عن نازية الجمهوريين الجديدة .. وحماس وإسرائيل: وباء الجبن الأخلاقي
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
أكتب اليوم عن وباء. وما هو بوباء بيولوجي؛ وإنما وباء قرارات جبانة غير أخلاقية وغير مبدئية يتخذها قادة في شتى أرجاء الطيف السياسي. ولقد كان آخر أوبئتنا البيولوجية ـ أي كوفيد 19 ـ جرثومة ضئيلة أمرضت أجسامنا، أما هذا فوباء جبن أخلاقي تراه العيون جميعها وهو يأكل الروابط المدنية التي تشد أواصر مجتمعاتنا إلى بعضها بعضا.
وثمة ثلاثة أمثلة تسيطرعليّ بصفة شخصية: يعاني الحزب الجمهوري اليوم من مشكلة مع النازية الجديدة ويرفض أن يواجهها. واليسار التقدمي اليوم يعاني من مشكلة موالاة لحماس ويرفض أن يواجهها. والشعب اليهودي وإسرائيل لديهما مشكلة الاستيطان اليهودي المتطرف ويأبيان أن يواجهاها.
وهذه التجميعة وإن بدت غريبة فإن عناصرها تشترك في أكثر مما تتصورون. فالنازية الجديدة في المعسكر الجمهوري تريد أمريكا مسيحية من البحر إلى البحر الساطع، فارغة من التنوع قدر المستطاع. والمستوطنون المتطرفون في الضفة الغربية يريدون دولة يهودية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، فارغة من أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين. وجهاديو حماس أيضا يريدون دولة إسلامية في فلسطين، من النهر إلى البحر نفسيهما، فارغة من أكبر عدد ممكن من اليهود الإسرائيليين.
وتشترك هذه الأمثلة الثلاثة في المزيد. ومنها أنها جميعا لم تعد تبالي بإخفاء تجاوزاتها أو أجنداتها؛ فكل شيء معلن عيانًا بيانًا على الإنترت ويوتيوب. وما من حرج لديها.
ومنها أيضا مدى تغذية كل منها للآخرين، ومدى استغلال كل منها سوء تصرفات الآخرين ذريعة ووقودا لرؤاها الملتوية.
فالنازيون الجدد من الجمهوريين يستغلون الإدانة العالمية لعنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ـ فضلا عن جميع تجاوزات إسرائيل في غزة ـ ترخيصا لتفاخرهم العلني اليوم بمعاداة السامية.
والمستوطنون العنصريون الإسرائيليون، ومن يدعمونهم في الحكومة الإسرائيلية، يتخذون من همجية حماس تفويضا أخلاقيا لخروجهم على القانون في حق الفلسطينيين في الضفة الغربية. بل لقد بدأ اليمين الإسرائيلي في الفترة الأخيرة حملة صاخبة لمنع الملاحقة القانونية لحرس إسرائيليين في السجون صورتهم العدسات وهم يسيئون معاملة سجين فلسطيني.
وفي الوقت نفسه استشهدت حماس بما زعمت أنها جهود إسرائيلية للاستيلاء على المسجد الأقصى في القدس ـ وهو ثالث المواقع المقدسة في الإسلام ـ وبإساءة معاملة الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أيضا وبعنف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، في سياق تبرير قتلهم الجماعي لليهود الإسرائيليين في السابع من أكتوبر.
لكن ما يثير اشمئزازي بحق هو الأمر الثالث المشترك بين الثلاثة، وهو مدى تبرير سلوكهم الآن أو تسويغه من المجاورين لهم في أوساطهم السياسية.
ضعوا كل هذا معا تروا بوضوح أننا نشهد انهيارا عاما للنظام الليبرالي الإنساني الذي هيمن على البلاد الديمقراطية الغربية منذ الحرب العالمية الثانية. ذلك اقتلاع كلي لما أسميه بـ«شجر المانجروف» الاجتماعي، أعني الأعراف غير المكتوبة اللازمة لكبح وتنقية وصد السلوكيات الشاذة وبث الكراهية، حتى إن لم يكن عليها مأخذ قانوني.
