لم يعد ممكنا إدراج الضربات الإسرائيلية على سوريا تحت عناوين من نوع محاولات لخلق معادلات جديدة، أو تغيير البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل، ولا حتى تنفيذ مشروع جيوسياسي تحت شعار تحويل إسرائيل إلى قوّة إقليمية كبرى ذات وزن كبير في تحديد مسارات المنطقة وتوجهاتها المستقبلية.
لو كان الأمر كذلك، على الرغم من خطورة العناوين السابقة وتأثيراتها الإقليمية، لكانت إسرائيل قد اتبعت سياسات مختلفة بعض الشيء، من نوع تحويل القوّة العسكرية إلى منجزات سياسية تحقّق مكاسب أمنية وربما اقتصادية في المديين المنظور والبعيد، واكتفت بما حقّقته حتى اللحظة من إضعاف لخصومها في المنطقة؛ بما يسمح لها بدخول حلبة التفاوض بأوراق قوّة وازنة تؤمن لها التأثير الكافي واللازم لدفع خصومها لتغيير سياساتهم تجاهها، على الأقل خلال عقد أو عقدين من الزمان.
ساستها يعتقدون أنهم تجاوزا كل تلك المطالب، وأن لديهم فائضا من القوّة يجب أن يوازيه على أرض الواقع نتائج أكبر بكثير من تلك العناوين والشعارات، التي باتت في الحقيقة جزءا من طموحات وأحلام الخصوم الذين باتوا يتمنون لو أن اسرائيل تكتفي بالفعل بمجرد تغيير المعادلات وتأمين بيئة استراتيجية مناسبة لها
لكن تصرفات إسرائيل تؤكد أن ساستها يعتقدون أنهم تجاوزا كل تلك المطالب، وأن لديهم فائضا من القوّة يجب أن يوازيه على أرض الواقع نتائج أكبر بكثير من تلك العناوين والشعارات، التي باتت في الحقيقة جزءا من طموحات وأحلام الخصوم الذين باتوا يتمنون لو أن اسرائيل تكتفي بالفعل بمجرد تغيير المعادلات وتأمين بيئة استراتيجية مناسبة لها، ولا تتجاوز ذلك إلى العبث بالخرائط ومصائر الدول ومستقبل الشعوب.
ويبدو أن سوريا باتت المختبر المثالي لقياس مدى قوّة إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، وقد تكون المنطلق لتشكيل سياسات إسرائيل الجديدة في المنطقة، إذ رغم أن إسرائيل حققت شروطها الأمنية بنسبة تفوق التصوّر والطموحات، بعد تدمير قدراتها العسكرية واحتلال أجزاء استراتيجية من أراضيها ووضع عاصمتها دمشق تحت رحمة النيران، ذهبت أبعد من ذلك من خلال تنصيب نفسها حامية ومرجعية لمكونات سوريا عديدة، وهي حالة تكاد تشبه موقف الدول تجاه جالياتها لدى دول أخرى؛ وليسوا مواطنين أصلاء في تلك الدول ولا تجمعهم بالطرف الثالث لا القومية ولا الدين ولا أي من الروابط الأخرى.
والمشكلة أن تصدّع الوطنية السورية (أو شبه الوطنية السورية، إذ من الواضح أن السوريين عبر تاريخهم لم يستطيعوا تشكيل هوية موحدة)، أفرز كل هذه التعقيدات، لدرجة أن جميع الفاعلين في سوريا، ليس لديهم أدنى مشكلة في أن ينتهي الكيان الذي جمعهم بأي صورة كانت، المهم أن يخرجوا من كابوس العيش معا، الذي لم يعودا يطيقونه، وهم أمام فرصة سانحة عبر تلاقي طموحاتهم مع ديناميكيات إسرائيلية صاعدة متمثلة بمشاريع إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد.
وقد كان لافتا ما ذكرته القناة 14 الإسرائيلية من أن حلفاء إسرائيل في الشمال (الدروز) يحثونها على الاستعجال بتنفيذ خططها في فصل الجنوب السوري بما يسهّل قيام دولة درزية، ومطالبين الكيان الصهيوني بانتهاز الفرصة خوفا من تغير المعطيات وتبدل الحيثيات. وبحسب القناة نفسها فإن هذا الطلب جاء ردا على لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي للشؤون الإستراتيجية رون ديرمر بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في باريس، وهو ما يبدو أنه أخاف موفق طريف، الذي بات يرى نفسه قائدا للدروز في المنطقة، من إمكانية إجراء اسرائيل مناورات سياسية أو رضوخها لضغط ترامب الذي يريد تثقيل أوراقه كصانع للسلام عبر دفع الإسرائيليين والسوريين إلى توقيع اتفاق سلام، الأمر الذي سيشكّل نكسة للدروز بعد أن رفعوا سقف مطالبهم من خلال الدعوة الصريحة للانفصال عن سوريا.
ما تفعله إسرائيل في سوريا لا يشبه في شيء محاولة لفرض اتفاق مذعن على النظام الجديد، والواضح أن إسرائيل باتت تعتقد أنها ليست بحاجة لهذا الاتفاق أصلا، ما دامت قادرة على فعل كل ما تريده، في ظل نظام يلهث وراء رضائها، وشعوب تتمنى أن تحل عليها بركات احتلالها
وليس الجنوب السوري وحده من يستقوي بإسرائيل ويستدعيها، خواصر سوريا كلها باتت ملتهبة وتطلب الإسعاف الإسرائيلي العاجل، فالكرد في الشرق، والعلويون في الغرب، يبحثون عن أي ذريعة لاستدعاء إسرائيل وتخليصهم من عبء الوطن السوري.
والإشكالية إزاء هذا الهجوم المحموم أن إدارة الشرع تراكم الأخطاء على الأخطاء، وتثبت كل يوم نقص خبرتها في إدارة الأزمات والتنوع، وتعتقد أن الحل لأزماتها يتمثل بالرضوخ المطلق للخارج، واتباع سياسة النعامة تجاه إسرائيل التي وصلت إلى حد القيام بإنزال جوي والتجول بأريحية مطلقة على تخوم دمشق، دون أن يكون هناك رد، حتى لو أن موازين القوى لا تسمح بإعلان حرب أو رد مماثل، على الأقل إجراء مناوشة للقوة المعتدية وإشعارها بوجود شكل من أشكال المقاومة، لأن إسرائيل وبعد مرور حادثة الإنزال الجوي في منطقة الكسوة المجاورة، ستعيد تقييم عملياتها ولن يكون مستبعدا تطويرها لإجراء إنزالات جوية في شوارع دمشق.
أبدا، ما تفعله إسرائيل في سوريا لا يشبه في شيء محاولة لفرض اتفاق مذعن على النظام الجديد، والواضح أن إسرائيل باتت تعتقد أنها ليست بحاجة لهذا الاتفاق أصلا، ما دامت قادرة على فعل كل ما تريده، في ظل نظام يلهث وراء رضائها، وشعوب تتمنى أن تحل عليها بركات احتلالها.
x.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلية سوريا الدروز الشرع سوريا إسرائيل تقسيم الدروز الشرع قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة صحافة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة أن إسرائیل
إقرأ أيضاً:
وزير إسرائيلي يصف الحرب على سوريا بالحتمية وسط توتر على حدود القنيطرة
صرح وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي يوم الثلاثاء بأن الحرب على سوريا باتت حتمية، وذلك في تعليق على التطورات الأمنية قرب محيط القنيطرة السورية.
وجاءت تصريحات شيكلي عقب تداول مقاطع فيديو أظهرت تحركات لقوات الأمن السورية ومسلحين بالقرب من مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي في ريف القنيطرة، وهو ما اعتبرته تل أبيب “تهديدًا أمنيًا”، رغم أن المنطقة تشهد منذ سنوات اعتداءات وانتهاكات متكررة للسيادة السورية.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن الحادثة تزامنت مع جولة ميدانية للسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة مايك وولز، والسفير الإسرائيلي داني دانون، في القنيطرة القديمة، حيث ارتديا معدات حماية وأجريا تقييماً ميدانياً للوضع.
وأشارت الصحيفة إلى وقوع “حادثة غير اعتيادية” تمثلت باضطرابات وإطلاق نار بعد مرور الموكب المسلح، وزعم الجيش الإسرائيلي محاولة اعتقال عنصر من حركة الجهاد الإسلامي، بينما لم يشاهد السفيران الحادث مباشرة.
ونشرت وسائل الإعلام السورية تسجيلات تظهر مسلحين من قوات الأمن السورية يتحركون في شاحنات صغيرة وبحوزتهم أسلحة ظاهرة بمحاذاة آليات إسرائيلية، وأفادت التقارير بإصابة عدد من المدنيين السوريين جراء ما وصفه الجيش الإسرائيلي بـ”إطلاق نار تحذيري”.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن الحادثة سبقتها “إخلالات بالنظام ورشق بالحجارة” باتجاه جنوده، ما دفعهم لإطلاق النار في الهواء والانسحاب إلى مواقع آمنة، بينما أفادت مصادر سورية باندلاع تظاهرة احتجاجية على وجود الجيش الإسرائيلي ونشاط طائراته المسيرة في المنطقة.
وفي سياق سياسي، أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن غضبه من تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك حول “أولوية الملكية على الديمقراطية”، ونفت رئاسة الوزراء الإسرائيلية التقارير الإعلامية عن أي اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا، مؤكدة أن الاتصالات التي جرت برعاية أمريكية لم تُفضِ إلى تفاهمات.
وختم السفير الإسرائيلي داني دانون الجولة بالإشارة إلى أن “التهديدات من الشمال واضحة”، موضحًا أن الجيش يواجه تحديات على الحدود اللبنانية بسبب حزب الله والتهديد الإيراني، إضافة إلى تحديات على الجبهة السورية ناجمة عن عدم الاستقرار في المنطقة.
قذائف مجهولة المصدر تسقط في محيط مطار المزة العسكري بدمشق
أفادت وكالة سانا، الثلاثاء، بسقوط قذائف مدفعية مجهولة المصدر قرب مطار المزة العسكري بدمشق، وأوضح مصدر عسكري لوكالة سانا أن القذائف الثلاث لم تتسبب في أي إصابات أو أضرار مادية.
وأضاف المصدر أن الجهات المختصة انتشرت في محيط المطار وبدأت التحقيقات لتحديد مصدر هذه القذائف والتأكد من طبيعة الهجوم.
وكانت المنطقة نفسها تعرضت منتصف الشهر الماضي لضربات صاروخية قالت السلطات السورية إنها اعتداء غادر، وأسفرت عن إصابة عدد من المدنيين وإلحاق أضرار مادية بالأحياء السكنية المحيطة بالمطار، مع تحديد موقع إطلاق الصواريخ من أطراف المدينة.
ولم يتضح حتى الآن فيما إذا كانت إسرائيل وراء الضربات الأخيرة، وسط ترقب للنتائج الأولية للتحقيقات.
العدل السورية تحيل وسيم الأسد إلى قاضي الإحالة تمهيدًا لمحاكمته
أصدرت وزارة العدل السورية قرارًا بإحالة المدعى عليه وسيم الأسد، ابن عم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إلى قاضي الإحالة تمهيدًا لمحاكمته، مؤكدة أن الخطوة تعكس التزام الدولة بسيادة القانون واستقلالية القضاء وتعزيز الشفافية والمحاسبة القضائية.
وأظهر فيديو نشرته الوزارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استجواب وسيم الأسد من قبل قاضي التحقيق السابع توفيق العلي، حيث وُجهت له عدة تهم تشمل تشكيل مجموعات قتالية إجرامية تابعة للفرقة الرابعة عام 2012، والإشراف على تمويل المجموعات بالأسلحة والمال بالتنسيق مع العميد في جيش النظام السابق غياث دلة، وتسليح المنتسبين للميليشيات الرديفة في منطقة المليحة، إضافة إلى جرائم الترهيب والتخويف والتسبب بمقتل مدنيين في جرمانا عام 2012.
كما شملت التهم تفييش الجنود ونقلهم ضمن القطعات العسكرية، وقبض الرشاوى قبل الثورة وبعدها، وإقامة علاقة مع تاجر المخدرات اللبناني نوح زعيتر الذي اعتُقل مؤخرًا.
وكانت قوى الأمن الداخلي السوري قد ألقت القبض على وسيم الأسد في 21 يونيو الماضي في عملية أمنية محكمة على الحدود السورية اللبنانية.
يأتي إحالة وسيم الأسد إلى قاضي الإحالة في سياق محاولات السلطات السورية تعزيز محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتبطة بالعنف المسلح والميليشيات خلال سنوات الصراع، في إطار جهود القضاء لاستعادة الثقة في النظام القانوني وتحقيق العدالة بصورة موضوعية.