تحويل أداء قسم اليمين إلى خطة عمل وطنية فعّالة
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
يُعدّ القسم الذي يُؤديه المسؤول في سلطنة عُمان أمام جلالة السلطان المُعظم لحظةً سامية تختزل معاني الولاء والانتماء والمسؤولية، وتؤكد التزام القائمين على شؤون الوطن وأرزاق المواطن، بخدمة الوطن والمواطن بإخلاصٍ وعدل.
غير أنّ هذا القسم- على سمو رمزيته- لا ينبغي أن يبقى مجرّد إجراءٍ بروتوكولي؛ بل يجب أن يتحوّل إلى منهج عملٍ وطنيٍّ واضح المعالم، يُجسّد مضامينه ويترجم كلماته إلى سلوكٍ إداريّ ووطنيّ ملموس.
وقد أوضحت المادة (50) من النظام الأساسي للدولة هذا المبدأ بجلاء؛ إذ نصّت على أنَّ رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء يؤدّون اليمين أمام جلالة السلطان قبل أن يتولوا صلاحياتهم، بالنص التالي:
"أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لسلطاني وبلادي، وأن أحترم النظام الأساسي للدولة وقوانينها النافذة، وأن أحافظ محافظةً تامةً على كيانها وسلامة أراضيها، وأن أرعى مصالحها ومصالح مواطنيها رعايةً كاملة، وأن أؤدي واجباتي بالصدق والأمانة".
هذا النص ليس مجرد افتتاحٍ رسمي للعهد الوزاري، بل هو وثيقة التزام وضمير دولة، لأنه يجمع بين المكونات الخمسة لأي حوكمة رشيدة: الولاء، والاحترام للنظام والقانون، وحماية الكيان الوطني، ورعاية المصلحة العامة، وأداء الواجب بأمانة. وهذه المبادئ الخمسة تمثل بوصلة العمل الوطني والشمال الحقيقي الذي يمكن ترجمته إلى إطارٍ استراتيجي للتنمية والإدارة العامة.
الأمانة التي يتعهد بها المسؤول يمكن ترجمتها إلى التزامٍ بالشفافية في الأداء الإداري، وتكامل المعلومات، وتعزيز المساءلة المؤسسية، بحيث يصبح العمل الحكومي مرئيًّا للمجتمع ومفتوحًا للتقييم. أمّا الإخلاص فيتجلّى في تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية أو الفئوية، وفي جعل خدمة الوطن غايةً لا وسيلة.
وأمّا احترام النظام الأساسي للدولة؛ فهو التزامٌ حقيقي بسيادة القانون، بحيث تُمارس السلطة وفق نصوص القانون وروحه، لا وفق الأهواء أو العلاقات أو الانتقائية في التطبيق. وعندما يتحول القسم إلى أداةٍ قيادية للتنمية الوطنية، يصبح أساسًا لتحويل مضامينه إلى خططٍ تنفيذية ومؤشرات أداءٍ قابلة للقياس، فلا يكتفى بالتعهدات العامة، بل يُبنى عليها نظام متكامل من المتابعة والتقييم يقيس الأداء بالنتائج لا بالأقوال، ويجعل القسم مرجعًا للأداء لا مجرد تعهدٍ لفظي.
إنّ التحويل الفعلي للقسم إلى منهج حياةٍ مؤسسية يبدأ ببناء ثقافةٍ إدارية تؤمن بأنّ المسؤولية تكليفٌ دائم وليست شرفًا مؤقتًا، فالمؤسسات الحكومية يمكن أن تُدرج القيم المستمدة من القسم ضمن لوائحها الداخلية وأنظمة تقييم الأداء والترقية، بحيث تُقاس النزاهة والالتزام الأخلاقي جنبًا إلى جنب مع الكفاءة الفنية، وعندما يُكافأ المسؤول على الأمانة كما يُكافأ على الإجادة التي تتمحور حول الدقة وسرعة الإنجاز، يتحول القسم من لحظة رمزية إلى سلوكٍ يوميّ متجذر في أداء الحكومة.
ومن زاوية الحوكمة، يمثل القسم أحد أعمدة الدولة المؤسسية؛ إذ يربط بين المسؤولية الفردية والمساءلة المؤسسية. فحين تُبنى السياسات العامة على أسس الولاء الصادق والشفافية، والكفاءة، تنشأ الثقة بين الحكومة والمجتمع، وتترسخ مصداقية الأجهزة الرسمية؛ فالمواطن حين يرى أن من أقسم أمام المقام السامي يفي بعهده، يدرك أن الولاء للوطن ليس شعارًا؛ بل ممارسة حقيقية وأن القسم ليس طقسًا بل منظومة التزامٍ ووفاءٍ وعملٍ منتج.
ولا يمكن إغفال البُعد الروحي والأخلاقي لهذا القسم أمام المقام السامي، فهو في جوهره وعدٌ أمام الله ثم أمام الوطن والسلطان والمواطن. ولذلك فإن تحويله إلى خطة عمل، يعني أن تتجذر في ضمير المسؤول رقابة ذاتية تسبق أي رقابة مؤسسية؛ فيدرك أن المنصب أمانة لخدمة الناس لا سلطةً للنفوذ، وأن الإخلاص للوطن يبدأ من إتقان الواجب اليومي لا من الشعارات العامة. وهنا يبدأ التحول الحقيقي: من الالتزام اللفظي إلى الإيمان العملي بالقيم الوطنية العليا.
