ادفع لتصبح محمد صلاح.. هكذا يتلاعب السماسرة بأحلام ملايين المصريين
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
القاهرةـ عاد خالد من إحدى دول الخليج في إجازة قصيرة خصيصا للوقوف إلى جوار ابنه عمر (12 عاما) في اختبارات لكرة القدم تقدم إليها الابن بعدما قرأ إعلانا على فيسبوك عن وصول "كشاف" إلى بلدته بوسط الصعيد يعمل لصالح نادٍ كبير، ومهمته هي اكتشاف المواهب الكروية المخبوءة، واختيار الأصلح منها لإلحاقها بالفريق.
تحطم حلم خالد وابنه عقب اكتشافهما أنهما وكثيرين وقعوا ضحايا ألاعيب بأحلام الناشئين، وهي قصة تكررت كثيرا وصارت ظاهرة في مصر، حيث يدعي "كشاف" أنه ممثل لناد شهير، يجتذب الضحايا للاختبار، وبالفعل يجري الاختبار في ملاعب النادي ليكتشف الضحايا بعد فترة أن الملعب مؤجر لأكاديمية خاصة لا ارتباط رسميا لها بالنادي، وأن الكشاف مندوب للأكاديمية لا للنادي، وأن الهدف كان جمع المال على حطام أحلام الآباء والأبناء.
وفي شوارع القرى المصرية وأزقتها لا تكاد تخلو جدران المنازل أو أعمدة الإنارة من لافتات بأرقام "كشافين" يدّعون تمثيلهم لنوادٍ محلية كبرى تعِد الناشئين بالاحتراف في أندية الأهلي والزمالك أو حتى في أكبر الدوريات الأوروبية تحت شعارات براقة ومزاعم بوجود "شراكات مع نجوم الصف الأول"، مستغلة شغف الناشئة واندفاع أولياء أمورهم إلى تكرار تجربة نجم المنتخب المصري وليفربول الإنجليزي محمد صلاح، دون رقيب أو حسيب.
طُعم يبتلع أحلام البسطاءيبدأ كل شيء بإعلان صغير على مواقع التواصل الاجتماعي، "الإعلان عن مواعيد اختبارات كروية بحضور نجوم كبار، فرصة للاحتراف في الأندية الكبرى"، يُوزَّع في شبرا الخيمة أو شبين القناطر أو طنطا أو أسيوط، الحكاية تتكرر بتفاصيلها ذاتها: استمارة تسجيل تبدأ من 150 جنيها تغري الأسر البسيطة الطامحة لتحويل أبنائها إلى نجوم المستقبل.
ثم يتصاعد السُلّم المالي تدريجيا، رسوم للتصفيات، وأخرى لمباريات ودية، وربما معسكرات تدريبية مجهولة الوجهة والجدوى.
إعلانلم يبخل خالد على ابنه عمر، فاشترى له حذاء رياضيا أنيقا، وسدد رسوم الاختبار والتي تبلغ 150 جنيها (3 دولارات)، وحضر معه أول اختبار، حيث "أدهش الكشاف"، على حد تعبيره.
تم اختيار عمر لتصفيات أعلى في محافظة أسيوط، وبعد سلسلة اختبارات مدفوعة أخبروه بقبوله في فريق محلي كبير، لكن النادي لم يتواصل لاحقا، وطال الانتظار.
لاحقا، ظهر "كشاف" جديد في البلدة قال إنه يمثل ناديا شهيرا في شمال الصعيد، واختبر لاعبين في محافظات مختلفة، وقال بفخر إنه اختبر 10 آلاف لاعب، ثم طلب من خالد ألف جنيه بدعوى استئجار ملاعب لدوري تصنيفي.
ومع تحسّن أداء عمر -بحسب ما قاله الوالد خالد في حديثه للجزيرة نت- تواصل معهم شخص زعم تمثيل فريق كبير، طالبا 100 ألف جنيه لضمه إلى الأهلي، أو 50 ألفا للزمالك، ومبالغ أقل لأندية أخرى.
