في قلب التحديات التي تواجهها مصر، تبقى الأزمة الأعمق هي الأزمة الإدارية، التي تشكل العائق الأكبر أمام أي نهضة حقيقية.
ليست مشكلتنا في نقص الموارد أو ضعف الموقع الجغرافي، فنحن نمتلك إمكانيات هائلة، لكننا نُدار بعقلية بيروقراطية جامدة، ونمط إداري تقليدي وُرث منذ الستينيات لم يعد صالحًا لعصر التحولات الكبرى.
من هذا المنطلق، وضعت منذ أكثر من عشر سنوات مشروعًا وطنيًا متكاملًا تحت عنوان «بناء مصر من القاع للقمة»، قائم على دراسة ميدانية دقيقة، ومعايشة حقيقية لاحتياجات الناس في المدن والقرى، ورصد عميق للخلل الإداري الذي يبدد فرص التنمية. هذا المشروع قدمته عام 2015 إلى وزارة التنمية المحلية، وتحديدًا للوزير الدكتور أحمد زكي بدر، الذي أحاله إلى مستشاره اللواء أكرم كرارة.
وبعد دراسة متعمقة، أبدى إعجابه الشديد بالفكرة، ووافق على بدء تنفيذها في محافظة المنيا كنموذج أولي، تمهيدًا لتعميمها على باقي المحافظات، لكن المشروع انتهى - مثل غيره من المشاريع الجادة - إلى الأدراج، دون تنفيذ فعلي.
جوهر المشروعالمشروع يرتكز على تفكيك البنية المركزية المترهلة، وإنشاء منظومة تشغيل موازية تعتمد على المرونة والكفاءة. الفكرة الجوهرية هي تأسيس كيان تشغيلي حديث يحمل اسم "تحيا مصر"، يعمل كشركة وطنية للإدارة والتشغيل تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لضمان الانضباط والرقابة، ولكن خارج إطار البيروقراطية الحكومية التقليدية، مع هيكل أجور خاص، وبمساهمات من رجال الأعمال والمصريين بالخارج لضمان الاستقلال المالي والتشغيلي.
يكون لكل محافظة فرع مستقل للشركة، يتكون من نخبة من أبناء المحافظة أنفسهم، وتكلف هذه الفروع بإعداد ملفات شاملة عن موارد المحافظة، وتحدياتها، ومقوماتها، وإمكاناتها المتاحة.
آلية اختيار القيادات المحليةيُفتح باب الترشح لمنصب المحافظ وفريق عمله أمام أبناء المحافظة، على أن يكون التعيين بعقد إداري لمدة خمس سنوات، قابل للتجديد مرة واحدة، ويتقدم المحافظ المرشح ومعه فريقه من رؤساء الأحياء والمراكز والمدن.
وسيتم طرح شروط علمية وعملية دقيقة عند إعلان طلب وظيفة المحافظ، تشمل المؤهلات الأكاديمية المطلوبة، والخبرات الإدارية والتنموية، والقدرة على إعداد خطط استراتيجية قابلة للتنفيذ، إضافةً إلى سجل مهني خالٍ من أي شبهات فساد أو إهمال.
ويُمنح جميع المتقدمين ملفًا تفصيليًا عن المحافظة، مع طلب خطة تنمية شاملة خلال أسبوعين، تتضمن حلولًا عملية للمشكلات، وخطة لاستغلال الموارد.ويتم تقييم الخطط من قبل لجنة فنية مستقلة، ويُبرم التعاقد مع الفريق الإداري وفق صلاحيات محددة، مع حق اللجنة في فسخ التعاقد حال الإخلال بأي بند.
إن السمات والصفات والشروط الحالية لاختيار المحافظين، في كثير من الأحيان، تُفاقم الوضع البيروقراطي وتزيده تعقيدًا. ولابد من تغيير النهج كليًا حتى تتغير السياسات التي تحكم هذا المسار.
مع الأخذ فى الاعتبار أن طبيعة منصب المحافظ ودولاب عمله تفرض ضرورة الإسراع في تحريره من البيروقراطية، وتحويله إلى إطار ذي أبعاد علمية وعملية وإدارية وتنموية متكاملة.
المنيا كنموذج تطبيقيتم اختيار محافظة المنيا كنموذج أولي، نظرًا لتناقضاتها الصارخة: فقر وبطالة وخدمات متدهورة، مقابل ثروات طبيعية هائلة تشمل ثلث آثار مصر، وظهيرين صحراويين صالحين للاستصلاح، وموارد من الحجر الجيري والرمال والرخام والطمي الزراعي.
الخطة المقترحة تشمل استصلاح الظهيرين الشرقي والغربي، وتقسيم الأراضي إلى وحدات إنتاجية (5- 10 أفدنة) مزودة بالبنية الأساسية، وتسليمها لفلاحين حقيقيين بنظام التملك الإنتاجي، مع سداد التكلفة من المحاصيل والمنتجات التي تتولى شركة "تحيا مصر" تسويقها وتشغيلها. وبالتوازي، تُبنى مجتمعات عمرانية حديثة تضم مدارس، مستشفيات، مصانع تحويلية، ومراكز تسويق، بما يحول هذه المناطق إلى تجمعات زراعية صناعية متكاملة.
