الثورة نت:
2025-10-19@00:10:16 GMT

شرم الشيخ ومفهوم بناء السلام

تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT

إن مفهوم بناء السلام يشير إلى تحديد البنى ودعمها، في حين أن هذه البنى مهمتها ترسيخ وتفعيل السلام وتمكينه حتى نكفل عدم الانجرار إلى صراعات جديدة، ومثل ذلك يتطلب نشوء ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية، وأساس هذا المطلب تعاون عدة جهات للعمل كفريق سياسي دولي واحد بشكل دائم وواضح المعالم لحل الصعوبات والمعضلات التي تواجه الدول سواء كانت تلك الصعوبات إنسانية أم ثقافية أم اجتماعية أم اقتصادية كون هذه المشكلات مجتمعة أو منفصلة هي السبب المباشر في الصراع والحروب .

ويبدو أن الواقع يستدعي في مرحلته الراهنة لجنة من الحكماء وأصحاب الرأي والفكر والتجربة لإدارة الأزمات لاضطراب بناء السلام فيه، وهذه اللجنة تأخذ على عاتقها التدخل عبر الوساطات والمصالحات والمفاوضات لتقريب المفاهيم وتقديم الحلول المرضية من أجل البناء وإحلال السلام .

ولن يتحقق البناء وإحلال السلام إلا من خلال البعد الثقافي ومن خلال الحوار وتصحيح المفاهيم والمعتقدات عند الجماعات والكيانات وكل ذلك يتطلب تشذيب التراث من كل شوائبه التي فرضتها الضرورات التاريخية والسياسية , فذلك هو البداية المثلى لصناعة المشروع السياسي الذي يتفاعل مع العالم ليكون مؤثرا فيه لا متأثرا به , والآخر كما تدل الوقائع يخاف من المشروع السياسي الإسلامي المتجدد ولذلك سعى إلى اغتيال رموز النقد والتنوير واستمال العلماء اليه ومن رفض نالته يد الغدر , ولو جال البصر في الزمن المتأخر منذ عقد الثمانينات لرأينا هذه السياسة بشكل جلي وواضح , لكنه لا يخاف الفكرة الدينية الجامدة بل يتعامل معها بقدر من التفكيك والتشويه وشواهد ذلك كثيرة بدءا من أفغانستان ولا نقول انتهاء بداعش فالقائمة ليست محددة بزمن .

في المستوى الحضاري الذي نعيشه اليوم خيار الفناء موجود في مقابل خيار البقاء، والبقاء فيه ليس وفق المعادلة القديمة للأقوى بل للأكثر فهما وتوظيفا لسيل المعلومات التي كانت تصنع، وأضحت في مراتب التوظيف لها من خلال القدرة على إدارتها وتحقيق مصالح الشعوب من خلال حسن الدراية والوعي المتفاعل مع مجريات الأحداث .

الاستثمار اليوم أضحى في الأفراد وفي الجماعات من خلال تنمية القدرات وتفجير الطاقات، والتفاعل مع قيم الإنتاج، وليس من خلال حالة الترهل في مؤسسات التكاثر الثقافي .

لابد من الوعي بالمرحلة وصياغة مجموعة أهداف والقيام بالتحديث في بناء الكيانات والمؤسسات حتى تواكب المرحلة من أجل التحكم بمسارات المستقبل .

فمنذ كتب بريجنسكي كتابه «بين عصرين» والذي تحدث فيه قائلاً: إن الرأسمالية تواجه هزيمة ايديولوجية وفكرية كبيرة جداً، ويقول في سياق كتابه ذلك أن الحل الوحيد هو احياء ما أسماه «الأصوليات الدينية» ودفعها للتصادم مع المنظومة الشيوعية والاشتراكية وحركات التحرر عندها – حسب رؤيته في مضمون كتابه الصادر في مطلع عقد السبعينيات- سوف تهزم الشيوعية والاشتراكية بقوة الأصوليات الدينية، وهزيمة تلك المنظومة سيوفر للرأسمالية الأمريكية فرصاً استراتيجية كبرى لإعادة تنظيم العالم تحت قيادتها.. ووفقاً لهذا المنطلق النظري تبنت السياسة الأمريكية منذ عهد كارتر الذي رأس أمريكا في الفترة من «1977م-1981م» خطة استراتيجية لدعم الأصوليات الدينية، ليس حباً في الدين وإنما من باب كراهية الشيوعية وحركات التحرر، ورغبة في حماية المصالح الاستراتيجية لأمريكا.

والملاحظ أنه في فترة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والممتدة من «81م-1989م» تعاظم المد الأصولي وقويت الحركات الأصولية الدينية «الإسلامية واليهودية والمسيحية والهندوسية» في العالم كله، وذلك النشاط المستعر والمحموم أدى إلى تحقيق أهم الخطوات التمهيدية للسيطرة على العالم وتمثلت في تفكيك المنظومة الاشتراكية وإزالة العقبة الشيوعية، وإشعال أو استنزاف وشرذمة حركات التحرر في الأقطار العربية، وفرض شروط الاستسلام للصهيونية في فلسطين.

ومن نافلة القول أن الهدف من تلك الاستراتيجيات التي كانت تتبناها دوائر صنع القرار الأمريكي «الكونجرس والبنتاجون بكل منظومته الأمنية والعسكرية والاستخبارية» هو تفتيت وتفكيك العرب على أسس ما قبل الدولة الوطنية لتسهيل السيطرة عليهم، وذلك عن طريق العصبيات الطائفية والعرقية والحضارية كون أمريكا وصلت إلى مرحلة الشيخوخة وأصبح نظامها الرأسمالي عاجزاً عن توفير احتياجات إمبراطوريتها ومالم يتم تمزيق العرب لتغذية الخلافات والصراعات بينهم فهي تدرك أنها ستكون عاجزة عن السيطرة على الموارد وبالتالي تزداد أزمتها البنيوية اتساعاً، ولذلك سعت على القضاء على محركات الثورة كالحركة القومية «حزب البعث»، وأعلنت حربها على العراق في مطلع عقد التسعينيات وكان حزب البعث هو حركة التحرر التي تهددها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لذلك أشعلت الفتن الطائفية في العراق وحروب الأديان حتى تستطيع فرض نمط يخلّصها من الصراعات ويبعدها عن شبح الانهيارات، وهي اليوم كما هو واضح للعيان قد ساهمت في خلق إسلام سني يواجه بكل رباطة جأش الإسلام الشيعي ولم نعد نسمع عن الأزمات الاقتصادية التي كانت تبدو كشبح يهدد بنيتها الإمبراطورية بالفناء والتلاشي والاضمحلال بل كادت أن تتجاوز تلك الأزمات بفضل حركة الدمار الشامل التي يقودها المسلمون ضد بعضهم بعضا , وبعد أمد لن يطول يصبح التوفيق بين المسلمين مستحيلاً، وتسعى الصهيونية العالمية إلى أن تكون المواجهة بين المعسكرين السني والشيعي أبدية لتصل إلى مرحلة التدمير الشامل وبحيث يتحول العرب والمسلمون إلى كتلة تاريخية محاربة لا تحب السلام والاستقرار تحركهم الأحقاد والعصبيات والثارات وهي حالة لا تنسجم مع حالة العالم ولا مع مصالحه، وعند هذه النتيجة قد ينشأ توافق عالمي على ضرورة القضاء على الإسلام باعتباره الحل الوحيد لإنقاذ العالم من شروره، ولعل ما تم تداوله من مقاطع مصورة منسوبة إلى حماس تظهر حركة إعدام جماعي لما سموهم بالعملاء والترويج لتلك المشاهد على نطاق واسع يُظهر الهدف المضمر .

مثل هذه الرؤى ليست من نسج الخيال ولكنها استراتيجيات معلنة ، بيد أن العرب قوم لا يفقهون ولا يقرأون وهم يتعرضون لتلك المؤامرات، بل نراهم اليوم يحتفلون في شرم الشيخ بنمط من السلام وفق مفهوم رأسمالي بحت لا يضمر سلاماً حقيقياً في المنطقة بقدر الحرص الشديد على تنفيذ الاستراتيجيات وضمان تدفق المصالح , بل ومحاولة تشويه الإسلام باعتباره نمطا ثقافيا يهدد الإنسان بالفناء ويشكل خطرا على الحضارة المعاصرة .

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

أما بعد شرم الشيخ للسلام

أما قبل، فغزة باتت حديث العالم بسبب حالة الدمار المستمر والإبادة الجماعية لحرب لا هوادة فيها أكملت عامها الثانى للقضاء على البشر والحجر فى ماسأة لم تشهدها الإنسانية من قبل، وباتت مسألة التهجير القسرى أو الطوعى سياسة العدو لإخلاء قطاع غزة فى حرب إبادة وتطهير عرقى وقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات والمدارس وملاحقة المسعفين وتدمير البنية التحتية وتجويع أهل غزة ومحاصرتهم ومنع المساعدات الغذائية والدوائية والطبية عنهم بغلق كافة المنافذ بهدف إجلاء الشعب وتهجيره قسرا وطوعا، وأصبحت خطة التهجير تعمل بوتيرة سريعة وبمنهجية يستخدم فيها الكيان الغاصب كل السبل والمناورات والخداع لتحقيق هدفه باحتلال قطاع غزة، وغضبت الشعوب الحرة وتنادت لوقف الحرب المسعورة واستجابة معظم دول العالم لحل الدولتين وأصبحت دولة الاحتلال تعانى من صمود المقاومة والعزلة الدولية، وبدأت الدول الأوربية وأمريكا الجنوبية والعديد من الدول تتخذ إجراءات المقاطعة السياسية والاقتصادية للضغط على دولة الكيان الغاصب بوقف الحرب وفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية لاهل غزة.

والحقيقة أن كل تلك الأجواء ساعدت فى نجاح الطرح الأمريكى بوقف الحرب وإطلاق سراح المحتجزين وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية والدخول إلى المرحلة الثانية بإعادة تعمير لغزة مع تسليم حماس للسلطة ونزع سلاحها وذلك وفق ما يسمى بخطة السلام الإبراهيمى فى الشرق الأوسط، وهو ما يعنى تطبيع البلاد العربية مع دولة الاحتلال بالإضافة إلى ضم الدولتين الكبيرتان إيران وتركيا إلى هذه الخطة لإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد برئاسة ترامب وإدارة تونى بلير فى مجلس للسلام يدير الشرق الأوسط ويوظف طاقاته لإدارة مشروعه، وجاء مؤتمر شرم الشيخ للسلام ملبيا لوقف الحرب وإرساء السلام وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات ووضع خريطة طريق لإعادة الإعمار والتعافى المبكر لقطاع غزة، وإن كان هذا الحلم بات حقيقة فلا يمكن إغفال الدور المصرى الرائد فى التصدى وبقوة للرؤية الأمريكية المبكرة بدعاوى التهجير القسرى والطوعى وعملت مصر على إيقاف هذه الفكرة المجنونة وتواصلت مع كافة الدول لإجهاض هذا المشروع وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ اللحظة الأولى أن هذا المشروع خيالى وغير قابل للتطبيق ويقوم بتصفية القضية الفلسطينية ومصر ترفضه رفضا باتا، ودعت جميع الدول لمناصرة القضية الفلسطينية ووقف الحرب وإدخال المساعدات وكان لهذا الموقف المصرى بالغ الأثر فى وحدة الدول العربية والإسلامية لمنع التهجير القسرى ووقف حرب الإبادة، مما دعا الرئيس ترامب إلى تبنى رؤية أخرى بعيدة عن الإبادة والتهجير وطرح مشروعه لوقف الحرب الذى وافقت عليه حماس لمنع مزيد من الدماء والتدمير والتهجير لأهل القطاع وقامت بتسليم الأسرى ورفات جثث الموتى ووعدت بتسليم السلطة إلى سلطة فلسطينية يشترك فى اختيارها كل مكونات الشعب الفلسطينى، وأما بعد، فإننا إزاء عقبات كثيرة تكبل مسيرة السلام التى يدعو إليها ترامب التى تتبنى مشروع السلام الإبراهيمى للتطبيع مع دولة الاحتلال وواقع يتعلق بحق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، والحق الطبيعى للمقاومة فى حالة وجود العدوان وأن تكون سلطة الحكم فلسطينية وليست سلطة انتداب يتولاها تونى بلير، على أية حال هذه الهدنة مهمة وضرورية لالتقاط الأنفاس ووضع كافة السيناريوهات المحتمل حدوثها والاستعداد لها وتكوين جبهة صلبة فى الداخل والخارج لمجابهة كافة المخاطر والتحديات.

مقالات مشابهة

  • وفد أممي يبحث مع قيادتي الاشتراكي ولجنة الاعتصام التحديات التي تواجه المهرة ومسار السلام
  • “الجاسر”: ثلث البلدان الأعضاء في”البنك” هشة
  • مفوض أممي: حقوق الإنسان يجب أن تكون محور بناء السلام الدائم في غزة
  • نجيب ساويرس يحتفي بوقف الحرب بغزة ويشيد بقيمة مصر في نشر السلام بعد قمة شرم الشيخ
  • أما بعد شرم الشيخ للسلام
  • حسام زكي : مؤتمر شرم الشيخ للسلام أنهى عمليا حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة
  • الشباب والرياضة تبحث مع الأمم المتحدة ومركز القاهرة تعزيز دور الشباب في بناء السلام
  • قطر تشارك في منتدى "حوارات المتوسط 2025" في نابولي الإيطالية
  • دبلوماسي فرنسي سابق: مصر كانت في قلب الدبلوماسية التي قادت لاتفاق السلام في غزة