لم يفقد الأب الأمل، مستحضرا قصة كفاح والد محمد صلاح، وعندما ظهر "كشاف" ثالث من نادٍ قاهري بالدرجة الأولى تقدم عمر للاختبارات، ونال إعجاب اللجنة، لكن النتيجة تكررت: لا تواصل، لا خطوة تالية، فقط صمت طويل، لأن الأب رفض دفع المال لما يفترض أن يكون حقا.
أما في مدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية شمالا فيروي حاتم عمارة للجزيرة نت كيف وقعت أسرته ضحية خدعة كهذه "قيل لنا إن نجما كرويا شهيرا سيحضر لمتابعة الموهوبين، فدفعنا ثم تبين أن الحضور اقتصر على لاعبين مغمورين، بحجة أن النجوم سيحضرون لاحقا، وبعد أن دفعنا لم يكن هناك رجوع".
عمارة ليس استثناء، بل هو نموذج لعشرات آلاف الآباء الذين يجرون وراء سراب الأحلام ذاته.
المال مقابل الوهمفي حديثه للجزيرة نت يروي محمد سليمان من شبرا الخيمة مأساته مع حلم ابنه سيف بدفع لا ينقطع لمئات الجنيهات شهريا.
الحلم اقترب حين حصل نجله على فرصة في أحد الأندية الكبرى، لكن المفاجأة كانت حين طالب "الكشاف" بمبلغ 50 ألف جنيه لإتمام الانتقال "دفعت كل ما أملك، وبعد شهرين فقط تم الاستغناء عن ابني دون قيد رسمي، كأننا لم نكن".
الاحتيال لا يكتفي بضعف الرقابة، بل يكتسب مشروعية زائفة حين تصمت الأندية الكبرى عما يجري باسمها مقابل مبلغ مالي، يمنح النادي اسمه لاستخدامه.
وفي مرات عدة ترسل الأندية فرقا من الناشئين أو الاحتياطيين للاختبارات، للعب مباريات ودية أمام فرق الناشئين هذه مقابل رسوم يدفعها أولياء الأمور، وغالبا لا يكون لدى الحاضرين يقين إن كانوا يشاهدون "النادي الأصلي" فعلا أم نسخة مغشوشة منه، لكن لون الزي يكفي لإسكات الشكوك.
ومع كل مباراة "وهمية" تزداد الأموال وتتضاعف أعداد الضحايا.
مستوى فني غائب ومدربون بلا هويةلا يوجد إحصاء رسمي بأعداد الضحايا، فغالبا ما ينتهي الأمر بإحباط أولياء أمور الناشئين وعودتهم على أمل خافت، ولا يقومون بتحرير شكاوى لدى الشرطة بما جرى رغم أن "الكشاف" يعمل بلا غطاء قانوني، وربما أنهم غير مسجلين في نقابة المهن الرياضية.
"لكن لا توجد جريمة محددة ذات توصيف قانوني يمكن الاستناد إليه"، وفقا لولي أمر ناشئ تعرّض لنفس الخديعة، واستسلم رغم أنه محام، متحفظا على ذكر اسمه في حديثه للجزيرة نت.
ويشير الناقد الرياضي هاني عبد الصبور إلى أن "الكارثة الحقيقية" ليست في "الكشاف"، فهو مجرد وسيط لأكاديمية رياضية خاصة متعاقدة مع نواد رياضية شهيرة، وأكثر من 70% من أكاديميات كرة القدم الخاصة الموجودة في السوق لا تمتلك ترخيصا "بل هي اقتصاد موازٍ هدفه الكسب السريع، لم تقدّم موهبة حقيقية واحدة، ولم تسهم في تطوير الكرة المصرية".
إعلانويضيف "بدلا من أن تضم الأكاديمية 10 مواهب فعلية تجد فيها 200 لاعب، الهدف ليس التطوير، بل التحصيل المالي، سواء كانوا موهوبين أو لا".
وتذهب بعض تلك الأكاديميات إلى مدى أبعد بادعاء تنظيم رحلات لأوروبا، مدعية أنها ستعرض اللاعبين على أندية كبرى، يتكفل أولياء الأمور بكافة التكاليف، وتُقدَّم لهم وعود بأن الإقامة والإعاشة ستتحملهما الأندية الأوروبية، لكن الواقع يثبت أنها مجرد رحلات سياحية لا تثمر عن أي توقيع.
ورغم ذلك فإن أسماء لامعة أو شبه لامعة تتسابق لدخول هذا السوق، معظم أصحابها لاعبون معتزلون.
محاولات لتقنين الفوضىفي المقابل، يرى الناقد الرياضي علاء حمام أن هناك وجها آخر للقصة "فبعض كشافي الأكاديميات أسهموا في اكتشاف لاعبين بارزين مثل محمد صلاح ومحمد النني وعمر مرموش".
ويضيف للجزيرة نت "لدينا أكثر من 18 أكاديمية مرخصة فيها مدربون مؤهلون وتراعي المعايير الدولية".
لكنه يعترف بوجود أزمة عميقة في قطاع الناشئين "فالتزوير في الأعمار -خاصة مواليد 2007- يقتل الموهبة قبل أن تولد، 90% من اللاعبين مزورون، دون تدخّل من الاتحاد أو الوزارة".
بدوره، قال محمد فايز -وهو أحد كشافي المواهب في كرة القدم- إن الكثير من أولياء الأمور ومدربي الأكاديميات يشكون من ظلم وفساد في اختبارات الأندية، ويعتقدون أن أبناءهم تعرضوا للتجاهل أو التهميش لصالح لاعبين آخرين.
وأوضح فايز أن المشكلة الحقيقية لا تبدأ من الأندية فقط، بل من الأكاديميات ذاتها، حيث يفتقر بعض المدربين إلى الشفافية، ويخدعون أولياء الأمور بإيهامهم بأن أبناءهم جاهزون للاختبارات في أندية كبرى رغم أنهم لا يملكون بعد الحد الأدنى من المهارات أو العمر التدريبي الكافي.
وأضاف أن "بعض الأكاديميات تستغل رغبة الأسر في الشهرة السريعة لتحقيق أرباح مادية، دون مراعاة لمصلحة اللاعب أو مستقبله"، مؤكدا أن المدرب الأمين لا يرشح للاختبارات إلا اللاعب الجاهز فنيا والمتطور بالفعل.
وشدد فايز على أن الاستعجال من قبل أولياء الأمور يفاقم المشكلة، ويجعلهم شريكا في الفساد القائم، داعيا إلى حسن اختيار المدرب، والتمسك بالتدريب المستمر الذي يُنتج لاعبا أفضل من الموهبة المهملة.
واختتم في منشور له على فيسبوك "إصلاح القاعدة هو السبيل الوحيد لصلاح القمة، وبدون تطوير حقيقي للأكاديميات لن تنجح أي اختبارات أو فرق في تقديم جيل كروي حقيقي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات أولیاء الأمور للجزیرة نت محمد صلاح
إقرأ أيضاً:
وفيات الخميس .. 7 / 8 / 2025
#سواليف
#وفيات الخميس .. 7 / 8 / 2025
الحاجة فريال عبدالمطلب أبو زر “أم أحمد”
بثينة محمود قطيش الشبلي
علي عبد الله طعيمه الزعبي
القاضي رجا صلاح الشرايري
فرح يحيى أحمد الداغستاني
عبدالله محمد محمود أبورمان
مروان صالح أحمد الحديدي
وردة سلمان عيسى السهاونة
طعمة يوسف جريس النمري
مقالات ذات صلةمحمود ابراهيم الخطيب
فتحي خميس والي
رجا صلاح الدين علي الشرايري
ولاء علاء محمد ابو جاجة
فريال عبدالحفيظ أحمد سالم
عوني محمد صالح السعدي
إحسان علي إسحق شناخوة
عمر سعيد صالح قادوس
إنا لله وإنا إليه راجعون..