حلم نتنياهو الذي يفضح جوهر المشروع الصهيوني
تاريخ النشر: 19th, August 2025 GMT
لم يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بحاجة إلى الأقنعة التي ارتداها أغلب قادة إسرائيل لعقود؛ ففي لحظة صاخبة من الدم والخراب في غزة والضفة، أعلن صراحة ارتباطه الوثيق برؤية «إسرائيل الكبرى»، كاشفا عن جوهر المشروع الصهيوني الذي لم يكن يوما دولة طبيعية تبحث عن أمن وحدود، ولكنه مشروع استعماري مفتوح يستمد روحه من أطماع لا تقف عند حدود فلسطين وحدها.
ما قاله نتنياهو لم يكن زلة لسان ولا خطابا انتخابيا طارئا؛ إنها عودة اليمين الإسرائيلي، بقيادة وريث جابوتنسكي، إلى الجذور الأولى للصهيونية التصحيحية التي رفعت شعار «ضفتا الأردن لنا». ومنذ حرب 1967، حين تمددت إسرائيل على حساب الضفة وغزة والجولان وسيناء، ظل هذا الحلم حاضرا، وإن توارى في الخطاب الرسمي. لكن نتنياهو يعيده إلى السطح بكل وضوح، متكئا على حرب إبادة في غزة، واستيطان زاحف في الضفة، وصمت دولي يمد له رخصة توسع جديدة، وعالم بلا نظام تكاد تسوده الفوضى ويتوارى عنه أي مستوى من مستويات القيم والمبادئ.
لقد رأى العالم في تصريحات نتنياهو لحظة كاشفة، فلم يعد نتنياهو يتحدث عن أمن إسرائيل، ولكن عن «مهمة تاريخية وروحانية» لإحياء حدود التوراة وكان قد قال في بداية الحرب إنه في مهمة تاريخية وروحانية. ورغم أن بعض العقلاء في العالم الغربي بشكل خاص قد حذروا منذ سنوات من أن غياب الردع الحقيقي سيحول خطاب الضم إلى سياسة أمر واقع، حيث تبتلع الأرض وتدفن أي أفق لحل الدولتين إلا أن أحدا لم يستطع العمل من أجل وقف المشروع الإسرائيلي الذي يعمل الجميع، تقريبا، عليه بإخلاص كبير وبمسار شبه واضح.. والداعمون الغرب على علم تام بذلك.
لكن الخطر لا يقف عند فلسطين وحدها.. فحين يتحدث نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى»، فهو يستدعي خرائط تمتد إلى الأردن ولبنان وسوريا ومصر، ويعيد إلى الواجهة أسئلة الجدوى من أي نوع من أنواع اتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل باعتبارها مجرد محطات خداع استراتيجي وليس ذهابا إلى مستوى من مستويات السلام.
وتكشف المواقف العربية الرافضة لمشروع «إسرائيل الكبرى» مستوى من مستويات إدراك الخطر، لكن التصريحات وحدها لا تكفي. المطلوب تحرك يعيد الاعتبار للقانون الدولي الذي يجرّم الضم بالقوة، ويضع إسرائيل أمام عزلة شبيهة بما واجهه نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا. ويخبرنا التاريخ أن المشاريع الاستعمارية لا يمكن أن تتراجع بالبيانات والتنديدات ولكن بميزان ردع يفرض على المحتل أن يعترف بحدود الآخرين وحقوقهم.
وضع إعلان نتنياهو الشرق الأوسط أمام مفترق طرق، فإما أن يُترك المشروع الصهيوني ليعيد رسم الخرائط بالنار والدم، أو أن تواجهه المنطقة بإرادة جماعية توقف تمدده وتعيد فتح أفق لتسوية حقيقية. وإلا، فإن «إسرائيل الكبرى» لن تبقى مجرد شعار على قلادة أو على واجهة عملة معدنية ولكنها ستتحول حتما إلى سياسة على الأرض تدفع شعوب المنطقة ثمنها وجودا وهوية. والبعض يظن، وكثير من الظن يقين، أن حرب غزة ما هي إلا فصل من فصول حرب «إسرائيل الكبرى»!.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إسرائیل الکبرى
إقرأ أيضاً: