نيويورك تايمز: هكذا سقطت جماعة مؤيدة لفلسطين ضحية قانون بريطاني قديم
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
أثار قرار الحكومة البريطانية إدراج حركة العمل من أجل فلسطين (فلسطين أكشن) ضمن قائمة المنظمات الإرهابية عاصفة من الجدل داخل الأوساط القانونية والسياسية والحقوقية، وأعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول حدود حرية التعبير وتعريف الإرهاب واستخدام السلطة التنفيذية في قمع الاحتجاجات.
وكانت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر قد حظرت في 5 يوليو/تموز المنصرم حركة "فلسطين أكشن" بوصفها منظمة إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطاني لعام 2000.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن القصة بدأت في يونيو/حزيران الماضي عندما اقتحم نشطاء من الحركة قاعدة لسلاح الجو الملكي، ورشّوا طلاء أحمر في محركات الطائرات وألحقوا أضرارا بها احتجاجا على تورط الجيش البريطاني بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي تقرير لمراسلتها ليزي ديردن، قالت الصحيفة إنه على الرغم من تشابه هذه الحادثة مع واقعة أخرى تعود لعام 2003، حين اقتحم ناشطون قاعدة عسكرية قبيل غزو العراق، فإن المعاملة الحكومية اختلفت جذريا هذه المرة.
ففي ذلك الوقت، وُجهت تهم جنائية للمقتحمين، ومن بين من دافع عنهم قانونيا كان ستارمر نفسه، المحامي الحقوقي آنذاك. أما اليوم -كما تضيف الصحيفة- فقد أصدر ستارمر بصفته رئيسا للوزراء -عبر حكومته- قرارا بحظر المجموعة ووصمها بالإرهاب.
استند الحظر إلى "قانون الإرهاب لعام 2000″، وهو تشريع وُضع في أعقاب أعمال الجيش الجمهوري الأيرلندي، ويتسم بتعريفه الفضفاض للإرهاب، حيث يشمل ليس فقط العنف ضد الأشخاص أو تهديد الحياة، بل أيضا "إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات" بهدف التأثير على الحكومة أو ترهيب الجمهور، في سبيل قضية سياسية أو أيديولوجية.
إعلانوتفيد الصحيفة الأميركية بأن هذا البند، الذي أثار جدلا عند إقراره، لم يُستخدم قط لتصنيف جماعة احتجاجية غير عنيفة كمنظمة إرهابية، وبقي لعقود غير مفعل. حتى جاء تحرك حكومة العمال الحالية لتفعيله ضد مجموعة ناشطة لا تهاجم الأشخاص بل تستهدف الممتلكات العسكرية وشركات تصنيع الأسلحة، مثل شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية.
ووفقا لمستشار الحكومة البريطانية لشؤون قوانين مكافحة الإرهاب، كانت هذه أول مرة في تاريخ بريطانيا الحديث تُحظر فيها جماعة احتجاجية لا تدعو إلى العنف ضد الأشخاص وتُصنَّف كمنظمة إرهابية. وقد أجّج القرار نقاشا حادا حول موقف حكومة ستارمر من الاحتجاج وحرية التعبير.
تسييس القانونوفي تبريرها للحظر، نقلت الصحيفة عن وزيرة الداخلية يفيت كوبر أن أفعال حركة "فلسطين أكشن" تهدد الأمن القومي البريطاني، خاصة أن بعض أهدافها تشمل شركات تدعم مجهودات المملكة المتحدة الدفاعية، سواء في أوكرانيا أو ضمن تحالفاتها الدولية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتحالف "العيون الخمس" (Five Eyes) الاستخباراتي الذي يضم أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
غير أن المنتقدين يرون هذا مبرِّرا سياسيا لا قانونيا، فقد حذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من أن الخطوة "غير متناسبة"، وتمثل تجاوزا خطيرا لاختصاصات مكافحة الإرهاب. ووصف القرار بأنه "تمديد تعسفي للسلطة"، محذرا من تداعياته على حرية التعبير والعمل السياسي السلمي.
أما القاضي البريطاني مارتن تشامبرلين، الذي سمح مؤخرا برفع دعوى قضائية ضد قرار الحظر، فقد أشار إلى أن الشرطة أخطأت في تفسير القانون في أكثر من حالة، وأن ممارساتها قد تثبط من يرغبون في التعبير عن مواقف سياسية مشروعة.
وقال المحامي رضا حسين، الذي يمثل حركة "فلسطين أكشن"، أمام المحكمة العليا بلندن الشهر الماضي، إن الحكومة لم تقدم دليلا على أي خطر على الأمن القومي، ووصف قرارها بأنه ينطوي على "إساءة استبدادية لاستخدام السلطة القانونية"، و"إهانة لمفهوم الإرهاب".
أما الباحث في شؤون التطرف في معهد الحوار الإستراتيجي بلندن ميلو كومرفورد فيقول إن قانون الإرهاب وُضع لمواجهة تهديدات من نوع مختلف تماما -مثل تنظيم القاعدة- وليس لمواجهة حركات احتجاج سياسي تستهدف منشآت رمزية.
ويتساءل كومرفورد: "هل قدّمت الحكومة فعلا الحجج الكافية لاستخدام صلاحيات استثنائية ضد جماعة تمّت مقاضاة أعضائها سابقا بموجب قوانين جنائية عادية؟"
على أن أخطر ما في القرار ربما يكمن في عواقبه القانونية، فبموجب القانون بات كل من يعبّر عن دعم حركة "فلسطين أكشن"، سواء عبر التبرع أو ارتداء شعارها أو حتى رفع لافتة مؤيدة عرضة للاعتقال والملاحقة الجنائية، طبقا لنيويورك تايمز.
وذكرت الصحيفة أن هذه التداعيات بدأت بالظهور فورا؛ ففي يوليو/تموز المنصرم، اعتُقل 29 شخصا، بينهم قس يبلغ من العمر 83 عاما أمام البرلمان البريطاني بعد أن رفعوا لافتات كُتب عليها: "أعارض الإبادة الجماعية، وأدعم فلسطين أكشن".
إعلانووُجّهت إلى 3 منهم تهم رسميا، ليصبحوا أول من يُلاحق قضائيا بتهمة "إظهار الدعم لجماعة إرهابية" في سياق احتجاج سلمي.
وفي مشهد آخر أثار القلق، أوقفت الشرطة البريطانية متظاهرة تُدعى لورا ميرتون كانت ترفع علم فلسطين ولافتات تطالب بوقف الحرب، وهددها ضابطان مسلحان بإمكانية اعتقالها بتهمة دعم الجماعة، رغم أنها لم تذكرها صراحة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات فلسطین أکشن
إقرأ أيضاً:
متقاعدة وطبيبة وطالبة يروين تجربة توقيفهن بدعوى دعم منظمة فلسطين أكشن
لم تكن مارجي مانسفيلد (68 عاما) تتصوّر أنها ستتّهم يوما بدعم "الإرهاب"، غير أن هذه المتقاعدة والجدّة لـ7 أحفاد، أوقفت في مطلع يوليو/تموز الماضي لتظاهرها احتجاجا على حظر بريطانيا منظمة "فلسطين أكشن" المؤيدة للفلسطينيين.
واستند قرار الحظر الذي يسري منذ يوليو/تموز الماضي، إلى قانون مكافحة الإرهاب في بريطانيا، بعدما اقتحم نشطاء في الحركة قاعدة جوية في جنوب إنجلترا ورشوا طلاء أحمر على طائرتين فيها، متسببين بأضرار بقيمة 7 ملايين جنيه إسترليني (9,55 ملايين دولار).
ومذ ذاك، تنظّم مجموعة "ديفيند أور جوريز" تظاهرات تنديدا بالحظر الذي اعتبرته الأمم المتحدة "غير متناسب".
في 5 يوليو/تموز، أوقفت الشرطة هذه المرأة البالغة 68 عاما خلال تظاهرة في لندن. كما أوقفت أكثر من 200 شخص لمشاركتهم في تجمّعات مماثلة، بحسب تيم كروسلاند من "ديفيند أور جوريز".
و بموجب قانون مكافحة الإرهاب وجِهت اتهامات إلى 3 أشخاص في بريطانيا للتعبير عن دعمهم لمنظمة "فلسطين أكشن" في التظاهرة نفسها التي شاركت فيها مانسفيلد.
وتصل عقوبة هذا السلوك إلى السجن 6 أشهر. ويُعاقب على الانتماء إلى جماعة محظورة أو التحريض على دعمها بالسجن لمدة قد تصل إلى 14 عاما.
