المفاوضات بين إسرائيل وحماس: رهانات معقدة وتحديات حاسمة
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
تزامنت المفاوضات الحاسمة بين إسرائيل وحماس في شرم الشيخ مع الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، الحدث الذي غير موازين القوة في المنطقة وفتح فصلا جديدا من الصراع بين المقاومة والسياسة. رمزية التاريخ تجعل اللقاء أكثر من مجرد مفاوضات تقنية؛ إنها مواجهة غير معلنة بين ذاكرتين: ذاكرة الخوف لدى إسرائيل وذاكرة الصمود لدى الفلسطينيين.
أكبر تحد يواجه هذه الجولة يتمثل في أزمة الثقة البنيوية بين الطرفين، فالمفاوضات لا تنطلق من أرضية سلام، بل من تراكم من الوعود المجهضة والانتهاكات المتبادلة. إسرائيل تطالب بتفكيك القدرات العسكرية لحماس كشرط مسبق لأي وقف للنار، بينما ترى حماس أن ذلك يعني تسليم سلاحها قبل ضمانات حقيقية بعدم عودة الحرب. من يضمن التنفيذ؟ ومن يعاقب عند الإخلال؟ وما الجهة المخولة بالإشراف؟ في غياب آلية ضبط واضحة، يصبح كل التزام مؤجل رهينة لحسابات القوة لا للقانون أو الضمانات الدوليةهذه المفارقة تجعل كل بند من الخطة الأمريكية محاصرا بالريبة: من يضمن التنفيذ؟ ومن يعاقب عند الإخلال؟ وما الجهة المخولة بالإشراف؟ في غياب آلية ضبط واضحة، يصبح كل التزام مؤجل رهينة لحسابات القوة لا للقانون أو الضمانات الدولية.
التحدي الثاني يرتبط بالتوازن الداخلي الهش داخل المعسكرين؛ نتنياهو يدخل التفاوض وهو محاصر بضغط شعبي داخلي، وبائتلاف حكومي يتربص بأي تنازل يمكن أن يقرأ كضعف، وأي خطوة باتجاه هدنة طويلة أو انسحاب جزئي قد تفتح الباب لانهيار حكومته، لذلك يتعامل مع المفاوضات كإدارة أزمة لا كمحاولة لحلها. في المقابل، تخوض حماس بدورها معركة شرعية داخلية بين جناحها العسكري وقيادتها السياسية، حيث يخشى الصقور أن تفضي التسويات إلى تجريدهم من النفوذ، بينما ترى القيادة السياسية في أي اتفاق فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة الحضور الدولي. وهكذا تواجه المفاوضات معادلة داخلية مزدوجة: حكومة إسرائيل تخشى السقوط إن تنازلت، وحماس تخشى الانقسام إن وافقت.
أما التحدي الثالث فيتمثل في التسلسل الزمني للالتزامات، وهو قلب المعادلة التفاوضية. فالخطة الأمريكية تنص على تتابع محدد: وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وانسحاب تدريجي، ثم حوكمة انتقالية. لكن منطق القوة يجعل كل طرف يصر على أن يبدأ الآخر أولا؛ إسرائيل تشترط الإفراج الكامل عن المحتجزين قبل أي انسحاب، وحماس تطالب بوقف شامل للنار قبل أي تبادل أو التزامات أمنية. هذا الصراع على البداية يحول كل خطوة إلى فخ محتمل: فالتأخير في التنفيذ يقرأ كخداع، والامتثال المبكر يفسر كضعف. وهكذا يصبح التفاوض سلسلة من الامتحانات المتبادلة، لا مسارا نحو اتفاق نهائي.
يتجلى تحد آخر جوهري في طبيعة الحوكمة الانتقالية المقترحة لغزة، فالمبادرة الأمريكية تتحدث عن "هيئة تكنوقراطية فلسطينية بإشراف دولي" تتولى إدارة القطاع خلال المرحلة الانتقالية. غير أن هذه الصيغة، التي تبدو تقنية على الورق، تحمل في طياتها مأزقا سياسيا معقدا؛ من يختار أعضاءها؟ وما حدود صلاحياتها الأمنية؟ وهل تخضع لإشراف الأمم المتحدة أم للدول الراعية؟ إسرائيل تخشى أن تتحول إلى غطاء لعودة نفوذ حماس تحت مسمى مدني، وحماس ترى فيها محاولة لإقصائها سياسيا عبر واجهة محايدة ظاهريا. وأي غموض في هذا الملف قد يسقط المفاوضات حتى لو تم الاتفاق على باقي البنود.
ويتعاظم التحدي الخامس في البيئة الميدانية غير المستقرة، فالمفاوضات تجرى بينما لم يتوقف القصف تماما، ولم تحسم السيطرة على عدد من النقاط الميدانية، وكل حادث عسكري قادر على قلب الطاولة وإعادة الخطاب إلى لغة النار. لذلك تسعى الأطراف الوسيطة، خصوصا مصر وقطر، إلى تثبيت هدوء عملياتي مؤقت يتيح استمرار التفاوض. غير أن استمرار هذا التوازن الدقيق يتطلب ضبطا متزامنا للإعلام، وللخطاب السياسي، ولحركة القوات، وهو أمر نادر في سياق تحكمه الحسابات الانتخابية داخل إسرائيل والانفعالات الشعبية في غزة.
الخطة الأمريكية تتجنب الخوض في مسألة الدولة الفلسطينية، وتكتفي بالحديث عن "مسار مستقبلي نحو تسوية دائمة". هذا الغموض المقصود يجعل الاتفاق أقرب إلى هدنة إنسانية موسعة لا إلى حل سياسي متكامل
إلى جانب هذه العقبات المباشرة، هناك تحد هيكلي أعمق يتمثل في غياب الأفق السياسي النهائي، فالخطة الأمريكية تتجنب الخوض في مسألة الدولة الفلسطينية، وتكتفي بالحديث عن "مسار مستقبلي نحو تسوية دائمة". هذا الغموض المقصود يجعل الاتفاق أقرب إلى هدنة إنسانية موسعة لا إلى حل سياسي متكامل، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو إضفاء شرعية سياسية على طموحات ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام. كما أن ربط إعادة الإعمار بالمساعدات المشروطة والرقابة الأمنية سيجعل الاقتصاد الفلسطيني رهينة لتقلبات المزاج الدولي، ما يضعف فرص استقرار أي نظام إداري لاحق.
غير أن التحدي الأشد تأثيرا يظل سياسيا في جوهره، وهو رؤية نتنياهو لطبيعة التفاوض. فطالما ظل يرى الحوار مع حماس أداة لالتقاط الأنفاس وترتيب ميزان القوى قبل جولة جديدة من الحرب؛ لن يتحول التفاوض إلى مسار استراتيجي للسلام. هذه الرؤية البراغماتية القصيرة الأمد تجعل كل هدنة مشروطة بزوال الحاجة إليها، لا بترسيخ أسسها القانونية والسياسية. لذلك، لن تنجح أي خطة في فرض تسوية حقيقية ما لم يكسر هذا المنطق الذي يحول كل مفاوضة إلى فاصل زمني بين حرب وأخرى.
إن مفاوضات شرم الشيخ لا تُختبر بقدرتها على إنتاج نصوص دبلوماسية جديدة، بل بقدرتها على بناء ثقة سياسية متبادلة تردم الهوة بين السلاح والكلمة. لكن الطريق ما يزال محفوفا بالتحديات التي تجعل التوقيع أسهل من التنفيذ، والتنفيذ أهون من الاستمرار، وما لم يتغير منطق الصراع ذاته، ستبقى كل مفاوضة مجرد استراحة مؤقتة في حرب طويلة لم تقل بعد كلمتها الأخيرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المفاوضات إسرائيل حماس غزة ترامب إسرائيل حماس غزة مفاوضات ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
نبي الغضب : إسرائيل وصلت إلى نقطة اللا عودة وحماس تفرض شروطها
#سواليف
كشف اللواء الإسرائيلي المتقاعد #إسحاق_بريك في مقال نشره بصحيفة (معاريف) أن #إسرائيل تعيش أخطر مراحلها منذ تأسيسها، مشيرا إلى أنها وصلت إلى نقطة اللا عودة سياسيا وأمنيا واجتماعيا، بسبب #فشل_الحرب على #غزة وتداعياتها الداخلية والخارجية.
وقال بريك إن الحرب المستمرة منذ عامين على قطاع غزة لم تحقق أيا من أهدافها المعلنة، بل أظهرت #ضعف_جيش_الاحتلال الإسرائيلي وتآكل مصداقية القيادة السياسية والعسكرية، مؤكدا أن المؤسسة الأمنية في تل أبيب تعيش حالة ارتباك وتضليل متبادل بين المستويات القيادية.
#حماس أقوى وتفرض شروطها
وأضاف بريك أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ترفض خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصيغتها الحالية لكنها تقبل التفاوض، ما يعني أنها ترى نفسها قوية بما يكفي لفرض شروطها على الطاولة. وأشار بريك إلى أن الحركة تعلّمت خلال الحرب حدود قدرات جيش الاحتلال، وتتعامل مع تهديدات القيادة الإسرائيلية باستخفاف واضح.
وشكك بريك في الرواية الرسمية لجيش الاحتلال بشأن ما وصفه بإنجازاته الميدانية، مؤكدا أن الادعاءات بتدمير 60% من الأنفاق أو مقتل 20000 مقاتل من حماس مبالغ فيها وغير صحيح، مشيرا إلى أن #شبكة_الأنفاق ما تزال فاعلة، ولم ينجح الجيش في سدها أو القضاء عليها.
فشل القيادة السياسية والعسكرية
واتهم بريك رئيس وزراء الاحتلال بنيامين #نتنياهو وحكومته بتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الفشل، مضيفا أن القيادة السياسية ضللت الجمهور الإسرائيلي وخلقت أوهاما حول قدرتها على تغيير وجه الشرق الأوسط”.
ولفت إلى أن إسرائيل فقدت مئات الجنود وآلاف الجرحى وعددا من #الأسرى الذين ماتوا داخل الأنفاق، دون أي مكسب استراتيجي.
وأشار الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إلى أن العلاقة المتنامية بين الولايات المتحدة وقطر وتركيا تشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل في المستقبل، لأنها تؤسس لمحور جديد قادر على التأثير في ملفات المنطقة، بما في ذلك الصراع مع الفلسطينيين.
وختم بريك مقاله بالقول إن إسرائيل تقف اليوم على مفترق مصيري، مؤكدا أن استمرار الحرب في غزة دون أفق سياسي واضح لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار الداخلي، وفقدان الردع، وتعميق الشرخ بين الجيش والمجتمع.