لجريدة عمان:
2025-08-12@17:43:58 GMT

اغتيال الصحفيين في غزة لا يعني اغتيال الحقيقة

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

حسنا فعلت جمعية الصحفيين العُمانية عندما انضمت إلى مئات الجمعيات والنقابات الصحفية في العالم، وأدانت بعبارات قوية الجريمة الإسرائيلية الأخيرة المتمثلة في قتل الصحفيين الفلسطينيين العاملين في شبكة الجزيرة في غزة الأحد الماضي.

البيان الذي أصدرته الجمعية على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي، يتسق تماما مع الموقف الشعبي والرسمي العماني المساند دائما للحق الفلسطيني والمندد بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة.

ويشير البيان إلى ارتفاع عدد الشهداء من الصحفيين إلى 242 شهيدا منذ بدء العدوان على غزة منذ عامين تقريبا، وهو في تقديري رقم يقترب من عدد الصحفيين الذين تم استهدافهم بالقتل طوال القرن العشرين الذي شهد حربين عالميتين، وهو ما يعد دليلا دامغا على استمرار الوحشية الصهيونية، التي يقف العالم عاجزا عن مواجهتها.

واقع الحال أن الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة الأحد الماضي، وقيامها مع سبق الإصرار والترصد باغتيال عدد من صحفيي شبكة الجزيرة، عندما استهدفت بصاروخ أطلق من مسيرة إسرائيلية خيمة الصحفيين الملاصقة لمستشفى الشفاء، تؤكد لنا وللعالم كله، ربما للمرة الألف، أنه لا أمل على الإطلاق في ردع الصهاينة أعداء الإنسانية الذين لم يتوقفوا منذ اغتصابهم لفلسطين، ولو ليوم واحد عن قتل المدنيين والنساء والأطفال، وملاحقة وقتل الصحفيين لمنعهم من نقل تفاصيل جرائمهم إلى العالم.

لا يجب أن تمر هذه الجريمة مرور الجرائم السابقة التي لم تحاسب عليها إسرائيل حتى الآن، خاصة وأنها تأتي في ظل محاولات التعتيم الإعلامي اليائسة التي تقوم بها حكومة الكيان الغاصب على ما يحدث في غزة. لم تعد بيانات الشجب والتنديد بتلك الجرائم سواء من دول أو منظمات محلية ودولية كافية، كونها -أي هذه البيانات- أصبحت معادة ومكررة ولا تقود إلى عمل فعلي يلجم جماح هذا الكيان العنصري ومن يقف وراءه.

علينا أن ندرك أن استهداف الصحفيين خاصة في الأراضي المحتلة يمثل استراتيجية حربية ثابتة في العقيدة الصهيونية، وسياسة متفق عليها بين السياسيين والعسكريين الصهاينة. تطبيق هذه الاستراتيجية لا يرتبط بأحداث محددة، كونها تمثل سياسة عامة قابلة للتطبيق في كل الظروف، ولذلك فإن ما حدث الأحد الماضي مع طاقم الجزيرة لا يمكن اعتباره حادثا معزولا عن هذا السياق، خاصة وأن تصريحات «أفخاي ادرعي» المتحدث باسم جيش الدفاع الصهيوني تؤكد أن الاستهداف كان مقصودا للتخلص من الصحفيين العاملين بقناة الجزيرة، خاصة أنس الشريف الذي كان أبرز الصحفيين الذين يقومون بالتغطية من داخل غزة، بالإضافة إلى المراسل محمد قريقيه، والمصورين إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل. وكان «أدرعي» قد نشر فيديو في 24 يوليو الماضي، اتهم فيه أنس الشريف بأنه «عضو في الجناح العسكري لحماس، وأنه يعمل لحساب «أكثر القنوات التلفزيونية إجرامًا. قبل ذلك، وتحديدا في أكتوبر الماضي زعم «أدرعي» أن لديه وثائق تثبت أن عددًا من صحفيي شبكة الجزيرة (ستة منهم) ينتمون إلى الأذرع المسلحة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ووصفهم بأنهم «إرهابيون»، ثم فشل في تقديم وثيقة واحدة من الوثائق المزعومة. الهدف الحقيقي لهذه الأكاذيب كشف عنه الاتحاد الدولي للصحفيين الذي اعتبر «هذه الاتهامات التي لا دليل على صحتها «تزويرا كبيرا»، يهدف إلى تبرير استهداف جيش الاحتلال لحياة الصحفيين وجعلهم أهدافا مشروعة»، وهو ما يعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تنص على أن الصحفيين «يجب أن يتمتعوا بحماية خاصة في مناطق الحروب والنزاعات، ما داموا لا يشاركون في الأعمال العدائية». لكن هذا بالتأكيد لا ينطبق على الكيان الصهيوني المدلل الذي «يوقع على المواثيق الدولية بيد، ويفعل عكس ما تنص عليه باليد الأخرى».

تقارير المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين، مثل منظمة «مراسلون بلا حدود» و«لجنة حماية الصحفيين»، تؤكد أن غزة تحديدًا تحولت إلى واحدة من أخطر مناطق العالم على حياة الصحفيين، حيث قُتل العشرات منهم عمدا خلال الحروب الصهيونية المتعاقبة على القطاع منذ انتفاضة 2000 وحتى الحرب الحالية، مرورا بحروب 2008- 2009، و2014، و2021. الرسالة التي تريد إسرائيل إرسالها إلى العالم صريحة وواضحة، وهي أن الشارة الصحفية لم تعد تضمن أي حماية لحاملها. وعلى هذا الأساس فإن جريمة الأحد الماضي لم تكن سوى حلقة جديدة في سلسلة من جرائم الحرب المباشرة، التي يُقتل فيها الصحفيون سواء وهم مع عائلاتهم أو أثناء وجودهم في مناطق لا تشهد اشتباكات، وهو ما يؤكد أن الأمر متعمد لطمس الرواية الفلسطينية ومنع وصول الصور والحقائق إلى الرأي العام الدولي.

لا شك على الإطلاق في أن هذه السياسة الصهيونية في قتل الصحفيين تؤثر في السردية الإعلامية للأحداث في غزة، كونها تحول الصحفيين الذين يتم اغتيالهم من ضحايا إلى مشتبه بهم، وهو ما يتيح لإسرائيل تقديم سرديتها الخاصة للأحداث، بالإضافة إلى استخدام تصريحات زائفه مثل تصريحات «أدرعي» وغيره كغطاء إعلامي لتبرير الهجمات الوحشية التي تستهدف أماكن عمل الصحفيين وهم يرتدون زيّ الصحافة، وهو ما يعد حسب وصف اليونسكو «تطهيرا منهجيا» لوسائل الإعلام في غزة، يسعى إلى إسكات صوت من ينقل الصور والحقائق إلى العالم.

يدرك الاحتلال الصهيوني جيدا أن الصورة يمكن أن تكون في بعض الأحيان أقوى من الرصاصة، ويعلم أن الرواية الإعلامية الصادقة من أرض غزة يمكن أن تهدم روايته الكاذبة، خاصة عندما تنتقل عبر وسائط إعلامية ما زالت تحتفظ بقدر من الثقة الشعبية والدولية. ولذلك، صار استهداف الصحفيين جزءًا من أدوات الحرب الصهيونية، وأصبح الصحفيون وطواقم العمل الإعلامي يستهدفون مثلما تستهدف المباني والمستشفيات، والمدارس، وخيام اللاجئين، والجوعى.

رغم كل هذه الجرائم لم تنجح إسرائيل في كسب ما تسميه «معركة الوعي» العالمي التي قتلت من أجلها مئات الصحفيين في محاولة لكسب الرأي العام العالمي إلى جانب حربها غير الأخلاقية، وإسكات كل الشهود وتدمير الأدلة وفرض التعتيم الإعلامي على ما تقوم به. وقد شاهدنا المظاهرات الضخمة الأخيرة المنددة بالهمجية الصهيونية، وأبرزها مظاهرة سيدني في أستراليا مطلع أغسطس الجاري التي ضمت نحو 90 ألف متظاهر، وفق تقديرات الشرطة، وما بين 225 إلى 300 ألف بحسب المنظمين، ومظاهرات طوكيو، وأوساكا، وفوكوكا في اليابان. هذه الاحتجاجات العالمية تؤكد فشل الآلة الدعائية الصهيونية في احتواء الغضب الشعبي العالمي على جرائمها في غزة والمطالبة بوقف الحرب.

ختاما نقول: إن إسرائيل تستطيع أن تغتال الصحفيين، والإفلات من العقاب، لكنها لن تستطيع أن تقتل الحقيقة. وبعد كل صحفي شهيد تسقطه آلة القتل الصهيونية، يولد عشرات الصحفيين الفلسطينيين القادرين على دحض الرواية الصهيونية وتقديم المعلومات الصحيحة إلى العالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأحد الماضی إلى العالم فی غزة وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما هي العادات التي تسبب فقدان الذاكرة؟

أكدت الدكتورة ولاء وسام، أستاذ طب المسنين بجامعة عين شمس، أن التأخر في الكشف المبكر وعلاج أمراض الغدة الدرقية يؤدي إلى تدهور الذاكرة بشكل دائم، مشيرة إلى أن علاج هذه الحالات في مراحل متقدمة قد لا يُحسن الذاكرة لأن الدماغ يتأثر بشكل لا يُرجع.

وأوضحت خلال لقائها مع الإعلامية آية شعيب في برنامج «أنا وهو وهي» المذاع على قناة «صدى البلد»، أن نقص إفراز فيتامين ب12 يعتبر أيضًا من العوامل التي تؤدي إلى ضعف الذاكرة وظهور أعراض الديمينشيا لدى كبار السن.

وأشارت إلى أهمية متابعة نزيف المخ، حتى البسيط منه، مثل نزيف سبديورال هيماتوما، لأنه يضغط على أنسجة الدماغ ويسبب مشاكل في الذاكرة، مبينة أن الكشف المبكر وسحب الدم المتجمع يحافظ على وظائف المخ.

وحذرت من الاستخدام المفرط وغير المراقب للأدوية، خاصة مضادات الهيستامين، وأدوية الحساسية، والاكتئاب، والصرع، وأدوية البرد، مؤكدة أن هذه الأدوية تؤثر على مادة الاستيل كولين في الدماغ وتزيد من حالات الديمينشيا.

وأضافت أن بعض المرضى يتناولون أدوية الاكتئاب دون استشارة طبية صحيحة أو لفترات طويلة، مما قد يسبب مشاكل في الذاكرة، محذرة من وصف الأدوية النفسية بدون متابعة طبية دقيقة، خاصة أن بعض الأدوية قد تؤثر سلبًا على ضغط الدم وحالات صحية أخرى.

ونوّهت إلى انتشار ظاهرة تناول أدوية دون استشارة طبية في مصر، حيث يقوم البعض بتجربة أدوية مستخدمة من قبل أقاربهم دون وعي بالمخاطر، مؤكدة أن العلاج السلوكي والنفسي قد يكون بديلاً فعالًا في بعض الحالات بدلاً من الأدوية.

اقرأ أيضاً«غزة من فكّ الارتباط إلى فكّ الذاكرة».. كيف أعادت إسرائيل رسم الجغرافيا والديموغرافيا؟

«نَفَسُ الله».. صراع الذاكرة والنسيان: تشظيات المعنى والهوية

«مصطفى بكري»: ثورة 30 يونيو عظيمة وستبقى خالدة في الذاكرة مدى الدهر

مقالات مشابهة

  • اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
  • منظمات دولية للجزيرة نت: اغتيال طاقم غزة لإسكات آخر شهود الحقيقة
  • حزب الله يدين الجريمة الصهيونية البشعة بحق ‏الصحفيين في غزة
  • ما هي العادات التي تسبب فقدان الذاكرة؟
  • مواصلة إسرائيل اغتيال صحفيي غزة محاولة لإسكات صوت الحقيقة
  • اغتيال خيمة الصحفيين في غزة: جريمة بحق الكلمة والصورة وصمت يفضح العالم
  • علماء المسلمين: اغتيال الاحتلال للصحفيين في غزة إرهاب هدفه طمس الحقيقة
  • غضب واسع في العالم بعد جريمة اغتيال الصحفيين الشريف وقريقع ورفاقهما
  • “المجاهدين الفلسطينية”:اغتيال الصحفيين جريمة حرب وحشية جديدة