تُعَدّ صفقة الغاز الأخيرة بين مصر والكيان الصهيوني، والتي أُعلِن أنها تهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا، حدثا بالغَ التعقيد ويُثير تساؤلات عميقة حول المصالح الوطنية لمصر. فبينما يُقدِّم نظام السيسي الصفقة رسميا بوصفها إنجازا اقتصاديا؛ توضح التفاصيل المعلنة أن هذه الصفقة تخدم مصالح الكيان الصهيوني بشكل مطلق على حساب مصر.

وإذا استثنينا الموقف غير الأخلاقي لنظام السيسي في توقيع صفقة كهذه مع الكيان الصهيوني الذي تُقاطعه معظم دول العالم دعما لغزة، فإن هذه الصفقة، وبمحض المنافع المطلقة، تضع مصر في موقف ضعف سياسي، وعسكري، واستراتيجي، مما يثير مخاوف جدية حول جدوى هذا القرار ودوافعه.

السيسي يُقدِّم صفقة الغاز بديلا للتهجير

عند تحليل الصفقة اقتصاديا واستراتيجيا، نجد أن المستفيد الحقيقي والوحيد منها ليس الدولة المصرية، بل هو السيسي شخصيا، وذلك لدوافع سياسية خاصة به. تُعَدّ الصفقة جزءا من سعي السيسي للحصول على دعم رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، بهدف التأثير على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبيل لقائه الأول مع السيسي والذي لم يُعلن عنه بعد.

ففي هذا السياق، تصبح المصالح الاقتصادية للكيان الصهيوني أداة سياسية، تُستخدم لتعزيز موقف السيسي في واشنطن -دعما لبقائه في السلطة- بغض النظر عن تداعياتها السلبية على المصالح الوطنية لمصر، خاصة أنه كان خائفا من مقابلة ترامب؛ بعد عجزه عن تمرير تهجير أهل غزة إلى سيناء، وذلك لرفض الجيش المصري ذلك التهجير.

الخسائر الاقتصادية 15 مليار دولار والخسائر الاستراتيجية لا تُقَدَّر بثمن

توضح نتائج التحليل الاقتصادي والاستراتيجي أن الصفقة لا تُقدِّم أي مكاسب حقيقية لمصر، بل تُعرِّضها لخسائر اقتصادية واستراتيجية جسيمة:

أولا: خسائر اقتصادية حتمية: حيث تظهر الأرقام أن مصر قد تتكبد خسائر مباشرة وفادحة من عملية إعادة التصدير. فبينما تشتري مصر الغاز من الكيان الصهيوني بسعر مرتفع وثابت نسبيا (9.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية حسب قيمة وحجم الصفقة المعلن)، فإنها سوف تبيعه في السوق الأوروبية بسعر متقلب قد يكون أقل بكثير (حوالي 10.35 دولار حاليا)، ومع إضافة تكاليف التسييل والشحن التي تُقدَّر بين 2.5 إلى 4 دولارات، فإن الخسارة لكل وحدة غاز يمكن أن تتجاوز 4 دولارات، مما قد يوصل إجمالي خسائر مصر إلى حوالي 15 مليار دولار على الأقل على مدى الصفقة، وهذه الخسائر يدفعها السيسي فعليا لنتنياهو من جيوب المصريين.

ثانيا: التبعية السيادية والأمنية: يُعَدّ الاعتماد على الغاز الصهيوني لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري. فاستمرار تدفق الغاز يصبح ورقة ضغط في يد الكيان الصهيوني، يمكن استخدامها في أي أزمة سياسية أو عسكرية مستقبلية. هذا يضع مصر في موقف ضعف ويُقيِّد قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة في القضايا الحساسة.

ثالثا: تآكُل دور مصر الاستراتيجي: بدلا من الاستثمار في أن تكون مصر لاعبا رئيسيا في مجال الطاقة بفضل مواردها الخاصة، تصبح مجرد ممر لإعادة تصدير الغاز الصهيوني، وهو ما يُقلِّل من دورها الاستراتيجي ويجعلها مجرد تابع في سوق الطاقة الإقليمية.