ومن المرتقب تنظيم احتجاج بعد غد السبت في لندن يتوقع القيمون عليه أن يستقطب أكثر من 500 شخص. وحذرت الشرطة المشاركين من "العواقب الجنائية المحتملة لأفعالهم".
وتؤكّد الحكومة البريطانية أن المتضامنين مع "فلسطين أكشن"، "لا يدركون الطبيعة الفعلية" للمجموعة. وقالت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر أمس الثلاثاء إن المجموعة "ليست منظمة غير عنيفة"، مشيرة إلى حيازتها "معلومات مثيرة للقلق" حول مشاريعها.
أما قرار الحظر فهو موضع طعن أمام القضاء قدّمته هدى عموري إحدى مؤسِسات "فلسطين أكشن" التي أنشئت عام 2020 للتنديد بـ"التواطؤ البريطاني" مع إسرائيل، لا سيما في ما يخصّ بيع الأسلحة للدولة العبرية. ويتوقع عقد جلسة في هذا الخصوص في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
إعلانوتعرب مانسفيلد منذ سنوات عن تضامنها مع القضية الفلسطينية، وخصوصا منذ الحرب في غزة، وقد دفع حظر "فلسطين أكشن" هذه المستشارة المصرفية السابقة إلى التحرك. وهي تقرّ بأنها كانت "مذعورة" عشيّة التظاهرة.
وظهرت مانسفيلد في مشاهد تداولتها وسائل الإعلام وهي تُرفع من عدّة شرطيين بعدما رفضت النهوض، وإلى جانبها سيّدة في الـ83 من العمر.
ثمّ وضعت في الحبس الاحتياطي "لنحو 12 أو 13 ساعة" قبل إخضاعها لمراقبة قضائية شديدة. وتقول مانسفيلد متأسفة "لم يعد في وسعي اصطحاب أحفادي إلى متحف التاريخ الطبيعي".
وتؤكد "نحن مجرّد أناس عاديون من بيئات مختلفة… ولسنا إرهابيين واتهامي بأنني إرهابية محتملة شكّل صدمة كبيرة".
وعلى الرغم مما آلت إليه الأمور، ليست مانسفيلد نادمة على مشاركتها في الاحتجاجات، شأنها في ذلك شأن أليس كلاك (49 عاما) طبيبة التوليد التي أوقفت في لندن في 19 من يوليو/تموز.
وتقول كلاك "لا يريد أحد التعرض للتوقيف. لكنني أشعر بكل بساطة بمسؤولية" التظاهر "لمن تسنى له القيام بذلك"، منددة بحظر "ينتهك حرّياتنا العامة".
وتكشف الطبيبة التي سبق لها أن تعاونت مع منظمة "أطباء بلا حدود"،عن "الاشمئزاز" و"الروع" اللذين ينتاباها عندما ترى مشاهد الأطفال المصابين بالهزال.
وحذّرت الأمم المتحدة ووكالات إنسانية من أن أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون خطر المجاعة. ويكرر المتظاهرون رفع لافتات كُتب عليها "أعارض الإبادة الجماعية. أدعم فلسطين أكشن".
وتؤكّد كلاك أنها "تحضّرت" لتوقيفها، لكنها تقر بأن احتجازها 12 ساعة كان شاقا. وتقول "كنت على وشك البكاء أحيانا لكنني تمالكت نفسي بمجرد التركيز على سبب إقدامي على هذه الخطوة".
أما زهرة علي طالبة تدرس التاريخ في سنتها الأولى أوقفت هي أيضا في 19 يوليو/تموز، قبل الإفراج عنها بوضعها تحت المراقبة القضائية.
وتقول الشابة البالغة 18 عاما "بلغنا حدّا باتت فيه المجاعة في غزة مثيرة للاشمئزاز. وحكومتنا لا تحرّك ساكنا".
وتشدد الطالبة على أن دخول السجن في سنّها "مسألة جلل بالنسبة إلي، لكن إذا ما كان في وسع أشخاص في الـ80 من العمر تحمل الأمر، فأنا أيضا يمكنني تحمّله".
ولا تعتبر زهرة علي نفسها ناشطة، لكن "مجرّد شخص عادي يعتبر أن ما تقوم به حكومتنا مجحف"