دكاترة تونس.. مسيرة علمية طويلة تنتهي على قارعة الطريق
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
تونس – على رصيف مبنى وزارة التعليم العالي التونسية، يفترش عشرات من حاملي شهادة الدكتوراه الأرض في اعتصام مفتوح انطلق منذ أيام للمطالبة بحقهم في التشغيل وإنهاء معاناتهم مع البطالة، بعد أن فقدوا الأمل في وعود رسمية برفع المظلمة عنهم عقب مسيرة علمية طويلة ومضنية انتهت بهم إلى قارعة الطريق.
والاعتصام المفتوح الذي يخوضه هؤلاء الدكاترة ليس حدثا معزولا، بل حلقة جديدة في سلسلة احتجاجات مستمرة في تونس تنبع من مطالب العديد من الفئات في المجتمع للحصول على حقهم في العمل، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر وارتفاع الأسعار، ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي مشحون.
وعاد ملف الدكاترة الباحثين إلى واجهة الجدل بعد فترة هدوء نسبية فرضها تعهد رسمي من الرئيس قيس سعيد منذ فبراير/شباط الماضي بتسوية هذا الملف، لكنه ظل يراوح مكانه دون إجراءات ملموسة تُترجم تلك الوعود إلى واقع فعلي وتنهي معاناة حاملي شهادة الدكتوراه.
عقود هشةلا توجد حاليا إحصاءات رسمية عن عدد الدكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل في تونس، إذ لم تنشر وزارة التعليم العالي أية أرقام رغم إنشاء منصة إلكترونية لحصر أعدادهم والمناصب الشاغرة في الجامعات ومراكز البحث. ويتهمها الدكاترة بالتكتم عن أعدادهم التي تُقدّر بالآلاف.
يواجه ماهر السايحي أحد الدكاترة المعتصمين القادمين من محافظة القصرين (جنوبي غربي البلاد) وضعا صعبا بسبب البطالة والعقود الهشة. فبعد سنوات من العمل مدرسا متعاقدا مع الوزارة، أحيل على البطالة بعد 3 سنوات فقط، لأن الوزارة تحدد سقف التعاقد بثلاث سنوات.
يقول ماهر للجزيرة نت إن وزارة التعليم العالي وضعت هذا السقف عن قصد لتجنب توظيف حاملي شهادة الدكتوراه، لأن قانون الشغل كان سيمكنهم من الانتداب إذا استمر التعاقد معهم 4 أعوام.
ويشير إلى أن العقود المفتوحة للدكاترة مؤقتة وهشة، ولا توفر أي استقرار وظيفي، وأن بعضهم يضطر للعمل بساعات تدريس عرضية مقابل أجر سنوي لا يتجاوز 500 دولار، مما يجعل وضعيتهم الاجتماعية صعبة جدا ويبعدهم عن ممارسة مهامهم العلمية وفق كفاءتهم ومستواهم الأكاديمي.
إعلانويضيف أن بعض زملائه درسوا تخصصات مثل علوم التربية والتعليم لمدة 3 سنوات، وعند تخرجهم يتم دمجهم مباشرة في الحياة المهنية، في حين يُحال الدكاترة الذين كرسوا 3 سنوات في التدريس بمقتضى عقود محددة الزمن، على البطالة. وهذه الوضعية تضعهم في موقف مربك ومحبط.
وتواجه مطالب الدكاترة الباحثين -وفق السايحي- بصمت وزارة التعليم العالي. فرغم جهودهم لإنشاء منصة لحصر أعدادهم وتحديد الوظائف الشاغرة في الجامعات ومراكز البحث، فإن الوزارة لم تُعلن أي أرقام رسمية، وتتجنب الإفصاح عن حقيقة أن عدد الشواغر يفوق بكثير عدد الدكاترة.
ولئن كان الرئيس سعيد تعهد بحلحلة ملفهم وتوظيف 5000 منهم في دفعة أولى، على أن تُستكمل بقية الدفعات لاحقا، فإن السايحي يؤكد أن هذه التعهدات لم تُترجم إلى واقع عملي ولم يطرأ أي تقدم ملموس، مما دفع الدكاترة إلى العودة للاحتجاج والاعتصام المفتوح أمام مقر الوزارة.
بدوره، يشارك بوجمعة حاجي -دكتور في اللغة العربية اختصاص الحضارة من محافظة سوسة- في الاعتصام منذ بداية الأسبوع الجاري، وهو يعكس صورة معاناة دكاترة جدد تخرجوا قبل نحو 3 سنوات، وهو يدرّس منذ فترة بصفة تعاقدية مع جامعة المنستير، لكنه سيحال على البطالة بعد انقضاء 3 أعوام.
ويقول للجزيرة نت إن مطالبهم تتجاوز مجرد الاعتراف بوضعهم، وتشمل تسوية أوضاعهم وانتدابهم بشكل استثنائي في الوظيفة العمومية وفق تعهدات الرئيس حتى لا تبقى حبرا على ورق، مؤكدا أن البطالة التي يعانونها ليست من صنعهم، بل نتيجة قرارات خاطئة للوزارة والدولة تتجاوز مسؤوليتهم.
وذكّر دكاترة بأن رئاسة الجمهورية نشرت تدوينة على صفحتها يوم 14 فبراير/شباط الماضي بعد اجتماع سعيد مع وزيري التعليم العالي والتربية، تنص على حل ملف الدكاترة وانتداب 5000 منهم كدفعة أولى في التدريس، مع استكمال بقية الدفعة في مرحلة ثانية، "لكن الوعود لم تتحقق على أرض الواقع".
بدورها، تروي بثينة الخليفي الحاصلة على الدكتوراه في الفيزياء منذ 7 سنوات معاناتها، إذ تعمل في اختصاص بعيد عن اختصاصها العلمي. وتقول "أعمل منذ سنوات أستاذة تعليم ابتدائي، رغم أنني حاصلة على شهادة دكتوراه في الفيزياء، ولم أتمكن من العمل في اختصاصي طوال هذه الفترة".
التفاف وتسويفوتشارك بثينة في الاعتصام للاحتجاج على ما تصفه بعدم الاهتمام بوضعية حاملي الشهادات العليا من قبل وزارة التعليم العالي. وتضيف "نحن هنا للمطالبة بحقنا في التوظيف بما يتناسب مع مستوى شهاداتنا العلمية. هذا التحرك ليس جديدا، فقد انطلقت أولى الاحتجاجات منذ الحكومات المتعاقبة السابقة، لكن الملف ظل محاطا بالالتفاف والتسويف، ولم يحقق أي تقدم".
وتنتقد هذه الشابة طريقة وزارة التعليم العالي في توظيف الدكاترة، مشيرة إلى أن فرص الحصول على وظيفة دائمة تتم عبر اختبارات رسمية (مناظرات) نادرة جدا و"غير شفافة"، وتحدث مرة كل بضع سنوات، ويُوظف عبرها عدد قليل جدا.
إعلانوفي جلسة برلمانية عقدت مؤخرا لتوجيه أسئلة لوزير التعليم العالي منذر بلعيد، انتقد عدد من النواب ما اعتبروه اعتمادا مفرطا على العقود الوقتية في تشغيل الدكاترة وخريجي الجامعات، داعين إلى ضرورة إيجاد حلول دائمة لهذه المشكلة.
وخلال تلك الجلسة، تعهد الوزير بدعم تشغيل الدكاترة من خلال إتاحة فرص التدريس في الجامعات، مؤكدا تفاعل الوزارة الإيجابي مع المبادرات التشريعية الداعية إلى تطوير التعليم العالي الخاص لتوظيف الدكاترة.
وترتفع نسبة البطالة لدى أصحاب الشهادات العليا من مجموع المعطلين عن العمل إلى حدود 24%، وفق المعهد الوطني للإحصاء. وتبلغ نسبة البطالة في تونس حاليا 15.7%.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات وزارة التعلیم العالی
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي يشهد انطلاق المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث (صور)
شهد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، انطلاق فعاليات المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025 خلال الفترة من 11 إلى 12 ديسمبر 2025 بالعاصمة الجديدة.
جاء ذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وبحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، والسيد الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل،.
وحضر الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة، والدكتور محمد جبران وزير العمل، والمهندس محمد شيمي وزير قطاع الأعمال العام، والدكتور عبد المجيد بنعمارة أمين اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، الدكتورة مارغريت هامبورغ الرئيس المشارك لهيئة الشراكة بين الأكاديميات، المستشار الوزراي ماريا ميشيلا لاروتشيا، نائب رئيس البعثة بسفارة إيطاليا في مصر بالنيابة عن السفير الإيطالي، دكتور ماسريشا فيتيني الرئيس المشارك لهيئة الشراكة بين الأكاديميات، والدكتور حسام عثمان نائب الوزير لشؤون الابتكار والذكاء الاصطناعي والبحث العلمي، والدكتورة جينا الفقي القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ولفيف من كبار المسؤولين ورؤساء الجامعات والقيادات الأكاديمية.
خطوة محورية نحو بناء اقتصاد قائموأكد وزير التعليم العالي أن المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025 يمثل خطوة محورية نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتعزيز دور البحث العلمي كقاطرة للتنمية الصناعية والاستثمارية، مؤكدًا أن تنظيم هذا الحدث الدولي تحت رعاية رئيس الجمهورية يعكس إيمان القيادة السياسية الكامل بقدرة العلماء والباحثين المصريين على تقديم حلول مبتكرة للمجتمعات والأسواق، وبناء جسور تعاون دولي تسهم في توفير فرص اقتصادية وصناعية جديدة.
وأضاف وزير التعليم العالي أن ذلك يمثل رسالة واضحة بأن مصر لم تعد مجرد دولة مستقبلة للتكنولوجيا، بل أصبحت شريكًا فاعلًا في صناعتها وتطويرها وتصديرها، مشيرًا إلى أن المعرض سيُحدث نقلة نوعية في الربط بين مخرجات البحث العلمي واحتياجات الصناعة، عبر آليات تشبيك دولية متقدمة تجمع الباحثين مع الشركات العالمية والمستثمرين وصُنّاع القرار.
وأكد وزير التعليم العالي أن نتائج هذا التجمع الدولي ستنعكس بصورة مباشرة على دعم الابتكار، وتوطين التكنولوجيا، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة المصرية، لافتًا إلى أن المشاركة الواسعة من أكثر من 80 دولة تعكس المكانة المتنامية لمصر على خريطة البحث العلمي والابتكار، وتعزز ريادتها في الدبلوماسية العلمية والتكنولوجية.
ووجه وزير التعليم العالي الدعوة للمؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية، للاستفادة من هذه المنصة الدولية، مؤكدًا أن مصر تمضي بخطى واثقة نحو بناء بيئة ابتكار عالمية المستوى، قادرة على تحويل الأفكار إلى منتجات، والبحوث إلى استثمارات، بما يدعم التنمية الاقتصادية ويعزز المكانة الدولية للدولة المصرية.
وأكدت الدكتورة جينا الفقي، القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن تنظيم هذا الحدث العلمي الدولي تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي يُجسّد التزام الدولة بتعزيز منظومة الابتكار ودعم الباحثين وربط مخرجات البحث العلمي بقطاعات الصناعة والإنتاج، وأضافت أن المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025 يشهد مشاركة واسعة من أكثر من 80 دولة، وهو ما يعكس مكانة مصر المتنامية على خريطة البحث العلمي والتكنولوجيا عالميًا، مشيرة إلى أن المعرض يمثل منصة حيوية لربط العلم بالصناعة، وبيئة متكاملة لتعزيز فرص التعاون الدولي وتطوير شراكات استراتيجية بين الجامعات والمراكز البحثية والشركات الصناعية والمستثمرين، بما يسهم في تحويل الابتكارات إلى منتجات ذات جدوى اقتصادية.
وأوضحت د. جينا أن الأكاديمية تتطلع من خلال هذا الحدث إلى دعم توجه الدولة نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية عبر الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار، مؤكدة أن تنظيم هذا المعرض يأتي في وقت محوري يعزز جهود الدولة في بناء بنية تحتية معرفية متقدمة، وخلق بيئة ابتكار قادرة على مواجهة التحديات المحلية والعالمية، مشددة على أن الأكاديمية تعمل على تعظيم القيمة الاقتصادية للمخرجات البحثية عبر ربطها بالشركاء الصناعيين والمستثمرين، بما يضمن تحقيق تأثير مباشر ومستدام على القطاعات الإنتاجية المختلفة، ويدعم مسيرة التنمية المستدامة في مصر.
ويشهد المعرض مشاركة وفود رسمية وعلمية، حيث يشارك أكثر من 200 مشارك دولي من أكثر من 80 دولة من أوروبا وآسيا وإفريقيا، تشمل ممثلين حكوميين، ورؤساء شركات عالمية، وجامعات، ومراكز بحثية، ومستثمرين ورواد أعمال، كما سيتم توقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، وإطلاق مبادرات مشتركة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، فضلًا عن العديد من ورش العمل، والجلسات الحوارية المفتوحة.
ويشكل معرض IRC EXPO 2025، أول منصة دولية من نوعها في المنطقة تربط بين مخرجات البحث العلمي بالاستثمار والصناعة، وتعزز الموقع الإقليمي والدولي لمصر في مجالات الابتكار واقتصاد المعرفة.
وأوضح الدكتور عادل عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن المعرض يعد خطوة استراتيجية نحو تحويل مصر إلى مركز دولي لإطلاق وتطبيق الحلول الابتكارية، عبر تمكين الدول المشاركة من عرض تحدياتها البحثية وربطها بحلول علمية وتكنولوجية مبتكرة متاحة لدى الجامعات والمراكز البحثية والشركات العالمية.
وأضاف المتحدث الرسمي أن المعرض يركز على مجموعة من القطاعات التكنولوجية المحورية، تشمل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية والصحة، والطاقة المتجددة، والصناعة المتقدمة، والتكنولوجيا الزراعية، والأمن السيبراني، والمدن الذكية، والإلكترونيات الدقيقة، وغيرها من المجالات الواعدة الداعمة للتنمية الاقتصادية المستقبلية.
وأضاف أن هذا الحدث يعزز مكانة مصر الدولية في الابتكار والدبلوماسية العلمية، حيث يعتبر فرصة مهمة لإبراز ما حققته مصر خلال السنوات الأخيرة في منظومة البحث العلمي والابتكار، فضلًا عن تعزيز حضور الدولة المصرية كمنصة دولية قادرة على صياغة التوجهات التكنولوجية المستقبلية، بما يدعم بناء اقتصاد معرفي ويفتح آفاق تعاون وشراكات جديدة مع الدول والمنظمات المشاركة.
كما شارك بالحضور لواء ا. حرب محمد احمد الليثي نائب مدير الاكاديمية العسكرية لكلية الدفاع الجوي بالنيابة عن مدير الاكاديمية العسكرية، ومدير الكلية الفنية العسكرية.
يذكر أن معرض IRC EXPO 2025 نظمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (ASRT)، بالتعاون مع عدد من الجامعات والمراكز البحثية الوطنية، وعدد من الشركاء الدوليين والإقليميين الداعمين للتطوير التكنولوجي ونقل المعرفة، إلى جانب مؤسسات عالمية متخصصة في الابتكار وريادة الأعمال، مما يعزز تكامل الأدوار ويضمن تنفيذ فعاليات المعرض وفقًا لأعلى المعايير الدولية، وتسهم هذه الشراكات في توفير منصات مشتركة للبحث والتطوير، وتسهيل التواصل بين الجهات العلمية والصناعية، ودعم مبادرات التعاون في المجالات التكنولوجية المتقدمة.