قصة صمود فلسطينيي أم الخير بالضفة في وجه التهجير
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
الخليل – بقدر ما شكلت نكبة عام 1948 من مآس للفلسطينيين، فإنها كانت في ذات الوقت درسا تعلموا منه معنى وعواقب اللجوء، وتعاهدوا على عدم تكراره، وهذا كان ماثلا في رفض فلسطينيي غزة كل أشكال الترهيب والترغيب في حرب الإبادة لمغادرة فلسطين.
وهكذا في الضفة الغربية، فإن ضحايا النكبة من اللاجئين يصرون على عدم تكرار المحنة، كما يجري اليوم في خربة أم الخير وهي قرية صغيرة بمسافِر يطّا جنوبي الضفة، حيث يتعرض سكانها لمختلف أشكال الترهيب لكنهم يصرون على البقاء.
ينحدر سكان الخربة وهم من عشيرة عرب الهذالين البدوية، من منطقة عراد المحتلة عام 1948، ومع النكبة حطت رحالهم في الصحراء الشرقية للضفة الغربية، قبل أن يستقر بهم المقام بموقعهم الحالي في أرض اشتروها من سكان بلدة يطا، جنوب الخليل.
لكن المعاناة تجددت عام 1982 مع إقامة مستوطنة كرمئيل بمحاذاة مساكن العائلات الفلسطينية، ومنذ ذلك التاريخ يدفعون مختلف الأثمان نظير بقائهم وعدم قبولهم بتكرار سيناريو التهجير، وازدادت الأمور سوءا بإقامة بؤرة استيطانية مؤخرا فوق أراضي الخربة.
في حديثه للجزيرة نت يقول ياسر الهذالين، أحد المخطَرين بهدم مساكنهم منذ أسبوع، إن الحياة ظلت طبيعية للسكان ويتجولون بحرية بين المراعي ويعودون إلى الخربة، حتى إقامة المستوطنة التي لا يفصلهم عنها سوى أسلاك شائكة، ثم تضاعفت المعاناة مع بدء الإبادة على غزة بإقامة بؤرة أخرى وسط الخربة حرمتهم حتى من الحركة على أطرافها.
عن تجربته الشخصية، يقول الهذالين (55 عاما) إن الاحتلال هدم منزله أول مرة عام 2007، وكان حينها يؤوي عائلته المكونة من 18 فردا بمن فيهم زوجتاه وأطفاله وكان أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاما.
إعلانوفي يونيو/حزيران 2024 خسر الهذالين مرة ثانية كل ما أعاد بناءه بعد هدم 2007، بما في ذلك منزلا زوجتيه المبنيان من الخرسانة وكرفانات (غرف متنقلة) تستخدم كمطابخ وحمامات.
ومنذ ذلك التاريخ يقيم هو وأبناؤه وأحفاده -ويزيد عددهم اليوم عن 27 فردا- في مساكن من الزينكو والشوادر البلاستيكية حتى جاء جيش الاحتلال منذ أيام وسلمه إخطارات بهدم المأوى الجديد ضمن 14 إخطارا استهدفت 12 منها مساكن في الخربة.
ما يجري مع الهذالين وعائلات أم الخير هدفه ترحيلهم، وفق الهذالين، الذي شدد على أنه خيار مرفوض، رغم كل أشكال التضييق التي تضاعفت بالتزامن مع حرب الإبادة على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوضح أن السكان اعتادوا على تربية الثروة الحيوانية والزراعة، لكنهم الآن لا يستطيعون مغادرة بيوتهم ولا تغادر أغنامهم حظائرها بسبب التهديد المستمر والاستيلاء على المراعي والأراضي الزراعية.
وذكر أنه كان يملك قبل الحرب 100 رأس من الأغنام باع أغلبها لعدم قدرته على إطعامها وأبقى على 30 رأسا منها فقط، مضيفا "كلنا تحت خط الفقر، حتى الموظفين الحكوميين بلا رواتب بسبب الأزمة المالية للسلطة".
يشير الهذالين إلى 20 عملية هدم تعرضت لها الخربة، مع أن المساكن مقامة على أرض خاصة بها كهوف كانت مسكونة على مر العصور ويملك أصحابها وثائق رسمية بملكيتها.
ويوضح أن عمليات الهدم تتم عادة تحت أعذار مختلفة كالبناء دون ترخيص مع أنه إجراء من المستحيل الحصول عليه، أو مصادرة الأراضي بقرارات عسكرية وتحت مسميات أمنية أو تحويلها إلى أملاك دولة.
يكشف الهذالين عن سر البقاء والصمود رغم قساوة الحياة "صحيح أننا نعيش حياة صعبة لكننا نتقبلها، لقد تم تهجير آبائنا وأجدادنا أول مرة في النكبة، وعشنا في الجبال لسنوات واعتدنا على هذه الصعوبة ويمكننا العيش في العراء حتى بدون خيمة على أن نكرر الهجرة".
من جهته، يوضح رئيس المجلس المحلي بخربة أم الخير خليل الهذالين، في حديثه للجزيرة نت أن قرابة 400 نسمة، أكثر من نصفهم من الأطفال، يدفعون ثمن بقائهم في الخربة رغم كل التهديدات والملاحقات والحصار الخانق.
وقال إن إخطارات الهدم الأخيرة لم تقتصر على المساكن، بل طالت مركزا مجتمعيا يقام على نحو 4 آلاف متر مربع، يضم مرافق متعددة بينها مقر المجلس المحلي وروضة للأطفال وغيرهما.
وفق تقديره فإن توزيع إخطارات الهدم، التي شملت منشآت أسهمت في بنائها جهات أوروبية، جاءت انتقاما من سكان الخربة بعد نجاحهم في استصدار أمر قضائي من محاكم الاحتلال بإزالة بؤرة استيطانية استُحدثت بمحاذاة مساكنهم وعلى أراضيهم خلال الحرب.
يشير الهذالين إلى منع الكهرباء والمياه عن الخربة وغياب الخدمات الصحية إلا من عيادة ليوم واحد في الأسبوع.
وكشف عن تراجع تربية الماشية بالخربة من حوالي 4 آلاف رأس قبل الحرب، إلى نحو 1500 رأس اليوم نظرا لانعدام المراعي وعدم قدرة السكان على توفير البدائل في ظل غياب دعم حقيقي يساعدهم على الاستمرار في تربيتها.
إعلانوشدد على أن الهدف الرئيس لكل تلك الإجراءات ترحيل وتهجير السكان وهو ما يرفضونه بشدة.
لا يمكن الحديث عن خربة أم الخير دون الإشارة إلى وجوه بارزة شكلت رمزا لصمود السكان، منها الشهيد وأيقونة المقاومة الشعبية المسن سليمان الهذالين الذي استشهد في يناير/كانون الثاني 2022 جراء دهسه من قبل مركبة إسرائيلية خلال احتجاج سلمي على اقتحام الخربة.
أما الثاني فهو المعلم والناشط الحقوقي عودة الهذالين، أحد المساهمين عام 2019 في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل عام 2025، واستشهد في 28 يوليو/تموز 2025 برصاص مستوطن إسرائيلي قرب منزله أثناء تصديه لحفريات تمهد لإقامة بؤرة استيطانية في الخربة.
كما رحل عن القرية في فبراير/شباط 2023 المسن شعيب الهذالين، متأثرا بجلطة دماغية أصيب بها أفقدته النطق والقدرة على الحركة، خلال عملية هدم لمنزله كانت السادسة التي يتعرض لها وذلك عام 2014.
وعرف عن ثلاثتهم مقارعته الزحف الاستيطاني وتعزيز صمود السكان ورفض كل محاولات التهجير، رغم الثمن الذي كانوا يدفعونه بما في ذلك عمليات الملاحقة والاعتداء بالضرب، لكنهم رحلوا دون أن يستسلموا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات حريات أم الخیر
إقرأ أيضاً:
رغم وقف إطلاق النار.. 78 انتهاكا إسرائيليا ضد الصحفيين بالضفة وغزة
وثق مركز مدى الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية 83 انتهاكا ضد الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بارتفاع بلغ 17% عن شهر أيلول/سبتمبر الذي سبقه (72 انتهاكا).
وارتكبت إسرائيل معظم الانتهاكات بواقع 78 اعتداء، في حين سجّل المركز 4 اعتداءات على الصحفيين من جهات فلسطينية مختلفة في الضفة الغربية، وانتهاكا واحدا من شركات التواصل الاجتماعي بحق محرر الجزيرة إسماعيل أبو عمر، حيث أزال تطبيق واتساب المملوك لشركة "ميتا" حسابه بشكل نهائي بزعم مخالفة شروط النشر على قناته التي يتابعها أكثر من 20 ألف شخص.
وقال المركز إن عدد الانتهاكات ارتفع رغم توقف حرب الإبادة على قطاع غزة، ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصُنف معظمها ضمن الاعتداءات الخطيرة على الحريات الإعلامية.
حرضت عليه آلة الاحتلال الإعلامية وهددته الخارجية الإسرائيلية، فقتلته المليشيات بعد يومين من توقف الحرب على القطاع.. عن الصحفي صالح الجعفراوي، ابن مدينة غزة pic.twitter.com/qxOiMM9rIr
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 12, 2025
غزة.. 3 شهداء ودمار هائل بمنازل الصحفيينوفي 12 أكتوبر/تشرين الأول استشهد الصحفي صالح الجفراوي برصاص مسلحين في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، وهو أول صحفي قضى نحبه بعد إعلان وقف إطلاق النار.
وشنّت إسرائيل في الـ19 من الشهر ذاته عشرات الغارات الجوية على غزة بزعم استهداف "مواقع تابعة لحماس"، وأصابت إحدى الغارات المقر الرئيسي لشركة فلسطين للإنتاج الإعلامي (PMP) وسط غزة، مما أسفر عن استشهاد مهندس البث أحمد أبو مطير وإصابة المصور إسماعيل جبر.
واستشهد المحرر والصحفي في صحيفة فلسطين محمد المنيراوي خلال قصف إسرائيلي استهدف خيمته التي نزح اليها قبل نحو شهرين في مخيم النصيرات وسط القطاع، في الـ29 من الشهر الماضي.
إعلانوتمكن 15 صحفيا في القطاع من الكشف عن مصير منازلهم التي قامت قوات الاحتلال بهدمها أو قصفها بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، في حين حرّض الناطق باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني على الصحفي معتصم دلول عبر منشور على منصة إكس ووصفه بأنه إرهابي وكاذب في تغطيته الإعلامية.
وبلغت حصيلة الانتهاكات ضد الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة 24 انتهاكا.
ولا يزال الحظر الإعلامي الإسرائيلي أمام دخول الصحفيين الدوليين إلى القطاع ساريا منذ بدء الحرب، تاركا الصحفيين المحليين المنهكين شهودا وحيدين لتغطية التطورات الحرجة، مما أثار مخاوف بشأن الشفافية وعرقل مساعي المجتمع الدولي إلى تقييم الوضع على الأرض بشكل مستقل.
الاحتلال يستهدف مركبات بث تابعة لشركة إنتاج إعلامي وسط غزة ما أدى إلى تلفها واستشهاد مهندس البث وطفل حسب الصحة الفلسطينية في غزة #حرب_غزة pic.twitter.com/BaTJXGV5LP
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 20, 2025
الضفة الغربية.. اعتداءات واعتقالاتووقعت معظم انتهاكات قوات وسلطات الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين خلال الشهر الماضي (54 انتهاكا) خلال تغطية موسم حصاد الزيتون، حيث اعتدت مجموعات من المستوطنين على الفلسطينيين ومنعوهم من الوصول لأراضيهم تحت حماية جنود الاحتلال، ووثق المركز إصابة 8 صحفيين بالرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز لمنعهم من تغطية فعاليات مختلفة في الضفة، فضلا عن حالات الاعتقال.
وحتى لا تصل هذه المشاهد إلى العالم، يقوم الاحتلال بالاعتداء على الطواقم الصحفية ويجبرها على مغادرة مواقع هذه الأحداث والقرى التي يجري حصارها بكل الطرق.
ووفي الـ10 من الشهر الجاري هاجم مستوطنون إسرائيليون مزارعين فلسطينيين أثناء حصادهم الزيتون في بلدة بيتا جنوبي محافظة نابلس، وأشعلوا النار في سياراتهم بما في ذلك سيارة مصور وكالة فرانس برس جعفر اشتية الذي تعرض للضرب ونُقل للمستشفى.
مستوطنون يهاجمون -رفقة قوات الاحتلال- المزارعين ببلدة بيتا جنوب #نابلس في #الضفة_الغربية وإصابة الصحفي وهاج بني مفلح
لمتابعة آخر التطورات: https://t.co/3LdaIZW8Zv pic.twitter.com/OWAzH2dm8t
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) October 10, 2025
وخلال تغطية الهجوم أصيب وهاج بني مفلح من شبكة قدس الإخبارية وسجى العلمي من تلفزيون الغد جراء استنشاق الغاز والقنابل الصوتية، كما تعرّض يزن حمايل من تلفزيون الفجر للضرب.
وفي اليوم التالي (11 أكتوبر/تشرين الأول) مددت السلطات الإسرائيلية إغلاق مكتب قناة الجزيرة في رام الله لمدة 60 يوما للمرة السابعة بدعوى "التحريض والمساعدة على أعمال الإرهاب".
وفي الـ12 من الشهر الجاري أصدرت إسرائيل أو جدّدت أوامر الاعتقال الإداري بحق 60 فلسطينيا بينهم الصحفيان في الضفة الغربية محمد منى وسامر خويرة.
October 19, 2025. On the first day of the olive harvest in Turmus'ayyer, the Israeli Defense Force leads a group of farmers directly into a brutal ambush by armed settlers. These people need to be in prison by tomorrow, and the people of this village, and all across Palestine,… https://t.co/i4PbG9jn4j pic.twitter.com/i67CjLB2gg
— jasper nathaniel (@infinite_jaz) October 19, 2025
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول أصيب الصحفي الأميركي المستقل جاسبر ناثانيال بالحجارة عندما هاجم مستوطنون إسرائيليون فلسطينيين كانوا يحصدون الزيتون ببلدة ترمسعيا في رام الله.
إعلانوقال ناثانيال للجنة حماية الصحفيين إنه صرخ مرارا وتكرارا "صحافة.. أميركي" أثناء هربه من المستوطنين الذين كانوا يطاردونه هو والفلسطينيين، لكن صرخاته قوبلت بالتجاهل.
وأشار "مدى" إلى قيام جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني باعتقال الصحفي سامي الساعي خلال تواجده في أحد شوارع مدينة طولكرم، واستُدعي للنيابة العامة بتهمة "إثارة النعرات الطائفية" على خلفية منشور على موقع فيسبوك، وقال إن الصحفي تعرض للضرر والإهانة وإساءة المعاملة، إذ قُيّدت يداه للخلف على نحو مؤلم ومهين، وأُفرج عنه بكفالة شخصية بعد اعتقال دام ثلاثة أيام.