أمطار بلا ماء.. اكتشاف جديد يعيد صياغة شروط الحياة خارج الأرض
تاريخ النشر: 28th, August 2025 GMT
لطالما ارتبط مفهوم "الحياة" في الأوساط العلمية بوجود الماء، بوصفه العنصر الأساسي لتشكل الخلايا والعمليات الحيوية، لكن هذا المفهوم أصبح موضع شك بعد دراسة جديدة أجراها باحثون من وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، تؤكد أهمية إعادة النظر في افتراضاتنا العلمية حول الحياة.
الدراسة التي نُشرت مؤخرا في "إنترناشونال جورنال أوف أستروبيولوجي"، أظهرت إمكانية تشكل اللبنات الأساسية للحياة بشكل طبيعي في بيئات خالية تماما من الماء، مثل بحيرات الميثان الجليدية على قمر تيتان، التابع لكوكب زحل، رغم البيئة القاسية التي تميّزه.
هذه النتائج تغير الفهم التقليدي لظروف وجود الحياة، حيث تبين أن قمر تيتان يحتوي على هياكل شبيهة بالخلايا، تُعرف باسم "الحويصلات"، رغم عدم وجود الماء على سطحه، فكيف إذًا يمكن أن توجد الحياة في بيئة كهذه؟
أمطار بلا ماء.. بيئة تيتان الفريدة من نوعهايقول كريستيان ماير، أستاذ الكيمياء الفيزيائية في جامعة دويسبورغ-إيسن في ألمانيا في تصريح للجزيرة نت "اعتمدت معظم برامج البحث عن الحياة خارج الأرض على تتبع دلائل المياه في الكواكب والأقمار الأخرى، إلا أن اكتشاف إشارات كيميائية معقدة على سطح تيتان يُظهر أن الحياة قد لا تكون مائية بالضرورة، مما يدعو إلى إعادة النظر في هذه الفرضية".
يتميز تيتان بسمات تجعله يشبه الأرض في بعض الجوانب، إذ يعد أكبر أقمار كوكب زحل، وثاني أكبر قمر في نظامنا الشمسي، ويتميّز بكونه الجرم السماوي الوحيد المعروف -إلى جانب الأرض- الذي يمتلك غلافا جويًا كثيفًا، ويحتوي على سوائل مستقرة على سطحه، لكن تلك السوائل ليست ماءً، بل تتكون من الهيدروكربونات السائلة مثل الميثان والإيثان.
يتكون معظم غلاف تيتان الجوي البرتقالي من النتروجين، إلى جانب كميات كبيرة من غاز الميثان الذي يتبخر ليشكل سحبًا، ويسقط على شكل مطر، مما يؤدي إلى تشكل مناظر طبيعية مشابهة لتلك الموجودة على الأرض، مثل الأنهار والبحيرات، لكن هذه المسطحات مليئة بالميثان السائل بدلاً من الماء.
إعلانورغم أن بيئة تيتان تبدو غريبة في جوانب أخرى مقارنة بالأرض، فإن وجود سوائل جارية وتفاعلات كيميائية نشطة تنتج فيه جزيئات عضوية معقدة أثار اهتمام العلماء حول احتمالية ظهور الحياة على هذا القمر الفريد.
بفضل بعثة "كاسيني" التي وصلت إلى كوكب زحل في عام 2004، عرف العلماء أن تيتان يحتوي على دورة هيدرولوجية نشطة ومنتظمة من التبخر والهطول، ومشابهة لدورة الماء على الأرض بشكل ملحوظ من حيث الآلية، رغم اختلاف المادة.
يشرح ماير هذه الدورة بقوله "يتبخر الميثان بفعل ضوء الشمس، ويتكثف ليشكل غيوما، ثم يهطل كمطر ليشكّل الأنهار والبحيرات، ويؤدي إلى التآكل ونحت التضاريس، قبل أن يتبخر من جديد، لكن بسبب درجات الحرارة المنخفضة جدا التي تصل إلى حوالي -180 درجة مئوية، تحدث هذه العمليات بوتيرة أبطأ وعلى مدى زمني أطول".
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن "هذا الدوران النشط للعناصر يسهم في نشوء تفاعلات كيميائية معقّدة، إذ تُسهم طاقة الشمس في تفكيك جزيئات الميثان، مما يسمح بإعادة تجميعها لتكوين مركّبات عضوية أكثر تعقيدًا".
ويعتقد الباحث المشارك في الدراسة أن هذه التفاعلات قد تشبه ما حدث على الأرض قبل ظهور الحياة، ويرى أنها قد توفر بيئة مشابهة لما كانت عليه الأرض في بداياتها، وهو ما قد يمهّد الطريق لظهور اللبنات الأساسية للحياة.
ورغم أن الماء يعتبر شرطًا أساسيًا لوجود الحياة على الأرض كما نعرفها، وأن وجود الخلايا يُعد أمرًا أساسيًا في بيولوجيا الأرض من أبسط الكائنات إلى أعقدها، فإن ما يحدث على تيتان قد يكون مشابهًا، ولكن في بيئة تعتمد على الهيدروكربونات السائلة بدلاً من الماء.
يثير هذا الأمر اهتمام علماء الأحياء الفلكية، الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن هذه العمليات قد تعكس المراحل الأولى لتكون الحياة على الأرض، ويتساءلون عما إذا كانت هذه البيئة غير المائية يمكن أن تسمح بتشكل مركبات حياتية أو تنتج نوعا آخر من اللبنات الأساسية للحياة، سواء كانت مشابهة لما نعرفه أو مختلفة تماما.
اعتمادا على ما توصل إليه العلماء حتى اليوم عن الغلاف الجوي والتركيبة الكيميائية لقمر تيتان، تركزت الدراسة الجديدة على تفسير آلية محتملة لتكوّن حويصلات مستقرة على سطح تيتان في ظروفه الباردة جدًا، بالاعتماد على التركيب الكيميائي المعروف للغلاف الجوي لهذا القمر.
وهذه الحويصلات -وهي فقاعات دقيقة تتكوّن من جزيئات دهنية تحيط بسائل داخلي- يمكن أن تؤدي وظيفة مماثلة لغشاء الخلية، ولكن في بيئة تعتمد على الميثان بدلا من الماء، وقد تمثل خطوة أولى نحو تكوّن خلايا أولية أو ما يُعرف بـ"أشباه الخلايا".
ولمعرفة آلية تكوين هذه الحويصلات، يدرس ماير ومعه عالم الكواكب كونور نيكسون من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا، نوعا خاصًا من الجزيئات يعرف باسم بـ"الأمفيبيليات"، وهي مركبات ذات طرفين مختلفين، أحدهما جاذب للسائل وآخر طارد له، مثل ما يوجد في الصابون.
إعلانضمن هذا السياق، قام الباحثون بنمذجة هطول الأمطار كخطوة حاسمة في تكوين هذه الحويصلة، وافترضوا أن تساقط "المطر" المكوّن من الميثان على تيتان يمكن أن يلعب دورا في تكوين هذه الحويصلات.
على الأرض، تتكون هذه الجزيئات من طرف محب للماء وآخر كاره له. وعندما توضع في الماء، تتجمع بحيث تواجه أطرافها المحبة للماء الخارج، بينما تختبئ الأجزاء الكارهة للماء في الداخل، مما يشكل حويصلات شبيهة بفقاعات الصابون.
ووفقًا للنموذج، يبدأ الأمر على تيتان مع هطول المطر المكون من الميثان، الذي ينقل جزيئات عضوية من الغلاف الجوي إلى سطح البحيرات. عند ملامسة قطرات المطر الصغيرة للسطح، يتطاير منها رذاذ دقيق مغطى بجزيئات أمفيبيلية.
وعندما تعود هذه القطرات لتلامس السطح مجددا، قد تلتصق الطبقات بعضها ببعض لتشكل غشاء ثنائيا يغلف القطرة، مكونا حويصلة شبيهة بخطوة أولى نحو خلية بدائية.
مع مرور الوقت، يمكن أن تتراكم الحويصلات الأكثر استقرارا، بينما تختفي غير المستقرة منها، وتبدأ بالتفاعل والتكاثر فيما بينها بطرق قد تؤدي إلى نشوء ظروف بدائية تشبه تلك التي تظهر الحياة في سياقها، وهو ما قد يمثل شكلا مبكرا من التطور الكيميائي.
يشير هذا -وفقا لماير- إلى أن عمليات كيميائية أساسية لها علاقة بصور الحياة، قد تحدث في بيئات غير مألوفة، مثل تيتان"، ويقول "إن تحقق هذا السيناريو فعليا على سطح القمر الغريب، فسيعد دليلا على أن الظروف الضرورية لوجود الحياة قد تكون ممكنة في بيئات غير مائية".
في عالم لا يحوي ماء، قد تظهر أشكال حياة غير متوقعة، تفتح آفاقا جديدة لفهمنا للكون. وربما حان الوقت لتوسيع تعريفنا لما يعتبر "بيئة صالحة للحياة"، فالحياة قد تكون أكثر تنوعا وتكيفا مما كنا نظن.
ومن ثم، فإن هذا البحث لا يقدم فقط تصورا جديدا عن صور الحياة، بل يفتح الباب أمام فهم أوسع لوجودها في بيئات مختلفة تماما عن الأرض، ويدعو ذلك إلى تطوير أدوات وأجهزة استشعار قادرة على رصد المؤشرات الحيوية في بيئات لا تحتوي على ماء، مما يعني توسيع معايير "قابلية السكن" في الكواكب والأقمار الأخرى.
كما يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لدراسة قمر تيتان، ويشكل تحولا جذريا في كيفية تصميم البعثات الفضائية المستقبلية، فبدلًا من حصر الاستكشاف في البيئات "الشبيهة بالأرض"، أصبح من الضروري التفكير في أشكال حياة قد تظهر في بيئات بعيدة تماما ومختلفة جذريا عن بيئة الأرض، مثل تيتان.
