متى تنتهي صفقات العار مع الكيان الصهيوني؟!
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
في الوقت الذي تعاني فيه غزة من القتل بالجوع والحصار تارة وبالنابالم تارة أخرى، وتوجه الكيان الصهيوني لاحتلالها، طفت على السطح صفقة جديدة من صفقات العار، فلم يكتف النظام في مصر بغلق معبر رفح، والحيلولة دون دخول الشاحنات لغزة ما أدى لتكدسها وفساد الغذاء والدواء والمستلزمات وموت العشرات يوميا جياعا في غزة، بل قام بتوقيع اتفاقية مع الكيان الصهيوني لتوريد الغاز إلى مصر.
وقد ذكرت رويترز أنه بموجب الاتفاقية التي أُعلن عنها الخميس الماضي، فإن حقل ليفياثان، قبالة سواحل إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط، والذي تبلغ احتياطياته نحو 600 مليار متر مكعب، سيبيع نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر بسعر أعلى بنسبة 14.8 في المئة مقارنة بالصفقة السابقة، وتمتد الصفقة حتى عام 2040 أو حتى يتم استيفاء جميع الكميات المتعاقد عليها.
وبموجب الاتفاقية سيزود حقل ليفياثان مصر في المرحلة الأولى بنحو 20 مليار متر مكعب من الغاز اعتبارا من أوائل عام 2026 بعد ربط خطوط أنابيب إضافية. وقالت شركة نيوميد إنها ستصدر 110 مليارات متر مكعب المتبقية في مرحلة ثانية في عام 2029، تبدأ بعد الانتهاء من مشروع توسعة حقل ليفياثان وإنشاء خط أنابيب نقل جديد من الكيان الصهيوني إلى مصر عبر نيتسانا في الكيان الصهيوني. وسوف يزيد تدفق الغاز إلى مصر مطلع العام المقبل من 4.5 مليار متر مكعب إلى 6.5 مليار متر مكعب. وبعد الانتهاء من المرحلة الثانية من حقل ليفياثان ستزيد الكمية إلى 12 مليار متر مكعب سنويا.
وتهدف مصر من هذه الصفقة للتخفيف من أزمة الطاقة، حيث أنفقت مليارات الدولارات على استيراد الغاز الطبيعي المسال منذ أن أصبحت إمداداتها أقل من الطلب. وقد بدأ إنتاج مصر بالتراجع في عام 2022، مما أجبرها على التخلي عن طموحاتها في أن تصبح مركزا إقليميا للإمدادات، ولجأت بشكل متزايد إلى الكيان الصهيوني لتعويض ذلك النقص.
وتشير بيانات مبادرة بيانات المنظمات المشتركة إلى أن الغاز الإسرائيلي يمثل ما بين 15 في المئة إلى 20 في المئة من استهلاك مصر. وبالنظر إلى هذه النسب نجد أن صفقات العار للغاز مع الكيان الصهيوني ليست وليدة اليوم، ففي عام 2005 وقّعت مصر اتفاقية لتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا إلى الكيان الصهيوني عبر شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، وتم تشغيل خط أنابيب أرِيش-عسقلان في 2008، وفيما بعد تم رفع الكمية إلى 2.1 مليار متر مكعب سنويا، مع عقد إضافي لتزويد القطاع الصناعي الإسرائيلي بكمية تصل إلى ملياري متر مكعب. وحينما جاءت ثورة يناير 2011، تم إلغاء الاتفاقية بدافع وطني رفضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتلبية الاحتياجات الداخلية، إضافة إلى تفجيرات مستمرة طالت خط الأنابيب. وقد لجأ الكيان الصهيوني لهيئة تحكيم دولية فحكمت على مصر بدفع تعويضات بلغت نحو ملياري دولار، ثم تم تسوية ذلك بدفع 500 مليون دولار على مدى 8.5 سنة في عام 2019.
وبعد تراجع الإنتاج المحلي المصري، بدأت مصر تستورد الغاز من الكيان الصهيوني، ففي شباط/ فبراير 2018، جرى الاتفاق على توريد 64 مليار متر مكعب على مدى 10 سنوات من حقلي تمار وليفياثان عبر شركة دولفينوس القابضة، وبذلك تحولت مصر من مصدر للغاز إلى مستورد، ثم بدأ حقل ليفياثان بتصدير الغاز إلى مصر بداية عام 2020 بناء على الاتفاقيات السابقة، ووصلت كمية التوريد إلى حوالي 23.5 مليار متر مكعب حتى الآن، ثم في الأسبوع الماضي، وقّع الطرفان تلك الصفقة التي سميت بالصفقة التاريخية، باعتبارها الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني.
إن هذه الصفقة لا تتوقف عند مهازلها الأخلاقية وحرمتها الشرعية بدعم هذا الكيان المحتل الواجب مقاطعته، بل وبذل الجهد لإنهاء احتلاله، ورفع الظلم عن أهلنا في غزة، فهذه الصفقة تمتد كذلك لتعري ما قيل عن حقل ظُهر للغاز وضخامته ونقله لمصر نقلة نوعية، فقد كشف هذا الأمر عن أكذوبة ما قيل عن هذا الحقل وقدرته، خاصة وأن مصر تواجه صعوبة في زيادة إنتاجها من الغاز وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (JODI)، حيث بلغ الإنتاج 3,545 مليون متر مكعب في أيار/ مايو، مقارنة بـ6,133 مليون متر مكعب في آذار/ مارس 2021 بانخفاض يزيد عن 42 في المئة في أقل من خمس سنوات.
إن تبرير الصفقة بالحاجة الملحة للطاقة وتوفير إمدادات ثابتة طويلة الأمد لمصر، مما يساعد على تشغيل محطات تسييل الغاز في إدكو ودمياط بكامل طاقتها، وتعزيز صادرات الغاز المسال إلى أوروبا، خصوصا مع الطلب الأوروبي المرتفع بعد أزمة أوكرانيا، ما يرفع من الإيرادات السنوية من العملة الصعبة ويدعم الاحتياطي النقدي، هو تبرير يحمل معه عوامل هدمه، فهل ضاقت من أمامنا الدول العربية المصدرة للغاز -وفي مقدمتها قطر- ولم يتبق إلا الكيان الصهيوني للجوء إليه؟! كما أن الكيان الصهيوني لا يعرف سوى مصلحته، وهو ينظر لتلك الصفقة على أنها تعاون استراتيجي مع مصر في ملف الطاقة، وهو مؤشر على عمق العلاقات الاقتصادية بينهما، وهو عمق على حساب الدم الفلسطيني، ونهب موارد الفلسطينيين، ولا يوجد مبرر واحد لهذا الفعل مقبول شرعا أو عقلا، وسيظل التاريخ يذكر تلك الصفقات بمزيد من العار.
x.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء صفقة مصر الغاز إسرائيل مصر إسرائيل صفقة غاز قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الکیان الصهیونی ملیار متر مکعب الغاز إلى مصر حقل لیفیاثان فی المئة فی عام
إقرأ أيضاً:
وكيل الأزهر في مؤتمر الافتاء: العالم أيقن أن الكيان الصهيوني أبعد ما يكون عن السلام
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن صناعة المفتي لم تعد قاصرة على التزوّد بعلوم الشريعة فحسب، بل بات من الضروري أن يمتلك المفتي المعاصر وعيًا تقنيًّا ومهارات رقمية تُمكِّنه من مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، واستثماره بما يخدم الرسالة الإفتائية ويحفظ ثوابت الأمة.
جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، حيث نقل تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتمنياته أن يخرج المؤتمر بنتائج علمية رصينة تُجسّد مرونة الفكر الإسلامي وقدرته على التفاعل مع تحديات العصر، ومواكبة التطور التقني، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ولفت الضوئي إلى أن هذا المؤتمر يأتي في وقت تعاني فيه فلسطين من محاولة اغتصاب أراضيها ومقدراتها، واستنزاف طاقتها، وتزييف وعيها، في ظل واقعٍ مريرٍ صنعه الإرهاب الصهيوني الغاشم، الذي يقتل ويدمّر ويهدم ويخرّب، وما زال يتمادى في اعتداءاتٍ دمويةٍ ووحشية، لا نبالغ إذا قلنا إن التاريخ لم يعرف لها مثيلًا، إذ هي جرائم ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد فلسطين، وقد أثبتوا بهذا الإرهاب الممارس ليل نهار أنهم أبعد الناس عن طلب السلام.
وثمن الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية، موكدا ثقة الأزهر الشريف في حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعزمه وإخلاصه في الحفاظ على الوطن والنهوض به، في خضمّ عالمٍ محتدم الصراعات، مضطرب الأهداف والغايات.
وأوضح وكيل الأزهر أن الفتوى صناعة علمية رفيعة، تقوم على عمليات معرفية وتحليلية دقيقة تبدأ من فهم واقع السائل وتصوير المسألة بدقة، مرورًا بتكييفها على القواعد الفقهية وضبطها بالأحكام الشرعية، وصولًا إلى بيان الحكم بعد دراسة النتائج والمآلات، محذرًا من تصدّر غير المؤهلين للإفتاء عبر الشاشات ومنصات التواصل.
وأكد أن بعض هذه المنصات، وكذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي، باتت تُعامل وكأنها "شيوخ" لها مريدون، وهو أمر ينطوي على مخاطر فكرية وأخلاقية.
وبيّن الضويني أن الذكاء الاصطناعي أتاح إمكانات هائلة في جمع وتحليل البيانات والوصول السريع إلى المصادر، ما يمكن أن يدعم عمل المفتي ويسهم في ترشيد الفتوى، لكنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون بديلاً عن المفتي المؤهل المتمكن من أدواته العلمية والشرعية، نظرًا لافتقاده للملكة الفقهية والبصيرة بمقاصد الشريعة وفهم الواقع والمصالح والمفاسد.
وحذر من خطورة الاعتماد الكامل على هذه التطبيقات لما قد ينتج عنها من فتاوى مضللة تهدد القيم والأمن الفكري.
وأشار الدكتور الضويني إلى أن الأزهر يعمل على إعداد وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من خلال لجنة عليا بإشراف فضيلة الإمام الأكبر، تهدف إلى وضع ميثاق أخلاقي يضبط التعامل مع هذه التقنية، ويضمن ألا تتحول من أداة نافعة إلى وسيلة تمس الخصوصية أو تهدد القيم والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها تماسك المجتمعات، مع ضرورة استلهام هذا الميثاق من مبادئ الشريعة الإسلامية التي تصون كرامة الإنسان وتحمي حقوقه وقيمه.
وشدد الدكتور الضويني على ضرورة أن يكون المفتي المعاصر واعيًا بالتقنيات الحديثة ومهاراتها الرقمية، حتى يتمكن من التفاعل مع معطيات العصر الذي بات أكثر تعقيدًا وتشابكًا، داعيًا في الوقت نفسه إلى الحذر من أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تقتل المواهب وتخدر العقول، وتساءل عن مدى استعداد أبناء هذا العصر للاجتهاد والبحث والتحرير، وعن ضرورة أن تكون للأمة بصمة مؤثرة في إدارة هذه التقنية، حتى لا تتحكم العقول الخارجية في مسار تفكيرنا وهويتنا.
وأشار وكيل الأزهر إلى أهمية وضع مصفوفة بالمهارات والكفايات المطلوبة لمن يتصدر للإفتاء في ظل عصر الذكاء الاصطناعي، مع الحرص على ألا تضيع الهوية الإسلامية أو تذوب الشخصية عبر الشاشات، مشددًا على أن المرجعية الشرعية والأصالة العلمية هما الضمانة الحقيقية أمام أي تزييف أو تحيز علمي، وأن صناعة المفتي الرشيد ستظل أمانة كبرى تتطلب تأهيلًا راسخًا يجمع بين العلم الشرعي والوعي الرقمي.
وفي ختام كلمته، تساءل وكيل الأزهر، قائلاً: في ظلِّ هذا التوسُّع المتسارع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أين هِمَّةُ أبناء العصر في البحث والتحرير والمقارنة والاستنباط؟ وهل يفرض علينا هذا الذكاء أن نكون أكثر تمسُّكًا بأصولنا، لتكون ضمانةً حقيقيةً ضد أي تزييف أو تحيُّز علمي؟ أم أن الواجب يقتضي أن تكون لنا بصمةٌ واضحة في إدارة هذا الذكاء، فننتقل من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل المؤثِّر، حتى لا نصير أسرى للشاشات، ولا تُدار عقولنا من وراء البحار والمحيطات؟ أليس من الضروري أن نضع قائمةً بالكفايات والمهارات العلمية والعملية التي يجب أن تتوافر فيمن يتصدَّر للإفتاء واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ ثم أليس من الواجب أن نكون أكثر حذرًا ووعيًا، حتى لا تضيع هويتنا أو تذوب شخصيتنا في عوالم الشاشات؟.