ما تداعيات حصر السلاح بيد الدولة؟ وما خيارات حزب الله؟
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
بيروت- في سابقة سياسية تعد الأولى من نوعها منذ اتفاق الطائف عام 1989 أعلن مجلس الوزراء اللبناني توجهه لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل اراضيها، بما يشمل سلاح حزب الله.
والقرار -الذي وُصف بـ"التحول الجذري"- جاء في ظل تحولات إقليمية ومحلية متسارعة، أبرزها خروج حزب الله من حربه الأخيرة مع إسرائيل بموقع أضعف، وتراجع نفوذ طهران إثر الضربات التي تلقتها في الحرب ذاتها وفي مواجهتها اللاحقة مع إسرائيل، إلى جانب سقوط الحليف السوري الأبرز نظام بشار الأسد.
وتعكس التركيبة الحكومية الجديدة -التي تشكلت على وقع توازنات داخلية متبدلة- توجها أكثر جرأة في مقاربة الملفات السيادية، إذ كلف مجلس الوزراء الجيش اللبناني رسميا بوضع خطة متكاملة لنزع السلاح، وذلك للمرة الأولى منذ عقود.
مبادرة أميركيةوفي خطوة أثارت سجالا واسعا أعلن وزير الإعلام بول مرقص أمس الخميس من قصر بعبدا أن الحكومة صدّقت بالإجماع -باستثناء الوزراء الشيعة الذين انسحبوا احتجاجا- على أهداف الورقة الأميركية لتثبيت اتفاق وقف "الأعمال العدائية"، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهو ما اعتُبر تحديا مباشرا لموقف حزب الله الذي يتمسك بسلاحه تحت عنوان "المقاومة".
وجاء القرار استنادا إلى مبادرة أميركية نقلها المبعوث توماس برّاك، وتقضي بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل عبر خريطة طريق رباعية المراحل تبدأ بإصدار قرار لحصر السلاح، وتشمل انسحابا إسرائيليا تدريجيا، وتفكيك الأسلحة الثقيلة للحزب مقابل حزمة دعم دولي لإعادة إعمار لبنان.
وأمام هذا التحول تجد الحكومة اللبنانية نفسها عند تقاطع دقيق، بين تنفيذ قرار يُفترض أن يعيد إلى الدولة هيبتها وسيادتها وبين احتواء رفض حزب الله الصريح لأي مسار يستهدف "سلاح المقاومة"، في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة أن قرار الحكومة اللبنانية يشكل تتويجا لفترة طويلة من الانتظار والاستنزاف خلال عهد الرئيس جوزيف عون.
إعلانوأكد بشارة في حديث للجزيرة نت أن "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار كان يجب أن يتم فورا، بما يشمل تجريد كامل الأراضي اللبنانية من السلاح".
وأضاف أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يدركان أن لبنان يقترب من مرحلة شديدة الخطورة في حال لم يُحسم ملف نزع السلاح، وإنهاء الاحتلال، واستعادة الأسرى، والانطلاق في ورشة إعادة الإعمار بدعم مالي دولي.
لذا، يرى بشارة أن القرار يشكل "خطوة رسمية وشرعية تعبر عن موقف الدولة اللبنانية لإنهاء مرحلة التعطيل".
وبشأن مرحلة التنفيذ، يوضح بشارة أن "الصورة لا تزال غير واضحة"، لكنه يشير إلى أن حزب الله يبدأ بخسارة أدوات الضغط التقليدية التي لطالما اعتمد عليها في تحركاته وتهديداته.
ورغم ذلك فإنه يستبعد أن تنزلق البلاد نحو فوضى شاملة، مرجحا أن تقتصر ردود الفعل على "خطوات اعتراض محدودة خلال المرحلة المقبلة".
ويتابع بشارة أن "جلسة مجلس الوزراء أمس الخميس ركزت على الأهداف الواردة في الورقة الأميركية التي تنص على هدفين أساسيين: الانسحاب الكامل للاحتلال الإسرائيلي، ونزع السلاح بشكل كامل".
ولفت إلى أن النقاش بشأن آليات التنفيذ يتواصل في المراحل المقبلة، وفق ما تحدده ورقة المبعوث الأميركي توماس برّاك التي تقسّم المسار إلى 4 مراحل زمنية.
قرار حاسم
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي جوني منير للجزيرة نت إن المهلة الزمنية التي حُددت لتنفيذ القرار صيغت بمشاركة رئيس الجمهورية، وهو نفسه قائد الجيش السابق الذي لم تمض على خروجه من المؤسسة العسكرية سوى بضعة أشهر، مما يجعله الأعرف بتفاصيل الواقع الميداني.
لكن منير يرى أن التحدي الأبرز لا يكمن فقط في ضيق المهلة، بل في الاعتراض السياسي، وتحديدا موقف حزب الله الذي يشكل -برأيه- العقبة الأكثر تعقيدا، مضيفا "يبدو أن القرار السياسي اُتخذ أساسا لتجاوز هذه العقبة".
ويتابع "صحيح أن القرار يحمل تداعيات، لكنه اُتخذ بوضوح، ويبدو أنه يحظى بمناخ إقليمي مواتٍ، جزء منه داعم، وآخر غير معترض على الأقل".
ولذلك، يعتقد المحلل أن الخطوة الأصعب كانت اتخاذ القرار نفسه، في حين يمكن ترتيب التنفيذ الميداني لاحقا بحسب الظروف على الأرض.
ويلفت منير إلى أن ما جرى في جلسة مجلس الوزراء أمس الخميس لم يُسقط القرار سياسيا "فلم نشهد حراكا شعبيا واسعا لإسقاطه، مما يدل على غياب ضغط إقليمي حاد لإفشاله"، بل على العكس -كما يقول- "هناك تأييد أميركي وخليجي واضح، في حين بقي الاعتراض الإيراني في الإطار الكلامي دون خطوات عملية، كأن تنسحب قوى حزب الله وحركة أمل من الحكومة".
ويخلص إلى أن عدم استقالة وزراء الحزبين تؤكد وجود مظلة إقليمية -ولو بالحد الأدنى- توفر الغطاء للقرار، مضيفا "لو كان هناك رفض إيراني حازم لكنا شهدنا خطوات تصعيدية واضحة، وهو ما لم يحدث حتى الآن".
تحذيراتفي المقابل، انتقد المحلل السياسي علي حيدر استجابة السلطة السياسية اللبنانية لما وصفها بـ"الإملاءات الأميركية"، معتبرا أنها تقدم أولوية الأمن الإسرائيلي على حساب المصالح الوطنية اللبنانية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى حيدر أن مجموعة من المتغيرات قد ترسم مسار المرحلة المقبلة، وتفتح الباب أمام سيناريوهات متباينة، في سياق تفاعلي يتسم بالتجاذب بين قوى الداخل والخارج، ومن أبرز هذه المتغيرات بحسب حيدر:
إعلان مدى استعداد السلطة اللبنانية للمضي في تنفيذ المطالب الأميركية، وما إذا كانت جاهزة لتحمّل تكلفة مواجهة محتملة مع المقاومة، في ظل ضغوط متصاعدة أميركية وإقليمية تتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية. موقف حزب الله الرافض لهذه الخطوات، وكيفية تعاطيه مع ما تصفها الحكومة بإجراءات سيادية، سياسية وأمنية. دور الجيش اللبناني ومدى التزامه بموقف مهني يقيّم حجم المخاطر الأمنية المرتبطة بأي عملية ميدانية، خاصة في ما يتعلق بتنفيذ قرار نزع السلاح، وتأثيره على وحدة المؤسسة العسكرية والأمن الوطني.وفي ما يتعلق بتقييم السيناريوهات المحتملة، يشير حيدر إلى أنه من غير المرجح أن تتراجع الدولة اللبنانية عن المسار الذي اختارته، بسبب التأثير الأميركي العميق في بنية القرار السياسي.
ويرجح أن يستمر هذا المسار ضمن سياسة "المد والجزر" بانتظار متغير داخلي أو خارجي قد يعيد خلط الأوراق، لكنه لا يستبعد أن تتخلله توترات ميدانية، بعضها عشوائي وآخر مدروس، مع إمكانية دخول أطراف داخلية وخارجية على خط التصعيد لرفع منسوب التوتر.
ويحذر حيدر من لجوء الحكومة إلى خطوات "أكثر خطورة" في سبيل تنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله بالقوة، وهو ما يراه مسارا محفوفا بالمخاطر قد يفضي إلى ما وصفه بـ"المحظور"، خاصة في ظل تمسّك الحزب بسلاحه، واعتباره ركيزة وجودية لا يمكن التنازل عنها، لما تمثله -وفق رؤيته- من ضمانة لحماية لبنان من المخاطر الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، دعا حيدر رئيس الجمهورية إلى إطلاق مبادرة حوارية عاجلة لتفادي السيناريوهات الأسوأ، مؤكدا أن البلاد بحاجة إلى صيغة توافقية تحفظ عناصر قوتها وتمنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية، في لحظة إقليمية دقيقة تعج بالتحولات والمخاطر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الدولة اللبنانیة مجلس الوزراء نزع السلاح حزب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
رئيس الحكومة اللبنانية: نسعى لبسط سلطة الدولة على كل الأراضي تدريجيًا
أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، سعي حكومته ببسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بصورة تدريجية، مشددًا على التمسك بأمن لبنان والدفاع عن سلامة أراضيه.
وقال «سلام»، خلال كلمته: «لدينا حق الدفاع عن النفس حال حدوث أي اعتداء علينا»، موضحًا أن «الجيش اللبناني وقوات الأمن هما المسموح لهما فقط بحمل السلاح في البلاد».
وأشار إلى أن الحكومة قررت استكمال النقاش بشأن الورقة التي تقدم بها الجانب الأمريكي لوقف الأعمال العدائية، مضيفًا أنه تم تكليف الجيش اللبناني بوضع ورقة بشأن آلية حصر السلاح قبل نهاية العام.
وأوضح سلام أنه تم تأجيل البت ببند حصرية السلاح بيد الدولة إلى جلسة يوم الخميس المقبل.
من جانبه، قال وزير الإعلام اللبناني الدكتور بول مرقص، إن الرئيس جوزيف عون شدد على أهمية الوحدة اللبنانية، مشيرًا إلى أن الوزراء المنسحبين من اجتماع الحكومة سيحضرون جلسة الخميس، بمن فيهم وزراء الثنائي الشيعي.
وأكد وزير الإعلام في تصريحات لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن الحكومة تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، ومُلزمة بحمايتهم.
ونقل مراسل قناة «القاهرة الإخبارية» في لبنان عن مصادر، أنه لا يوجد توافق حتى الآن بين وزراء الحكومة حول موقف موحد بشأن تنفيذ حصرية السلاح بيد الدولة، مع وجود اتجاه داخل مجلس الوزراء لتأجيل البت في القرار لجلسة لاحقة.
وأفادت المصادر بأن وزراء حزب القوات يصرّون على إصدار قرار حكومي يتضمن جدولًا زمنيًا لفرض مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، موضحة أن جلسة مجلس الوزراء استغرقت حتى الآن خمس ساعات، بينها ثلاث ساعات ونصف في مناقشة هذا البند.
ويبحث اجتماع الحكومة صياغة موقف بشأن حصرية السلاح بيد الدولة، فيما تأجل إصدار القرار النهائي إلى جلسة مقبلة، مع تركيز موقف الحكومة على حصرية السلاح بيد الدولة، وسيادة لبنان على أراضيه، وإنهاء الاحتلال.
وفي سياق متصل، أفاد مراسل «القاهرة الإخبارية» بتنفيذ غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة بريتال بالبقاع شرقي لبنان.
اقرأ أيضاً«الصواريخ ستسقط عليها».. حزب الله يحذر إسرائيل من شن حرب على لبنان
تفاصيل عثور الجيش اللبناني على جهاز تجسس ومسيرة إسرائيلية في جنوب البلاد
مسيرة إسرائيلية تلقى قنبلة فى ميس الجبل جنوبى لبنان