وتخطط ناسا بالفعل لإرسال مركبة طائرة تُسمى "دراغون فلاي" إلى هناك، في يوليو/ تموز 2028، وهي أول مهمة من نوعها لاستكشاف هذا القمر، والدوران بين مواقع متعددة على سطحه لدراسة تركيبة تربته، وتحليل غلافه الجوي، وتقييم مدى قابلية هذا القمر الفريد لاحتضان الحياة.
يقول ماير "لسوء الحظ، ستقتصر مهمة "دراغون فلاي" على المنطقة الاستوائية من تيتان بسبب المشكلات المتعلقة بالحرارة. وبناء على ذلك، نحن بصدد تطوير أفكار لمهام مستقبلية باستخدام مركبات فضائية قادرة على العمل في درجات حرارة منخفضة".
وعلى الرغم من أن المهمة لن تستهدف البحيرات مباشرة، ولن تحمل أدوات خاصة لرصد الحويصلات، إلا أنها ستقوم بجمع بيانات حول مكونات تيتان وظروفه الجوية والجيولوجية، وستجري تحليلات كيميائية دقيقة قد تكشف عن مؤشرات لنشاط كيميائي معقد، وتساعد في تحديد ما إذا كانت الحياة قد تكونت بالفعل في هذا العالم البارد.
يقول ماير "لرصد الحويصلات بشكل مباشر، نحتاج إلى أدوات متخصصة لتحليل الجزيئات الصغيرة أو لقياس تشتت الضوء"، ويضيف "إذا رصدت دراغون فلاي أدلة على وجود جزيئات عضوية معقدة أو تراكيب غير مألوفة، فقد تمهّد الطريق لمهمة مستقبلية تركز على هذا الهدف تحديدًا".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الحیاة قد على الأرض هذا القمر على تیتان فی بیئات من الماء یمکن أن على سطح
إقرأ أيضاً:
ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: حينما ينزل المطر أحرص على أن أتوضأ منه، فما حكم الوضوء من هذا الماء؟ وهل لهذا الماء فضيلة؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء نزوله.
حكم الوضوء بماء المطر
من المقرر شرعًا أنَّ الطهارة لا تكون إلَّا بالماء الطهور المطلق، وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ إذ الماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يُطلق عليه اسم الماء بلا قيدٍ أو إضافة، ومن الماء المطلق: ماء البحار، والأنهار، والعيون، والآبار، وماء المطر، كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 116، ط. دار الكتب العلمية).
ولا خلاف بين العلماء في أن مياه الأمطار من الماء المطلق، والتي يجوز الطهارة بها، ما لم تختلط بشيء يغيّرها تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليها، كأن تختلط بماء ورد أو مسك، والأصل في جواز الوضوء بماء المطر قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 41، ط. دار الكتب المصرية): [المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطُعومها وأرياحها حتى يخالطها غيرها] اهـ.
وقال الإمام البغوي في" تفسيره" (3/ 448، ط. إحياء التراث): [﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا؛ لأن الله تعالى سمى الماء طهورًا بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وكذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه»، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الجد المالكي في "المقدمات الممهدات" (1/ 85-86، ط. دار الغرب الإسلامي): [فالأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير، ماء السماء وماء البحر وماء الأنهار وماء العيون وماء الآبار، عذبة كانت أو مالحة] اهـ.
وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 60، ط. دار الفكر): [قال: (قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48] أي: مطهرًا، ويُعبر عنه بالمطلق، وعدل عن قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11] وإن قيل بأصرحيتها؛ ليفيد بذلك أن الطهور غير الطاهر، إذ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الفرقان: 48] دل على كونه طاهرًا؛ لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو سبحانه لا يمتن بنجس] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي في شرحه على "مختصر الخرقي" (1/ 115، ط. دار العبيكان): [كل طهارة -سواء كانت طهارة حدث أو خبث- تحصل بكل ماء هذه صفته سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض على أي صفة خلق عليها، من بياض وصفرة، وسواد، وحرارة وبرودة، إلى غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾] اهـ.
فضل ماء المطر
أما عن فضيلة هذا الماء فتظهر من وصف الله تعالى له بأوصاف متعددة في مواطن كثيرة من القرآن، حيث جاء وصفه مرة بأنه رحمة، ومرة بأنه طهور، ومرة بأنه مباركٌ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق: 9]، وقال جل شأنه: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال تعاظمت أسماؤه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28]، والرحمة المقصودة في هذه الآية هي البركة الناتجة عن المطر، كما قال الإمام النسفي في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 255، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾: أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب] اهـ.
ولذا كان من السنة التعرض للمطر، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يَتَعرَّض له بجسده الشريف، ولما سُئل عن ذلك قال: إنه -أي: ماء المطر- حديث عهد بربه، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» رواه مسلم.
فأفاد استحباب التعرض للمطر عند نزوله، قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 195-196، ط. دار إحياء التراث): [معنى "حسر": كشف، أي: كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه، أي: بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها، وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر] اهـ.
وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكانوا يتعرضون للمطر؛ لينالوا من بركته، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَطَرَ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ، وَيَقُولُ: «حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْعَرْشِ» رواه ابن أبي شيبة.
وأوضحت بناءً على ذلك: أن ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء هطوله.