العراق ولبنان كساحات اختبار للنفوذ الإيراني
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
آخر تحديث: 17 غشت 2025 - 9:40 ص بقلم:مالك الحافظ- كاتب وباحث سوري تأتي الزيارة الخارجية الأولى لعلي لاريجاني، أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، إلى بغداد وبيروت في لحظة تزداد فيها مؤشرات إعادة فرز موازين القوى في المشرق العربي. من حيث الشكل، يمكن النظر إلى هذه الجولة باعتبارها محاولة لإظهار الحضور، لكن من حيث الجوهر، تعكس الزيارة انشغال طهران بإعادة ترتيب مواقعها في ساحات نفوذ باتت أكثر هشاشة وأقل قابلية للضبط.
في بغداد، تبدو أهداف لاريجاني مرتبطة بالدرجة الأولى بملف الحشد الشعبي وما يمثله من ذراع عسكرية وسياسية لإيران. غير أن السياق العراقي الراهن يختلف عن سنوات ما بعد 2014، حيث لم يعد الإجماع الشيعي على دور الحشد قائماً، وتزايدت الأصوات، سواء من داخل القوى الشيعية أو من الكتل السنية، التي ترى في استمرار تمدده تهديداً لبنية الدولة. زيارة لاريجاني، بهذا المعنى، ليست تأسيساً لجديد بقدر ما هي محاولة لمنع اهتزاز وضع قائم. وفي ظل مؤشرات التوتر مع واشنطن وضغوط داخلية على الحكومة العراقية، يصبح الحفاظ على صيغة النفوذ الحالية أكثر صعوبة، خاصة أن بغداد تتحرك أحياناً في اتجاهات متعارضة مع مصالح طهران، سواء في مجال الطاقة أو في ملفات الانفتاح الإقليمي. أما في بيروت، فتتزامن الزيارة مع قرارات رسمية لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يضع إيران أمام معضلة في واحدة من أهم ساحات نفوذها غير الرسمي. الجدل اللبناني حول هذا القرار لم يعد مقتصراً على الخطاب السياسي، بل بدأ يتخذ مسارات إجرائية، ما يعني أن قدرة طهران على تعطيل المسار أصبحت مرتبطة بمدى قدرتها على التأثير في حسابات القوى المحلية، وليس بمجرد الضغط السياسي. هنا، تظهر الزيارة كمحاولة لتأجيل الحسم أو إدخال الملف في بازار تفاوضي أوسع، سواء عبر إطالة أمد القرارات، أو ربطها بملفات تفاوضية أكبر، خصوصاً في ظل تزايد الإشارات عن عودة القنوات الخلفية بين طهران وواشنطن. تسعى إيران من خلال هذه الزيارة إلى إرسال رسائل خارجية تؤكد قدرتها على المبادرة والحركة في الإقليم، إلا أن هذا الخطاب الخارجي يتناقض مع واقع داخلي ضاغط، تتداخل فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذا التباين بين صورة الخارج وحقائق الداخل يكشف عن أن جزءاً من الحراك الدبلوماسي الإيراني يهدف إلى تعويض الفجوات الداخلية عبر عرض مظاهر الحضور والنفوذ في الساحات الخارجية، وهو تكتيك شائع لدى القوى التي تواجه تحديات شرعية داخلية.
إذا كان الهدف المعلن هو التعاون الإقليمي وتجنب الفوضى، فإن القراءة الأعمق تشير إلى أن الزيارة تتحرك في بيئة إقليمية تغيرت معطياتها: عراق يبحث عن توازنات جديدة، لبنان يقترب من استحقاقات سياسية وأمنية حساسة، ومشهد إقليمي يشهد إعادة صياغة تحالفات في ضوء ملفات الطاقة والحدود والأمن البحري.