كثيرا ما يقال إن القس اللوثري وعالم اللاهوت المناهض للنازية ديتريش بونهوفر الذي أعدمه رجال هتلر قبل قليل من تحرير الأمريكيين لمعسكر اعتقال قد وصف التداعيات الأخلاقية لمثل هذا السلوك بقوله إن «الصمت في وجه الشر شر. وإن الرب لن يبرئنا. فالامتناع عن الكلام كلام. والتقاعس عن الفعل فعل».
لكن هذا بالضبط ما يجري اليوم. وحسبكم أن تنظروا حولكم وتنصتوا إلى دوي الصمت.
وإن تقديري عظيم لمن ينتمون إلى اليسار أو اليمين أو الوسط الذين احتجوا على قتل إسرائيل لآلاف المدنيين الفلسطينيين على جانب حملة إسرائيل للانتقام والثأر من حماس ـ أو في صلب هذه الحملة في بعض الأحيان. فهذه الاحتجاجات علامة صحة أخلاقية.
لكنني لا أزال مصدوما من إعلان وقعته أكثر من ثلاثين «جماعة تضامن فلسطيني» في هارفرد في وقت متأخر من السابع من أكتوبر قبل سنتين.
فقد جاء فيه: «نحن المنظمات الطلابية الموقعة أدناه نحمِّل النظام الإسرائيلي المسئولية كاملة عن كل ما يجري من عنف». كان ذلك بعد ساعات فقط من قتل حماس العشوائي لألف ومئتي رجل وامرأة وجندي وشيخ في إسرائيل، منهم ستمائة وثلاثون كانوا في مهرجان موسيقي، وخطف مئتين وخمسين آخرين. وقد صدر إعلان هارفرد ذلك قبل وقت طويل من قيام إسرائيل بغزو غزة ردا على ذلك.
حينما يوجه المتظاهرون المناصرون لحماس اللوم لإسرائيل في الأمر كله ويمنحون حماس تفويضا بالقتل والاعتداء الجنسي والخطف، ويتجاهلون كل ما تمثله حماس ـ من أيديولوجية إسلامية معادية للمثلية وللديمقراطية وللسامية مستعبدة للنساء، يجدر اعتبارها لعنة على الجميع، وحينما يتجاهلون المحاولات الماضية والراهنة التي بذلها ويبذلها فلسطينيون معتدلون غير منتمين إلى حماس لصياغة حل الدولتين مع الدولة اليهودية بديلا للنضال المسلح، فهم في رأيي يقولون للعالم: ليست أفعال إسرائيل هي التي تحفزنا، وإنما وجود إسرائيل في ذاته. ولذلك فإن مشروع القضاء على إسرائيل لا بد أن يأتي قبل نقد حماس.
ولا تخدعوا أنفسكم، فهذا الانحراف في الرؤية غير مقصور على شرذمة قليلة في أقصى اليسار.
ومن سوء الحظ أن الكثير للغاية من الإسرائيليين ويهود الشتات غضوا أبصارهم بالطريقة نفسها، فلا يمر يوم دون ورود خبر كهذا في صحيفة ها آرتس الإسرائيلية:
«أثارت هجمات السابع من أكتوبر وما أعقبها من تدمير إسرائيل لغزة عنفا قاتلا من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
فعلى مدى العامين اللذين قتلت فيهما قوات إسرائيلية أكثر من ثمانية وستين ألف فلسطيني في غزة، لقي أكثر من ألف فلسطيني مصرعهم في الضفة الغربية. وأقيمت بؤر استيطانية جديدة بسرعة بالغة، لتحل محل مجتمعات فلسطينية كاملة، في عملية غالبا ما كان ييسرها الجيش الإسرائيلي...وفي مواجهة هذا الواقع، يبدو أن هناك حملة منسقة في اليمين الإسرائيلي لإنكار هذا».
وما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفاقه ـ وأضم إليهم في هذا المقام جماعة الضغط الموالية لإسرائيل، آيباك، التي وفرت لنتنياهو الغطاء الجوي في واشنطن على مدى ثمانية عشر عاما في الحكم ـ في تقويض أمن إسرائيل والشعب اليهودي على المدى البعيد يتجاوز ما فعله مقاتلو حماس.