الصفقة تُهدِّد المصالح العسكرية والاستخباراتية للجيش المصري

تبعا للتحليل الاستراتيجي، نجد أن الصفقة تتجاهل المصالح الأمنية والاستخباراتية للجيش المصري، وتضع اعتبارات سياسية شخصية للسيسي فوق الأمن القومي من عدة اتجاهات:

أولا: مخاطر استخباراتية: تُعَدّ مشاركة البنية التحتية للطاقة مع الكيان الصهيوني مصدر قلق استخباراتي. فخطوط الغاز ومحطات التسييل تصبح نقاطا محتملة لعمليات التجسس أو التخريب في أوقات التوتر، مما يُشكِّل تهديدا مباشرا للأمن الداخلي.

ثانيا: تقويض عقيدة الأمن القومي: تعتمد العقيدة العسكرية المصرية على مبدأ الاكتفاء الذاتي -أو على الأقل الاعتماد على الحلفاء- في الموارد الاستراتيجية. إن الاعتماد على الغاز من العدو الصهيوني يُعَدّ تقويضا لهذا المبدأ، ويخلق ثغرة حيوية يمكن استغلالها.

ثالثا: تجاهل المصالح العسكرية: حيث إن هذه الصفقة لم تأخذ في الاعتبار الكامل المخاطر الأمنية، وأنها تمت بقرارات سياسية بحتة دون استشارة كاملة للأجهزة العسكرية والاستخباراتية حول التبعات طويلة المدى.

السيسي ونمط سائد من التنازلات الاستراتيجية

لو نظرنا لهذه الصفقة، سنجد أنها ليست حادثة منفردة، بل جزءا من نمط أوسع من التنازلات التي اعتاد السيسي تقديمها على حساب المصالح الوطنية المصرية. ويُشار في هذا السياق إلى عدة قضايا أخرى:

- التنازل عن حصة مصر في ماء النيل: حيث إن اتفاقية السد الإثيوبي التي وقعها السيسي تسببت في إهدار حصة مصر الحالية والمستقبلية من مياه النيل، مما يهدد الأمن المائي والزراعي للبلاد.

- التنازل عن تيران وصنافير: فقد سعى السيسي لاعتماد قرار إعادة ترسيم الحدود البحرية والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وهو تنازل عن سيادة مصرية تاريخية.

- التنازل عن حقول الغاز: فقد تواطأ السيسي على تنفيذ ترسيم خاطئ للحدود البحرية في المتوسط، مما أدى إلى فقدان مصر لمكامن غازية هائلة لصالح الكيان الصهيوني، ومنها حقل "ليفياثان" الذي تقوم عليه الصفقة، والذي كان جزءا من المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر.

وغيرها من القرارات المؤثرة بشكل سلبي والمهددة بشكل حقيقي لمصالح مصر، والتي اتخذها السيسي على مدى اثني عشر عاما منذ استولى على الحكم.

لماذا يسعى السيسي دائما لتوريط مصر في اتفاقيات تُهدِّد مصالحها؟

نتيجة لتحليل هذه الصفقة وما سبقها، نجد أنها ليست مجرد اتفاقية اقتصادية، بل هي جزء من نمط سياسي أوسع؛ يسعى من خلاله السيسي إلى توريط مصر في اتفاقيات تُعرِّض مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية للخطر. فكل هذه الاتفاقيات يقوم بها السيسي على حساب خسائر مؤكدة للدولة المصرية، مما يثير أسئلة عميقة حول أهدافه ودوافعه الحقيقية من هذه الاتفاقيات، ومدى تأثيرها على مستقبل مصر وجيش مصر وأهل مصر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء صفقة الغاز مصر السيسي مصر السيسي إسرائيل صفقة الغاز قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی هذه الصفقة مصر فی

إقرأ أيضاً:

طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة ضرورة للسلام العالمي

في ظل الجرائم المروعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٤٨ ضد الشعب الفلسطيني، وفي ظل الإبادة الجماعية التي أقدم عليها المجرم نتنياهو وعصابته المتطرفة في الكيان، وفي ظل استهتار الكيان الصهيوني بالقوانين الدولية، وعدم تطبيق القانون الدولي الإنساني، وقتل أكثر من ٢٣٥ من الزملاء والزميلات الصحفيين، وفي ظل الانتهاكات الخطيرة ضد حقوق الإنسان وحماية المدنيين؛ فإن ثمة سؤالا مشروعا يطرح حول مشروعية وجود كيان إجرامي داخل عضوية الأمم المتحدة: كيف يمكن لأكثر من ٢٠٠ دولة عضو أن تقبل بوجود الكيان الصهيوني وهو يرتكب على مدى أكثر من سبعة عقود كل تلك الجرائم البشعة التي تمثلت أقساها في قطاع غزه على مدى سنتين؟ والسؤال حول طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة ليس سابقة أولى؛ فقد طرد الكيان الصهيوني من منظمات عديدة منها: منظمات حقوق الإنسان، واتحادات رياضية، وصحفية منها الاتحاد الدولي للصحفيين. ومن هنا فإن طرح موضوع طرد الكيان الصهيوني في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر القادم هو الوقت المناسب لإيصال رسالة عالمية من المجتمع الدولي للكيان بأنه أصبح منبوذا من شعوب العالم ومنظمات المجتمع الدولي. كما أن الاعتراف الواسع النطاق الذي ينتظره العالم بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة خاصة من الدول الغربية كفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، والبرتغال، وغيرها من الدول يعد مناسبة سياسية وإنسانية وحقوقية في غاية الأهمية؛ لفضح الكيان الصهيوني الذي استهان بميثاق الأمم المتحدة وقراراته، كما سجل الكيان تمردا على منظومة القيم والنواميس الدولية.

قد يكون من الصعب تحقيق موضوع الطرد من قبل مجلس الأمن الدولي؛ حيث حق النقض الفيتو جاهز من قبل الحليف الأول للكيان الصهيوني، وحامي سلوكه العدواني، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أمر مؤكد، ولكن نحن هنا نتحدث عن القرار الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي تشكل فيه مجموعة دول عدم الانحياز أكبر كتلة؛ حيث وجود الدول العربية والإسلامية، وفي قارات آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية علاوة على عدد من الدول التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية، والتي سجلت زخما سياسيا وأخلاقيا وقانونيا بين شعوب العالم منذ عام ١٩٤٨. وعلى ضوء ذلك؛ فإن التحرك العربي والإسلامي مطلوب لتقديم طلب طرد الكيان الصهيوني، خاصة وأن هناك استياء عاما من السلوك الإجرامي للكيان الصهيوني الذي ارتكب ابشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين. مجرد تقديم طلب الطرد من المجموعة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة سوف يحدث هزة سياسية للكيان الصهيوني حتى لو كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم، ولكنه سوف يكون سابقة تاريخية تهز الكيان الصهيوني المتغطرس والعصابة التي تحكمه.

إن الكيان الصهيوني قد ضربت سمعته في مقتل، وأصبح منبوذا من شعوب العالم، وهذا هو الأمر المهم بعيدا عن الحسابات السياسية على صعيد الحكومات. كما أن ترويج واشنطن لموضوع التطبيع قد ضرب في مقتل خاصة بعد انكشاف أهداف الصهيونية العالمية من بسط سيطرتها على مقدرات المنطقة، وأيضا أهدافها الخبيثة في ضرب الهوية العربية والإسلامية للدول العربية. ومن هنا يتعرض المشروع الصهيوني العالمي لنكسات كبيرة خاصة وأن الوعي العربي يزداد من قبل المفكرين، ووسائل الإعلام، والمجالس التشريعية التي تحذر من الأهداف الخبيثة لموضوع التطبيع الذي يتعدى المصالح الاقتصادية إلى ضرب النسيج المجتمعي للأوطان، وهذه كارثة حقيقية.

الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بطرد الكيان الصهيوني إذا صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا شيء طبيعي؛ فقد صوتت واشنطن ضد القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي منذ عام ١٩٤٨ عشرات المرات، وكان الموقف الأمريكي سلبيا، ولا يليق بدولة تدعي قيادة النظام الدولي. ومن هنا بدأت الدعوات لإيجاد نظام دولي متعدد الأقطاب لحماية السلام والاستقرارن وإقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء الحروب والصراعات في المنطقة، وإيجاد التعاون بين دول العالم، وأن ينصاع الكيان الصهيوني لمنظومة القيم والقوانين الدولية، وأن يرضخ الكيان لميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد حق الشعوب في الحرية والاستقلال من المحتل خاصة المحتل الإسرائيلي الذي يعد أبشع احتلال عرفه العالم في العصر الحديث.

قد تكون فكرة طرح موضوع طرد الكيان الصهيوني غير قابلة للتطبيق؛ لأسباب تعود للضغط الأمريكي في ظل إدارة ترامب المتهورة والتي تهدد الدول بالرسوم الجمركية، والعقوبات الاقتصادية، ومع ذلك فإن تقديم طلب طرد الكيان الصهيوني للأمانة العامة للأمم المتحدة سوف يكون حدثا سياسيا يعزز من خلال كلمات رؤساء وممثلي دول العالم أمام منصة الأمم المتحدة في نيويورك.

إن الكيان الصهيوني لا بد من وضعه أمام مشهد حقيقي يهدد وجوده، وسلوكه العدواني الذي تجاوز كل الأعراف والقوانين. وعندما تحدثنا في مقال سابق بأن حكومة نتنياهو المتطرفة، وغيرها من الحكومات هي صورة لبقايا سلوك عصابات شتيرن والهاجانا التي ارتكبت الجرائم الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني عام ١٩٤٨ ومن هنا فإن الكيان الصهيوني يتصرف وفق تلك العقلية الإجرامية. ومن هنا فإن سلوكه العدواني، ورفضه قرارات الشرعية الدولية، والانتهاكات الإنسانية، وقتل الأطفال، وقصف المستشفيات، وقتل الصحفيين هو جزء من فكر العصابات التي تتجرد من أي مسؤولية قانونية، وهذا الفكر العدواني الإسرائيلي يشكل خطرا كبيرا على السلام والاستقرار في العالم، وهو الأمر الذي صدم الشعوب في الغرب، وعبرت عن استهجانها من عدوانية الكيان الإسرائيلي. كما أن استخدام الجوع كسلاح لتحقيق أهداف سياسية هو جريمة كبرى في حق الإنسانية، وتؤكد العقلية الإجرامية للكيان الصهيوني المتطرف الذي يحتاج إلى وقفة جادة من المجتمع الدولي؛ لأن عدم حدوث ردع سياسي أو قانوني سوف يجعل نتنياهو وحكومته المتطرفة تتمادى بحيث يدخل العالم في صراع يتدحرج بين إيران والكيان الصهيوني إلى حرب إقليمية تنتهي إلى حرب عالمية.

إن خطوة التهديد بطرد الكيان الصهيوني رغم رمزيتها القانونية تعطي رسالة سياسية للكيان الصهيوني، وحتى للحليف الأمريكي الذي يعد مسؤولا مباشرا عن كل العدوان الصهيوني الذي صدم العالم عبر وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية في أكبر مشهد إجرامي في هذا القرن ضد الإنسانية يراقبه العالم في صدمة وذهول.

مقالات مشابهة

  • متى تنتهي صفقات العار مع الكيان الصهيوني؟!
  • أسهم Alphabet تكسب 29 مليار دولار في يوم واحد.. وIntel تحلق مرتفعة
  • طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة ضرورة للسلام العالمي
  • الشركات الأمريكية الصغيرة تواجه خسائر سنوية 202 مليار دولار بسبب رسوم ترامب
  • العلاقات بالحضيض .. الكيان يُهاجِم مصر بشدّةٍ ويُلوِّح بوقف تزويدها بالغاز
  • مظاهرات تجتاح شوارع الكيان الصهيوني
  • أحزاب مصرية تعارض اتفاقية الغاز مع الاحتلال.. دعم غزة بالمقاطعة
  • المسؤولية البريطانية عن زرع الكيان الصهيوني
  • ولاية كاليفورنيا: طلب ترامب من جامعتها دفع مليار دولار ابتزازا سياسيا