ترامب والإخوان.. بين هندسة الإرهاب وصناعة عدوّ بديل لإسرائيل
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
بينما تهتزّ خرائط النفوذ في المنطقة، ويتحوّل الإسلام السياسي من ملف محلي إلى ورقة صراع دولي، يعود اسم "الإخوان المسلمين" إلى واجهة الجدل العالمي، لا بوصفه حركة اجتماعية وسياسية ممتدّة، بل كعنوان لمعركة جديدة تخاض في واشنطن وعلى تخوم الشرق الأوسط. وفي لحظة تتقاطع فيها الشعبوية الأمريكية مع صعود اليمين المتطرف والضغط الإسرائيلي المنهجي لإعادة تشكيل الوعي الغربي تجاه قضايا المنطقة، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه يعيد تدوير ملف قديم: محاولة وسم بعض فروع الإخوان بالإرهاب، في خطوة تتجاوز القانون والمعايير الأميركية ذاتها، لتتحول إلى أداة سياسية تعيد تعريف "الخصم" في الإقليم.
في هذا المقال الخاص لـ "عربي21"، يقدّم جلال الورغي الكاتب والباحث التونسي، ورئيس المركز المغاربي للبحوث والتنمية، قراءة معمّقة تفكّك خلفيات هذا التوجّه، وتشرح دوافعه الإقليمية والدولية، وتبحث في دلالاته بالنسبة لعلاقة واشنطن بالإسلام السياسي، ولصراع الروايات بين مقاومة تُجرَّم، وإرهاب يُعاد تعريفه بما يخدم توازنات القوة لا أمن الشعوب.
جدل في سياق جديد
لا يكاد موضوع الإسلام السياسي يهدأ، حتى يعود لواجهة الجدل السياسي بأكثر سخونة وإثارة. ويأخذ هذا الجدل في كل مرة مستوى مختلفا، وسياقا جديدا، ونطاقا أوسع. وتبدو أهمية وخطورة هذا الجدل في أنه يتجاوز الإطار الوطني، أي ضمن بلد محدد، كما يتجاوز الإطار الإقليمي المتعلق بمنطقتنا، ليتحول إلى قضية تثار في أبرز العواصم العالمية، متخذا بعدا دوليا يستقطب اهتمام كل الفاعلين الدوليين.
وتجدد هذا الجدل بشأن الإسلام السياسي هذه المرة، تحت عنوان توجه أمريكي لوضع "جماعة الاخوان المسلمين" في مصر ولبنان والأردن على قائمة المنظمات الإرهابية. وجاء هذا التوجه من الإدارة الأمريكية، والرئيس دونالد ترامب تحديدا ضمن سياقات سيساعد التوقف عندها على فهم وتفسير الدوافع التي أعادت الجدل بشأن الاخوان المسلمين، والتلويح بتصنيفهم كجماعة إرهابية.
أولا ـ إيعاز ترامب لوزير خارجيته ببحث إمكانية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في ثلاث بلدان عربية وهي مصر ولبنان والأردن، كمنظمة إرهابية، جاء ليستعيد قضية قديمة جديدة، أثيرت مرات ومرات في الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدمقراطييها وجمهورييها، وانتهى المسار دوما إلى وضع الملف في الدرج بسبب صعوبات قانونية وسياسية وحتى أمنية، تحول دون المضي في وسم الجماعة بالإرهاب.
أشارت تقارير غربية أن إسرائيل ضخّت مئات الملايين في كبرى العواصم الغربية في إطار حملة علاقات عامة. وأقدمت إسرائيل على هذه الخطوة بعد أن أدركت أن صورتها تضررت بشكل كبير، وإن المزاج العام للرأي العام الغربي وللنخب تغيّر بشكل سلبي ضدها. وقد أظهرت استطلاعات رأي دولية بشكل لا لبس فيه هذا الانقلاب ضد إسرائيل.وحاول ترامب نفسه خلال ولايته الأولى وتحديدا في 2019 المضي في تصنيف الجماعة عبر تمرير قرار في الكونغرس، لكن تم التراجع بسبب عوائق قانونية وعدم استجابة مشروع القرار للمعايير القانونية المعتمدة من قبل المشرعين في الولايات المتحدة. ثانيا ـ من الواضح أن أطرافا عديدة ساهمت في التأثير على ترامب للتوجه لتصنيف بعض جماعات الاخوان كمنظمة إرهابية.
