هل تنجر بولندا إلى حرب وشيكة مع روسيا؟
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
موسكوـ وسط أجواء التوتر والتصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي إطار مساعيها لتعزيز الجاهزية القتالية، تتواصل في بولندا برامج تدريب المدنيين على القتال وشمولها مدنا جديدة، في حال تعززت الهواجس باحتمال انزلاق الصراع الروسي الأوكراني إلى فتح جبهات جديدة بين روسيا وبلدان الحلف.
وبحسب مراقبين روس، فإن الاتحاد الأوروبي، من خلال البوابة البولندية، اختار تصعيد التوتر في علاقاته مع روسيا بدلا من السعي إلى حل دبلوماسي سواء للأزمة الأوكرانية، أو للتوتر جراء اتهام روسيا بإرسال مسيّرات إلى أجواء عدد من بلدان الحلف، وهو ما نفته موسكو.
وما يعزز من الهواجس الروسية تجاه التحركات البولندية والتصريحات الغربية هو تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين نفسه أمام منتدى "فالداي" للحوار، الذي قال فيه إن "جميع دول حلف الناتو في حالة حرب حاليا مع روسيا".
وأضاف أن "دور مدربي التحالف لا يقتصر على تدريب القوات الأوكرانية فحسب، بل يشمل أيضا تنفيذ القرارات، ولكن من يرغب في منافستنا عسكريا، فله ذلك، لن يتأخر الرد على عسكرة أوروبا، فالجيش الروسي هو الأكثر جاهزية للقتال في العالم".
وتحدث بوتين في كلمته عن بولندا بشكل مباشر، وتعمّد التذكير بالتاريخ بقوله إنها ارتكبت العديد من الأخطاء قبل الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لذلك "سقطت في فخ العدوان النازي".
في هذه الأجواء، أصدر جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي بيانا حول ما وصفه بـ "استفزاز أوكراني مخطط له"، ذكر فيه أن "مجموعة تخريبية مؤلفة من مقاتلين من جماعات موالية لأوكرانيا تخطط للتسلل إلى بولندا متنكرين في زي قوات الأمن الروسية والبيلاروسية، وبعد اعتقالهم من قبل السلطات البولندية، سيتهم هؤلاء موسكو ومينسك بالتحضير لهجمات على بنى تحتية حيوية، بما في ذلك استخدام طائرات مسيّرة".
إعلانووفقا لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، فإن الغرض من هذه العملية هو تأجيج المشاعر المعادية لروسيا داخل حلف الناتو وتصعيد الصراع.
ومنذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لم يصل منسوب التوتر بين روسيا والغرب إلى حد الحديث بصراحة عن وجود إرهاصات مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين كما هو الحال في الأشهر القليلة الماضية.
وأخذت الأزمة منعطفها الأخطر على الإطلاق بعد أن وجّهت بولندا ودول أوروبية أخرى اتهامات لروسيا بخرق مجالها الجوي عبر مسيّرات، تبعتها إجراءات ذات طابع أمني وعسكري، شملت من بين أمور أخرى الاستعداد لإنشاء ما سمي أوروبيا بـ"جدار المسيّرات".
واللافت هنا أنه حتى خلال الحرب الباردة، شهد كلا الجانبين عددا من الانتهاكات الأكثر خطورة للمجال الجوي، بعضها أدى إلى إسقاط طائرات تابعة لحلف شمال الأطلسي ومقتل طيارين أميركيين وبريطانيين. لكن هذه الحوادث لم تؤد إلى تهديدات بالحرب، بل إلى محاولات حثيثة لتهدئة التوترات وتطوير سبل لتجنب تكرارها.
الهدف الحقيقي
يعتبر الخبير في الشؤون الأمنية نيكولاي بابكين أن الهدف الحقيقي من "الضجة" التي تثيرها بولندا حول ما تصفها بالاستفزازت الروسية هو التمهيد للاستخدام المباشر لأنظمة الدفاع الجوي من الدول الغربية لحماية أوكرانيا خلال النزاع، كبديل عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة.
ويوضح في تعليق للجزيرة نت بأن القوات الروسية خلقت حالة من التوتر على خط المواجهة لا تستطيع القوات الأوكرانية السيطرة عليها، مما يزيد من احتمال قيام أوكرانيا باستفزازات لإلقاء اللوم على روسيا.
ويتابع بأن الدفاعات الجوية الأوكرانية عاجزة عن مواجهة الهجمات الروسية الضخمة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ، وبالتالي فإن استخدام موارد الناتو -ليس بمعنى إمدادات الأسلحة بل تحديدا المساعدة العسكرية- لإسقاط أنظمة الدفاع الجوي الروسية هو موضوع ساخن بالنسبة لهم، لا سيما في المناطق الغربية والوسطى من أوكرانيا، حيث تصل إليها بهدوء.
وبرأيه، فإن هذه الخطة تستوجب إيجاد غطاء يبرر قيام حلف الناتو بهذه الخطوة تحت غطاء وجود تهديد مباشر للمنظومة الغربية، أو ضد دولة عضو في الحلف، سيسمح لهم بإدخال أو التهديد بإدخال المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي بشأن الأمن الجماعي.
الخطاب العدوانيلكن الخبير في الشؤون العسكرية ألكسي أرباتوف، يذهب إلى القول بأن احتمال نشوب حرب بين روسيا وأوروبا يصل إلى نسبة 30-35%، وأن هذا الاحتمال يعد مرتفعا جدا بالنسبة للدول أو التحالفات التي تمتلك أسلحة نووية.
وحسب أرباتوف للجزيرة نت، فإن التهديد حقيقي تماما، بما في ذلك بالنظر إلى ما وراء الخطاب العدواني الجديد للرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه روسيا، فضلا عن تصريحات الساسة الأوروبيين.
ويضيف أن محاولات جر بولندا إلى الحرب مع روسيا ليست رغبة كييف أو وارسو، بل هي تعبير عن مصالح الجزء المؤثر في المؤسسة الغربية المسؤول عن الصراع الحالي، لافتا إلى أنه في الأزمة الأوكرانية لا تفعل بولندا سوى تنفيذ الأوامر الغربية.
إعلانورأى الخبير أن الكلمة الأخيرة للرئيس بوتين تحمل بين طياتها وجود معطيات لخوض الحرب، وهو ما يفسر تشديده على الإمكانيات القتالية الهائلة للجيش الروسي واستعداده إلى الذهاب إلى أكثر الخيارات تشددا.
ويلفت أرباتوف إلى تراجع الحديث بشكل ملحوظ عن تسوية سياسية للأزمة بين موسكو وكييف، بعد أن علقت الآمال على ذلك إلى حد كبير بعد عودة دونالد ترامب لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة، وحديثه عن سعية لوقف الحرب، لكن قمة ألاسكا التي جمعته بنظيره الروسي في أواسط أغسطس/آب الماضي أكدت -حسب المتحدث- فشل الجانبين بالتوصل إلى أي اتفاقيات بشأن كيفية إنهاء الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات بین روسیا مع روسیا
إقرأ أيضاً:
الحرب تؤزّم الوضع النفسي للفلسطينيين بالصفة الغربية
الضفة الغربية – منذ تحررها من سجون الاحتلال، تعيش الفلسطينية سوزان العويوي قلقا مستمرا يحرمها طمأنينة العيش بسلام، وتضاعف هذا القلق خلال السنتين الأخيرتين اللتين تشهد فيهما البلاد حرب إبادة إسرائيلية تتركز في قطاع غزة وتشمل تصعيدا مستمرا في الضفة الغربية المحتلة.
خلال العامين الماضيين، لم تغادر سوزان مدينتها الخليل جنوبي الضفة الغربية، المدينة المزدحمة بالحواجز العسكرية الإسرائيلية، واقتصر تحركها اليومي على شارعين أو ثلاثة فقط، في محاولة لتجنّب أي احتكاك مع جنود الاحتلال، وحماية نفسها من خطر إعادة الاعتقال أو التعرض للتنكيل على الحواجز.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف أفشلت المقاومة أهداف الاحتلال في غزة على مدار عامين؟list 2 of 2الإبادة التي تُغيّر العالمend of listوفي المرة الوحيدة التي قررت فيها الخروج نحو بيت لحم، رغم أن المسافة قصيرة نسبيا، واجهت ما كانت تخشاه، فقد تم توقيفها على حاجز عسكري لأكثر من ساعتين، وعادت إلى ذكرياتها مع الاعتقال السابق، حتى إنها أعدَّت نفسها لاحتمال الاعتقال، واتصلت بعائلتها لتستلم سيارتها قبل أن يصادرها الاحتلال. لكنها نجت هذه المرة.
مكبّلة
منذ تلك الحادثة، لم تكرر سوزان التجربة، وأصبحت حياتها اليومية أشبه بالعيش في سجن مفتوح يقيّد حركتها ويضاعف شعورها بالخوف والقلق.
تقول سوزان للجزيرة نت "انعكس ذلك على حياتي الاجتماعية، فأصبحت الحركة ضيقة جدا، لا أستطيع زيارة أقاربي أو الأصدقاء كما كنت أفعل سابقا، لأن ذلك يضعني في توتر دائم".
وتضيف أنّه منذ بدء الحرب على غزة، ومع تصاعد الاعتقالات واستهداف الأسرى السابقين والاقتحامات اليومية للمدن والبلدات، لم تعرف طعم النوم ليلا؛ فأصبحت تعيش في ترقب دائم للأخبار والاقتحامات، مما جعل التوتر والخوف جزءا من حياتها اليومية.
وتشرح أن التوتر المستمر أثّر مباشرة على صحتها الجسدية، إذ أصيبت بأمراض عديدة نتيجة الضغوط النفسية، مثل القلق الدائم والذئبة الحمراء (مرض مناعي يتأثر بالحالة النفسية) ومشاكل في القولون، مؤكدة أنها تبذل جهدا كبيرا للسيطرة على هذه الأعراض حتى لا تتطور أو تتضاعف.
لا تختلف ظروف مريم شواهنة، من طولكرم شمالي الضفة الغربية، زوجة الأسير في سجون الاحتلال حمزة الصافي، عن حال سوزان كثيرا، فمنذ اعتقال زوجها في الأيام الأولى من الحرب، تعيش مريم حالة دائمة من الخوف والقلق، حيث اقتحم جنود الاحتلال منزلها بطريقة عنيفة، و"انتزعوا منه الدفء والأمان والعامود الذي كان يستند عليه هذا البيت الصغير"، كما تقول.
إعلانوتروي مريم معاناتها وهي تذرف دموعها "عندما يقتحم غريب بيتك ويسلب منه أمانه واستقراره، هذا شعور لا يُسترد طالما الأسير خلف القضبان، ويبقى عالقا في قلب العائلة وأطفالها".
منذ اعتقال زوجها، تعيش مريم تحت وطأة تهديدات متكررة وضغوط نفسية متواصلة من قبل قوات الاحتلال، وتواجه الحياة بمفردها مع طفلين، أكبرهما لا تتجاوز الخامسة من عمرها.
وتقول للجزيرة نت "آخر تهديد كان قبل شهر تقريبا خلال اقتحام المنزل وإخضاعنا لتحقيق ميداني من ضابط المنطقة. أشعر أن التهديدات هدم لإرادة الإنسان، وكأنهم لم يكتفوا باعتقال الأسير وتفكيك العائلة، بل يريدون حرماننا من محاولة استعادة حياتنا الطبيعية".
هذه الملاحقة المستمرة تجعل مريم وعائلتها في حالة قلق وترقب دائم، مما يؤثر على إحساسها بالأمان وقدرتها على ممارسة حياتها اليومية، ويجعلها تحاول جاهدة إخفاء قلقها عن طفليها للحفاظ على توازنهما العاطفي.
قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واسعة في الضفة الغربية#حرب_غزة pic.twitter.com/hlI23waWD8
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 5, 2025
وضع مأزومتقول الطبيبة النفسية سماح جبر إن الوضع النفسي في الضفة الغربية المحتلة أصبح حالة مأزومة ومستمرة، فنسبة كبيرة يعانون من التوتر المزمن، ويواجه المواطنون ضغطا يوميا يشمل انتشار الحواجز العسكرية ومحدودية الحركة، ونزوحا في مخيمات شمال الضفة، والقلق من الاقتحامات، والخوف الدائم من الاعتقال أو القتل.
وتضيف سماح، التي شغلت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سابقا، أن هذا الواقع خلق حالة من الإرهاق النفسي الجماعي حتى لدى من حاولوا التكيف مع الصدمات السابقة، إذ تراجعت قدراتهم على التحمل وظهرت لديهم أعراض مثل التعب العاطفي وصعوبات النوم والتركيز.
وتشير إلى أن تقارير منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية تؤكد ارتفاعا كبيرا في الاحتياجات النفسية وخدمات الدعم بعد الحرب.
وتشير الطبيبة سماح إلى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الفلسطيني وهي الأطفال والنساء والمسنون، كونهم الأكثر تعرضا للعنف المباشر والضغوط المستمرة، مما يجعلهم أكثر عرضة لخطر الاكتئاب والقلق، وتؤدي إلى عزلة واضطرابات جسدية ونفسية متفاقمة.
وتشدد على أن المعاناة لم تقتصر على هذه الفئات، إذ سجلت العيادات النفسية تزايدا في أعراض القلق والاكتئاب واضطرابات النوم حتى بين طلاب الجامعات والعاملين الصحيين.
وبشأن الإحصاءات -توضح سماح جبر- أن المعطيات الرسمية المباشرة بخصوص الضفة الغربية فقط خلال سنتين بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023 محدودة، وبسبب غياب مسح وطني شامل فمن الصعب تحديد نسب دقيقة للمعاناة النفسية بالضفة، رغم أن تقارير منظمة الصحة العالمية وأبحاثا محلية تشير لارتفاع واضح في معدلات الاضطرابات النفسية في مختلف المناطق، حتى وإن لم تُنشر بعد أرقام وطنية موحدة.
وتختم بالتأكيد أنّ الوضع النفسي في الضفة مأزوم ومتزايد مع أسى وقلق واكتئاب واضحين، داعية إلى توسيع خدمات الصحة النفسية الجماعية، وتدريب المزيد من العاملين، وتفعيل برامج مخصّصة للأطفال والأمهات والشباب.
إعلان دعم نفسيمن جهته، يؤكد تقرير عن آخر مستجدات الحالة الإنسانية، أعدته منظمة "أطباء بلا حدود" في الضفة الغربية المحتلة ونشرته خلال سبتمبر/أيلول الماضي، أن "الانهيار الاقتصادي يتجلى بشكل متزايد في صورة ضائقة نفسية"، مشيرا إلى أن نحو واحد من كل 4 مرضى راجع عيادات الصحة النفسية (22%) في جنين وطولكرم، أفادوا بأن "فقدان الدخل كان السبب الرئيسي لمراجعتهم مكاتب الاستشارات النفسية الأولية".
وحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة، فإن فريقها للصحة النفسية والمرضى يتأثرون بالقيود المشددة على الحركة، مشيرة إلى تقديم 174 جلسة دعم نفسي عن بُعد خلال يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بمتوسط 37 جلسة شهرية خلال الأشهر السابقة من العام نفسه، أي بزيادة قدرها 370%.
ووفقا لنتائج استطلاع للمنظمة شمل 95 مريضا اختيروا عشوائيا من بين المستفيدين من خدمات الصحة النفسية بمحافظة الخليل في مايو/أيار الماضي، أفاد 31% بأنهم أوقفوا عند حواجز عسكرية، مما أثر بشكل مباشر على وقت الوصول إلى غرفة الاستشارات التابعة لها.
وبينما بلغ متوسط وقت الوصول لدى المرضى الذين تم توقيفهم 60 دقيقة، أفاد 15% من المشاركين بتعرضهم للعنف على يد الجنود أو المستوطنين في أثناء تنقلهم. وتشير معطيات المنظمة لعام 2024 إلى تقديمها 36 ألفا و700 استشارة صحة نفسية فردية.