الخرطوم- عدّ خبراء عسكريون ومحللون سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال ولاية دارفور غرب السودان)، بعد حصارها أكثر من 500 يوم، تحولا في مسار الحرب المستمرة منذ نحو 30 شهرا، ويمكن أن يعيد القتال مرة أخرى إلى وسط البلاد، ويطيل أمده ويرسم خريطة سياسية وإدارية جديدة في المنطقة، أو يدفع نحو إنهاء الحرب بضغوط دولية.

وقال رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إن لجنة الأمن في الفاشر قدّرت بأن تغادر القوات المدينة، نسبة لما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين، وأن قيادة الجيش وافقت على ذلك، حتى يجنبوا بقية المواطنين والمدينة الدمار.

وأضاف -في كلمة مصورة، الاثنين الماضي- أن ما حدث بالفاشر يُمثّل محطة من محطات العمليات العسكرية، التي فُرضت على الشعب السوداني، مؤكدا القدرة على "قلب الطاولة" واستعادة الأراضي من يد من وصفهم بالخونة.

ويعتقد مراقبون أن من شأن السيطرة على الفاشر احتفاظ الجيش بالسيطرة على المناطق الممتدة على طول نهر النيل والبحر الأحمر في شمال البلاد وشرقها ووسطها، بينما تُهيمن قوات الدعم السريع -بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"- على دارفور وأجزاء من ولايات إقليم كردفان الثلاث.

ما أهمية الفاشر والرمزية التي تمثلها؟

الفاشر هي العاصمة التاريخية والسياسية لإقليم دارفور، وتمثل الثقل السياسي والثقافي والعسكري للإقليم، والصلة بينه وبين شمال السودان والدول الأفريقية المجاورة.

كما تقع المدينة التاريخية عند تقاطعات جغرافية إستراتيجية تربط السودان بدول تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، مما يجعل السيطرة عليها ورقة تفاوضية تتجاوز الداخل إلى أبعاد إقليمية.

ماذا يعني سيطرة الدعم السريع على الفاشر من الناحية العسكرية؟

يرى الباحث في الشؤون العسكرية، الأمين محمد الطيب، أن حسم المعركة في الفاشر لصالح الدعم السريع ليس انتصارا عسكريا ومعنويا، بل خطوة فارقة قد تحدد مستقبل البلاد، إما عبر تعزيز وحدتها أو الدفع بها نحو واقع جديد إداريا وسياسيا في غرب السودان، مما يمهد لنسخة معدلة من النموذجين الليبي أو اليمني، لكنه يستبعد انفصال دارفور لتعقيدات عملية واجتماعية.

إعلان

ويقول الطيب للجزيرة نت إن الفاشر عمق إستراتيجي لولايات كردفان والشمالية ونهر النيل، كما تربط السودان بشريط حدودي واسع يمتد إلى تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

ويعني سقوط الفاشر عمليا -برأيه- أن الدعم السريع بات يسيطر على الشريط الغربي بأكمله من دارفور إلى كردفان، وهو ما يمنحه قدرة على التحكم في خط الدفاع الغربي للبلاد.

الفاشر مدينة تاريخية وموقعها إستراتيجي بالنسبة للسودان حيث تربطه بعدة دول (الفرنسية)هل ثمة أوراق جديدة سيحصل عليها الدعم السريع بعد تطورات شمال دارفور؟

يرى مراقبون أن السيطرة على دارفور تمنح الدعم السريع موقعا تفاوضيا قويا، إذ يشكل الإقليم بوابة السودان نحو 4 دول أفريقية ترتبط بامتدادات قبلية واقتصادية عميقة.

ويُتوقع أن تؤدي هذه السيطرة إلى تصعيد في الهجمات الجوية بين الجانبين، خاصة مع اعتماد الجيش على الطائرات المُسيّرة في محاولة لاستعادة بعض المواقع، خصوصا في كردفان.

ما التداعيات المحتملة للتحول الجديد في الميزان العسكري؟

يعتقد مراقبون أن هذا التحول قد يدفع باتجاه إعادة رسم خريطة الصراع وربما موازين التفاوض، وتمنح الدعم السريع مكسبا ميدانيا مهمًا دون أن تحقق حسما، ويشجع تلك القوات للتمدد نحو ولايات كردفان.

ويوضح الخبير العسكري ونائب رئيس هيئة أركان الجيش السابق، الفريق محمد بشير سليمان، أن السيطرة على شمال دارفور ستتيح لقوات الدعم السريع تلقي إمداد عسكري ولوجستي عبر ليبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، مما يمكنها من التوسع في نشاطها العسكري.

ولم يستبعد الخبير -في حديث للجزيرة نت- أن يعود القتال إلى ولايات وسط البلاد واستهداف الدعم السريع ولاية الخرطوم مجددا ما لم يستطع الجيش إبعادها من ولاية شمال كردفان، خاصة طريق الصادرات من أم درمان إلى بارا، وطردها من مناطق أم بادر وسودري التي توجد بها مهابط للطائرات ستكون مصدر إمداد عسكري لتهديد العاصمة.

المحلل السياسي يوسف عمارة: سقوط #الفاشر يفرض واقعًا جديدًا قد يصعب عكسه بالوسائل الدبلوماسية أو التعاطي معه#رقمي pic.twitter.com/qNEl1czGl7

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 29, 2025

ماذا يترتب على سيطرة الدعم السريع على الفاشر؟

يقول الباحث والمحلل السيسي خالد سعد -للجزيرة نت- إن ما جرى تحول سياسي حاد يضع البلاد أمام عدة سيناريوهات محتملة:

التمزق بحكم القوة: أي انزلاق البلاد نحو فوضى ممتدة تصعب السيطرة عليها، نتيجة لطبيعة حرب الدعم السريع الانتقامية التدميرية، مما يؤدي عمليا إلى تفكك في مكونات الدولة، وفي داخل إقليم دارفور نفسه. استعجال مفاوضات تحت ضغط دولي متزايد، بمبرر وقف الكارثة الإنسانية الفظيعة، وهو سيناريو سيعمل على هندسة الدولة بهيكل سياسي وإداري جديد، ويراهن هذا التوجه على أن استمرار الحرب ينهك الأطراف، ويضعف مراكزها، ويستفيد أيضا من الإرهاق الشعبي العام جراء الحرب. ويكون السيناريو الثالث بأن تدفع الكارثة الإنسانية نفسها إلى ظهور إرادة وطنية تجمع الفرقاء السياسيين والنخبة الأهلية لإيجاد مخرج وطني من هذا المأزق الوجودي، لكن هذا الاحتمال صعب التحقق في ظل حدة الاستقطاب الحالي ورهان بعض الأطراف على الخارج.
سقوط الفاشر قد يجدد المعارك في الخرطوم ومدن أخرى سيطر عليها الجيش السوداني (الجزيرة) هل ستعجل التطورات العسكرية في دارفور بعملية السلام أم تدفع لإطالة أمد الحرب؟

يعتقد الكاتب السياسي إبراهيم شقلاوي أنه رغم قتامة المشهد، فإن نافذة سلام حقيقية بدأت تتشكل بفعل عاملين رئيسيين:

إعلان إنهاك الدولة وتدهور الاقتصاد: بعد نحو ثلاثة أعوام من الحرب، أصبح واضحا أن الخرطوم بحاجة إلى مقاربة جديدة، فالمعارك الطويلة -كمعركة الفاشر- تستنزف الموارد والدولة معا، ما يضطر الجميع ولو بدافع البراغماتية للبحث عن مخرج سياسيّ مشرف. تبدّل المزاج الإقليمي: بدأت بعض العواصم، حتى تلك المساندة للدعم السريع، تراجع حساباتها خشية أن تتحول دارفور إلى بؤرة فوضى عابرة للحدود تهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية وتؤثر على صورتها.

في ضوء هذه التحولات -يقول شقلاوي للجزيرة نت- يدخل السودان مرحلة إعادة تموضع سياسي قد تُفضي إلى مفاجآت خلال الفترة القادمة، فالمشهد يتّجه نحو صيغة انتقالية تعبّر عن توازن داخلي جديد فرضه الواقع المتحرك.

ويرى الكاتب أن كل تلك المعطيات تُبرز الحاجة إلى مقاربة وطنية جديدة تحفظ وحدة البلاد وتؤسس لحلّ سياسيّ شامل يشارك فيه الجميع، عبر حوار سوداني سوداني، يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

ويضيف أنه إذا ما بدأ هذا المسار بوتيرة متسارعة، فستجد المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات نفسها مضطرة لإعادة التموضع حفاظا على مصالحها البعيدة المدى في السودان والقرن الأفريقي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الدعم السریع على السیطرة على على الفاشر للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

المملكة المتحدة تعلن فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع

أعلنت المملكة المتحدة اليوم فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع المشتبه بأنهم ارتكبوا أعمال عنف بشعة في الفاشر في السودان، بما فيها عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي ممنهج، وتعمّد الاعتداء على مدنيين.
من بين المستهدفين بهذه العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، أخو ونائب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول حميدتي، إلى جانب ثلاثة آخرين من القيادات الذين يُشتبه بضلوعهم في هذه الجرائم – وجميعهم الآن يواجهون تجميد أرصدتهم ومنع قدومهم إلى المملكة المتحدة.
أخبار متعلقة زلزال بقوة 6.7 ريختر يضرب شمال شرق اليابانوزيرا دفاع أمريكا واليابان: تصرفات الصين لا تساعد على السلام الإقليميأفعال قوات الدعم السريع في الفاشر ليست عشوائية: بل هي جزء من استراتيجية متعمدة لترهيب السكان وبسط السيطرة عن طريق الخوف والعنف. وآثار أفعالهم يمكن مشاهدتها من الفضاء. حيث تُظهر صور الفاشر التي التقطت من الفضاء الرمال مخضّبة بالدماء، وأكوام جثث، وما يدل على وجود قبور جماعية دفنت بها جثث الضحايا بعد حرقها. لا بد من المحاسبة عن هذه الأفعال، واتخاذ خطوات عاجلة للحيلولة دون حدوثها مرة أخرى.رسالة إنذار بالمحاسبةإن فرض عقوبات على قيادات قوات الدعم السريع الذين يُشتبه بضلوعهم في أعمال القتل الجماعي والعنف الجنسي في الفاشر يرسل رسالة واضحة بأن كل من يرتكب فظائع سوف يُحاسَب عن أفعاله. وذلك يجسد التزام المملكة المتحدة بمنع ارتكاب مزيد من الفظائع.
كذلك سوف ترصد المملكة المتحدة مبلغا إضافيا قدره 21 جنيه إسترليني لتقديم حزمة من الدعم العاجل لمساعدة المجتمعات التي باتت على حافة الهاوية، لتوفير المواد الغذائية والماء النظيف والرعاية الصحية، وكذلك الحماية للنساء والأطفال في المناطق الأكثر تضررا بسبب العنف.
شريان الحياة هذا سوف يمكّن وكالات الإغاثة من الوصول إلى 150,000 شخص، وتوفير احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والرعاية الطبية والمأوى الطارئ، إلى جانب الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات في المستشفيات، ولم شمل العائلات التي فرقت شملها الحرب. وقد ارتفعت التزامات المملكة المتحدة بشأن المساعدات المقدمة هذه السنة إلى 146 مليون جنيه إسترليني، الأمر الذي يجسد التزامنا الراسخ بالوقوف مع الشعب السوداني وتلبية الاحتياجات الإنسانية.ضغط لإنهاء الحربتضغط المملكة المتحدة على جميع الأطراف لإنهاء الحرب وحماية المدنيين، وأدانت مرارا وتكرارا العنف الذي ترتكبه قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا مقدما بقيادة المملكة المتحدة أدان الفظائع، وحشد الإجماع الدولي حول التكليف بإجراء تحقيق عاجل في الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر.
والتزامنا يذهب إلى أبعد من الدبلوماسية: حيث تقدم المملكة المتحدة الدعم الفني لآليات العدالة الدولية والمحاسبة، كما استثمرنا هذه السنة 1.5 مليون جنيه إسترليني في مشروع ’شاهد السودان‘ لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها الاعتداءات على المدنيين، والتحقق منها وتوثيقها.
كما نبحث إمكانية فرض مزيد من العقوبات في سياق جهودنا لإنهاء الحصانة من العقاب، ولنبيّن بأن من يرتكبون الفظائع سوف يُحاسبون.وضع إنساني متدهورالمملكة المتحدة تعجّل في استجابتها للأزمة التي تزداد عمقًا في السودان – وتعمل بكل حزم لإنقاذ الأرواح. فالوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ في العالم، حيث 30 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة. كما اضطر 12 مليون آخرين للنزوح عن ديارهم. وانتشرت المجاعة والأمراض التي يمكن تفاديها.
كذلك نحو 5 ملايين لاجئ سوداني فروا من البلاد إلى المنطقة. بعضهم يواجهون خطر وقوعهم فريسة للمهربين وعصابات التهريب. والمملكة المتحدة تقدم الدعم للاجئين في المنطقة للمساعدة في إثنائهم عن الشروع برحلات محفوفة بالخطر.
ندعو جميع أطراف الصراع للسماح بمرور موظفي الإغاثة الإنسانية والإمدادات والمدنيين المحاصرين بلا عقبات.

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء العراق: نجحنا في تجنيب البلاد تداعيات الصراعات بالمنطقة
  • مسؤولة ألمانية تبحث مع مناوي وقفاً فورياً لإطلاق النار وتدين انتهاكات الفاشر
  • فرض عقوبات على قادة الدعم السريع السوداني
  • مصرع مواطن سوداني بنيران الدعم السريع في كردفان
  • انتهاكات وحشية..حاكم دارفور: أولويتنا حماية المواطنين من اعتداءات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • المملكة المتحدة تعلن فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع