يعيشون فوق الموت وتحت القصف.. نازحون يحتمون بالمقابر هرباً من رعب الحرب
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
البلاد (غزة)
في مشهد يلخص عمق المأساة الإنسانية في غزة، تتقاطع الحياة والموت في مكان واحد، فبين القبور، في مقبرة بخان يونس جنوب القطاع، تتدلى سجادة صلاة على حبل غسيل، ويزحف طفل صغير بكرسي متحرك يدفع أمامه غالون ماء، بينما يتصاعد دخان الطهي من بين شواهد القبور. هنا يعيش عشرات الفلسطينيين النازحين الذين لم يجدوا مأوى سوى مقابر الموتى.
تقول بريكة،وهي أم فقدت منزلها في قصف إسرائيلي على حيّها بخان يونس وفقاً للعربية، إنها اضطرت مع أسرتها إلى نصب خيمتهم بين القبور بعد أن دُمّر منزلهم بالكامل، مشيرةً إلى أنهم لا يستطيعون العودة لأن القوات الإسرائيلية لا تزال تحتل المنطقة. وتضيف بنبرة تعب ممزوجة بالأسى: “نشعر أننا ننتهك حرمة الموتى، لكن ليس أمامنا مكان آخر نلجأ إليه”.
من بين جيرانها أحمد أبو سعيد، الذي كُتب على شاهدة قبره أنه توفي عام 1991 عن عمر 18 عاماً. وبينما يحاول الأحياء التأقلم مع مكانهم الجديد، يبقى الخوف سيد الموقف. يقول محمد شما، الذي يعيش في المقبرة منذ ثلاثة أشهر بعد تدمير منزله: “أنا رجل بالغ، ومع ذلك أشعر بالخوف من القبور ليلاً.. أختبئ في خيمتي حتى الفجر”.
ويجلس شما على شاهد قبر مكسور متذكراً يوم لجأ إلى هذا المكان ولم يكن يملك سوى 200 شيكل، استعان بها لنقل عائلته إلى المقبرة. أما زوجته حنان شما، فتغسل أوانيها في وعاء صغير وتحاول حفظ كل قطرة ماء، وتقول: “الحياة هنا مليئة بالخوف والرعب، لا نوم ولا راحة.. نعيش فوق الموت وتحت القصف”.
لكن حتى بين الأموات، لا يوجد مأمن. فقد وثّقت الأمم المتحدة وجهات مراقبة قصف مقابر عدة في غزة خلال الحرب، بينما تزعم إسرائيل أن بعض المقابر تُستخدم من قبل حماس كمواقع عسكرية، ما يجعلها “تفقد الحماية” بموجب القانون الدولي، بحسب قولها.
ومع وقف إطلاق النار المؤقت، تحولت المقابر أيضاً إلى ساحات لدفن جثث جديدة تُنتشل من تحت الركام، بعضها يُوارى الثرى تحت الرمل دون ألواح حجرية، ويُعلَّم بأحجار بسيطة. وقد ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 68 ألفاً و800، فيما لا تزال فرق الإنقاذ والعائلات تبحث بين الأنقاض عن المفقودين.
يقول شما في نهاية حديثه بصوت متعب: “الهدنة لم تغيّر شيئاً.. ما زلت أعيش في المقبرة، بلا بيت، بلا أمل.. بين الأموات فقط وجدت مكاناً للحياة”.
هكذا تحولت المقابر في غزة إلى مأوى قسري للأحياء، في مشهد يختصر حجم الألم الإنساني الذي تركته الحرب، حيث أصبح الموت أرحم من النزوح، والمقبرة آخر ملجأ للحياة.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
نسف مبانٍ في خان يونس.. إسرائيل تجدد القصف على غزة
البلاد (خان يونس)
جددت القوات الإسرائيلية قصفها على مناطق متفرقة من قطاع غزة، فجر الأحد، مستهدفة شرق خان يونس وعدداً من أحياء مدينة غزة، وذلك بعد ساعات من إعلان تل أبيب أن الجثث التي تسلمتها من حركة حماس لا تعود إلى الأسرى الإسرائيليين، الذين فقدوا خلال حرب أكتوبر 2023.
ونفذ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف مدفعي مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، بالتزامن مع عمليات نسف متتالية للمباني السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث دوّت انفجارات عنيفة ناجمة عن تفجير منازل بالكامل.
ويأتي هذا التصعيد عقب إعلان الجيش الإسرائيلي أن الجثث الثلاث التي استلمها من الجانب الفلسطيني لا تعود لأي من الأسرى الإسرائيليين. في المقابل، أوضحت كتائب القسام – الجناح العسكري لحماس– أنها سلّمت”عينات من جثامين مجهولة الهوية” بطلب من الجانب الإسرائيلي، مؤكدة استعدادها لاستكمال عمليات البحث داخل المناطق الواقعة على طول الخط الأصفر، ضمن بنود اتفاق غزة.
واتهم المتحدث باسم حماس حازم قاسم إسرائيل بالتهرب من تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تنص على إنهاء ملف الجثامين واستئناف إجراءات تثبيت الهدنة.
ويُعد هذا التطور حلقة جديدة في التوترات الميدانية والسياسية التي تشهدها غزة منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، الذي ينص على تبادل الجثث بين الجانبين، بمعدل إعادة إسرائيل 15 جثماناً لفلسطينيين مقابل كل جثة لإسرائيلي تسلمها حماس.
ووفق المعطيات الأخيرة، أعادت حماس حتى الآن جثث 17 من أصل 28 أسيراً كانوا محتجزين لديها، فيما لا تزال جثث 10 آخرين – إضافة إلى جندي مفقود منذ حرب 2014 – داخل القطاع.
يأتي التصعيد الإسرائيلي في وقت يواصل فيه الوسطاء الدوليون جهودهم لتثبيت وقف النار وإطلاق المرحلة الثانية من الاتفاق، وسط تحذيرات من انهيار الهدنة وتدهور الوضع الإنساني في غزة، الذي ما زال يواجه شحّاً حاداً في الإمدادات الأساسية، وانقطاعاً متكرراً في المياه والكهرباء.