كما أنّ المجتمع بدوره شريكٌ أساسي في مراقبة ترجمة القسم إلى واقعٍ ملموس، فالمساءلة المجتمعية تُكمل المساءلة الإدارية، إذ إن المواطن الواعي بحقوقه، القادر على التعبير عن رأيه بموضوعية عبر القنوات القانونية والإعلامية، يصبح عنصرًا فاعلًا في بناء الثقة الوطنية، ويحوّل العلاقة بين الحكومة والمجتمع إلى شراكة تنموية تقوم على الشفافية والاحترام المتبادل.
إنّ القسم الذي يؤديه المسؤول أمام جلالة السلطان المعظم هو لحظة عهدٍ وطنيٍّ شخصي، غير أنّ قيمته الحقيقية تُقاس بقدرته على إحداث أثرٍ إيجابيّ في واقع الإدارة والعمل العام، فحين يتحول إلى خطةٍ تنفيذية تتضمن مؤشراتٍ ومعايير وثقافةً مؤسسية، يصبح القسم أداةً لبناء دولةٍ حديثة متجددة في رؤيتها ومخلصةٍ في أدائها.
وفي الختام.. فإنّ القسم في سلطنة عمان لا ينبغي أن يكون طقسًا شكليًا، بل جوهر الحكم الرشيد وركيزة القيادة الأخلاقية للوطن، وتحويله إلى خطة عمل وطنية فاعلة هو تجسيدٌ للرؤية السامية التي ترسّخ دولة المؤسسات والقانون، وتجعل المسؤولية التزامًا أخلاقيًا ووطنيًا متواصلًا. وحين يلتزم المسؤول بما أقسم عليه قولًا وفعلًا، يتحقق الانسجام بين القيم والممارسة، وتترسخ الثقة بين الحكومة والمجتمع، وهكذا يظل القسم نبراسًا يوجّه الأداء العام، ويجعل من كل مسؤولٍ شريكًا في بناء الوطن تحت عين المواطن، ووفيًا لعهدٍ أدّاه أمام جلالة السلطان المعظم، ومخلصًا لأمانةٍ أقسم أن يصونها في كل وقتٍ ومقام.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأزمة داخل غرفة الملابس..أحمد أبو مسلم: ارتفاع عقود اللاعبين سبب تراجع أداء الأهلي
أبدى أحمد أبو مسلم، لاعب الأهلي السابق، استياءه من تراجع نتائج الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي خلال الفترة الأخيرة من بطولة الدوري المصري الممتاز، مشيرًا إلى أن ارتفاع عقود اللاعبين يعد أحد أبرز أسباب الأزمة التي يمر بها الفريق حاليًا.
وكان الأهلي قد تعادل سلبيًا أمام المصري البورسعيدي، مساء أمس، ضمن منافسات الجولة الثالثة عشرة من الدوري الممتاز، في نتيجة زادت من علامات الاستفهام حول مستوى الفريق وأدائه خلال المباريات الأخيرة.
في تصريحات إذاعية عبر راديو ميجا إف إم، قال أبو مسلم:"هناك مشاكل كبيرة داخل النادي الأهلي، أبرزها ارتفاع عقود اللاعبين، ما جعل البعض ينظر إلى زملائه داخل الفريق، وأفقد الإدارة السيطرة على غرفة الملابس".
وأضاف:"الأهلي يعاني بشكل واضح في خط الدفاع بعد رحيل الثنائي محمد عبد المنعم ورامي ربيعة، كما أن أشرف داري لم يقدم الإضافة المطلوبة بسبب إصاباته المتكررة."
وأشار إلى أن الفريق يواجه أيضًا أزمة في مركز الظهيرين الأيسر والأيمن، مؤكدًا أن "الأهلي بحاجة لمنح محمد شكري فرصة المشاركة أساسيًا، خصوصًا بعد رحيل علي معلول والدبيس، لأن الفريق أصبح يفتقد الاستقرار في هذه الجبهة."
وتطرق أبو مسلم إلى الأداء الهجومي للفريق، قائلًا:"الصفقات الهجومية لم تكن موفقة، فالمهاجم جراديشار لا يرقى لمستوى النادي الأهلي ويعاني من نواقص فنية واضحة، كما أن إهدار الفرص المتكرر نتيجة تدعيمات غير مناسبة بعد رحيل وسام أبو علي."
وأضاف:“يجب مقارنة أداء مهاجمي الأهلي الحاليين بما يقدمه فيستون مايلي مع بيراميدز، لتدرك أن الأزمة الحقيقية ليست في الجهاز الفني، بل في مستوى اللاعبين الحاليين.”
كما تطرق نجم الأهلي السابق إلى أزمة بعض اللاعبين نفسيًا، مؤكدًا أن "تراجع مستوى أفشة وديانج يعود إلى أسباب نفسية، بسبب شعورهم بالتهميش من جانب الجهاز الفني."
وأوضح أنه يجب منح الفرصة للاعبين الشباب قائلاً:"لابد من إشراك محمد عبد الله بدلاً من زيزو، والاعتماد على العناصر الصاعدة كما كان يفعل مانويل جوزيه، حين استبعد أسماء كبيرة مثل حسام غالي لإفساح المجال أمام لاعبين شباب مثل حسام عاشور."
واختتم أبو مسلم تصريحاته بالتأكيد على أن أزمة الأهلي الحالية فنية وإدارية داخل غرفة الملابس، وليست مرتبطة بالجهاز الفني فقط، مشيرًا إلى ضرورة إعادة الانضباط والعدالة داخل الفريق، حتى يستعيد الأهلي شخصيته وهيبته المعروفة في الملاعب.