واشنطن تعرب عن قلقها إزاء الأحداث الجارية في الغابون
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء الأحداث التي تتطور في الغابون.
وأكدت “الخارجية الأمريكية” في -بيان صحفي اليوم- استنكار بلادها الشديد لعمليات الاستيلاء العسكري على السلطة أو عمليات نقل السلطة بشكل غير دستوري.
ودعت الجهات الفاعلة كافة إلى ضبط النفس واحترام حقوق الإنسان ومعالجة مخاوفها بسلام من خلال الحوار عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، كما حثت المسؤولين عن هؤلاء الأعمال على إطلاق سراح أعضاء الحكومة وأسرهم وضمان سلامتهم والمحافظة على الحكم المدني.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية
إقرأ أيضاً:
هل تصلح السلطة الدينية لحكم الدولة الحديثة؟
بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
تُثار مسألة صلاحية الدين في حكم الدول الحديثة كلما طُرحت مسألة علاقة الدين بالسياسة، وكلما ظهرت توترات بين القوانين المدنية وأحكام الشريعة، أو بين مبادئ حقوق الإنسان وبعض التفسيرات الدينية. هذه القضية العميقة ترتبط بتساؤلات أعمق: من يملك حق الحكم؟ وما مصدر شرعيته؟ وهل يمكن الجمع بين ثوابت الدين ومتغيرات السياسة في دولة عصرية تحترم التعددية والحرية؟
تظهر التجارب التاريخية أن السُلطة الدينية حين تتحول إلى سلطة حاكمة، تتغير وظيفتها من التوجيه إلى السيطرة، ومن الوعظ إلى التشريع والإكراه؛ ففي الخلافة الراشدة مثلًا، ساد مبدأ الشورى والعدل والالتزام بالشريعة، لكنها ما لبثت أن انهارت تحت وطأة الصراع على السلطة، وتحول الحكم إلى وراثة في الدولة الأموية. هذا ما أشارت إليه دراسة الباحث السوداني الدكتور صبري محمد خليل بعنوان: "مفهوم السلطة الدينية في الفكر السياسي المقارن"، التي تتبعت مسار تحول الاستخلاف في الإسلام وعند العرب من مشروع جماعي إلى سلطة فردية.
أما في التجربة الأوروبية، فقد حكمت الكنيسة طويلًا باسم "الحق الإلهي"، حتى جاء عصر التنوير ليقلب المعادلة، ويفصل الدين عن الدولة فصلًا حاسمًا. وقد أسهمت تطورات كثيرة في هذا التحول، منها صعود الحركات الإصلاحية، والرفض الشعبي لهيمنة الكهنوت.
وفي سياقٍ معاصر، قدم اللاهوتيّ السويسريّ هانس كونغ مشروعًا مهمًا تحت عنوان "مشروع أخلاق عالمية"، دعا فيه إلى بناء توافق أخلاقي عالمي بين الأديان على أسس مشتركة مثل العدالة، والصدق، واحترام الإنسان. في هذا المشروع لا ينتقد كونغ مباشرة السلطة الدينية، ولكنه يركز على إمكانات التلاقي الأخلاقي بين الأديان من أجل السلام العالمي، وهو ما يعكس تصورًا مختلفًا لوظيفة الدين في المجال العام، وهو أن يكون مصدرًا للقيم لا سلطة للحكم.
وفي العصر الحديث، عادت النماذج الدينية إلى الواجهة، لا سيما مع نموذج ولاية الفقيه في إيران؛ حيث يحتكر الفقيه الأعلى القرارين السياسي والديني نيابة عن "الإمام الغائب". الباحث الإيراني محسن كديفر، في كتابه "نظريات الدولة في الفقه الشيعي"، يرى أن هذه السلطة تستند إلى شرعية فوق شعبية، مما يجعلها صلبة في مواجهة الخارج، لكنها تواجه تحديات داخليًا عند الحديث عن الحريات والمواطنة والتعدد.
المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، بنت شرعيتها على تطبيق الشريعة، لكنها اليوم تواجه تحدياً للتوفيق بين التراث الديني ومتطلبات الرؤية الاقتصادية والانفتاح الاجتماعي.
والمفكر المصري نصر حامد أبو زيد، في كتابه "نقد الخطاب الديني"، يؤكد أن الأزمة ليست في النصوص بحد ذاتها؛ بل في "تسييس التأويل"، أي حين يستعمل الدين لإدامة بُنى تقليدية تحت غطاء الشرعية الإلهية.
وهنا لا يمكن تجاهل تجربة دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث الدولة يهودية دينية وتزعم في الوقت نفسه أنها ديمقراطية. وفي كتابه "اختراع أرض إسرائيل"، يرى شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، أن الجمع بين الطابع الديني للدولة والطابع المدني للمواطنة يُوجِد توترات دائمة، ويُهدد التماسك الوطني على المدى الطويل، لا سيما في ظل وجود أقلية عربية كبيرة تعامَل كمواطنة منقوصة الحقوق.
نستخلص مما سبق أن السُلطة الدينية لا يُمكن أن تنجح في حكم الدول الحديثة إلّا إذا استوفت شروطًا واضحة. أولها المرونة في تفسير النصوص. وهذا ما دعا إليه المفكر المصري محمد سليم العوا في كتابه "في النظام السياسي للدولة الإسلامية"؛ إذ شدد على أن "الاجتهاد المستمر هو صمام الأمان لحيوية الشريعة". وثانيها التوازن بين السلطات، وهو ما نبه إليه المفكر الإيراني عبد الكريم سروش في كتاب "القبض والبسط في الشريعة" حين حذَّر من أن "تركُّز السلطتين الدينية والسياسية في يدٍ واحدة هو أصل الاستبداد باسم الدين". وثالثها الانفتاح على الآخر، كما دعا إلى ذلك راشد الغنوشي في كتابه "من تجربة الحركة الإسلامية في تونس"، حيث أكد أن "الحوار مع المختلف لا ينقض الثوابت؛ بل يختبرها ويقويها".
أما حين تغيب هذه الشروط، فإن السلطة الدينية تتحول إلى عبء على الدولة والمجتمع معًا. وتظهر الإخفاقات في صور عدة منها: قمع الأقليات، وتقييد الحريات، وعزل الشعوب عن العالم وتجميد حركة الفكر والاجتهاد. وهذا ما أشار إليه المفكر السوري محمد شحرور، في كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي"؛ إذ رأى أن الجمود الفكري هو العائق الأكبر أمام التقدم، لأنه يحول الدين إلى أداة مقاومة للتجديد بدل أن يكون دافعًا إليه.
ورغم التحديات التي تحيط بعلاقة الدين بالدولة، تظل هناك فرصة لبناء نموذج يوفق بين مرجعية دينية قائمة على الفهم المقاصدي، ومؤسسات سياسية مدنية تتسم بالحداثة والمرونة. وهذا النموذج يمنح القيم الدينية دورًا في توجيه السياسات العامة من خلال منظور أخلاقي وإنساني، مع الحفاظ على استقلال القرار السياسي وتوازن السلطات.
وهذا ما أكد عليه الفقيه المغربي أحمد الريسوني، في كتابه "فقه الثورة"؛ حيث دعا إلى العودة إلى مقاصد الشريعة كمرتكز لفهم النصوص وتنزيلها في الواقع؛ فمقاصد مثل: العدل، وحفظ الكرامة، وصيانة الحقوق، تمنح الشريعة مرونة في التفاعل مع تحديات العصر. وعبر هذا المنهج، يتحول الاجتهاد إلى أداة لتطوير الحياة السياسية والحقوقية، انطلاقًا من منطق المصلحة العامة لا منطق الجمود على النصوص الظاهرة.
وفي المحصلة، يرتبط نجاح السُلطة الدينية في إدارة الدول الحديثة بقدرتها على فهم الواقع، والتفاعل مع متغيراته، والانفتاح على التنوع الإنساني والفكري. وحين تُستعمل المرجعية الدينية كوسيلة للهيمنة السياسية، تبتعد عن جوهر رسالتها وتفقد تأثيرها الأخلاقي. أما إذا تجلَّت في صورة منظومة قِيَم عُليا تُسهم في توجيه السياسات وصون العدالة وتعزيز الكرامة، فإنها تحتل موقعها الطبيعي في وجدان المجتمع، كمصدر إلهام وضمير حي، لا كأداة قسر وسُلطة مُطلقة.
رابط مختصر