ياسر عرمان

إن العالم القديم يموت والجديد يكافح من أجل أن يولد والآن هو زمان “الوحوش” وهذه هي إحدى أشهر المقولات للمفكر الإيطالي الأكثر شهرة من مقولته أنطونيو غرامشي في حديثه عن فقدان الطبقة الحاكمة للقيادة واستنادها إلى التسلط في كتابه (دفاتر السجن 1929 -1935.

آخذين ما قاله غرامشي، فإن السودان القديم يموت والجديد يكافح ليولد والآن وقت وحوش الحرب.

بعد مضي أسبوعين من التغيرات المثيرة للجدل التي أجراها القائد العام للقوات المسلحة، فإن الضباب قد انقشع والرؤية أصبحت جلية أكثر من ما مضى، وقائد الجيش أمسك بمقاليد السلطة داخل قواته أكثر من السابق، كما أن من الواضح أن خروج الإسلاميين من الجيش مستحيل دون وقف وإنهاء الحرب، وبناء نظام سياسي مدني ديمقراطي، وهو السبب الرئيسي الذي يجعل الإسلاميين وحلفاءهم يحاربون المدنية والديمقراطية؛ لأنها ستنهي اختطافهم للدولة وهي القضية المركزية التي دون حلها لن يتمكن شعبنا من بناء دولة مهنية تسخر الموارد للتنمية المستدامة.

الصحيح أن عدد من الإسلاميين قد تم إزاحتهم من قيادة الجيش وعدد آخر من الإسلاميين صعد لقمة الهرم، ولا توجد مفاجأة في ذلك، اللهم إلا المفاجأة التي لحقت بالسفيرة أم حمد، وقد خلت سيارتها من أعمام تقوم بالتحقيق معهم!

أهم من تم إزاحتهم هو الفريق ﻧﺼﺮﺍﻟﺪﻳﻦ، قائد المدرعات الذي تعمد الإسلاميون تلميعه مؤخرًا حتى يتغدى برئيس هيئة الأركان، ثم يتعشى بالقائد العام، وقبل الغداء تم تناوله في وجبة الفطور، فإن استطاع مناطحة رئيس هيئة الأركان، فإنه سيكون مثل الجاموس في الغابة الذي يعمل على سن قرونه في الأشجار، ولكن لا يتوقف عندها!

من الواضح أن التغيرات داخل الجيش ستتجه إلى تصعيد الحرب بقيادة أكثر انسجاماً، والحرب سيزداد أوراها على حساب المدنيين خاصة في كردفان ودارفور، وفي الجانب المقابل الدعم السريع يعمل على تصعيد الحرب وقد انشغل بكردفان والفاشر بعيداً عن مهاجمة الشمالية ونهر النيل والعودة إلى مناطق سيطرته السابقة، وتلك معارك يدفع فاتورتها المدنيين أيضاً وما يحدث في الفاشر خير دليل، ويظل العمل على وقف الحرب هو الأولوية للقوى المدنية.

وعلى صعيد آخر، فإن حكومة تأسيس لم تخاطب الشعب، ولم تتمكن من تحسين الوضع الإنساني ولا حس ولا خبر لها، ولم يكتمل تكوينها بعد، وحتى إن كامل إدريس الذي يعمل بالقطاعي دون أفق أو استراتيجية قطع شوطاً في خمجه، ومن الواضح أن تأسيساً تعاني مصاعب داخلية فعلية، وكان الأفيد لها أن تكتفي بتكوين إدارة مدنية مثل ما فعل الدكتور جون قرنق على مدى أكثر من عشرين عاماً مع اختلاف التجربتين، وتكوين حكومة سيضر بتحالف تأسيس قبل الإضرار بالسودان وتقسيمه، ومن الأفضل لطرفي الحرب الاتجاه للسلام بدلاً عن حكومتين لا يتمتع بالشرعية، ولا يستطيعا توحيد الشعب السوداني، وكل ما زاد أمد الحكومتين تزداد الضغائن والخراب والكراهية.

عاد الحديث عن عدم عودة الوزارة لوسط الخرطوم، بل وعن عاصمة إدارية جديدة وعن مشروع غابة السنط القديم الجديد الذي عملنا على مقاومته منذ عام ٢٠٠٦، فهو يعمل على قفل الواجهات المائية للنيل وبناء غابة من الإسمنت تذهب فضلاتها للنيل وتلوث بيئته، وتحجب التقاء النيلين عند المقرن وهو مسجل كتراث ومنظر طبيعي عالمي، كما سيتسبب ذلك في إغراق قرى الصيادين بعد منع امتداد النيل الأبيض خارج ضفافه، وسوف تنتزع مساحة واسعة من غابة السنط وهي الغابة الوحيدة العضوية في الخرطوم ومحمية طبيعية بقانون صدر في ١٩٢٥ يتم نهبها لمصلحة رأس المال الطفيلي الذي يتصدره الإسلاميون وشركاؤهم.

إن محاولة الاستيلاء على وسط الخرطوم ومباني الوزرات ومجلس الوزراء والمؤسسات الحكومية وجامعة الخرطوم، وقد تم بناء هذه المنطقة من قبل الإنجليز في شكل راية الاتحاد أو العلم البريطاني، وعلى مر الزمن ازدادت قيمتها التجارية والتاريخية، وقد خاضت مجموعات الفساد من الإسلاميين محاولات مستميتة لبيعها مثل ما بيعت العديد من أصول المشاريع ومؤسسات الدولة، ولم يكتفوا بذلك، بل اعتدوا على الأراضي المملوكة للمواطنين التي ارتفع ثمنها مثل ما حدث في الجريف والحلفاية وبري ومايو وسوبا، الآن هنالك جهات تخطط لنهب الأراضي باستغلال ظروف الحرب وضعف المقاومة الجماهيرية وبدعاوي التخطيط والعاصمة الإدارية الجديدة في أوسع نهب للأراضي ستشهده البلاد منذ خروج الاستعمار البريطاني، وتحكم نظام الإنقاذ ومجموعته الفاسدة التي لم تتعلم شيئاً، ولم تنس شيئاً.

الوسومياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: ياسر عرمان

إقرأ أيضاً:

إصابات جلدية تُربك تدريبات البحرية الإسرائيلية… الجيش يوقف الأنشطة ويُطلق تحقيقًا موسّعًا

شهدت البحرية الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة حالة استنفار داخلي بعد اكتشاف إصابة نحو 40 طالبًا عسكريًا بأعراض جلدية غير مألوفة، وذلك خلال الفحوصات الطبية الروتينية التي تُجرى لمنتسبي القوات البحرية.

 وعلى الرغم من تصنيف الجيش لهذه الحالات بأنها "خفيفة للغاية"، فإن القرار المفاجئ بوقف التدريب لعدة أيام عكس حجم القلق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ورغبتها في منع أي انتشار أوسع للأعراض.

الكابينت الإسرائيلي يصادق على إقامة وشرعنة 19 مستوطنة في الضفة الغربيةيصعّد ضد بروكسل.. رئيس وزراء المجر: مقترحات المفوضية حول روسيا غير قانونية

وأفادت صحيفة إسرائيل نيوز بأن الطواقم الطبية لاحظت في نهاية الأسبوع الماضي ظهور بقع جلدية واحمرار متفاوت على عدد من الطلاب المتدربين، ما استدعى إجراء فحص شامل لكل المشاركين في البرنامج التدريبي. 

ووفقًا للمصادر، لم تُسجل حالات تستدعي دخول المستشفى، إلا أن السلطات العسكرية فضّلت اتخاذ تدابير احترازية واسعة بهدف احتواء الوضع من منبعه.

وتشير المعطيات الأولية إلى أن الإصابات ظهرت بصورة متزامنة على مجموعة من الطلاب الذين يتدربون في بيئات بحرية وظروف مناخية قاسية، وهو ما فتح الباب أمام عدة احتمالات؛ من بينها التأثر بعوامل بيئية، أو تفاعل جلدي ناتج عن الاحتكاك المستمر بالمياه المالحة والمعدات، أو حتى مواد قد تكون استخدمت داخل المنشآت التدريبية.

 وحتى اللحظة، لم تُعلن الجهات الصحية داخل الجيش عن سبب محدد، ما دفعها لبدء سلسلة فحوص إضافية وتحاليل مخبرية لمتابعة تطوّر الأعراض.

قرار وقف التدريبات، بحسب مراقبين، يعكس رغبة القيادة العسكرية في حماية البرنامج التدريبي من أي تعطيل طويل الأمد، إذ يعدّ سلاح البحرية أحد أكثر الأسلحة حساسية من حيث الجهوزية، خصوصًا في ظل التوترات الأمنية الإقليمية.

 كما أن أي تراجع في مستوى التأهيل الميداني قد ينعكس مباشرة على قدرة الوحدات البحرية على تنفيذ مهامها العملياتية.

في المقابل، أعربت عائلات بعض الطلاب عن ارتياحها لقرار التجميد المؤقت، معتبرة أنّ الوقاية أهم من الاستمرار في تدريب قد يتسبب في تفاقم أي مخاطر صحية محتملة.

 بينما أكدت مصادر داخل الجيش أن جميع المصابين يتلقون متابعة طبية دقيقة، وأن معظمهم أظهر تحسنًا سريعًا.

وتخطط قيادة البحرية لاستئناف التدريب فور التأكد من زوال الإصابات بالكامل وتحديد أسبابها، مع مراجعة البروتوكولات الصحية والبيئية داخل المرافق التدريبية.

 ويرى محللون أن الحادثة، رغم محدوديتها، قد تدفع الجيش إلى تعزيز إجراءات الفحص الدوري وتوسيع أنظمة رصد أي مؤشرات صحية غير اعتيادية داخل صفوفه.

بهذا التطور، تظلّ الأنظار متجهة إلى نتائج التحقيق الطبي التي ستحدد ما إذا كانت الواقعة مجرد حادث عابر، أم مؤشرًا على ثغرة أوسع تستوجب معالجة طويلة المدى داخل المؤسسة العسكرية.

طباعة شارك البحرية الإسرائيلية أعراض جلدية صحيفة إسرائيل نيوز السلطات العسكرية الوحدات البحرية

مقالات مشابهة

  • المزاج الانتخابي يتغير.. لماذا يخسر ترامب جزءًا من مؤيديه؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • الراجحي: لماذا تنجح حكومة آل الدبيبة في استيراد المشاهير وتفشل في استيراد الكتاب المدرسي والدواء؟
  • ثورة ديسمبر بوصفها مشروعًا لبناء وطن جديد بين الجهاد المدني وإعادة تأسيس الدولة
  • إغراءات من العيار الثقيل.. لماذا قد يقول محمد صلاح «نعم» للدوري السعودي؟
  • وزير الحرب الأمريكي: نعيد هيكلة الجيش لضمان الاستعداد لأي صراع
  • غولان: كان بالإمكان إعادة محتجزين بغزة أحياء لولا تعنت حكومة نتنياهو
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • لماذا نجحوا؟
  • إصابات جلدية تُربك تدريبات البحرية الإسرائيلية… الجيش يوقف الأنشطة ويُطلق تحقيقًا موسّعًا