دروس من العالمتجارب دول مثل رواندا، فيتنام، والبرازيل تثبت أن النهضة تبدأ من الإدارة المحلية، مع ربط السلطة بالمحاسبة، ومنح المواطن دورًا في صياغة الأولويات، وتوزيع الموارد بشكل عادل وفعال.
الخاتمةمصر لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى قرار شجاع بتحرير التنمية من قبضة البيروقراطية المركزية، وإطلاق نموذج تشغيل قائم على الكفاءة والنتائج.
مشروع "بناء مصر من القاع للقمة" يقدم آلية واضحة للتنفيذ، قابلة للتطبيق الفوري، وتضع التنمية في يد أبناء الوطن، من حيث يقفون، لا من حيث تجلس السلطة.
اقرأ أيضاًنقطة تحول في مسار التنمية الوطنية.. «الأوقاف» تحتفي بـ ذكرى افتتاح قناة السويس الجديدة
وزيرة التنمية المحلية تتلقى تقريراً حول نتائج المرور الميدانى على 5 مراكز تكنولوجية بالفيوم
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البرازيل رواندا فيتنام
إقرأ أيضاً:
وزيرة التنمية المحلية تبحث فرص الاستثمار المستدام داخل المحميات الطبيعية مع أحد المستثمرين
عقدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، اجتماعًا مع أحد المستثمرين لبحث فرص تعزيز الاستثمار البيئي داخل المحميات الطبيعية، وذلك بحضور ياسمين سالم مساعد الوزيرة للتنسيقات الحكومية، وهدى الشوادفي، مساعد الوزيرة للسياحة البيئية، ومحمد معتمد، مساعد الوزيرة للتخطيط والاستثمار، والدكتور محمد صلاح مساعد الوزيرة للشئون القانونية، والمستشار محمد منسي، مستشار الوزيرة للشئون القانونية، واللواء خالد عباس رئيس قطاع حماية الطبيعة، والدكتور تامر كمال رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي.
وأكدت الدكتورة منال عوض خلال الاجتماع أن الدولة تضع الاستثمار البيئي على قائمة أولوياتها خلال المرحلة الحالية، باعتباره أحد المسارات الواعدة لتنمية موارد المحميات الطبيعية وتعزيز الاقتصاد الأخضر، فضلاً عن دوره في دعم السياحة البيئية التي تشهد إقبالًا متزايدًا محليًا ودوليًا.
وشددت وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة على أن أي استثمار داخل المحميات الطبيعية يجب أن يتم وفق ضوابط صارمة تضمن حماية النظم البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية من أي ضغوط أو تأثيرات سلبية. موضحة أن الوزارة تتبنى نهجًا يقوم على الدمج بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الطبيعة، من خلال مشروعات تراعي خصوصية كل محمية وتستخدم مواد وتصميمات متناغمة مع البيئة المحيطة.
كما أكدت د.منال عوض أن المشروعات المقترحة يجب أن تعتمد على الهوية البيئية والتراث الثقافي لكل محمية، وأن تسهم في رفع جودة التجربة السياحية دون الإضرار بالموارد الطبيعية، لاسيما أن المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة تؤهلها لتكون مقصدًا مميزًا للسياحة البيئية العالمية.
وخلال الاجتماع، شددت وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة على ضرورة تقديم الدراسات الفنية والبيئية التفصيلية الخاصة بالمشروع، بما يشمل تقييم التأثيرات البيئية، وخطط الإدارة المستدامة، وآليات الحد من أي تأثيرات محتملة على الموارد الطبيعية ليتم عرضها على خبراء قطاع حماية الطبيعة والجهات الفنية المختصة داخل الوزارة، لدراستها بدقة قبل إصدار أي موافقات، وذلك لضمان توافقها مع الاشتراطات البيئية وقواعد الاستثمار داخل المحميات.
ولفتت الدكتورة منال عوض أن الدولة ترحب بالشراكة مع القطاع الخاص في مشروعات السياحة البيئية، شريطة الالتزام الكامل بالمعايير والضوابط البيئية التي تضمن حماية المحميات وصون مواردها الطبيعية للأجيال القادمة.
جديرا بالذكر ان وزارة البيئة تعمل على تطوير البنية التحتية البيئية بالمحميات، وتحسين خدمات الزوار، وتطبيق منظومة حديثة لإدارة الأنشطة السياحية، بالتعاون مع القطاع الخاص والاستثماري بما يضمن تحقيق التوازن بين التنمية وحماية الطبيعة، ويعزز من مكانة مصر كدولة رائدة إقليميًا في إدارة المحميات الطبيعية.\\
اقرأ أيضاًوزيرة التنمية المحلية تتابع سير انتخابات مجلس النواب بالدوائر الملغاة
تعاون «التنمية المحلية» و «جامعة القاهرة» لبناء قدرات الإدارة المحلية وتطوير برامج التدريب بمركز سقارة