من يقف وراء حظر الاحتفالات الإسلامية في خوميا الإسبانية؟
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
أحدث قرار بلدية إسبانية بحظر الاحتفالات الإسلامية في المرافق العامة صدمة واسعة في البلاد، إذ يأتي عقب أيام قليلة شهدت تصاعد العنف العنصري ضد المهاجرين في المنطقة نفسها.
وقد أثار القرار، الأول من نوعه في إسبانيا، موجة استنكار من الأحزاب اليسارية، بما في ذلك الحزب الاشتراكي الحاكم، ومن المنظمات الإسلامية التي اعتبرته تحولا خطِرا في التعامل مع المسلمين.
وفي الوقت نفسه، رحّب به حزب فوكس اليميني، معتبرا أن إسبانيا "أرض للشعب المسيحي"، بينما دفعت تداعيات القرار السلطات إلى فتح تحقيق رسمي لكشف خلفياته وتداعياته على المجتمع الإسباني.
نتناول في هذا التقرير دلالات هذا القرار وخلفياته والسياق الذي يتنزل فيه والجهات التي تقف خلفه والموقف الحكومي الرسمي منه، وتأثيره على المسلمين في إسبانيا.
حسب صحيفة "إلباييس" الإسبانية في تقرير نشرته في 6 أغسطس/آب الجاري فقد أصدرت بلدية خوميا -ذات التاريخ الإسلامي العريق والواقعة جنوب شرقي إسبانيا- قانونا يمنع المسلمين من استخدام المرافق العامة، مثل المراكز المجتمعية والصالات الرياضية، للاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى، لتكون بذلك أول بلدية في البلاد تتخذ مثل هذا القرار.
ومُرر القرار بمبادرة من الحزب الشعبي المحافظ الذي يدير البلدية المذكورة وبموافقة ضمنية من حزب اليمين المتطرف فوكس الذي امتنع عن التصويت، في حين عارضته الأحزاب اليسارية المحلية.
وينص القرار على أن "المنشآت الرياضية للبلدية لا يمكن استخدامها لأنشطة دينية أو ثقافية أو اجتماعية لا تعكس هوية المدينة، ما لم تكن بتنظيم من السلطات المحلية".
ووفقا للصحيفة، فإن من يقف خلف القرار، هما حزب الشعب المحافظ وحزب فوكس اليميني المتطرف، حيث نص الاقتراح، الذي قدّمه أولا حزب فوكس وعدّله لاحقًا حزب الشعب، على تعديل لوائح استخدام المرافق البلدية، وهي أماكن اعتاد المسلمون استخدامها سنوات لإقامة صلواتهم الجماعية في ساعات الصباح الأولى من العيدين.
إعلانوقد تم إقرار التعديل في 28 يوليو/تموز بأغلبية 10 أصوات مؤيدة من حزب الشعب (مع صوت رئيس البلدية المُرجِّح)، وامتناع العضو الوحيد في المجلس عن التصويت من حزب فوكس، و9 أصوات معارضة من حزب العمال الاشتراكي الإسباني، إضافة إلى صوت عضو المجلس من تحالف "بوديموس".
نقل تقرير مراسلة نيويورك تايمز في مدريد خوسيه باوتيستا بعنوان "جدل في إسبانيا في حظر التجمعات الإسلامية" أن قسم حزب فوكس اليميني المتطرف نشر على صفحته على موقع إكس أنه "تمت الموافقة على أول إجراء في إسبانيا يحظر الاحتفال بالأعياد الإسلامية في الأماكن العامة، وأن "إسبانيا كانت وستظل دائما أرضا ذات جذور مسيحية!".
وجادل عضو مجلس حزب فوكس "خوان أغستين كاريو" الذي قدم اقتراح الحظر بأن القرار يدافع عن "تقاليد إسبانيا في مواجهة الهجوم الأيديولوجي المستمر من اليسار لفرض عادات غريبة عن هويتنا"، وقال: "من الآن فصاعدًا، لن نحتفل بنهاية شهر رمضان ولا بصلاة الأضحى".
وحسب صحيفة "إلباييس"، فإن القرار يستهدف منع الاحتفال بأهم عيدين إسلاميين ويحظر على وجه الخصوص إقامة صلوات جماعية بمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى في المرافق التابعة للبلدية.
وتنقل الصحيفة عن مؤلف كتاب "الإسلام في مورسيا" باولينو روس أنه على مدار الأعوام الماضية احتفل المسلمون بأعيادهم وسارت الأمور طبيعيا دون أي مشكلات.. ومع ذلك يريدون حظر هذه المناسبات، حيث يأتي الناس إلى الصلاة؛ ولا يوجد ما هو أكثر هدوءا منها".
وفي ذات السياق يؤكد تقرير نشرته المحطة الإسبانية السادسة "لاسيكستا" أنه من المفارقة أن فعاليات احتفال المسلمين بعيدي الفطر والأضحى التي يسعى حزب فوكس إلى حظرها، هي الفعاليات الوحيدة التي تقام في المدينة دون الإبلاغ عن أي حوادث تسجل فيها.
واعتبر التقرير أن قرار حظر الفعاليات الإسلامية يجعل هذه البلدية الأكثر عداء للأجانب، بل إن خوميا تُمهّد بقرارها الطريق لمأسسة كراهية الأجانب بكونها أول مجلس يُقرّ إجراءً ينتهك الحرية الدينية التي يُكرّسها الدستور الإسباني.
وأوضح تقرير محطة "لاسيكستا" أن القرار يأتي في سياق حملة ممنهجة ضد الأجانب يقوم بها حزب فوكس برئاسة سانتياغو أباسكال، فقد أشعل قبل أسابيع قليلة، بخطابه العنصري، حملة لملاحقة المهاجرين في توري باتشيكو، حيث نظّمت جماعات متطرفة مختلفة -بدعم من الحزب- حملة مطاردة ضد الجالية ذات الأصول الشمال أفريقية المقيمة في المنطقة، مما تسبب في حالة من الفلتان وزعزعة الاستقرار استمرت 5 أيام.
في تصريح لصحيفة "إلباييس" ندد منير بن جلون رئيس الاتحاد الإسباني للهيئات الدينية الإسلامية بالقرار واعتبره يشكل تهديدًا مُتكررًا من اليمين المُتطرف ضد الدين الإسلامي، مضيفا: "إنهم لا يستهدفون ديانات أخرى، بل ديانتنا، هذا اقتراح معاد للإسلام، إنه لائحة تمييزية تمنع المسلمين فقط من الاستمتاع بأعيادهم".
إعلانوقالت خوانا غوارديولا، العمدة السابقة للبلدية والمتحدثة باسم الحزب الاشتراكي في خوميا: "إنهم يقولون إن التعديل للحفاظ على الهوية، ولكن ماذا يقصدون بالهوية؟ وماذا عن الإرث الإسلامي في مدينتنا منذ مئات السنين؟ لم نواجه أي مشكلات قط، إذن هذا هراء".
وردّت المتحدثة باسم الحكومة المحلية لحزب الشعب في خوميا، ماري كارمن كروز على نشر الخبر، مؤكدةً أن حظر هذه الاحتفالات "غير قانوني".
ووصفت مصادر من وزارة العدل قرار حزب الشعب وحزب فوكس في خوميا بأنه "مثال جديد على التطرف والانحراف الإقصائي للحكومات اليمينية نحو اليمين المتطرف".
وحسب تقرير موقع يورونيوز عن الموضوع فإن مدينة خوميا، كانت تاريخيا جزءا من الإمبراطورية الرومانية قبل أن تخضع للسيطرة العربية الإسلامية في القرن الثامن، وظلت مدينة ذات غالبية عربية مسلمة قرونا عدة.
وفي منتصف القرن الثالث عشر، اجتاحتها قوات الملك ألفونسو العاشر من قشتالة، ورغم توقيع اتفاقية نصّت على احترام حقوق السكان المحليين، إلا أن هذا الاتفاق انهار سريعًا بوفاة ألفونسو، لينتهي بذلك الوجود العربي الإسلامي فيها.
ويتجلى الحضور الإسلامي في إسبانيا وفي معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية من خلال المعالم الأثرية الكبرى مثل قصر الحمراء في غرناطة وقصر إشبيلية وغيرها من القصور التي شُيدت في عهد الحكم الإسلامي.
وفي عصرنا الحاضر استقطبت مدينة خوميا مجموعات من المهاجرين خصوصا من دول المغرب العربي، ونقلت مراسلة نيويورك تايمز عن عضو المفوضية الإسلامية في إسبانيا هشام ولد محمد، في مقابلة صحفية "إن هناك أكثر من 3000 مسلم في خوميا يمثلون نحو 12% من السكان".
وأوضح أنه تحدث مع قادة مسلمين في خوميا، وأخبروه أنهم لم تحدث من قبل أي مشكلات في الاحتفالات بالأعياد الدينية في الأماكن الرياضية والأماكن العامة، بما فيها احتفالات هذا العام التي مرت بسلام.
وقال ولد محمد إنه لا يعرف ما "التقاليد التي يتحدثون عنها"، لكن يبدو واضحا "أنهم يخاطبون الجالية المسلمة التي يصفونها بأنها جالية أجنبية، رغم أن المسلمين في البلاد مواطنون إسبان".
حسب تقرير للصحفي بودوين موكاديل من جريدة "لو جورنال دي جيدي" الفرنسية فإن الحكومة الاشتراكية في إسبانيا طلبت من بلدية خوميا سحب قرارها بحظر الفعاليات الإسلامية.
ونقلت الصحيفة تغريدة لوزير السياسات الإقليمية، أنخيل فيكتور توريس، على موقع إكس أكد فيها أنه بالنسبة لمدريد فإن حرية العبادة هي التي تُهدد بهذا الحظر.
وفي ذات السياق، أورد تقرير لمراسلة نيويورك تايمز في مدريد خوسيه باوتيستا، أن الحكومة الإسبانية أدانت، الخميس الماضي، الحظر الذي فرضته مدينة خوميا على إقامة الاحتفالات الدينية في المرافق الرياضية البلدية.
واستنكر مسؤولو الحكومة الإسبانية قرار الحظر، ووصفته وزيرة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة إلما سايز بأنه "اقتراح عنصري تمامًا"، وقالت في مقابلة لتلفزيون إسبانيا، إن الدستور الإسباني يحمي "حرية العبادة، والاحترام، وعدم التمييز على أساس الدين".
ووصف وزير العدل فيليكس بولانيوس، مشروع القانون بأنه "مخالف للدستور".
وتعتبر مراسلة نيويورك تايمز، أنه مما زاد الاهتمام بقرار حظر التجمعات الإسلامية في إسبانيا أنه يندرج ضمن قضايا أوروبية مثيرة للجدل تدور عن الهجرة والقومية.
وحسب موقع "كادينا سير" الإخباري الإسباني فقد فتح أمين المظالم في إسبانيا أنخيل غابيلوندو، تحقيقًا رسميًا، يوم الجمعة الماضي، طالبًا معلومات من رئيس بلدية خوميا، سيفيرا غونزاليس، بشأن قرار حظر الاحتفالات الإسلامية في الملاعب الرياضية التابعة للبلدية.
إعلانوتُفصّل الرسالة الصادرة عن أمين المظالم، أن هذه المعلومات مطلوبة من رئيس بلدية خوميا "مع بيان التدابير المُعتزم اتخاذها لتسهيل ممارسة الشعائر الدينية للطوائف الدينية التي ـ نظرًا لخصائصها الفريدة ـ يجب إقامتها في أماكن عامة مثل المراكز الرياضية".
ورفض أعضاء الحزب الشعبي، الحزب المحافظ الذي أقر الحظر هذه الاتهامات، وقال القيادي الكبير في الحزب خايمي دي لوس سانتوس: "هذا باطل"، مؤكدًا أن حزبه "لا يستهدف أي شخص بناءً على معتقداته، وأن القرار "لا يتضمن أي إشارة إلى أي دين أو شعيرة".
لكن مراسلة نيويورك تايمز في تقريرها تبطل هذا الادعاء، وتؤكد أن مؤيدي حزب فوكس الذي اقترح الحظر، أعلنوا دعمهم القرار بعبارات معادية للمسلمين بصراحة.
يتوقع مراقبون أن يواجه القرار طعونًا قانونية، خاصةً أنه يتعارض مع المادة 16 من الدستور الإسباني، التي تضمن حرية الفكر والمعتقدات الدينية، وتنص على أن أي تقييد لتلك الحريات يجب أن يكون فقط لأسباب تتعلق بحفظ النظام العام.
لكنّ المراقبين اعتبروا القرار تذكيرا مؤلما بالخطاب المعادي للمسلمين، وخاصة من اليمين المتطرف، الذي تصاعد تزامنا مع المشاعر المعادية للمهاجرين في إسبانيا، حيث يتحدر العديد من المهاجرين من شمال أفريقيا.
ويعتبر محللون أن ما يحدث في إسبانيا، هو امتداد لمسار بدأ في السنوات الأخيرة، إذ تشكلت تحالفات محلية بين حزب الشعب اليميني الوسطي وحزب فوكس اليميني المتطرف، وهو ما يصفه المحللون بأنه تحول اجتاح معظم دول أوروبا، مع توجه الأحزاب المحافظة الرئيسية نحو اليمين، خاصة في مسألة الهجرة.
فقد حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة انتصارات في فرنسا وألمانيا العام الماضي في انتخابات البرلمان الأوروبي، حتى أن بعض القادة اليساريين، مثل رئيس الوزراء البريطاني، تعهدوا بالحد من الهجرة استجابةً لضغوط اليمين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الإسلامیة فی فی إسبانیا فی المرافق حزب الشعب من حزب التی ت
إقرأ أيضاً:
نائب:انعدام التوافق السياسي وراء موت البرلمان الحالي
آخر تحديث: 14 غشت 2025 - 11:40 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- اوضح النائب الاطاري حسين البطاط، الخميس، أسباب عرقلة عدم انعقاد جلسات البرلمان في الاونة الاخيرة، لافتا الى ان بعض الجلسات تخلو من القوانين الجدلية ولكنها تعرقلة ولا تعقد بالشكل الطبيعي.وقال البطاط في تصريح صحفي، ان “بعض جلسات البرلمان تم اعاقتها بشكل متعمد من اجل ضمان عدم تمرير القوانين المدرجة على جدول اعمالها، وهناك جلسات لاتحتوي على اي قوانين جدلية ورغم ذلك اعيقت ولم تستمر في الانعقاد”.واضاف ان “بعض القوانين تعتبر جدلية وتحتاج الى توافق بين مختلف الاطراف السياسية قبل المضي في طرحها داخل البرلمان من اجل قراءتها وتشريعها”.وبين ان “ماشهدته الجلسة الاخيرة للبرلمان لم يكن بسبب وجود قوانين جدلية او تحتاج الى توافق سياسي من اجل تمريرها، بل جدول اعمال طبيعي خالي من القوانين الجدلية، الا ان تغيب النواب حال دون تشريع القوانين”.