إلى القطاع من خلال المعابر البرية، وإتلاف وحرق ما يدخل منها، وتشديد الحصار البري والبحري والجوي المفروض عليه منذ عشرين عاما تقريبا، بعد كل ذلك، بدأت تلوح في الأفق أخيرا ملامح تحول في مواقف الإعلام الدولي تجاه إسرائيل، التي كانت تتمتع ربما منذ زرعها في فلسطين بـ«حصانة إعلامية» كاملة، استخدمتها في تبرير جرائمها، ووظفت فيها كل أساليب الدعاية القذرة، لإسكات وإزاحة أي صوت معارض لما تفعله في الأراضي المحتلة.

أخيرا أثرت صور ومشاهد الأطفال الذين يموتون جوعا، والشيوخ الذين يعانون من الهزال الشديد، وحتى الحيوانات التي أصبحت جلدا على عظم، والأمهات الباحثات عن كسرة خبز لأبنائهن، والشهداء الذين تحصدهم الآلة العسكرية النازية وهم ينتظرون وصول المساعدات الغذائية، إلى جانب المستشفيات والشوارع والأبنية المدمرة، في وسائل الإعلام العالمية الغربية، واستطاعت أن تجبر بعضها على الخروج من حالة الصمت، ومراجعة مواقفها من إسرائيل. صحيح أن اليقظة الإعلامية الغربية -إن جازت التسمية- جاءت متأخرة ومحدودة إلى حد كبير، لكن كما يقولون «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدًا».

ولكي نقدر أهمية هذا التحول المتأخر، علينا أن نعلم أن التواطؤ والانحياز الإعلامي الغربي الأعمى مع الصهيونية العالمية ومع إسرائيل تمتد جذوره إلى أكثر من سبعة عقود، وربما يعود إلى ما قبل قيام الدولة اليهودية في عام 1948. فقد حظي هذا الكيان الغاصب منذ أن كان فكرة وحتى الآن، بدعم إعلامي غير مسبوق خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوروبا. وعبر هذا الدعم تم الترويج لسلسلة طويلة من الأكاذيب الصهيونية، أهمها أنها دولة مسالمة محاطة بأعداء يريدون زوالها. في المقابل تجاهل الإعلام الغربي السردية الفلسطينية والعربية، وغض الطرف عن معاناة أهل فلسطين الذين تم إخراجهم من أراضيهم والاستيلاء على منازلهم ومزارعهم. ويمكن القول إن السردية الصهيونية كان لها دور محوري في الخطاب الإعلامي الدولي المنحاز للكيان الصهيوني، خاصة أن هذا الخطاب كان وما زال مدعوما بشدة من جماعات ضغط قوية ومؤسسات سياسية واقتصادية وإعلامية ذات نفوذ هائل.

وقد التزم الإعلام الغربي بتبرير الأعمال العدوانية الإسرائيلية على طول الخط، متجاهلًا انتهاكات جيش الاحتلال لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وذلك في كل الحروب المتعاقبة التي كانت إسرائيل فيها المبادرة بالعدوان، كالعدوان الثلاثي على مصر 1956، وحرب 1967، واجتياح لبنان 1982، والحروب المتكررة التي شنتها على غزة منذ حرب 2008-2009 (عملية الرصاص المصبوب)، وحتى الحرب الحالية المستمرة منذ أكتوبر 2023، والتي تُعد الأطول والأكثر همجية في تاريخ الصراع، مرورا بحرب 2012 (عملية عمود السحاب)، وحرب 2014 (عملية الجرف الصامد)، وحرب 2021 (عملية حارس الأسوار). وفي الحالات التي كانت تشهد ارتكاب إسرائيل مذابح موثقة، كان هذا الإعلام يميل إلى «التوازن الزائف»، ويقدم هذه الأفعال غير الإنسانية باعتبارها «رد فعل» من جانب الكيان، وهو ما ساهم في تهميش الرواية الفلسطينية والعربية.

ما الذي تغير إذن في الفترة الأخيرة؟ واقع الحال أن بعض وسائل الإعلام الغربية لم تعد قادرة على دفن رأسها في الرمال والاستمرار في تبرير أفعال إسرائيل النازية. فمع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور صحفيين مستقلين ومنصات إعلامية بديلة، نجحت في تقديم الحقيقة دون أن تمر على الرقيب العسكري الإسرائيلي، شعرت هذه الوسائل أن هيمنتها على المشهد الإعلامي العالمي أصبحت مهددة، خاصة مع تصاعد مستوى الإجرام الإسرائيلي في غزة، ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة من الوحشية والتجويع الجماعي. وهذا- في تقديري- ما دفع بعض هذه الوسائل إلى إعادة النظر في خطابها.

التحول الذي يتم حاليا في خطاب بعض وسائل الإعلام الدولية تجاه إسرائيل، والمرتبط بالأزمة الإنسانية في غزة، بعد وصول المجاعة إلى مستويات كارثية يمكن ملاحظته في تغير لغة الخطاب في بعض الصحف والمؤسسات الإعلامية الغربية البارزة مثل، الواشنطن بوست، وبـ«ي بي سي»، و«سي ان ان» و«الجارديان»، و«لوموند»، التي أصبحت تنشر تقارير ذات طابع إنساني تكشف حجم المعاناة في غزة، وتنتقد صراحة السياسات الإسرائيلية.

لا يمكن رد هذا التحول- في رأيي- إلى قناعة أخلاقية مفاجئة هبطت على هذه المؤسسات الإعلامية، وإنما جاء نتيجة ضغط شعبي متزايد، والمظاهرات والاحتجاجات الواسعة شبه اليومية في العواصم الغربية وغير الغربية التي تندد بإسرائيل وتتضامن مع غزة، وانتشار الصور والفيديوهات التي توثق الجرائم الصهيونية على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية التي فضحت هذه الجرائم. كل هذه الضغوط أجبرت بعض وسائل الإعلام الغربية على مراجعة خطابها تجاه إسرائيل، ولو مؤقتا وجزئيًا.

من المؤكد أن التحول في مواقف الإعلام الدولي ما زال محدودًا خاصة وأن هناك وسائل إعلام غربية أخرى كثيرة ما زالت غارقة في مستنقع دعم إسرائيل، حتى أنها تتجنب تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن المجاعة في قطاع غزة وتلقيها على أطراف عربية أخرى. ومع ذلك يمكن أن يكون هذا التحول هو «القطرة» التي تسبق السيل، الذي قد يعصف بالتواطؤ الإعلامي الغربي طويل المدي مع إسرائيل، ويكون بداية لصحوة ضمير إعلامي عالمي، وليس فقط مجرد رد فعل مؤقت على كارثة إنسانية لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل. إن الاهتمام بهذا التحول الإعلامي الغربي ونشره ودعمه يمكن أن يمثل فرصة جيدة لقضية غزة، والقضية الفلسطينية، والقضايا العربية بوجه عام، ويتطلب بذل الجهد مع هذا الإعلام لتأكيد عدالة القضية الفلسطينية وهمجية الكيان الصهيوني المحتل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإعلام الغربی الإعلام الدولی وسائل الإعلام هذا التحول فی غزة

إقرأ أيضاً:

الإعلام الإسرائيلي: الجيش عرض خطة لحصار غزة وتنفيذ مداهمات محدودة

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الجيش عرض على المستوى السياسي خطة تشمل حصار غزة والمحافظة الوسطى وتنفيذ مداهمات محدودة، بحسب قناة "القاهرة الاخبارية".

واشنطن بوست تكذب مزاعم "ترامب" بتخصيص 60 مليون دولار كمساعدات إنسانية إلى غزة"القسام" ترد على طلب نتنياهو لإدخال الطعام للرهائن المحتجزين في غزة

و في وقت سابق من اليوم، قال، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم الأحد إنه تحدث إلى رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة، جوليان ليريسون، وطلب منه المشاركة في تقديم الغذاء والرعاية الطبية للرهائن المحتجزين في قطاع غزة، بحسب "سكاي نيوز عربية".


وأكد نتنياهو ليريسون، أن "كذبة حماس بشأن التجويع تجد صدى عالميا، بينما التجويع الممنهج يستهدف رهائننا الذين يعانون من انتهاكات جسدية ونفسية وحشية. لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الصور المروعة".

طباعة شارك وسائل إعلام إسرائيلية الجيش حصار غزة الأراضي المحتلة التجويع

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام المأزوم
  • ٥ آلاف شاحنة.. الرئيس السيسي يوجه رسالة لـ وسائل الإعلام
  • الإحصاء: 97.7% نسبة المنشآت التي لديها إنترنت بالسعودية
  • "حماية الصحفيين" وتهاوي السردية الصهيونية
  • كيف أثارت صورة لطفل فلسطيني هزيل جدلا حول المجاعة في غزة؟
  • “الإحصاء”: 97.7% نسبة المنشآت التي لديها إنترنت في المملكة لعام 2023
  • الإعلام الإسرائيلي: الجيش عرض خطة لحصار غزة وتنفيذ مداهمات محدودة
  • مستخدمو تيك توك: الأخبار هنا أبسط وأسهل وأسرع
  • عاجل|وسائل إعلام إسرائيلية: المسيرة التي أطلقت من اليمن اعترضت في أجواء بلدة بني نتساريم بغلاف غزة