لماذا أقول هذا؟ لأنهم هم الذين أشرفوا على تحطيم أهم ثلاثة من أعمدة الأمن الإسرائيلي، بل وأسهموا في تحطيمها. وأعني بهذه الأعمدة: وحدة إسرائيل الوطنية ـ إذ سعي بيبي عمدا إلى أن يحكم من خلال التفريق لا الجمع، وكذلك التزام إسرائيل الراسخ بالقيم الديمقراطية واستقلال القضاء والتزامها بخوض حروبها وفق أخلاقيات إنسانية ـ وإن لم تطبق هذا باتساق على مدار السنين.
وكل هذا تمزق على يد نتنياهو وحلفائه في سعيهم إلى هوسهم الجنوني بضم الضفة الغربية. فإسرائيل الآن في خطر محيق، ولكن كل التهديدات التي تتعرض لها هي تهديدات نابعة من الداخل.
ثم نأتي نحن بدورنا؛ فقد انفردت مجلة بوليتيكو أخيرا بكشف ما قيل في مجموعة دردشة على تلجرام، مما يتعلق بقادة مجموعات لشباب الجمهوريين في أربع ولايات: «لقد وصفوا السود بالقردة و«قوم البطيخ» وتكلموا عن وضع خصومهم السياسيين في غرف غاز. وتكلموا عن اغتصاب أعدائهم وسوقهم إلى الانتحار وأثنوا على الجمهوريين الذين يعتقدون أنهم يناصرون العبودية». فضلا عن كثير من معاداة السامية أيضا.
فقال نائب الرئيس جيه دي فانس «أف، وماذا في هذا؟ واقع الأمر أن الصبية يتغابون، وبخاصة الصغار منهم، ويلقون من النكات ما يكون حادا ومسيئا».
صحيح أن المراهقين سيبقون دائما مراهقين، ولكن مجلة ماذر جونز اكتشفت أن ثمانية من أحد عشر عنصرا جمهوريا شاركوا في تلك الثرثرة المسيئة تتراوح أعمارهم بين أربعة وعشرين وخمسة وثلاثين عاما.
وبطبيع الحال لم ينبس الرئيس ترامب ببنت شفة لإدانة ذلك. تماما كما أنه لم ير أي ضير في المحاورة الغرامية الأخيرة التي جرت بين تاكر كارلسن ونيك فيونتس وروجت لتعاطف فيونتس مع النازية الجديدة.
وليس بغريب أن دفاع تارمب عن كارلسن تركز أساسا على نرجسيته. فقد قال الرئيس عن كارلسن إنه «قال أمورا جميلة عني على مدار السنين». فهل لشيء آخر من قيمة بعد هذا؟
كان بوسع ترامب أن يقول إن كارلسون له حق محاورة أي شخص يشاء، فهذا ما لا ينبغي الحجر عليه أبدا، على أني قول إنه شعر بالقلق من الازدراء الواضح الموجه من فيونتس للأمريكيين اليهود.
لكن ذلك ما لم يقله ترامب أو فانس، لأنهما يعرفان بلا شك أن أقليلة غير عديمة القيمة من ناخبيهما تتبنى هذه الرؤى العنصرية المعادية للسامية وهما لا يريدان تنفيرها قبل انتخابات التجديد النصفي المتوقع أن تكون شديدة السخونة.
إلى أي غور سقطنا. لقد استعملت حركات سياسية لدينا في الماضي معاداة السامية في محاولة الوصول إلى البيت الأبيض، ومن هذه على سبيل المثال أولئك الذين أرادوا تشارلز لينبرج المعادي للسامية أن يترشح للرئاسة سنة 1940 لكننا لم نر حتى جيه دي فانس ودونالد ترامب تسويغ معاداة السامية من أجل البقاء في السلطة.
رأينا عنصريين يهودا من أمثال الحاخام مائير كاهان يصلون بالانتخابات إلى الكينيست الإسرائيلي لكننا لم نرهم يضعون سياسة دفاع إسرائيلية إلى أن أعطاهم بيبي المفاتيح. رأينا مظاهرات مناصرة للفلسطينيين بوفرة على مدى السنين، لكن أيا منها في ما أذكر لم يمنح حماس إجازة كاملة بعد مجزرة ترتكبها في حق مدنيين إسرائيليين.
هكذا تنهار الأعراف، وتهوي بمجتمعاتنا.
ولذلك فإن عندي رسالة واحدة لكل من ترامب وفانس ونتنياهو والمتظاهرين الموالين لحماس. وهي رسالة موجهة أصلا من ليز تشيني إلى زملائها الجمهوريين في مجلس النواب ممن أعموا عيونهم عن تأجيج ترامب لانتفاضة السادس من يناير في مبنى الكابيتول الأمريكي: «أقول هذا لزملائي الجمهوريين الذين يدافعون عما لا يمكن الدفاع عنه: سوف يأتي يوم يرحل فيه دونالد ترامب، أما خزيكم أنتم فسوف يبقى».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
1468 أسيراً من غزة في صفقة التبادل وحماس تكشف تراجع الاحتلال عن 11 اسمًا
أفادت حركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الأحد، بأنها تسلّمت عبر الوسطاء قائمة تضم 1468 أسيراً من قطاع غزة اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة منذ عامين، وذلك ضمن صفقة التبادل وفي إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضحت الحركة في بيان أن القائمة وصلت بعد أكثر من شهر من التواصل عبر الوسطاء، مؤكدة أنها قامت بمراجعة الأسماء والتحقق من أوضاع جميع الأسرى الواردة في القائمة، باستثناء 11 اسماً لا تزال التحريات جارية بشأنهم بعد تراجع الاحتلال عن الاعتراف بوجودهم في سجونه.
وحملت حماس الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى، محذرة من أي تلاعب أو خلل في البيانات المسلّمة، ومؤكدة أن تل أبيب لا تزال تخفي قسراً أسماء وأعداداً أخرى من المعتقلين وترفض الكشف عنها، بينما تواصل الحركة جهودها لمعرفة مصيرهم.
كما نشر مكتب إعلام الأسرى التابع للحركة القائمة الكاملة، مرفقة بملحق يضم أسماء الأسرى الـ11 الذين تراجع الاحتلال عن إدراجهم، معتبراً ذلك دليلاً إضافياً على سياسة "المماطلة والتضليل".
وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أفرجت الفصائل الفلسطينية عن 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، إضافة إلى رفات 27 آخرين من أصل 28. في المقابل، أعلنت سلطات الاحتلال أن بعض الرفات التي تسلّمتها لا تعود لأسراها، وأن رفاتاً آخر كان قديماً. وفي الجهة المقابلة، أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن 1968 أسيراً فلسطينياً، بينهم 1700 من غزة و250 محكوماً بالمؤبد، خرج كثير منهم في أوضاع صحية متدهورة نتيجة التعذيب والتجويع، وفق منظمات حقوقية.
كما أعاد الاحتلال 330 جثماناً مجهول الهوية إلى القطاع، بعضها متحلّل وبعضها يحمل آثار تعذيب، دون تقديم أي توضيحات حول ظروف احتجاز أصحابها أو مقتلهم.
ويشترط الاحتلال للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق تسلّم رفات ثلاثة أسرى متبقّين، بينما تؤكد حماس أن استخراج الرفات يحتاج وقتاً نظراً للدمار الواسع ومنع الاحتلال دخول الآليات اللازمة لرفع الركام. وتشير منظمات فلسطينية إلى وجود آلاف الجثامين تحت الأنقاض منذ بداية الحرب.
ولا يزال أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم نساء وأطفال، يعاني كثير منهم سوء المعاملة والتعذيب والإهمال الطبي، وقد قضى عدد منهم نتيجة لذلك، بحسب تقارير حقوقية فلسطينية وإسرائيلية.
وتؤكد مؤسسات حقوقية أن العدد الحقيقي للمعتقلين من غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 غير معروف بسبب رفض الاحتلال نشر بيانات رسمية بشأنهم.
وأدى اتفاق وقف إطلاق النار إلى تعليق الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يُعد الأعنف في تاريخ القطاع، وأسفر عن أكثر من 69 ألف شهيد ونحو 170 ألف مصاب، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى دمار واسع قدّرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعماره بنحو 70 مليار دولار.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن