لم تحرموا ما أحل الله لكم «1»
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
أيها القارئ الكريم.. أرجو أن تعيرني قبلك وعقلك هذه اللحظات التي سآخذك فيها إلى مكان نمر عليه كل يوم، وقد يلفت أنظارنا جميعًا، ذلكم المكان هو ما نريده من أنواع متطلبات الحياة حيث نذهب جميعا إلى من علمه الله تعالى صنعة لا نعلمها ونحتاج إليه ليقوم لنا بها، ثم ما أن نذهب إليه ونتفق معه إلا أننا نجد في آخر عمله أو نكتشفه بعد مدة أنه لم يتقن العمل المتفق عليه، على الرغم أنه أخذ أجره كاملًا، وبهذا الغش والقصد في عدم الإتقان يصبح ما اكتسبه من مال ليس بحلال له، هو في ذاته له حلال، ولكنه جعله حرامًا على نفسه بالغش في صنعته، إن هذه المشكلة نعاني منها جميعا، على الرغم أن الجميع يحتاج إلى الجميع، وهذه سنة الله تعالى في خلقه، فقد (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنعام ـ ١٦٥)، جاء في (تفسير الشعراوي 7/ 4028):(“خلائف الأرض” تنفعل لكم الأشياء بقدر ما أراد الله أن تنفعل لكم، لكي يثبت أنكم لم تسخروها بقدراتكم، بل به هو، إن شاء أطلق الخلافة، وإن شاء قيد الخلافة، “رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ”، كأن من الخلافة أننا لا نكون متماثلين متطابقين، بل أراد سبحانه أن نكون متكاملين في المواهب، وفي الكماليات؛ لأن الناس لو كانوا صورة مكررة في المواهب، لفسدت الحياة، فلابد أن تختلف مواهبنا، لأن مطلوبات الحياة متعددة، فلو أصبحنا كلنا أطباء فالأمر لا يصلح، ولو كنا قضاة لفسد الأمر، وكذلك لو كنا مهندسين أو فلاحين، إذن فلابد من أن تتحقق إرادة الله، أي: أن البعض قد رُفِعَ، والبعض الآخر رُفِعَ عليه، فمن هو البعض المرفوع؟ ومن هو البعض المرفوع عليه؟، إن كل واحد فيكم مرفوع في جهة مواهبه، ومرفوع عليه فيما لا مواهب له فيه؛ لأن الحق يريد أن يتكاتف المخلوقون، ولا ينشأ التكاتف تفضلاً، وإنما ينشأ لحاجة، فلابد أن تكون إدارة المصالح في الكون اضطراراً، وهذه هي هندسة المكون الأعلى سبحانه التي تتجلى في أنك وضعت خريطة لمن دخلوا معك في مرحلة التعليم الابتدائي.
وهكذا نجد أن البعض يتساقط من التعليم لأن هناك أكثر من مهمة في الكون لا تحتاج إلا إلى حامل الابتدائية فقط، أو حامل الإعدادية، أو إلى حامل شهادة إتمام الدراسة الثانوية، ولو ظل كل واحد منهم في التعليم العالي، فلن نجد لتلك المهام أحداً. لذلك جعل الله التكاتف في الكون احتياجاً لا تفضلاً.
ونلاحظ جيدًا أن الإنسان إذا عضّه جوع بطنه أو جوع عياله فهو يقبل أي عمل، وإن رضي بقدر الله فيما وضعه فيه، ولم يحقد على سواه فسيتقن هذا العمل، وسيتفوق فيه وسيرزقه الله الرزق الحلال الطيب. ولذلك قال الإمام علي: قيمة كل امرئ ما يحسنه، فإن أحسن الإنسان عمله، فهو إنسان ناجح في الوجود. وهكذا أراد الحق سبحانه وتعالى ألا يجلنا أشخاصاً مكررين، ولكن جعلنا متفاضلين متفاوتين، فرفع بعضاً على بعض، وكل منا مرفوع فيما يجيد، ومرفوع عليه فيما لا يجيد، حتى يحتاج الإنسان منا إلى غيره ليؤدي له العمل الذي لا يجيده وبذلك يرتبط العالم ارتباط مصلحة وحاجة لا ارتباط تفضل، (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ) (الأنعام ـ 165)، كأن هذا الرفع هو اختبار للبشر فيما أعطاهم الله من الواهب. ليعلم علم الإلزام للعبد؛ فسبحانه يعلم أزلاً كل ما يصدر عن العبد، ولكنه يترك للعبد فرصة أن يؤدي العمل ليكون ملتزماً بم فعل. وتكون حجة على العبد. وحينما يقول الحق:(لِّيَبْلُوَكُمْ) فالمقصود ليختبركم اختبار إقرار على نفوسكم، لا إخباراً له).. وللحديث بقية.
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
«نفر ما فيه خوف من الله»
- في أحد أزقة سوق «مطرح» العتيق، حيث دكاكين الآنية المعدنية، مددتُ للبائع الآسيوي الهاتف النقال الذي يحمل في صدره بطاقة الصراف الآلي، اعتذر بأدب، طلب مني «مُتمسكنًا» تحويل المبلغ المُستحق إلى رقمه الخاص، بحجة أن الآلة مُعطلة.
كنت على دراية بالحيلة، أرجعت له سلعته، قلت إنني سأبحث عنها في محل آخر، أوقفني حالًا، ومن باب تفويت الفرصة على غيره من الباعة أخرج آلة السحب من أحد أدراج الطاولة حيث كانت مُخبأة.
علل تصرفه ذلك بتأخر صاحب العمل العُماني في دفع راتبه، وعندما واجهته: «إنك تتهرب من دفع الضريبة المستحقة» حاول تقديم تبريرات لم أقبلها، ثم سألني شاكًا: «انته مسؤول جاي من وزارة؟» أجبته: «لا.. لكنني آمل أن تفكر الوزارة فعلًا في ذلك».
- جرت العادة، أن يسأل الجيران في مجموعة «الجار قبل الدار» عن أي عامل قد يحتاجونه، حال واجهوا أعطالًا في خدمة معينة، خاصة خدمتي الماء و الكهرباء، اللتين لا يُتقن كثيرٌ منا التعامل معهما.
سألت أعضاء المجموعة عن «سمكري»، بسبب تسريب طرأ في إحدى دورات المياه، مباشرة اقترح علي أحدهم عاملا آسيويا ذكر أنه «ما طماع» يعرفه، وكان قد أدى له عملًا بمنزله منذ شهر.
تواصلت مع العامل، فأبدى كعادة العمال من جنسيته معرفة خارقة فقال قولتهم الشهيرة: «أنا معلوم كل شي»، اتفقنا على أن العمل سيكلف مبدئيًا مبلغ 35 ريالًا.
بدأ الرجل عمله باكرًا، دخلت عليه لأعاين ما تم إنجازه، أوضح أن جزءًا من أرضية دورة المياه بحاجة للكسر، فالتسريب صادر عن تشظٍ بأحد الأنابيب الداخلية أحدث تجويفًا في الأرضية، عثر على مصدر الخراب، وأصلحه، وطلب عدم استخدام المكان إلا بعد يومين.
بعد انقضاء المدة وبسبب نسيانه لإمالة الأرضية «سلوب» تكونت بِركة من المياه، أطل تسريب جديد برأسه من الجدار الخارجي لدورة المياه، اضطررت لاستدعاء عامل آخر لإصلاح ما أفسده سابقه.
شخّص العامل العبقري الوضع، هلل وكبر، قدح في ذِمة مواطنه الذي سبقه قائلًا: «نفر ما فيه خوف من الله»، والذي اكتشفتُ أنه رُحِّل فِعلًا من قِبل وزارة العمل لعدم تجديد بطاقة عمله.
كسّر الصاحب دورة المياه وتركها «قاعًا صفصفًا»، طلب تغيير كل ما كان فوقها وتحتها، امتثلتُ لطلبه مُجبرًا، ودون أدنى احتجاج، كلفني ذلك أكثر من 300 ريال عُماني «ولله الأمر من قبل ومن بعد».
- ترك صديقنا سيارته في محطة الوقود، التي تحتضن أحد فروع الشركة الشهيرة لتغيير الزيوت. من عادة الشركة معاينة المركبة وإخضاعها للفحص الشامل قبل بدء العمل، اتصلوا به وأبلغوه أن قطعتي غيار بحاجة إلى استبدال؛ لأنها سبب ضعف هِمة المركبة، فوافق مباشرة لثقته العمياء في الشركة واسمها.
بعد أسبوع بالتمام والكمال «عادت حليمة لعادتها القديمة»، توجه إلى «كراج» مُتخصص، دفع إليهم بتقرير الخدمة الذي زودته به الشركة الشهيرة، وطلب منهم إعادة الفحص لمعرفة لِم عادت المشكلة، تفاجأ أنه لم يتم تركيب قطع جديدة للمركبة، إنما استبدلت القديمة بأخرى مُستعملة بعدما تم تنظيفها، تساءل في حيرة: أين الجهة الحكومية التي تحمي المواطن من سرقة هؤلاء!
النقطة الأخيرة..
يقول أرسطو: «إذا أراد المرء أن يُعلِم نفسه، فعليه أن يشك أولًا، إذ إنه من خلال الشك، سيعثر على الحقيقة».
عُمر العبري كاتب عُماني