في واحدة من أخطر الحوادث التي هزت الوسط الثقافي العالمي، تعرض متحف اللوفر مؤخرًا لسرقة جريئة استهدفت مجموعة نادرة من المجوهرات التاريخية، في واقعة أعادت إلى الأذهان حوادث مشابهة طالت متاحف أوروبية مرموقة خلال السنوات الأخيرة.

فبحسب ما أعلنته السلطات الفرنسية، تمكن اللصوص من تنفيذ خطتهم بدقة عالية، مستغلين ثغرات أمنية داخلية سمحت لهم بالوصول إلى قاعة العرض قبل أن يختفوا من دون أن يتركوا أثرًا واضحًا، ما أثار تساؤلات حادة حول كفاءة منظومة الحماية في أحد أشهر المتاحف على مستوى العالم.

وتضم القطع المسروقة مجوهرات ثمينة ذات قيمة تاريخية وفنية استثنائية، من بينها تيجان وأحجار كريمة تعود إلى عصور ملكية فرنسية، وتقدر قيمتها بملايين.

ويعد هذا الحادث تحديًا غير مسبوق لصورة المتاحف الأوروبية، التي لطالما قدمت نفسها كحامية للتراث الإنساني، كما يفتح الباب أمام مراجعة شاملة لإجراءات التأمين المعمول بها في تلك المؤسسات.

د. حسين عبد البصير: ما حدث في اللوفر صدمة ثقافية وإنذار عالمي لحماية التراث الإنساني

أعرب الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، في تصريحات صحفية لموقع صدى البلد عن بالغ أسفه وقلقه إزاء حادثة السرقة التي تعرض لها متحف اللوفر في باريس صباح الأحد، واصفًا إياها بأنها «ضربة موجعة للثقافة العالمية» و«جرس إنذار شديد اللهجة» لكل المؤسسات المعنية بحماية التراث الإنساني.

وقال عبد البصير "ما حدث في متحف اللوفر ليس مجرد حادث جنائي عابر، بل هو حادث رمزي يهزّ الثقة في قدرة المتاحف الكبرى على حماية كنوز البشرية. فحين يتمكن لصوص، مهما بلغت حرفيتهم، من اختراق أحد أكثر المتاحف تحصينًا في العالم، فإن ذلك يعكس ثغرات أمنية لا يمكن تجاهلها."

وأضاف موضحًا أن التراث الإنساني أصبح هدفًا متكررًا لعصابات منظمة تعرف جيدًا قيمة المقتنيات الأثرية والتاريخية في السوق السوداء، خاصة تلك التي تعود لشخصيات بحجم نابليون بونابرت أو ملوك فرنسا، مؤكدًا أن «القيمة الرمزية لهذه المقتنيات تفوق قيمتها المادية أضعافًا مضاعفة».

وأشار عبد البصير إلى أن اللصوص "استغلوا بذكاء الظروف المحيطة بالمتحف، سواء أعمال البناء الجارية أو أوقات فتحه المبكرة، إضافة إلى استخدامهم أدوات دقيقة مثل المنشار الكهربائي للوصول إلى واجهات العرض"، وهو ما يدل على تخطيط مسبق ودراسة دقيقة للبنية الداخلية للمتحف.

وتابع:"هذه الواقعة تضع العالم الثقافي كله أمام مسؤولية كبرى، إذ يجب أن نتعامل مع حماية التراث بوصفها مسألة أمن قومي وإنساني في آن واحد، فالمقتنيات التاريخية ليست ملكًا لدولة بعينها، بل هي ذاكرة الإنسانية جمعاء."

وفي مقارنة بين الوضع الأمني في المتاحف الفرنسية والمصرية، أوضح الدكتور عبد البصير أن مصر خلال السنوات الأخيرة قطعت شوطًا كبيرًا في تطوير منظومة حماية المتاحف، وعلى رأسها المتحف المصري الكبير الذي "يُعد نموذجًا عالميًا في دمج التكنولوجيا الحديثة في الحماية، عبر كاميرات عالية الدقة وأجهزة استشعار وإنذار فوري، وربط أمني متكامل مع أجهزة الشرطة والرقابة المركزية".

وختم عبد البصير تصريحه قائلًا:"إن حادثة متحف اللوفر تذكّرنا بأن الثقافة تحتاج دائمًا إلى حراسة وعيٍ، لا حراسة أسوار فقط. فالحفاظ على التراث الإنساني لا يتحقق بالأنظمة الإلكترونية وحدها، بل أيضًا بإيمان البشر بأهمية ما يحرسونه، وبوعي المجتمعات بأن كل قطعة أثرية، أينما كانت، هي جزء من تاريخهم المشترك."
 

بداية القصة

وبحسب ما نقلته صحيفة لو باريزيان الفرنسية، فقد نفّذ اللصوص العملية في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحًا بالتوقيت المحلي، أي بعد وقت قصير من فتح أبواب متحف اللوفر أمام الزوار. 

وتمت السرقة باحترافية عالية، إذ دخل الجناة القاعة التاريخية المخصصة لعرض المجوهرات والتحف الملكية عبر شرفة مطلة على نهر السين، مستعينين برافعة مثبتة على شاحنة وسلّم لتسلق واجهة المتحف.

وبمجرد وصولهم إلى الداخل، استخدم اللصوص مطاحن خاصة لقطع الزجاج المقوى المحيط بواجهات العرض، وانتزعوا تسع قطع نادرة من أصل 23 قطعة كانت ضمن مجموعة مجوهرات نابليون الثالث والإمبراطورة أوجيني. 

ثم لاذوا بالفرار على متن دراجات نارية من طراز Yamaha TMAX، دون وقوع أي إصابات بين الزوار أو العاملين في المتحف.

تفاصيل القطع المسروقة

شملت المسروقات طقم مجوهرات فاخر، وقلادة ذهبية مرصعة بالألماس، وأقراطًا ملكية، وتاجين أحدهما يعود للإمبراطورة أوجيني، إضافة إلى دبوس ملكي مرصّع بالأحجار الكريمة. وتُعد هذه القطع من أثمن مقتنيات المتحف من الناحية التاريخية والفنية، إذ تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتمثل رموزًا لحقبة ازدهار الإمبراطورية الفرنسية الثانية.

العثور على تاج الإمبراطورة

وفي تطور لاحق، نقلت وكالة وكالة فرانس برس عن مصدر مطلع، أنه تم العثور على تاج الإمبراطورة أوجيني في محيط المتحف بحالة متضررة، ما يرجح أن اللصوص تخلوا عنه أثناء فرارهم، إما بسبب تضييق أمني من الشرطة أو لصعوبة نقله. 

فيما لا تزال بقية القطع المسروقة في عداد المفقودات حتى الآن، وسط عمليات بحث مكثفة تقودها السلطات الفرنسية


 


 

طباعة شارك متحف اللوفر الوسط الثقافي المجوهرات التاريخية متاحف أوروبية التراث الإنساني

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: متحف اللوفر الوسط الثقافي التراث الإنساني التراث الإنسانی متحف اللوفر عبد البصیر

إقرأ أيضاً:

من الموناليزا إلى المجوهرات الملكية.. 5 أعمال درامية تناولت سرقة اللوفر

تمكن عدد من اللصوص صباح الأحد من السطو على متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باستخدام رافعة للوصول إلى المتحف الأكثر زيارة في العالم، في وقت كان فيه السياح داخله، حيث اقتحموا إحدى نوافذه بالقوة وحطموا واجهات العرض، ثم لاذوا بالفرار محملين بمجوهرات "لا تُقدر بثمن"، وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس" نقلا عن وزير الداخلية الفرنسي، مضيفة أن اللوفر أغلق أبوابه لهذا اليوم، كما أغلقت الشرطة بواباته وأخرجت الزوار خلال التحقيق.

وكتبت وزيرة الثقافة رشيدة داتي على موقع إكس "وقعت سرقة هذا الصباح عند افتتاح متحف اللوفر". وأرجع المتحف الإغلاق إلى "أسباب استثنائية". ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات.

Un braquage a eu lieu ce matin à l’ouverture du @MuseeLouvre. Pas de blessés à déplorer. Je suis sur place aux cotés des équipes du musée et de la police. Constatations en cours.

— Rachida Dati ن (@datirachida) October 19, 2025

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قياسيا في تاريخ بوليودlist 2 of 2أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بعمق؟end of listسرقة في 7 دقائق

في حوالي الساعة 9:30 صباحًا، اقتحم عدة متسللين نافذة بالقوة، وسرقوا مجوهرات من واجهات العرض، ولاذوا بالفرار على دراجات نارية، وفقًا لوزارة الداخلية الفرنسية.

ووصف وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز الحادثة بأنها "سرقة كبرى"، قائلا إن المتسللين دخلوا باستخدام رافعة، وصرح لإذاعة "فرانس إنتر" بأن السرقة استغرقت سبع دقائق، واستخدم اللصوص قاطع أقراص لتقطيع الألواح.

وأظهر مقطع فيديو من موقع الحادثة سياحًا مرتبكين يخرجون من الهرم الزجاجي والساحات المحيطة به، في حين أغلق الضباط البوابات الحديدية والشوارع المجاورة على طول نهر السين.

في الدراما قبل الواقع

قبل جريمة صباح أمس الأحد، لطالما كان متحف اللوفر مسرحًا للعديد من جرائم السرقة في دراما الإثارة التلفزيونية أو السينمائية، حيث تناولها العديد من صناع السينما والدراما في أعمالهم منذ أكثر من 90 عاما، ولا يزال متحف اللوفر بما يحتويه من كنوز ومعروضات قيّمة ملهما لخيال السرقات الفنية، ونستعرض في هذا التقرير 5 أعمال درامية بُنيت أحداثها على سطو فني لأحد معروضات المتحف المطل على نهر السين في باريس.

سرقة الموناليزا The Theft of the Mona Lisa) 1931)

في عام 1911، أقدم عامل الزجاج الإيطالي فينتشنزو بيروجيا على سرقة لوحة الموناليزا، إحدى أبرز التحف الفنية المعروضة في متحف اللوفر، مدّعيا أنه قام بذلك بدافع وطني لإعادة اللوحة إلى موطنها الأصلي في إيطاليا. وقد اعتُبر لاحقا بطلاً قوميا هناك.

إعلان

ألهمت هذه الحادثة المخرج المجري جيزا فون بولفاري لإخراج فيلم ألماني يستند إلى القصة الحقيقية، لكن مع معالجة درامية مختلفة؛ إذ جعل دافع السرقة رومانسيا، حيث صوّر بيروجيا وهو يسرق اللوحة ليهديها إلى محبوبته الفرنسية ماتيلد، التي كان يعتقد أنها تشبه الموناليزا التي رسمها ليوناردو دافنشي. غير أن مشاعره لم تُقابل بالمثل، فاعترف بجريمته وأُلقي القبض عليه.

ومع ذلك، رفض بيروجيا الإقرار بأن امرأة كانت وراء فعلته، وأصرّ على أن دافعه الوحيد كان إعادة اللوحة إلى وطنها، مما جعله يُنظر إليه في بلاده كبطل وطني.

عامل يثبت نسخة من لوحة "الموناليزا" (رويترز)الموناليزا سُرقت On a volé la Joconde) 1966)

القصة الحقيقية نفسها التي ألهمت صناع فيلم 1931، ألهمت صناع فيلم 1966، لكن في إطار كوميدي لجأ له الفرنسيون صناع الفيلم. البطل اسمه فينسنت يتعرف إلى شابة اسمها نيكول تعمل مساعدة ساحر، ويسرق اللوحة عام 1911، لكن يتبعه محتالان يحاولان انتزاع اللوحة منه، ومحققان من الشرطة يتعقبانه، والساحر الذي يسعى لاستعادة مساعدته. وتدور معارك كوميدية عديدة بين الأطراف المختلفة، لتستعيد الشرطة اللوحة في النهاية، وينتهي الفيلم بحياة سعيدة لفينسنت ونيكول.

بيلغفور، شبح اللوفر 2001 (Belphégor, Phantom of the Louvre)

في هذا الفيلم الفرنسي، لا يُعتبر اللوفر البطل الوحيد، فالأساطير المصرية القديمة تحضر بقوة في خلفية الأحداث. تبدأ القصة عندما تُنقل مجموعة نادرة من القطع الأثرية من موقع تنقيب في مصر إلى متحف اللوفر في باريس. وبينما يستخدم الخبراء جهاز مسح ليزري لتحديد عمر أحد التوابيت، تنفلت روح قديمة من سباتها لتتسلل إلى النظام الكهربائي للمتحف.

في الوقت نفسه، تتبع ليزا، وهي شابة تعيش في الشارع المقابل للمتحف، قطتها الهاربة إلى داخل اللوفر بعد إغلاقه. وهناك تتعرض لصدمة كهربائية تنقل إليها الروح المصرية القديمة التي تبدأ بالتحكم في جسدها وعقلها. ومع مرور الوقت، تجد ليزا نفسها مدفوعة بجنون غامض نحو جمع الكنوز المصرية المعروضة في أروقة المتحف، مقتنعة بأنها ملكها الشرعي منذ آلاف السنين.

لغز متحف اللوفر Mystery at the Louvre Museum) 2017)

ربما هذا الفيلم التلفزيوني الفرنسي القليل الشهرة هو أكثر الأفلام قربًا لجريمة سرقة متحف اللوفر الأخيرة، ففيه تقوم اللصة المدعوة "ميركيور" بالتخطيط لعملية سرقة كبرى لمجموعة من المجوهرات التي كانت تخص الإمبراطورة أوجيني في الليلة التي يتم فيها عرضها في متحف اللوفر، وهي تقريبًا المقتنيات نفسها التي سُرقت صباح اليوم، لكن بالطبع بطريقة مختلفة تمامًا.

لوبين 2021 (Lupin)

في أولى حلقات المسلسل الذي أنتجته "نتفليكس" عام 2021، ينجح البطل أسان ديوب في سرقة عقد ألماسي من قلب متحف اللوفر، حيث يظهر كموظف نظافة داخل المتحف، لكنه في الحقيقة يخطّط لسرقة متقنة مستوحاة من مغامرات اللصّ الأسطوري آرسين لوبين، الذي كان والده يقرأ له قصصه في صغره.

في أولى حلقات مسلسل "لوبين" عام 2021، ينجح البطل أسان ديوب في سرقة عقد ألماسي من قلب متحف اللوفر  (نتفليكس)

ديوب يجنّد فريقًا صغيرا من المجرمين المرتزقة كواجهة لعملية كبرى، بينما يخطط هو منفردا خلف الكواليس. فخلال مزاد على العقد، ينقطع التيار مؤقتا وتبدأ السرقة: الفريق المزيف يجتذب انتباه الشرطة ويظنون أنهم سيحصلون على العقد ويهربون، لكن ديوب يبدّل الحقيبة دون علمهم.

إعلان

وبعد مطاردة قصيرة في مرآب اللوفر، ينجح في الاستيلاء على العقد الألماسي دون كشف أمره. لاحقًا يُكتشف أن الدافع الحقيقي للسرقة ليس المال، بل الانتقام من عائلة بيليغرين الثرية التي تمتلك العقد وتسببت في تدمير حياته وحياة والده، الذي اتُّهم بسرقة العقد ذاته قبل 25 عاما.

بين خيال كتاب الدراما والتشويق وواقع السطو على المتحف صباح يوم الأحد، يظل متحف اللوفر بما يحتويه من تُحف وكنوز إلهامًا لصناعة أفلام الإثارة والسرقات الفنية، والتي أصبحت تصنيفا رئيسيا لأفلام الأكشن والسرقات المتحفية التي لا تقتصر على حدود العاصمة الفرنسية فقط، لكنها تتخذ من المتاحف الكبرى مسارح جريمة مثيرة لجمهور السينما والدراما.

مقالات مشابهة

  • سطو جريء على مجوهرات لا تقدر بثمن يغلق متحف اللوفر في باريس
  • من الموناليزا إلى المجوهرات الملكية.. 5 أعمال درامية تناولت سرقة اللوفر
  • الشرطة الفرنسية تبحث عن منفذي عملية سرقة مجوهرات نابليون من متحف اللوفر
  • كاتب سياسي: وزيرة الثقافة الفرنسية وصفت سرقة متحف اللوفر بأنه استيلاء على التاريخ
  • ولا في الخيال.. “لميس الحديدي” تعلق على سرقة اللوفر
  • أحمد موسى: سرقة اللوفر تفوق الخيال.. وأين كان الأمن الفرنسي؟
  • أحمد موسى: سرقة متحف اللوفر جريمة تهز العالم.. ووزيرة الثقافة الفرنسية: المتاحف أصبحت هدفًا لعصابات غسل الأموال
  • الداخلية الفرنسية تُعلق على واقعة سرقة مجوهرات من متحف اللوفر
  • وزيرة الثقافة الفرنسية تعلن إغلاق متحف اللوفر بعد تعرضه لعملية سرقة