عربي21:
2025-12-13@17:46:07 GMT

دفاعا عن إنسانية المثقف

تاريخ النشر: 8th, September 2025 GMT

منذ أيام بسيطة، كنت وصديق مصري نتهاتف، يعمل صحفيا ويعيش في بيروت. دائما ما تأخذنا الأحاديث عن المستقبل الفلسطيني، والعربي، في ظل تحولات المنطقة العربية وتفشّي هيمنة الاحتلال والاستبداد علينا، نحن الشعوب. وأخذنا الحديث إلى السفن التي أبحرت من برشلونة نحو غزة لكسر الحصار، وحول دور المثقفين، وعن الشخصيات المشاركة، وأنها من جنسيات أجنبية، وأي عربي بينهم فهو لديه جنسية أجنبية أُخرى، كحماية له من التوحش الإسرائيلي عند الاعتقال، فالعربيّ في عين الإسرائيلي مُستباح أبديّ.

سألني: "إن كان لديكَ الجنسية الفرنسية، كنت ستذهب معهم؟".. "بلا أي شكٍ. طبعا"، جاوبته.

من هنا، جاءتني طرح إشكالية جمود المفاهيم التي تروَّج، لا سيما في اللحظة الحالية، مثل مفاهيم المثقف المشتبك والمهزوم (الذي يحاول مقاومة انهزاميتِه)، المعزول والسلطوي والعضوي، وغير ذلك من أوصاف للمثقف، في أحايين كانت تصفه بإنصاف، وفي أُخرى تتجنَّى عليه، بل وتنزع عنه لباس إنسانيته، وسياقه وظرفه الزماني والمكاني، والأهم ماضيه. وكأن المثقف، في عالمنا الحالي، تحول إلى آلة لها دور مُحدد، وإن خالفته سقطت من أعين الناس، التي دائما ما تبحث عن الصورة المثالية والدائمة، متجاهلة كل السياقات التي يمرُّ بها الواقع.

كثيرا ما وُصِف المثقف بمفاهيم مُختلفة؛ "العضوي"، كما يسمّيه الفيلسوف الإيطالي غرامشي، و"العمومي"، الذي يمتلك المعرفة ويوصلها إلى كافة الناس بشرائِحهم وطبقاتهم المتباينة، وفي جيل الانتفاضات العربية، لا سيما الأجيال المهمومة بقضية تحرير فلسطين، برز وصف المثقف "المُشتبك"، وهو المثقف الذي يمتلك الوعي لكنه لا يكتفي بمعرفته وقدرته على التحليل السياسي والثقافي، بل يذهب بجسده كي يمارس الاشتباك مع السُلطة الذي ينظّر معرفيا للخلاص منها.

الآن، في ظل حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، باتت صورة المثقف جامدة، ونُزعت منه إنسانيته، فإما أن يكون مثقفا مُشتبكا أو مهزوما، لا مفرّ من الأبيض والأسود. وهنا المشتبك، لا كما كنَّا نعرّفه. باسل الأعرج، الفلسطيني الذي يكتب بيد والسلاح في أُخرى؛ كَتب، سأل، بحثَ، وجدَ، قاتَل، وقُتل.. هكذا هي حكايته، حكاية الثقافة والاشتباك والتحرر، الذي أخذها البعض من الميدان إلى مواقع التواصل الاجتماعي. تتابع "الريلز" (لا يتعدى 3 دقائق) جيدا، ومن ثم تكتب أو تُشارك أي تحليلات تخص النصر وزوال الاحتلال، عن قريب جدا، وغير ذلك من تصوّرات في غير محلّها بتناقضها لمعطيات الواقع. هكذا تكون مثقفا مُشتبكا صحيحا، ومتكاملا عند بعض من جمهور السوشيال ميديا.

في المقابل، وُجِدَ المثقف المُهزوم، بحكم تجربته، كما بحكم مشهدية الواقع المأساوي، وهو يحاول تتبع المعرفة، ورصد التحليلات التي تخص واقعنا المُنهزم، كما كان وأشدَّ بعد نكسة 67. ليس دفاعا عن الهزيمة، فالانهزاميّ غير المهزوم، فالأول هو الذي قرر أنه لن يحاول، وأنّه قدريا كُتب علينا الانهزام. أما الثاني فهو الذي حاول، ولا زال، رغم تدميره الإنساني، بل ويبحث عن الحلول عبر المعرفة، والذي عبرها يرى جيدا أن منظومات الاستبداد والاحتلال باتت عصيّة على إصلاحها أو تدميرها، وقد تمكّنت بفعل هيمنتها التوحشيّة في إيقاع الهزائم بنّا، نفسيا وجسديا.

ليس دفاعا عن المثقف العربي، بل هذا دوره الحقيقي والقدريّ في عالم الاستعمار الغربي، أن يعاني ويتألم من أجل ما اختاره من مكانة ليس فيها أي رفاهية خلال لحظتنا الحالية. إنها لحظة تاريخية، لنا، تمارَس علينا بفعل قوى الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، قوى السلاح الذي فتَك بنا، بأجسادنا وحارتنا وبيوتنا وألعاب أطفالنا وأصواتهم (صوت هند رجب الحقيقيّ لا التمثيلي)، بجانب قوى الاستبداد التي مارست علينا شتى أنواع التدمير (سُلطوية السيسي مثالا).

كل هذا التدمير يقع على "المثقف"، الإنسان الباحث الذي حاول -ولا زال- تنظيم المعرفة والسياسة من أجل الإصلاح والثورة والتغيير. لكن، ربما فرغت بل واستُلبت منه طاقته الإنسانية -التي لا يجب تجاهلها- فالمُثقف، الذي يقف في طابور طويل تملؤه ملامح أنقاض أوطانه المدمّرة، للتقدم بطلب لجوء في باريس (وغيرها من المدن)، في وقت تُباد بلاده العربية بسلاح غربي (فرنسي) أمريكي وأوروبي، هو مثقف مُنهزم، إنسانيا هُزِمَ على غير إرادته. حاول النصر في وطنه، فهُزمَ بالقتل والتدمير، ووجوده أمام بوابات اللجوء لا يعني سوى أنه هرب من السجن، إلى المقبرة (إن وجدت) أو المخيم.

عودة إلى تفهم الهزيمة الشخصية وربما الجماعية، والتفهم لا يعني الاستسلام، بل هو تحديد لموقع ما، موقعنا الذي واجب على الجميع أن يغادره ويكسر جدراه، ونفهم كيف نكسِّر تلك المواقع التي حوصرنا فيها قسرا بسبب أدوات الهيمنة. المثقف ليس شخصا، بل هو حالة إنسانية يجب أن نتفَهمها، إنسانيا أولا، فمن يشتبك مع قوى الهيمنة ليس مطلوبا منه أي يستمر في الاشتباك دون الوقوع. الوقوع إنساني جدا (انتحار أروى صالح وجنون لؤي كيالي)، ولا يعني الموات التام، بل يعني إعادة النظر وتأطير الرؤى للنهوض مرة أُخرى، والاشتباك ليس معرفيا فحسب، بل ممارساتيّا للخلاص من الواقع المهزوم.

وكون أن الثقافة أو الهزيمة أو المقاومة ليست فردا، بل هي حالة، فستجد من لديه الروح، في ظل مَوات الأرواح، لإعادة إنتاج المقاومة واستمرارها بكل أشكالها. في مصر، والعالم كلّه، لا تزال الصرخات موجودة، فرغم السياسات التوحشية لسلطوية السيسي، إلَّا أن شخصيات مستقلة وتنظيمية، فكرية وسياسية، أعلنت انضمامها لأسطول الصمود العالمي، وبدورها تحاول قدر إمكانها تنظيم نفسها للالتحاق به من الشواطئ المصرية، غير آبهة بالعقبات التي ستواجهها من السُلطوية. توجد هزيمة، لكن مهما كان حجمها بإمكاننا الخروج منها، والمقاومة الملتحمة بالثقافة شرط أساسي لهذا الخروج.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مصري العربية غزة المثقفين الإنساني مصر غزة إنسان عرب مثقف قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

من الطرق إلى المرافق.. تحركات أرض الواقع لتعزيز كفاءة خدمات العبور الجديدة

تابع المهندس محمود مراد، رئيس جهاز تنمية مدينة العبور الجديدة، متابعة ميدانية موسعة شملت عددًا من القطاعات الحيوية بالمدينة، للوقوف على معدلات التنفيذ الفعلية، وضمان الالتزام بأعلى معايير الجودة والمواصفات الفنية والجداول الزمنية المعتمدة، بما يسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

وتأتي هذه المتابعة تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بالإسراع في تنفيذ المشروعات القومية، وفي ضوء استراتيجية وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ووفق تكليفات المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التي تؤكد على أهمية المتابعة الميدانية الدورية والتدخل الفوري لتذليل أي معوقات قد تؤثر على سير العمل.

نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لمتابعة الاحتياجات من الطلمبات لشركات مياه الشرب والصرف الصحيالإسكان: حزمة حوافز عمرانية للتوجه نحو البناء الأخضرمشروعات 200 فدان بمارينا | الإسكان والمرافق في أسبوع

وفي ذات السياق كان من أولوية المتابعة أعمال صيانة خزان تكديس مياه العبور الجديدة بسعة 10 آلاف متر مكعب، إلى جانب متابعة أعمال الصيانة الدورية لعنبر التشغيل، بما يضمن كفاءة التشغيل واستمرارية ضخ المياه بانتظام وبمعدلات آمنة.

وفي إطار الحفاظ على المظهر الحضاري وتعزيز الرقعة الخضراء، تمت متابعة أعمال التسميد الشتوي للمسطحات الخضراء والأشجار بمنطقة الطابع الحديث والحي الرابع عشر، بهدف تحسين البيئة العامة وتحقيق التوازن البيئي داخل المدينة.

كما تضمنت المتابعة أعمال الصيانة الوقائية لشبكات الصرف الصحي وبلاعات الأمطار بحي سكن مصر وحي الحرية، بما في ذلك غرف المحابس، لضمان كفاءة تصريف المياه ومنع تراكمها، حفاظًا على سلامة البنية التحتية.

وفي قطاع النظافة، تابع رئيس الجهاز أعمال النظافة اليومية بحي سكن مصر، مؤكدًا على ضرورة تكثيف جهود الجمع الفوري للمخلفات، والحفاظ على المستوى الحضاري والمظهر العام للمدينة.

وشملت المتابعة أيضًا تنفيذ بردورات الأرصفة وأماكن انتظار السيارات بالمناطق L27 وL28، بما يسهم في تنظيم حركة الانتظار وتحسين السيولة المرورية.

كما تابع رئيس الجهاز آخر مستجدات الأعمال الإنشائية بمشروع "ديارنا"، للوقوف على نسب التنفيذ ومراحل العمل المختلفة، بما يضمن دفع معدلات الإنجاز وتحقيق المستهدفات المخططة.

وفي سياق استكمال منظومة الطرق، تابع أعمال تجهيز فرمة الطرق الأساسية بالمرحلة السادسة بالحي 37 ضمن مشروع 125 عمارة، تمهيدًا لاستكمال البنية التحتية للطرق الداخلية والبدء في أعمال الرصف النهائي.

وأكد رئيس الجهاز أن هذه المتابعات الميدانية المباشرة والمستمرة تعكس حرصه الدائم على رفع كفاءة البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات، وذلك في إطار رؤية الدولة لبناء مدن جديدة مستدامة ومتكاملة تلبي احتياجات السكان الحالية وتواكب تطلعات الأجيال المقبلة.


طباعة شارك جهاز تنمية مدينة العبور الجديدة القيادة السياسية مال واعمال اخبار مصر المهندس شريف الشربيني وزير الاسكان والمرافق هيئة المجتمعات العمرانية أعمال صيانة خزان تكديس مياه العبور الجديدة

مقالات مشابهة

  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • من الطرق إلى المرافق.. تحركات أرض الواقع لتعزيز كفاءة خدمات العبور الجديدة
  • رسالة اللاغفران.. جحيم المثقف العربي وتكسير أصنام الثقافة
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح
  • نحو منظومة إنتاجية أكثر إنسانية واستدامة
  • اقتحموا مكاتب هذه الاحزاب الكسيحة..
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • العداء الإثيوبي.. والصبر المصرى
  • الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا