يسعى مشروع التجديد الحضري للحارات القديمة بمحافظة شمال الشرقية إلى إحياء الطابع التراثي للمناطق السكنية التاريخية وذلك بإعادة تأهيل الأحياء السكنية القديمة مع دمجها بالمعايير الحديثة للتخطيط العمراني والخدمات، ويأتي هذا المشروع ضمن رؤية شاملة للتطوير الحضري وأنسنة المدن ورفع كفاءتها البيئية والاجتماعية، بما يسهم في إيجاد بيئة عمرانية متكاملة ومستدامة، تستهدف إعادة تأهيل الأحياء السكنية القديمة، بما يواكب متطلبات التنمية المستدامة ويحافظ في الوقت ذاته على الهوية المعمارية والتراثية لتلك المناطق، ويعتبر هذا المشروع جزءا من الاستراتيجية الشاملة في سلطنة عمان التي تهدف إلى الارتقاء بالمشهد الحضري، وتعزيز كفاءة البنية الأساسية، وتوفير بيئة سكنية متكاملة وآمنة للسكان، ويأتي هذا المشروع بشراكة القطاع الحكومي والخاص والمشاركة المجتمعية، بفرص استثمارية ومستقبلية واعدة تشمل التراث المادي وغير المادي لتلك الحارات.

ماهية المشروع

ويتضح مفهوم التجديد الحضري في تحسين وتطوير المدن والمجتمعات الحضرية والتراثية بشكل كامل وشامل يهدف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة البيئية وتحسين البيئة الحضرية والتراثية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية.

وتتجلى أهمية مشروع التجديد الحضري للحارات القديمة بشمال الشرقية في تعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات لإيجاد فرص عمل جديدة، مما يساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستوى المعيشة على المستوى الوطني. والأهمية الأخرى تتمثل في تحسين البنية الأساسية وتشمل الطرق والصرف الصحي والكهرباء وشبكة الاتصالات. من جانب آخر تظهر أهمية مشروع التجديد الحضري للحارات القديمة في الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية وذلك من خلال تحسين المباني التاريخية وإعادة استخدامها، بالإضافة إلى بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة وذلك بخلق بيئة حضرية مستدامة قادرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية. ناهيك عن التماسك الاجتماعي الذي سيحافظ على المجتمعات المحلية وتجنب تهجير السكان أو تهميشهم.

اختيار المواقع

ويعتمد اختيار المواقع المستحقة للتجديد الحضري إلى عدة معايير منها ألا تتداخل حدود الموقع مع نطاقات المخططات الهيكلية الكبرى، وألّا تكون من ضمن المواقع المحددة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وأن يكون موقع منطقة قائمة بها تمركز سكاني، وتحديد نطاق التجديد على مستوى حي سكني أو تجاري أو تراثي، ونقص الخدمات الأساسية وضعف البنى الأساسية، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون العائد الاقتصادي طويل الأمد، مع مراعاة مدى سهولة تنفيذ المشروع من الناحية الهندسية والمالية وأن يحتوي المكان المختار على مواقع تاريخية أو ثقافية أو سياحية، والأولوية للمناطق المحددة من قبل الاستراتيجية العمرانية وتتمتع بنقاط جذب من المجتمع المحلي والقيادات المحلية. وسيكون مسار المشروع بداية بولاية القابل مرورًا بولاية إبراء بحارتي المنزفة والقناطر، ثم ولاية المضيبي في موقع سوق المسيلة ختاما بولاية سناو في ثلاثة مواقع وهي حارة الصواوفة وحارة البراشد وحارة السوق.

سوق المضيرب أنموذجًا

لقد كانت حارة (المضيرب) تقع على أحد طرق التجارة الرئيسية التي تربط المناطق الداخلية في سلطنة عمان بالمراكز التجارية المهمة في المحيط الهندي. وإن المركز الحضري في حالة جيدة نسبياً على الرغم من أن استمرار سكن الموقع قد أدى غلى «تحديث» العديد من المباني بمواد البناء الحديثة مثل الإسمنت والخرسانة، ومع ذلك لا تزال الحارة مثالا ممتازا للهندسة المعمارية التقليدية والتطور التراثي. لذا جاءت أول تجربة للتجديد الحضري للتراث المادي وغير المادي بشمال الشرقية في موقع سوق المضيرب بولاية القابل باعتباره مثالا لمشروع نموذجي يتطابق مع مخرجات التجديد الحضري في المنطقة، بعد أن تم جمع وتحليل البيانات للموقع الذي مر بعدة خطوات ومراحل، حيث تم ذلك من خلال زيارات ميدانية وجمع البيانات بكتابة التقارير والخرائط المفصلة عن المنطقة وتجميع معلومات وبيانات ديموغرافية للمنطقة والكثافة السكانية. بالإضافة إلى إعداد خرائط تحليلية لمداخل ومخارج المنطقة وطبغرافية المنطقة واستعمالات المباني وعدد الطوابق والمرافق العامة (الحدائق، المماشي والخدمات بشكل عام). كذلك دراسة البنية الأساسية في المنطقة كالشوارع وشبكات الخدمات والمواقف، وعمل تحليل (SWOT) لتحديد نقاط القوة والتحيات والفرص. وذلك بعد أن جاء واقع سوق المضيرب به عدة مشكلات منها أن السوق يحتاج إلى تحسين جودة المساحات المفتوحة ولخلق مساحات مؤنسنة فيه، كما أن واجهات المحلات غير جذابة وجودة المباني الموجودة فيه ضعيفة جدًا، بالإضافة على أن السوق يحتاج إلى تقليل حركة السيارات فيه وزيادة ممرات المشاة وتوسعتها. وتكمن نقاط القوة في هذا الموقع بوفرة المياه الجوفية ورغبة المواطنين بتجديد المنطقة والمبادرات المجتمعية السنوية وارتفاع نسبة الأفراد المتعلمين. ولكن من جانب آخر تظهر نقاط الضعف في هجرة أصحاب المنطقة وعدم مساحات خضراء بالمنطقة وتوسع النطاق السكاني على حساب النطاق الزراعي. ويكمن التهديد في انهيار أجزاء من الحصون والقلاع والإجراءات الحكومية ووجود نسبة من الأطفال في الحي.

تكاتف حكومي مجتمعي

ويأتي هذا المشروع ثمرة لتكاتف جهود بين القطاعات الحكومية المختلفة وسكان الأحياء، الذين ساهموا بدورهم في طرح المبادرات والمقترحات التي تراعي الطابع التراثي للمنطقة وتلبي احتياجاتهم اليومية، إذ تتوزع أدوار المعنيين بهذا المشروع بطرقة مباشرة وأخرى غير مباشرة مع كلٍ من مكتب محافظ شمال الشرقية ممثلاً بدوائر البلديات و دائرة المشاريع ودائرة التخطيط والاستثمار، ومكاتب أصحاب السعادة الولاة متمثلين برؤساء أقسام التنمية من وزارة التراث والسياحة، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، كل هؤلاء بارتباط مباشر مع المشروع، أما كارتباط غير مباشر فقد يأتي ذلك مع مديرية الزراعة وموارد المياه ومديرية الإسكان والتخطيط العمراني وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغرفة تجارة وصناعة عمان. أما عن المشاركة المجتمعية فتتمثل في ممثلي الحارات التراثية والأثرية، الذين يشجعهم المشروع على استخراج ملكيات للمباني وترميمها أو رفعها للاستثمار ضمن إجراءات فنية وقانونية لضمان استدامتها والمحافظة عليها. فممثلي الحارات سيقودون دفة التسويق والترويج والحراك الشامل من قبلهم لغدارة الحارات وأن يصبحوا نقطة اتصال بين مكتب المحافظ واللجان التي يترأسها مكاتب أصحاب السعادة الولاة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المشروع

إقرأ أيضاً:

الشاعرة افراح الصباح تدشن ديوانها التجديد “صندوق” في معرض الرياض الدولي للكتاب.. الخميس المقبل

تدشن الشاعرة أفراح مبارك الصباح ديوانها التجديد “صندوق” في معرض الرياض الدولي للكتاب يوم الخميس ٩ أكتوبر في منصة التوقيعات بحرم جامعة الأميرة نورة الساعة السادسة مساء
ويعتبر هذا التدشين أول حضور للشيخة أفراح في المشهد الثقافي السعودي بعد سلسلة من المشاركات الخليجية والعربية.
ويجسد الديوان تجربة جديدة ومختلفة للشاعرة بعد ديوانها الأول “شغف أزرق” الذي ترجم بعد صدوره إلى الإنجليزية.

مقالات مشابهة

  • صندوق النقد: تحسين السياسات يساعد الاقتصادات الناشئة على تحمل الصدمات
  • الشاعرة افراح الصباح تدشن ديوانها التجديد “صندوق” في معرض الرياض الدولي للكتاب.. الخميس المقبل
  • الحماية الاجتماعية تبحث تحسين تجربة المتعاملين بالداخلية
  • أمير الشرقية: التقنية جزءاً أساسياً من الحياة ويجب التوعية باستخداماتها الآمنة
  • أحمد حسن: عبدالقادر والشحات وافقا على مبدأ التجديد للأهلي
  • 12 مقعدًا و225 مرشحًا الجمعة.. تفاصيل انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء
  • «عضة كلب».. التصالح ينهي أزمة عصام الحضري مع «مهندسة الساحل»
  • نهاية أزمة عصام الحضري مع ضحية عقر كلبه في الساحل بالتصالح.. إنفوجراف
  • سفلتة سوق مودية تتواصل ضمن مشروع تأهيل خط أبين الدولي