العالم على أعتاب سباق تسلح نووي جديد.. تفكك الاتفاقيات وتصاعد التوترات
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
قال بريت ماكغورك، محلل الشؤون العالمية في شبكة CNN، وأحد كبار مسؤولي الأمن القومي السابقين في إدارات بوش وأوباما وترامب وبايدن، أن العالم يقف اليوم على أعتاب مرحلة نووية جديدة تتسم بتصاعد المخاطر وعودة سباق التسلح بين القوى الكبرى بعد عقود من الاستقرار النسبي.
وذكر أنه في صيف 2022، رافق الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن إلى قمة في السعودية مع قادة من الشرق الأوسط، وخلال الجلسة، سأله أحد الحاضرين عن القضية التي تبقيه مستيقظا ليلا، فأجاب دون تردد: "الحرب النووية".
كانت إجابته صادمة لأن الخطر النووي بدا لعقود أمرا من الماضي، لكن مع اشتعال الحرب الروسية في أوروبا، وتراجع اتفاقيات الحد من التسلح، وصعود الذكاء الاصطناعي، وسباق التسلح مع الصين، بات الخطر يعود تدريجياً إلى الواجهة.
وفي مقابلة لاحقة مع شبكة CNN، قال بايدن إن "سوء تقدير روسي في أوكرانيا قد ينتهي بكارثة"، رغم تأكيده أن المخاطر لا تزال منخفضة، لكن التطورات الأخيرة أظهرت عكس ذلك: ففيلم "بيت الديناميت" الذي تصدّر نتفليكس يعكس هاجس العالم من الكارثة النووية، فيما أشرف فلاديمير بوتين مؤخرا على مناورات تضمنت اختبار صواريخ قادرة على ضرب أي موقع في العالم.
وردّ الرئيس دونالد ترامب بإصدار أمر بإعادة استئناف التجارب النووية الأمريكية بعد توقف دام ثلاثة عقود، لترد موسكو بالتهديد بالمثل.
تفكك معاهدات التسلح
منذ نهاية الحرب الباردة، شكّلت اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية أساسًا للاستقرار بين واشنطن وموسكو. أبرزها معاهدة "ستارت" التي وُقعت عام 1991، لتخفيض الترسانات النووية تحت رقابة متبادلة. جُددت لاحقًا في 2010 تحت اسم "ستارت الجديدة"، ومددها بايدن خمس سنوات إضافية حتى شباط/فبراير 2026.
لكن مع اندلاع حرب أوكرانيا، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها، ومنعت دخول المفتشين الأمريكيين. والآن، ومع قرب انتهاء المعاهدة وعدم وجود مفاوضات لتجديدها، يواجه العالم خطر انتهاء آخر اتفاق نووي قائم بين القوتين العظميين.
ويشير ماكغورك إلى أن نفور ترامب من الاتفاقيات الدولية يزيد احتمال انهيار نظام ضبط التسلح، ما قد يعيد العالم إلى سباق تسلح غير مسبوق، إذ تمثل روسيا والولايات المتحدة معًا نحو 90 بالمئة من الترسانة النووية العالمية، ومع تصاعد التهديدات، بدأت دول أخرى بإعادة النظر في استراتيجياتها، فكوريا الجنوبية تناقش امتلاك سلاح نووي خاص بها، بينما لمحت السعودية أكثر من مرة إلى احتمال السعي لسلاح نووي في حال امتلكته إيران، بل وقّعت مؤخرًا اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان النووية.
دخول الصين على خط سباق التسلح
لم تُشارك الصين يومًا في اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تتوسع ترسانتها بسرعة غير مسبوقة. وبحسب مجلة علماء الذرة، تمتلك بكين حاليا نحو 600 رأس نووي، وتزيد مخزونها بنحو 100 رأس سنويا، مع هدف متوقع للوصول إلى 1500 رأس بحلول عام 2035، لتصبح القوة النووية الثالثة الكاملة بعد الولايات المتحدة وروسيا.
وترى بكين أن مخزونها لا يزال متواضعًا مقارنة بالقوتين الكبيرتين، لكن هذا الموقف يقوض روح معاهدة حظر الانتشار النووي ويهدد استقرار الردع الاستراتيجي، ومع دخول الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات العسكرية وعمليات القيادة والسيطرة، تصبح احتمالات سوء التقدير أكثر خطورة، خاصة أن الأنظمة الذاتية تقلص زمن اتخاذ القرار في الأزمات النووية.
في العام الماضي، اتفق بايدن والزعيم الصيني شي جينبينغ خلال لقائهما في كاليفورنيا على ضرورة "إبقاء القرار النووي بيد الإنسان"، لكن ماكغورك يحذر من أن هذا المبدأ، رغم أهميته، غير محكوم بأي اتفاق رسمي، ما يجعله هشًا في ظل تسارع التطور التكنولوجي.
تصاعد التوتر النووي حول أوكرانيا
لا تزال أوكرانيا بؤرة الخطر الأكبر، فالأسبوع الماضي، أجرى بوتين مناورات تضمنت إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، في استعراض جديد للقوة. وردّ ترامب بإرسال غواصات نووية نحو روسيا، مع الإيعاز بتجديد التجارب النووية.
ترى موسكو أن هذه المناورات "روتينية"، لكن التوقيت يوحي بضغط سياسي بعد فشلها في تحقيق مكاسب ميدانية، ما أعاد استخدام التهديد النووي كورقة تفاوضية.
وفي شباط/فبراير 2024، حذر بوتين من أن "دول الناتو الداعمة لأوكرانيا تخاطر بإشعال صراع نووي يؤدي إلى فناء الحضارة"، بينما صرح نائبه ديمتري ميدفيديف بأن استمرار الدعم الأمريكي "قد يقابل بضربة نووية".
ويوضح ماكغورك أن ترامب تعامل مع هذه التصريحات على أنها "ابتزاز سياسي"، لكنه أبقى القنوات الدبلوماسية مفتوحة سعيا لوقف النار في أوكرانيا، ومع ذلك، يرى أن تبادل الخطابات الحادة والمناورات المتزامنة يفاقم خطر الانزلاق غير المقصود نحو مواجهة نووية.
الحاجة إلى ردع ودبلوماسية
يشير ماكغورك إلى أن مؤشر "ساعة يوم القيامة" الذي يقيس خطر الكارثة النووية بات في أقرب نقطة منذ تأسيسه عام 1947، ما يعكس تزايد القلق العالمي.
ويؤكد أن ترامب محق في إبراز أهمية الردع النووي وضمان تفوق الترسانة الأمريكية، لكنه يرى أن العودة إلى التجارب التفجيرية "خطأ جسيم"، لأنها ستدفع روسيا والصين إلى فعل الشيء ذاته، وتقوّض ما تبقى من نظام منع الانتشار.
ويضيف أن الولايات المتحدة لم تجرِ أي تجربة نووية منذ عام 1992، ولا حاجة لإجرائها الآن، إذ يمكن اختبار الأنظمة النووية الحديثة بوسائل محاكاة متقدمة، وبدلا من سباق الاختبارات، يمكن لواشنطن الدفع نحو مصادقة مجلس الشيوخ على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، شرط أن تفعل الصين وروسيا الشيء نفسه. تلك الخطوة كما يقول ستكون أكثر فاعلية وربما "تستحق جائزة نوبل للسلام" أكثر من أي استعراض عسكري جديد.
ويرى ماكغورك أن الحفاظ على الردع النووي هو ما أبقى السلام العالمي قائمًا طوال 75 عامًا، ويجب أن يستمر ذلك مع تحديث الترسانة الأمريكية وضمان تفوقها التقني، لكنه يشدد على أن العالم بحاجة اليوم إلى "ترتيبات ومعايير جديدة"، خصوصاً في ظل دخول الذكاء الاصطناعي ساحة القرار العسكري.
ويقترح توسيع مظلة الردع الأمريكية لتشمل دولا حليفة خارج أطر الدفاع التقليدية مثل السعودية ودول الخليج، مع ضمان منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لتقليل الحاجة إلى توسع نووي جديد في المنطقة، كما يدعو إلى حوار دولي جديد يضع قيودا واضحة على استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة القيادة والسيطرة النووية.
يخلص بريت ماكغورك في تحليله إلى أن العالم يدخل مرحلة غير مسبوقة من المخاطر النووية، تتسم بتفكك الاتفاقيات، وتسارع سباق التسلح، وتداخل الذكاء الاصطناعي مع القرار العسكري.
ويرى أن الحل لا يكمن في سباق تجارب نووية جديدة، بل في دبلوماسية ذكية تعيد بناء الثقة وتُقيم نظاما حديثا للردع والسيطرة، قبل أن يُصبح سوء التقدير أو خلل في خوارزمية حاسوب شرارة حرب لا يمكن السيطرة عليها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية النووية الصين روسيا امريكا الصين روسيا النووي اخبار العالم المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی سباق التسلح
إقرأ أيضاً:
مقتل قيادي حوثي بارز في اشتباكات دامية غرب تعز.. وتصاعد التوتر ينذر بانفجار جديد
أعلن الجيش اليمني، الأحد، مقتل قيادي ميداني بارز في جماعة الحوثي، خلال مواجهات مسلحة مع قواته في محافظة تعز، جنوب غربي البلاد.
وذكر المركز الإعلامي لقوات الجيش في تعز أن القيادي الحوثي أبو علي الريمي، المشرف على منطقتي مفرق شرعب والستين، قُتل في معارك عنيفة اندلعت السبت في الجبهة الغربية للمدينة، فيما أُصيب جندي من القوات الحكومية خلال الاشتباكات.
وتشهد جبهات تعز بين حين وآخر اشتباكات متقطعة بين الجيش والحوثيين، وسط تصاعد المخاوف من تجدد القتال على نطاق أوسع في المحافظة الأكثر كثافة سكانية في اليمن.
يأتي ذلك بعد أسابيع من محاولة اغتيال فاشلة استهدفت العميد الركن عدنان رزيق، قائد اللواء الخامس حرس رئاسي، أسفرت عن مقتل اثنين من مرافقيه في هجوم مزدوج بعبوة ناسفة وقصف مدفعي غربي تعز.