في مثل هذه البيئة، يصبح التحرك الإيراني أقرب إلى إدارة موقع دفاعي منه إلى توسع هجومي، حيث تتركز الجهود على تحصين مواقع النفوذ الحالية أمام ضغوط داخلية وخارجية، بدلاً من السعي لفتح جبهات جديدة.الجولة التي شملت بغداد وبيروت في وقت متقارب تعكس إدراكاً إيرانياً بأن مساري النفوذ في البلدين مترابطان من حيث الأثر السياسي: أيّ اهتزاز في إحدى الساحتين يمكن أن يُستثمر ضد إيران في الأخرى. لكن هذا الترابط، بدلاً من أن يكون مصدر قوة، قد يتحول إلى نقطة ضعف، إذ يجعل النفوذ عرضة لتأثيرات خارجية متزامنة، ويضاعف كلفة الحفاظ عليه. يُظهر مسار السياسة الإقليمية الإيرانية أن عنصر الزمن ليس مجرد سياق تتحرك فيه، وإنما أداة بحد ذاتها لإدارة الملفات الشائكة. زيارة لاريجاني إلى بغداد وبيروت يمكن قراءتها ضمن ما يعرف في العلوم السياسية بـ”سياسات المماطلة”، حيث يُستثمر الوقت لإطالة أمد الأزمات أو تأجيل استحقاقاتها، بما يسمح بإعادة تشكيل البيئة السياسية بما يخدم بقاء نفوذ قائم أو كسب نقاط تفاوضية. هذا النهج يمنح الفاعل الخارجي فرصة لمراقبة ديناميكيات القوى المحلية وتحديد اللحظة المناسبة للتدخل، لكنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى تراكم أزمات يصعب ضبطها لاحقاً. الحفاظ على مواقع النفوذ لا يقل كلفة عن بنائها، بل قد يكون أكثر استنزافاً، خصوصاً في بيئات سياسية هشّة. إيران، في العراق ولبنان، تواجه ما يمكن تسميته بـ”عبء الهيمنة”، حيث يتطلب استمرار حضورها توجيه موارد مالية وبشرية وسياسية ضخمة، مقابل مكاسب غير مضمونة. هذا العبء يصبح مضاعفاً حين تتزامن الأزمات المحلية في ساحات النفوذ مع أزمات داخلية في مركز القرار، ما يجعل استدامة هذا النمط من الحضور محل شكوك متزايدة. زيارة علي لاريجاني تحمل في ظاهرها رسائل ثقة واستمرارية، لكنها في عمقها محاولة لتأجيل استحقاقات صعبة في العراق ولبنان، وشراء الوقت قبل أيّ تحولات قد تقلص من قدرة طهران على المناورة. وفي حين تُقدَّم الجولة كجزء من دبلوماسية التعاون، فإن حقيقتها تبدو أقرب إلى مسار وقائي يسعى لتقليل الخسائر المحتملة في ساحات بدأت تتغير معادلاتها الداخلية، ولو ببطء.المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الجيش الإيراني يحذر أمريكا وإسرائيل من مغبة أي مغامرة جديدة ضد بلاده
16 غشت، 2025
بغداد/المسلة: جددت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اليوم السبت، تحذيرها لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أي مغامرة جديدة ضد طهران.
وذكرت وكالة “إرنا”، مساء اليوم السبت، أن هيئة أركان الجيش الإيراني قد أصدرت بيانا بمناسبة الذكرى السنوية لعودة الأسرى إلى إيران في 16 آب/أغسطس.
وأكدت الهيئة العسكرية أن “نحذر مرة أخرى أمريكا المجرمة والشريرة والكيان الصهيوني المتوحش تحذيرا قاطعا بأنه في حال تكرار أي عمل شيطاني، فسيواجهون إجراءات أقوى وأكثر قسوة من ذي قبل”.
وشدد البيان العسكري على أن “الشعب الإيراني بقيادة حكيمة وشجاعة، قادر على مواجهة أي تهديد بالقوة والعزيمة، دون الرضوخ للضغوط والتهديدات”.
وذكر البيان أن “الاستكبار العالمي، رغم إخفاقاته المتكررة خلال 46 عاما، عاد مرة أخرى بالتعاون مع الكيان الصهيوني الغاشم – الذي يعد أداة وذراعا له في المنطقة – لشن عدوان جديد على إيران، إلا أن نتائج هذه المؤامرة لم تثمر سوى الهزيمة والفضيحة للمعتدين”.
وشنت إسرائيل هجوما مدعوما أمريكيا على إيران في 13 يونيو/ حزيران الماضي، استمر 12 يومًا، واستهدف مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية، إلى جانب اغتيال قادة عسكريين وعلماء.
وردت إيران بقصف مقرات عسكرية واستخبارات إسرائيلية باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. وفي 22 يونيو، هاجمت الولايات المتحدة منشآت إيرانية، زاعمة أنها “أجهضت” البرنامج النووي الإيراني، ما دفع طهران للرد بقصف قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر.
وانتهت المواجهة بإعلان واشنطن وقف إطلاق النار بين الجانبين في 24 يونيو، رغم استمرار الخلافات الجوهرية حول الملف النووي، الذي تتهم فيه إسرائيل والولايات المتحدة إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية، بينما تؤكد طهران أن برنامجها سلمي ويهدف لتوليد الكهرباء.
سبق الهجوم الإسرائيلي جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي، في وقت لا تزال إسرائيل تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts