لجريدة عمان:
2025-07-03@20:34:00 GMT

توسع بريكس ليس انتصارا للصين

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

في الأسبوع الماضي، رأى الذين يعتقدون بتحرك العالم نحو نظام عالمي ما بعد غربي ما يؤكد اعتقادهم هذا. ففي قمته السنوية المنعقدة في جوهانسبرج، أعلن منتدى بريكس الذي يضم خمسة اقتصادات ناشئة كبرى ـ هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ـ عن توسع كبير بتوجيهه دعوة الانضمام إلى ستة أعضاء جدد.

ففي يناير، ستضيف المجموعة إلى عضويتها الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولو أن الوزن الاقتصادي مقياس للقوة، فسوف تكون هذه مجموعة قوية بشكل فريد.إذ ستمثل دول بريكس الإحدى عشرة مجتمعة حصة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على أساس تعادل القوة الشرائية مقارنة بالدول الصناعية في مجموعة السبع.

وبحسب موقفك، قد تحتفل بازدياد قوة كتلة بريكس أو ينتابك القلق من ذلك ـ في حين أنه ما من مبرر لكلا الموقفين. لأن توسع بريكس لن يقلب العالم رأسا على عقب، ولا هو بشير بصعود نظام عالمي ما بعد غربي. ومن الغريب بالقدر نفسه القول بأن توسع بريكس يمثل انتصارا كبيرا للصين وروسيا ومحاولاتهما لبناء كتلة مناهضة للغرب من دول الجنوب العالمي - أو أن بريكس هي جوهر حركة عدم انحياز جديدة.

كل هذه التفسيرات المحتملة لا تلتفت إلا قليلا إلى الديناميكيات الداخلية لبريكس الموسعة والآثار المترتبة عليها. فمن خلال خلط الكتّاب الغربيين بين آمالهم ومخاوفهم المتعلقة بالنظام العالمي وبين التحليل، تكشف تعليقاتهم جهلها الهائل ببلاد الجنوب العالمي، ومصالحها المتنوعة، وتعاملها مع القوى العظمى.

ما من شك في أن الصخب المفاجئ لعضوية بريكس من جانب الكثير للغاية من البلاد المهمة قد صبغ التحليل. لكن توسيع قائمة الأعضاء لا يحول بريكس إلى كتلة قوية. وإن كان للتوسع من أثر، فهو أنه يؤدي إلى تقويض التماسك الضئيل الذي كانت تنعم به المجموعة قبل التوسع.

إن المواجهة الجيوسياسية المتنامية بين الصين والهند تلقي بظلالها بالفعل على بريكس وعلى أي محاولة لوضع أجندة متماسكة. ومع الأعضاء الجدد تأتي صراعات جديدة: فمصر وإثيوبيا على خلاف حاد حول مياه النيل، في حين أن بين إيران والمملكة العربية السعودية خلافات إقليمية كبرى ـ برغم محاولتهما بوساطة بكين لإرساء السلام. وستزيد هذه الصدوع وغيرها من صعوبة تحويل الوزن الاقتصادي المشترك لدول بريكس إلى قوة سياسية مؤثرة في الشؤون العالمية.

والذين يظنون في بريكس حركة عدم انحياز جديدة محقون، عن غير قصد، في جانب واحد، هو أن بريكس ستكون عديمة الفعالية بقدر حركة عدم الانحياز الأصلية في تحويل صخبها الخطابي بشأن القضايا العالمية إلى نتائج ملموسة عملية. فما فعلت الصين بتوسيع بريكس إلا أن اشترت لنفسها متجرا أكبر للكلام. ولو أن بكين راغبة في بناء خيمة أكبر في مناهضة للغرب، فلن تتمكن من ذلك باحتواء خيمة بريكس بالفعل على العديد من أصدقاء الولايات المتحدة.

مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شركاء أمنيون مقربون للولايات المتحدة. وحتى لو أن لديهم خلافاتهم مع واشنطن، فمن غير المرجح أن يتخلوا عن الضمانات الأمنية الأميركية مقابل وعود صينية لم تختبر بعد، ناهيكم عن حماية كيس البطاطس عديم الشكل المعروف ببريكس. لقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينج ـ في خطابه أمام قمة جوهانسبرج ـ دول بريكس إلى "ممارسة التعددية الحقيقية" و"رفض محاولة إنشاء دوائر صغيرة أو كتل حصرية". حسن، لقد أصبحت الهند بالفعل جزءا من اثنتين على الأقل من هذه "الدوائر الصغيرة". فأولاهما هي الحوار الأمني الرباعي، مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة، والثانية هي منتدى I2U2 الذي يجمع الهند مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. بل لقد دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في جوهانسبرج إلى إنشاء "سلاسل توريد مرنة وشاملة"، وهو تعبير ملطف بديل لتقليص الاعتماد الاقتصادي على الصين.

لو أن الصين ترى في بريكس منتدى لتوسيع دورها في الجنوب العالمي، فالهند مثلها في ذلك، بل والسعوديون والإماراتيون في هذا الصدد، وهم على استعداد لتوظيف أجزاء كبيرة من رأس المال الذي تراكم لديهم على مدى عقود من أجل تحقيق مكاسب سياسية في أفريقيا وخارجها. والواقع أن التنافس بين دول بريكس على النفوذ العالمي ربما يكون ذا عواقب على المجموعة توفق مصلحتها المشتركة المفترضة في مواجهة الغرب. وبدلا من صوغ مسرح جديد لمعارضة الغرب، سيكون منتدى بريكس مسرحا لمعارضة نفسه.

ولذلك، على الأذكى من بين أهل السياسة في الغرب أن يقللوا نحيبهم بشأن صعود بريكس المفترض ـ وأن يركزوا بدلا من ذلك على ما في المنتدى من تناقضات عديدة يمكنهم استغلالها.

ليست هذه بالمرة الأولى التي تحاول فيها روسيا والصين الترويج لتحالف مناهض للغرب. فالواقع أن التاريخ يخبرنا أن موسكو وبكين تبالغان في تقدير احتمالات توحيد المجتمعات غير الغربية ضد الغرب. فعندما فشلت الآمال في قيام ثورة شيوعية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، توجه مؤسس الاتحاد السوفييتي فلاديمير لينين إلى آسيا ووعد "بإشعال النار في الشرق" بثورات على الرأسمالية العالمية وأباطرة الاستعمار الغربيين. وفي مؤتمر شعوب الشرق الذي انعقد عام 1920 في باكو بأذربيجان الخاضعة للاحتلال السوفييتي، جمعت الأممية الشيوعية مجموعة متنوعة من القوميين والثوريين والزعماء الدينيين. ولم تصل جهود لينين إلى الكثير لأن تصاعد النزعة القومية جعل آسيا غير مرحبة بالأفكار البلشفية.

وفي ستينيات القرن العشرين، اعتقد الزعيم الصيني ماو تسي تونج أنه قادر على مثل ذلك بمحاولته ترويج الثورات في آسيا، فإذا بإخفاقاته العديدة تمهد الطريق ـ بدلا من ذلك ـ أمام الرأسمالية ذات الخصائص الصينية في الداخل. وجرَّب الزعيمان السوفييتيان نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف تكتيكا مختلفا، حيث انضما إلى القوميين في أفريقيا وآسيا ضد الغرب. وبدا فعلا أن موسكو تكسب أرضا في الجنوب العالمي خلال السبعينيات. وفي قمة حركة عدم الانحياز التي انعقدت في هافانا عام 1979، أعلن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وأنصاره أن الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له هم "الحلفاء الطبيعيون" للعالم الثالث.

غير أن الولايات المتحدة ـ التي يفترض أنها كانت في حالة انحدار نهائي ـ عادت وهي تترنح في الثمانينيات لوضع موسكو في موقف دفاعي. في الوقت نفسه، تبين أن النخب في الجنوب العالمي ماهرة إلى حد ما في استغلال الانقسامات بين الغرب والاتحاد السوفييتي والصين لصالحها. فإعلان الصداقة المدوي الذي أصدره كاسترو وغيره من الزعماء مع الكتلة الشيوعية في عام 1979 يشترك في توازيات كثيرة مع تعبير الصين عن طموحاتها في مجموعة بريكس. ولكن مثلما استنفد الاتحاد السوفييتي موارده في دعم قائمته الكبيرة من عملاء العالم الثالث في أواخر السبعينيات، توسعت الصين في عهد شي جين بينج أيضا، فهي تعاني من مشاكل اقتصادية عميقة ومنشغلة بالتعامل مع ضغوط الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فقد يحقق إعلان توسع مجموعة بريكس في الأسبوع الماضي خدمة لغرض مفيد هو إعلام الغرب بألا يعد الجنوب العالمي أمرا مفروغا منه. لذلك، يجب على صناع القرار الغربيين الواعين أن يتخلصوا من كل من ازدراء المحافظين وتعالي التقدميين - وكل منهما، بطريقته الخاصة، يجعل من الصعب الاشتباك مع نخب الجنوب العالمي – وأن يجدوا بدلا من ذلك طرقا أفضل لإعادة الاشتباك مع الدول النامية.

إن أعظم التهديدات التي يواجهها الغرب الحديث من العالم غير الغربي قد جاءت مع صعود النزعة القومية في آسيا وأفريقيا. فإنهاء الاستعمار والمنافسة مع الكتلة الشيوعية على كسب الأصدقاء في الجنوب العالمي قد ساعد الغرب على استعادة الأرض. غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، سرعان ما نسيت الدروس المستفادة من الحرب الباردة، وتحول الغرب إلى السخرية من الجنوب العالمي والغطرسة عليه. وهنا تدخلت الصين وروسيا، مستغلتين استياء الجنوب العالمي من الغرب.

ليس بوسع الغرب أن يحافظ على تفوقه العالمي بثمن بخس. فعليه أن يترجل عن القاعدة العالية التي وضع نفسه عليها منذ نهاية الحرب الباردة، وأن يخوض في الوحل مصارعا التحدي الصيني والروسي. لقد نجح الغرب في التغلب على التحديات التي واجهت تفوقه العالمي خلال مرحلة طويلة من المنافسة بين القوى العظمى، عندما وجد طرقا أكثر تعاونا للاشتباك مع النخب غير الغربية. وبوسعه أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى. قد يكون توسع بريكس فشلا لا طائل من ورائه، لكنه بمثابة طلقة تحذيرية للغرب لكي ينهي سباته الاستراتيجي. فالجنوب العالمي ينتظر.

• راجا موهان كاتب كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي، وزميل أول في معهد سياسة المجتمع الآسيوي، وعضو سابق في المجلس الاستشاري للأمن القومي في الهند.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الجنوب العالمی توسع بریکس دول بریکس حرکة عدم من ذلک

إقرأ أيضاً:

رئيس شعبة الأدوات الكهربائية: انضمام مصر لتجمع بريكس ساهم في التخفيف من آثار حدة الأزمات العالمية

أكد المهندس ميشيل الجمل، رئيس شعبة الأدوات الكهربائية، أنه بعد مرور 18 شهراً على انضمام مصر إلى تجمع بريكس، ساهم ذلك في التخفيف من آثار الأزمات العالمية الراهنة واقتناص العديد من الفرص، كما ساعد في فتح أسواق جديدة للتصدير، خاصةً مع الحيز الجغرافي الواسع والقوة الشرائية والاستهلاكية الكبيرة للدول الأعضاء في التجمع.

وأوضح الجمل في تصريحات صحفية له اليوم أن هناك مكاسب كبيرة لمصر من انضمامها إلى تجمع بريكس لأول مرة، مثل زيادة حجم العلاقات الاقتصادية بينها وبين دول الأعضاء، فضلاً عن التعامل بالعملات المحلية، ما يخفف الضغوط على الدولة فيما يتعلق بالنقد الأجنبي، وزيادة حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء.

شراكة مصر مع البريكس| زيادة الصادرات بـ 31.5% واستثمارات بـ4.4 مليار دولارالصادرات المصرية إلى دول البريكس ترتفع 31.5% خلال عام 2024جذب الاستثمارات الأجنبية 

وأضاف أن التقارب مع مجموعة بريكس يساعد في الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة الاقتصادية والاستثمارية في مصر خلال السنوات الأخيرة، ما يعزز فرص جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

وأكد أن التكتل من شأنه أن يكسر هيمنة الغرب وينهي نظام القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية. مضيفًا أن وجود مصر في تجمع بريكس يمثل قوة كبيرة للاقتصاد المصري خلال السنوات القليلة القادمة، لأنه يضم العديد من الدول الكبرى على مستوى العالم، على رأسها الصين.

مشروعات مستقبلية  

وأشار الجمل إلى أن مصر تتطلع إلى جذب عدد كبير من المشروعات المستقبلية، وخاصة مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية والبنية التحتية من كبار المستثمرين العالميين ورواد الأعمال في دول بريكس، بالإضافة إلى زيادة عدد السياح القادمين إلى مصر، ولا سيما في ظل تطلع الدولة المصرية لجذب 30 مليون سائح بحلول 4 سنوات.

وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، جاء الإعلان عن انضمامها إلى بريكس اعتباراً من يناير 2024، بمثابة نقطة ضوء تلقاها المصريون بترحيب وتفاؤل كبيرين.

طباعة شارك الأدوات الكهربائية بريكس فتح أسواق جديدة لعلاقات الاقتصادية الاستثمارات الأجنبية

مقالات مشابهة

  • أمريكا تعزز تحالفها الدفاعي مع الهند وتخفف قيود التصدير للصين وتصعّد مع كوريا الشمالية
  • ارتفاع تلوث الطاقة بأميركا مع توسع استخدام الفحم
  • لتعزيز الحوار بين الثقافات.. موسكو تستضيف حفل إطلاق جائزة بريكس الأدبية الدولية الجديدة
  • أميركا تلغي قيودا على تصدير برمجيات للصين ضمن اتفاقية تجارية
  • ترامب يحقق انتصارا تشريعيا بقانون الضرائب والإنفاق.. ماذا تعرف عنه؟
  • القطرية توسع شبكة وجهاتها وتعزز الربط الجوي العالمي بتسيير رحلات جوية مرة أخرى إلى مالطا
  • «محاكم أبوظبي العالمي» توسع نطاق برنامج الوساطة التطوّعي
  • جيوبوليتيك من الجنوب: دعوة لتحرر الوعي وبناء مشروع حضاري جديد
  • انتصاراً لغزة .. اليمن يواجه العدو الصهيوني بقراره الحر وسلاحه السيادي
  • رئيس شعبة الأدوات الكهربائية: انضمام مصر لتجمع بريكس ساهم في التخفيف من آثار حدة الأزمات العالمية