ورغم ما يقال عن مجاملة ترامب لبعض حلفائه في المنطقة من الدول العربية في ضرورة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، إلا أن الخطوة الأخيرة تبدو استجابة مباشرة لإسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي ما فتئ فيه نتنياهو وحكومته تحريض واشنطن والدول الغربية على اتخاذ إجراءات ضد الإخوان، واعتبارهم يقفون وراء حملة العداء للسامية، والتحريض على إسرائيل، وأنهم هم من يقفون وراء تحريك الرأي العام العالمي في العواصم الغربية ضد إسرائيل.
وقد اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن الرأي العام الغربي، والإعلام الغربي سقط في حبال الاخوان المسلمين وما يروجوه من دعاية ضد بلاده. ونزل اللوبي الصهيوني بثقله بعيد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من أجل استعادة صورة إسرائيل ما قبل العدوان على غزة.
وأشارت تقارير غربية أن إسرائيل ضخّت مئات الملايين في كبرى العواصم الغربية في إطار حملة علاقات عامة. وأقدمت إسرائيل على هذه الخطوة بعد أن أدركت أن صورتها تضررت بشكل كبير، وإن المزاج العام للرأي العام الغربي وللنخب تغيّر بشكل سلبي ضدها. وقد أظهرت استطلاعات رأي دولية بشكل لا لبس فيه هذا الانقلاب ضد إسرائيل.
ويعتقد مراقبون أن شخصيات من اليمين المتطرف الداعمين لإسرائيل لعبوا دورا بارزا في إقدام ترامب على هذه الخطوة، لا سيما اليمينية المتطرفة رولا لومار المعروفة بحملاتها ضد الإسلام والمسلمين، والتي تحظرها غالبية مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تطرفها ونشرها للكراهية، بينما تعتبر مقربة من ترامب. بل هناك من اعتبر خطوة ترامب جاءت لاسترضاء هذه الأصوات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، بعد الغضب الذي عبروا عنه عقب لقاء ترامب للعمدة الجديد لنيويورك زهران ممداني وإطرائه له. فاليمين المتطرف الداعم لترامب يعتبر ممداني جاء برافعة النشطاء الإسلاميين وعلى رأسهم المنظمات الأمريكية المسلمة المحسوبة على الاخوان المسلمين.
لذلك يمكن القول إن من يقف وراء تجريم الإخوان وإدراجهم على لائحة الإرهاب هي إسرائيل، واللوبي الصهيوني المتغلغل بقوة اليوم في مفاصل الإدارة الأمريكية بكل مستوياتها.
ثالثا ـ يبدو موقف ترامب الأخير بشأن الإخوان انزياحا واضحا عن مقاربة أكثر تركيبا وتعقيدا تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية لعقود، وتقوم على عدم التعاطي مع التيارات الاخوانية، دون أن يعني ذلك مواجهتها أو الاشتباك معها. وهو موقف نابع من قراءة لواقع المنطقة الذي يبدو فيه هذا التيار رقما صعبا لا يمكن القفز عليه، ولا يمكن تجاهله، ولكن أيضا لا يمكن السماح له بتصدر المشهد في المنطقة، باعتبار أنه تيار يتبنى أطروحة الاستقلال الاستراتيجي وبالتالي، قد يلحق ضررا بالمصالح الأمريكية، إن هو وصل إلى الحكم.
وتؤكد العديد من مراكز صناعة القرار الأمريكية، أن سياسة التواصل مع هذا التيار بشكل شبه رسمي، يبقي هذا التيار في الصورة، خاصة وأن التجربة أثبتت أنه مؤهل لأن يكون في الحكم بشكل أو بآخر، وبالتالي لا يمكن القطيعة الكاملة معه.
واللافت أن هذه السياسة التزم بها ترامب وتبناها في العلاقة بالحكم الجديد في سوريا، رغم أنه كان محسوبا على تيار يصنّف إرهابيا، بينما خالف هذه السياسة في العلاقة بالإخوان، رغم إدانتهم المستمرة للعنف، ورفضهم استعمال القوة في الوصول إلى الحكم أو البقاء فيه. وقد يكون اكتفاء ترامب في قراره بالجماعة في ثلاث بلدان فقط، يعكس استمرار اندراجه في أفق السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الاخوان.
رابعا ـ في وقت تسود فيه قاعدة معلومة ومحسومة لدى الجميع بأن مواجهة الأفكار والتوجهات ذات الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية، لا يمكن أن يكون بالقوة والعنف. وهذه القناعة تتردد دوما في أروقة مؤسسات صناعة القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة. لذلك تبدو فكرة تجريم الإخوان توجها انفعاليا، يقفز على القناعة السائدة بأن الأفكار لا تواجه بالعنف والتجريم، وإنما بالأفكار والسياسات القادرة على احتواء تلك الأفكار وتفكيكها.
فجماعة مثل جماعة الاخوان، ليست كما يريد من يحرضون عليها، باعتبارها ظاهرة عنفية طارئة، وإنما هي تيار فكري وسياسي واجتماعي، له جذور تاريخية عميقة، وانتشار لا يبزه فيه أي تيار فكري أو سياسي في المنطقة العربية. وقد صمد هذا التيار بل وازداد اتساعه وانتشاره في كل مرة يتعرّض فيها لحملة من العنف والقمع من قبل الأنظمة السياسية هنا أو هناك.
إن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، والتراجع الكامل عن فكرة دعم الديمقراطية أو حماية الحريات وحقوق الإنسان في دول المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والغرب، وتعزيزا لعلاقة المصالح ذات البعد التجاري المحض، لإدارة ترامب مع أنظمة المنطقة. أوقد أظهر هذا التيار قوة شعبية لافتة بعد ثورات الربيع العربي، ونجح في حسم لصالحه كل الاستحقاقات الانتخابية التي دخلها في المنطقة. ولقد سادت قناعة لدى خبراء الإسلام السياسيين من باحثين غربيين وغير غربيين، أن السبيل الأسلم في التعاطي مع هذا التيار هو التعامل معه، تواصلا واحتواء و"تأهيلا" وإشراكا. وكتبت في هذا الشأن ورقات وكتب وتقارير عديدة. لذلك تبدو فكرة التجريم والوسم بالإرهاب، غير ذات جدوى، ولا هي مفيدة لتحقيق الاستقرار أو تحييد المخاطر، بل قد يكون هذا التوجه طريقا لنتائج عكسية. إذ أن التقاط أنظمة تسلطية لفكرة التجريم الأمريكي لهذا التيار، سوفر لها غطاء لتصفية خصومها السياسيين ومعارضيها، وممارسة القمع والتضييق على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان بحجة محاربة "الإرهاب".
خامسا ـ اللافت أن هذا التيار الإخواني والذي يحتفل بعد عامين بمرور 100 عام على تأسيسه، ينبذ العنف والإرهاب، ويعتبر نفسه تيارا إصلاحيا. بل هناك من يرى أن تيار الإخوان الأصيل، لا يعمل بالسياسة وإن كانت تعنيه، وإنما ينصب اهتمامه الأساسي على التربية والإصلاح. وهذا التوجه تعكسه بشكل واضح رؤية المؤسس حسن البنا، الذي ركز في نشاطه على الدعوة والإصلاح، وكان يكاد يذم العمل الحزبي والتحزّب.
ولا يبدو توجه ترامب اليوم لتصنيف الجماعة ضمن قائمة الإرهاب، مستندا إلى معايير موضوعية، أو يعتمد على حقائق موثقة تثبت تورط الجماعة في الدعوة للإرهاب أو ممارسته. فالحركة دأبت على مدى تاريخها على المبادرة لإدانة كل أشكال العنف، ورفض الأعمال الإرهابية التي تورّطت فيها جماعات أخرى على غرار تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، أو الأعمال العنيفة التي استهدف خلال السنوات الماضية العواصم الغربية، والتي لم تتردد الجماعة في إدانتها وتعبيرها عن التضامن مع كل ضحايا العنف والإرهاب الذي يمارس باسم الدين.
كما تظهر تجارب تيار الإسلام السياسي العام، أنه رغم ما تعرض له من عنف ومن إقصاء ومن إبعاد من المشهد العام إلا أن ردة فعله بشكل عام كانت دوما سياسية، وتجنّب الاستدراج للعنف. بل تشكّلت قناعة عامة لدى هذا التيار، أن جل الأنظمة التسلطية في المنطقة تحاول وتعمل على استدراجه لمربع العنف، لتبرير إقصائه سياسيا وملاحقته أمنيا، لذلك ظل دوما يتمسك بالسلمية ونهج اللاعنف، لدرجة أنه بدأ ينظّر إلى ذلك في أدبياته الكثيرة.
ولن نبالغ إذا قلنا إن ظهور تيارات عنيفة خلال العقود الماضية في المنطقة، بفسّر في جزء منه باحتجاج تلك التيارات على تيار الاخوان الرافض للعنف. إذ اعتبرته تلك التيارات العنيفة، تيارا مهادنا للأنظمة ومدمنا للسلمية في وجه أنظمة استبدادية وقمعية، ترفض الاعتراف به. ولن نبالغ إذا قلنا أن الإسلام السياسي عموما والإخوان خصوصا هما ضحية متشددة، تراه خانعا ومستسلما لا يرد ظلما ولا يصد عدوانا.. ظلمان ينعطفان على موقف أمريكي وغربي يتراوح بين رفض التعامل معه والاصطفاف ضده، حتى إذا تم ذلك ضمن التضحية بالديمقراطية وبالحريات وحقوق الإنسان.
سادسا ـ لا شك أن تيار الإسلام السياسي عموما والإخوان خصوصا، وهم على عتبة 100 عام على انطلاقتهم، داخل مسارهم ومسيرتهم ككل القوى السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة، العديد من الأخطاء والخيبات، لا تعود كلها إلى غيرهم بل إلى أخطائهم الذاتية، وسوء تدبيرهم وتخطيطهم وتسييرهم. وتجربة الربيع العربي، منحتهم فرصة، لم يحسنوا التصرف فيها، ولا المحافظة عليها، كمسار للتغيير والانتقال ببلداننا والمنطقة من طور الاستبداد والدكتاتورية، إلى طور يؤسس للاندراج النهائي في مسار ديمقراطي، والحكم الرشيد.
ولعل هذا التيار وهو على أعتاب المائة من السنين مسيرا، محمول على التوقف العميق، نظرا وتقييما ومراجعة وتدقيقا، والتجدد مشروعا، بما يقتضي التحرر والتخفف من رؤية تقادمت، وإرث تنظيمي انبثق عنها، لم يعد مواكبا للمتغيرات والتحولات التي ساهمت فيها، لكنها لا تبدو قادرة على مواكبتها والانسجام معها. ولذلك لا يجب أن يركن هذا التيار لفكرة المظلومية، فيفوّت على نفسه فرصة تثوير جهازه المفاهيمي، ورؤيته الإصلاحية، كضرورة وجودية لا غنى عنها للاستئناف.
خلاصة: تجدد الجدل بشأن تجريم بعض المنظمات الإخوانية أو إدراجهم ضمن قائمة الإرهاب، لا يمكن مطلقا إخراجه من سياقاته الإقليمي والدولي. فقد نزلت إسرائيل بثقلها، تحريضا ضد الإخوان الذين ترى فيهم التيار الذي يقود اليوم المعركة ضدها تحت عناوين مختلفة وعلى جبهات ومستويات متعددة، وهو تحريض تقاطع مع توجهات بعض السياسات العربية وموقفها المناهض للإخوان.
أما على المستوى الدولي فإن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، والتراجع الكامل عن فكرة دعم الديمقراطية أو حماية الحريات وحقوق الإنسان في دول المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والغرب، وتعزيزا لعلاقة المصالح ذات البعد التجاري المحض، لإدارة ترامب مع أنظمة المنطقة. أنظمة ترى في تيار الإسلام السياسي خطرا على حكمها، وعنوانا لعدم الاستقرار.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية ترامب الاخوان الإرهابية الرأي امريكا إرهاب اخوان رأي ترامب المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الولایات المتحدة الاخوان المسلمین واللوبی الصهیونی العواصم الغربیة الإسلام السیاسی فی المنطقة هذا التیار لا یمکن
إقرأ أيضاً:
NYT: دعم إسرائيل لقوى في غزة ضد حماس ينتهي مجددا بشكل فظيع
نشرت صحيفة " نيويورك تايمز" تقريرًا أعده أرون بوكسرمان قال فيه إن "إسرائيل حاولت أكثر من مرة دعم قوى غزية ضد حركة حماس وانتهت بالعنف"، وتطرق إلى كيفية الدعم الإسرائيلي لجماعة ياسر أبو شباب وتسليحها، قبل أن تقوم عشيرة فلسطينية بقتله.
وقال بوكسرمان، إن مقتل أبو شباب يوم الخميس الماضي أكد على حقيقة مهمة وهي أن الفلسطينيين الذين تسلحهم وتدعمهم إسرائيل لمواجهة حركة حماس سيواجهون نهاية فظيعة، لافتة إلى أن جماعة أبو شباب كانت الأقوى من بين عدة جماعات مسلحة في غزة، واعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنهم سلحوا جماعة أبو شباب ثم أنكروا هذا لاحقا.
وقد شجب الكثير من الفلسطينيين أبو شباب واعتبروه خائنًا، فيما عبر عبر بعض الإسرائيليين عن تشككهم من قدراته ونواياه، وفي مقابلة معه في تشرين الأول/ أكتوبر مع "نيويورك تايمز"لم يخف علاقاته مع إسرائيل قائلا: "هناك تعاون على المستوى الأمني وفي العمليات حولنا". وقال إن "الهدف هو منع أي إرهابي من اختراقنا"، في إشارة إلى حماس.
وتقول الصحيفة إن زعيم الميليشيا قتل يوم الخميس خلال اشتباكات مع عشيرة فلسطينية في جنوب غزة، وفقا لما ذكرته جماعته على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يبدو أن حماس متورطة، في مقتل أبو شباب، الذي كان متمركزًا بالقرب من مدينة رفح في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لكن وزارة الداخلية في غزة احتفلت بوفاته في بيان يوم الجمعة، قائلة إنه "المصير المحتوم لكل خائن"، وحثت بقية أعضاء المليشيات الفلسطينية القريبة من إسرائيل على تسليم أنفسهم "قبل فوات الأوان".
ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات الشعبية ستصمد بعد وفاته. ونشرت الجماعة المسلحة مقطع فيديو يظهر تولي نائب أبو شباب، غسان الدهيني، قيادة المجموعة. ويمكن رؤية الدهيني، الذي لم تكن انتماءاته واضحة قبل انضمامه إلى القوات الشعبية، وهو يسير أمام مسلحين يهتفون، وقد سعت إسرائيل منذ الأيام الأولى للحرب، لتجنيد حلفاء محتملين من غزة قد يساعدون في تقويض سيطرة حماس. ولهذا الغرض، دعمت ما لا يقل عن أربع مجموعات صغيرة من المسلحين الفلسطينيين، حسبما قال قادة المجموعات في مقابلات.
وبعد وقف إطلاق النار واصلت حماس سيطرتها على نصف القطاع تقريبًا، فيما تسيطر إسرائيل على الجزء الآخر، وتعيش الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة في المنطقة التي تسيطر عليها حماس على طول الساحل، في المقابل عملت المليشيات الفلسطينية المناهضة لحماس في الغالب في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل.
ويعتبر المحللون أن القوات الشعبية هي الأكبر والأفضل تنظيمًا من بين هذه المجموعات. وزعم أبو شباب في تشرين الأول/ أكتوبر إن عدد الأفراد في منطقته يصل إلى3,000 شخصا، أقل من نصفهم من المقاتلين. قال القادة الآخرون، ومن بينهم أشرف المنسي في شمال غزة وحسام الأسطل شرق مدينة خان يونس الجنوبية، في مقابلات إن بضع مئات من الأشخاص يعيشون في مناطقهم. ورغم أن حماس كانت تتفوق عسكريا على القوات الشعبية، إلا أنها قالت إنها اشتبكت مع مقاتليها، فيما أسرت جماعة أبو شباب واحدًا من مقاتلي حماس في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، حسب قولها.
ونقل بوكسرمان عن شالوم بن حنان، وهو مسؤول كبير متقاعد في جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك)، قوله إن المليشيات الصغيرة ساعدت في تأمين أجزاء من غزة نيابة عن الجيش الإسرائيلي، مما أتاح للقوات الإسرائيلية القيام بمهام أخرى. وأضاف بن حنان: "إنهم ينفذون مهام عسكرية كما لو كانوا وحدة عسكرية، لو لم يكونوا موجودين للقيام بها، لكانت قواتنا هي من قامت بها".
إلا أنه بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، فإن ماضي أبو شباب في النهب وعلاقاته مع إسرائيل جعلته مرشحًا غير مقبول لأي دور قيادي مستقبلي في غزة. واشتهر أبو شباب، وهو بدوي من جنوب شرق رفح، في أواخر عام 2024، عندما اتهم بمداهمة عشرات قوافل المساعدات خلال أزمة جوع حادة بشكل خاص في ذروة الحرب. وسيطر أبو شباب ومسلحوه على منطقة قريبة من معبر كرم أبو سالم في غزة على الحدود مع إسرائيل.
في مقابلة أجريت معه آنذاك، أقر بأن عصابته المسلحة بالكلاشينكوف نهبت عددا من الشاحنات، مع أنه قال إنه استولى على البضائع فقط لإطعام نفسه وعائلته وجيرانه. ووصفه جورجيوس بيتروبولوس، المسؤول الكبير في الأمم المتحدة الذي كان يقيم في غزة آنذاك، بأن أبو شهاب "الوسيط المسيطر على شرق رفح". واتهم بيتروبولوس، إلى جانب موظفين آخرين في الأمم المتحدة يحاولون إدخال المساعدات إلى غزة، إسرائيل بتجاهل هجمات أبو شباب على المساعدات.
وأثارت عمليات النهب المتكررة غضب حماس، وقتل ما لا يقل عن 20 عضوا من منظمة ميلشيا أبو شباب، بمن فيهم شقيقه، في تبادل لإطلاق النار مع مقاتلي حماس أواخر العام الماضي. وبدأ أبو شباب، في وقت سابق من هذا العام، بالترويج لنفسه كقائد فلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفا جماعته المسلحة بأنها "قوة مكافحة إرهاب" معادية لحماس.
ونشر لقطات تظهر على ما يبدو أن الجماعة وفرت خيامًا ومدارس للأشخاص الذين لجأوا إليها في منطقة رفح التي كان يحكمها. وبينما عانى العديد من الفلسطينيين في غزة من الجوع بسبب القيود الإسرائيلية على دخول الإمدادات إلى القطاع، إلا أن أبو شباب أكد في مقابلة أجريت معه في تشرين الأول/أكتوبر إن منطقته لديها مؤن جيدة.
وقال إن إسرائيل وقواته، بمساعدة المراقبة الجوية الإسرائيلية، عملوا معا لمنع أي مقاتل من حماس من دخول منطقتهم. وقال إنه قدم أيضا أسماء مقاتليه وعائلاتهم للجيش الإسرائيلي كجزء من التنسيق مع إسرائيل، وعلى الرغم من دعم إسرائيل، لم تكن هناك توقعات عالية من أن تشكل جماعة أبو شباب ولا المجموعات المسلحة الأخرى تهديدًا كبيرًا لحماس، كما قال بن حنان، الضابط السابق في جهاز الأمن العام (الشاباك). وجادل بأن عددهم قليل جدا، وأن ارتباطهم بإسرائيل قد شوه سمعتهم في أذهان معظم الفلسطينيين. وقال بن حنان: "سيعتبرون دائمًا خونة ومتعاونين. لن يرغب أحد في التقرب منهم".
ويرى العديد من سكان غزة أن الميلشيات ليست أفضل من العصابات التي استغلت فوضى الحرب لتكديس السلطة، وقال منتصر بهجة، وهو مدرس لغة إنجليزية في مدينة غزة، إن الفلسطينيين بحاجة إلى قيادة جديدة من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل. لكنه أضاف أن ذلك لا يمكن أن يأتي من أشخاص مثل أبو شباب. وأضاف بهجة: "كان هذا الرجل مجرمًا في الأساس، ولم أستطع قبول تمثيله لي".