بوووز السمكة

في أحد مؤتمرات الخطوط السعودية قبل سنوات، كنا نسهر في خيمة فندقية تُقدَّم فيها الشيشة للمدخنين، راقبت حينها بدهشة حركات أفواه المدخنين، وهم يمسكون بخرطوم الشيشة، وكلٌ منهم له طريقته اللا إرادية في الشفط والنفخ . طلبت من المصوّر التقاط صور لأفواههم فقط، وفي اليوم التالي عرضنا الصور على الشاشة؛ فتفجرت الضحكات.

لكن ما كان في الماضي مشهداً فكاهياً بات اليوم مشهداً مؤلماً ومُربكاً. قبل أيام، وبينما كنت أتجوّل في أحد المراكز التجارية، لفت انتباهي عدد من السيدات من مختلف الأعمار، وقد تغيّرت ملامح أفواههنّ بشكل ملفت؛ شفاهٌ ممتلئة تبرز إلى الأمام بشكل غير طبيعي أقرب ما تكون إلى”فم السمكة”؛ بفعل عمليات التجميل والحقن المتكررة. تلك المشاهد تثير أسئلة كثيرة حول حدود التجميل وأسبابه وتبعاته، لقد أصبح التجميل اليوم لغة العصر، لا سيما في المجتمعات الخليجية والعربية؛ حيث تحوّل من وسيلة لتحسين مظهر بسيط إلى سلاحٍ لتغيير شامل في الملامح؛ يفقد الإنسان شيئاً من هويته الطبيعية. لم تعد هذه العمليات تقتصر على المشاهير أو الحالات الطبية؛ بل أصبحت مطلباً عاماً لتلبية معايير جمالية افتراضية فرضتها وسائط التواصل والمشاهير. النتائج لا تقتصر على المظهر فحسب؛ بل تمتد إلى تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة. الشباب اليوم يقيسون قيمتهم بعدد “اللايكات” والاعجاب، ودرجة الشبه بنماذج مثالية غير واقعية. هناك من أدمن التجميل فصار يُعدّل ملامحه بشكل دائم، ويتحوّل وجهه إلى مشروع بلا نهاية، وفي خضمّ هذا الهوس نغفل عن الجمال الحقيقي الذي يكمن في القبول الذاتي والاعتزاز بالملامح الطبيعية، والتقدّم في العمر بكرامة. ليس الخطأ في التجميل بحد ذاته؛ بل في الإفراط، وفي سعي البعض إلى تقليد صورة موحدة تمحو خصوصيتهم. إننا بحاجة إلى ثقافة جمالية أكثر وعياً، تعيد للجمال معناه الأصيل، وتحرّرنا من عبودية الصورة. فلتكن ملامحنا مرآة لأرواحنا، لا لحقننا. وليكن “فم السمكة” تذكرة رمزية بأن الجمال لا يُحقن؛ بل يُولد من الداخل.

 

المصدر: صحيفة البلاد